حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا
فرحم الله الإمام الغزالي عندما جلس ذات مرة ليعاتب نفسه ، فكتب هذا الكلام:
اعلم بأن نفسك قد خلقت أمارة بالسوء .. ميالة للشر .. فرارة من الخير.
فلابد أن تقودها بسلاسل القهر لعبادة ربها وخالقها وأن تفطمها عن لذاتها ... فإنك إن أهملتها جمحت وشردت ولم تظفر بها بعد ذلك ...
وإن لازمتها بالتوبيخ والمعاتبة ،كانت نفسك هي النفس اللوامة التي أقسم الله بها ،ورجوت أن تصير النفس المطمئنة المدعوة إلى أن تدخل في زمرة عباد الله راضية مرضية.
فلا تغفلن ساعة عن تذكيرها ومعاتبتها.
ويحك يا نفس:
مالك تفرحين وتنشغلين باللهو وأنت مطلوبة للخطب الجسيم - فأراك ترين الموت بعيدا ويراه الله قريبا -
ويحك يا نفس:
إن كنت جريئة على معصية الله لاعتقادك ان الله لا يراك ،فما أعظم كفرك وإن كان مع علمك باطلاعه عليك ،فما أشد وقاحتك وأقل حياءك.
ويحك يا نفس:
لو واجهك أخ من إخوانك بما تكرهينه ،كيف كان غضبك عليه ،ومقتك له؟؟
فبأي جسارة تتعرضين لمقت الله وغضبه ،وشديد عقابه.
أفتظنين انك تطيقين عذابه ؟هيهات هيهات.
جربي نفسك.
قربي إصبعك من النار ليتبين لك قدر طاقتك ،أم تغترين بكرم الله وفضله ،واسغنائه عن طاعتك وعبادتك؟؟!!
ويحك يا نفس:
ماأعجب نفاقك ،ودعاويك الباطلة !! فإنك تدعين الإيمان بلسانك ،وأثر النفاق ظاهر عليك.
ويحك يا نفس:
أما تستعدين للشتاء بقدر مدته ؟فتجمعين له القوت والكسوة والحطب وجميع الأسباب ،ولا تتكلين في ذلك على فضل الله وكرمه ،حتى يدفع عنك البرد فإنه قادر على ذلك.
أفتظنين أيتها النفس أن زمهرير جهنم أخف بردا وأقصر مدة من زمهرير الشتاء ؟أفتظنين أن ذلك دون هذا ؟كلاّ أن يكون هذا كذلك ، أو أن يكون بينهما مناسبة في الشتاء والبرودة.
فكما يندفع برد الشتاء بالجبة والنار وسائر الأسباب،
فلا يندفع حر النار وبردها الاّ بحصن التوحيد ،وخندق الطاعات ،فهذا هو الطريق لنجاتك ،فمن أحسن فلنفسه ومن أساء فعليها ،والله غني عن العالمين.
ويحك يا نفس:
ما أراك الاّ ألفت الدنيا وأنست بها ،فعسر عليك مفارقتها وأنت مقبلة على مقاربتها.
فاحسبي انك غافلة عن عقاب الله وثوابه ،وعن أهوال القيامة وأحوالها.
يا نفس ما أعجب أمرك وأشد جهلك وأظهر طغيانك!!
عجبا لك!!
ويحك يا نفس:
أما تستحين من الخالق ؟ ويحك .. أهو أهون الناظرين ؟ أتأمرين الناس بالخير وأنت متلطخة بالرذائل ؟تدعين الى الله وأنت فارة ،وتذّكرين بالله وأنت ناسية.
أما تعلمين يا نفس أن المذنب أنتن من العذرة ، وأن العذرة لا تطهر غيرها ؟فلم تطمعين في تطهير غيرك وأنت غير طيبة عن نفسك؟
ويحك يا نفس:
لو عرفت نفسك حق المعرفة لظننت أن الناس ما يصيبهم بلاء الا بشؤمك.
ويحك يا نفس ..ما أجهلك وما أجرأك على المعاصي؟؟
فإتعظي يا نفس بهذه الموعظة ، واقبلي هذه النصيحة ،فإن من أعرض عن الموعظة فقد رضي بالنار ،وماأراك بها راضية؟ ولا لهذه الموعظة واعية.
فإن كانت القساوة تمنعك عن قبول الموعظة فاستعيني عليها بدوام التهجد والصلاة ، فإن لم تكن فبالصيام ، فإن لم تزل فبقلة المخالطة والكلام ، فإن لم تزل فبصلة الارحام والعطف على الايتام.
وإفزعي الى الله بالتضرع .. واشتكي الى أكرم الأكرمين .. ولا تملي طول الشكاية ..واخشعي في تضرعك على قدر كثرة ذنوبك .
لإنه يرحم المتضرع الذليل .. ويجيب دعوة المضطر.
وقولي:
يا أرحم الراحمين . يارحيم . يا حليم . يا عظيم.
يا كريم أنا المذنب المصرّ الجرئ الذي لا أقلع . أنا المتمادي الذي لا أستحي.
هذا مقام المتضرع المسكين . والبائس الفقير . والضعيف الحقير . والهالك الغريق.
فعجل اغاثتي وفرجي . وأرني آثار رحمتك. وأذقني برد عفوك ومغفرتك وارزقني قوة عظمتك .. يا أرحم الراحمين

توته الحلوه @toth_alhloh
كبيرة محررات
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

الجاذبيه
•
الف شكر




الصفحة الأخيرة