الصلاةُ :
أيّها المُسلِم ، شهرٌ كاملٌ وأنتَ في ركوعٍ وسجودٍ ، تصلِّي في الليلةِ ساعاتٌ لا تَكَلُّ ولا تَمَلُّ ،ثُمَّ بعـدَ رمضَانَ ، تتغيَّرُ أحوالُنَا وتنقلبُ صلاتُنا ، سبحانَ الله !
أ نعجزُ أن نصلِّي ساعةً أو نصفَ ساعةٍ ، وقد كُنَّا نصلِّي الثلاثَ والأربعَ السَّاعاتِ في رَمَضَان ؟
أيُّها الصَّالحُ ، لستَ غريباً عن قيامِ اللَّيلِ ، فقد ذُقْتَ لَذَّةَ الدَّمعةِ عندَ السَّحَر في رَمَضَان ، ولَذَّةَ المُناجَاةِ وحلاوةِ السُّجود، ورأيتَ بنفسِكَ كيفَ استطعتَ أن تروِّضَ نفسَكَ ذلكَ التَّرويضَ العَجِيبَ في رَمَضَان !
هِمَّةٌ وعَزِيمَةٌ وإصرارٌ ، فيا سُبحانَ الله ! أين هذا في غير رمضانَ ؟ إنَّكَ قادرٌ ! فقد حاولتَ ونجحتَ، لا بل وشعرتَ بالأَثَرِ العجيبِ والأُنسِ الغريبِ وأنتَ تُناجِي الحبيبَ ! فما الَّذي دهاك ؟!
وأنتَ تُذكِّرُ الغافلينَ أنَّ ربَّ رمضانَ ربُّ غيرِهِ من الشُّهورِ .. فلماذا تركتَ قيامَ الَّليل ؟
عاهِدْ نفسَكَ أيُّها الحبيبُ ألاَّ تتركَ قيامَ اللَّيل ليلةً واحدةً ، وإنْ ذكَّرَتْكَ بالتَّعَبِ والإرهاقِ فَذَكِّرْهَا بِلَذَّةِ وحلاوَةِ القيامِ في رَمَضَان .
القرآن :
أيُّها المُسلِم .. شهرٌ كاملٌ وأنتَ تقرأُ وتُبَكِّرُ للصَّلاة ، فتقرأُ قبلَهَا وبعدَهَا وتحرِصُ على خَتْمِهِ مَرَّات
نَعَم .. خَرَجَ رَمَضَان ، والقرآنُ هُوَ القُرآن ، والأجرُ هو الأجرُ والرَّبُّ هُوَ الرَّبُّ ، فما الَّذي حَدَثَ للنُّفوسِ أيُّها الأحبَّة ؟!
هجرٌ غريبٌ وعجيبٌ لقراءةِ القرآنِ وختمِهِ ، رُبَّمَا قَرَأَ الإنسانُ مِنَّا أكثرَ من خمسةِ أجزاءٍ في رَمَضَان ، ويجلسُ السَّاعات ، أفَلا نستطيعُ أن نجلسُ ثُلُثَ ساعةٍ في اليومِ الواحدِ لقراءةِ جزءٍ واحدٍ فنختمُ القرآنَ كلَّ شهرٍ مرَّةً على الأقَلَّ؟!
إنَّها ثُلُثُ ساعةٍ في غيرِ رَمَضان ، فإذا ثَقُلَ ذلك فتذَكَّرِ السَّاعاتِ التي تقرأها في رَمَضان ..
أيُّ شهرٍ قد تولَّى .............. يا عبادَ الله عنَّا
حُقَّ أنْ نَبكي عليهِ ........... بدماءٍ لو عَقِلْنا
كيفَ لا نبكي لشهرٍ ........ مَرَّ بالغفلةِ عنَّا
ثُمَّ لا نعلمُ أنَّا .................. قَد قُبِلنَا أو طُرِدْنَا
ليتَ شِعِري مَن هُوَ ............. المَطرودُ والمحرومُ مِنَّا
و مَنِ المقبولُ مِمَّنْ ............ صامَ مِنَّا فيُهَنَّى
كانَ هذا الشَّهرُ نوراً ......... بيننا يُزهِرُ حُسنَاً
فاجعلِ اللَّهُمَّ عُقبَاهُ .......... لنا نوراً وحُسنَى
اللهم آمين .
الدعـــــاء :
أيُّها المُسلِم .. شهرٌ كاملٌ وأنت تدعو وتُلِحُّ على الله بالدُّعاء ، مرَّاتٌ في السجود ، ومرَّاتٌ عندَ السَّحَرِ والغُرُوب .. لماذا ؟ تسألُ اللهَ رضاه والجنَّةَ ، وتعوذُ به من سخطِهِ والنَّارِ ، فهل ضمنتَ الجنَّةَ يومَ تركتَ الدُّعاءَ بعدَ رمضانَ ؟
وتسألُهُ العفوَ والغفرانَ عن الذُّنوبِ والتَّقصيرِ ، فهل ضمنتَ الغفرانَ أم انتهتِ الغفلةُ والتقصيرُ يومَ تركتَ الدُّعاءَ بعدَ رمضان ؟
أيُّها الأحبَّة .. إنَّ من ندعوهُ في رمضانَ هُوَ من ندعوهُ في غيرِ رمضانَ ، و إنَّ من نسألُهُ في رمضانَ هُوَ الَّذي نسألُهُ في غيرِ رمضانَ .. فما الَّذي حَدَث ؟! ولماذا نتوقَّفُ ونفتُرُ عن الدُّعاءِ ؟
نَعَم .. رمضانُ وقتُ إجابةِ للدُّعاءِ ، لكنَّ أدبارَ الصَّلواتِ وعندَ الغروبِ وآخرَ الَّليلِ وساعةَ الجُمُعةِ وفي السُّجُودِ وبينَ الآذانَينِ كلُّهَا أوقاتُ إجابة ، بل ودعاءُ المظلومِ والمسافرِ والوالدِ لولدِهِ والأخِ لأخيهِ بظهرِ الغيبِ ، كلُّها لا تُردُّ بفضلِ الله ..!
فما الَّذي جَرَى ؟ ما الَّذي دهَانَا ؟؟ والمدعوُّ هُوَ المدعوُّ ، والحاجاتُ هي الحاجاتُ ، والمسلمونَ بأمسِّ الحاجاتِ لدعواتِكَ الصادقةِ التي لا تنقَطِعُ في أيِّ مَكَان.
كيفَ يقطَعُ العبدُ صلتَهُ باللهِ واستعانتَهُ بمولاه ، وهُوَ يعلَمُ ألاَّ حولَ ولا قوَّةَ له إلاَّ بالله ؟
كيفَ يفتَرُ العبدُ عن الدُّعاءِ وهُوَ أفضلُ العبادة ، وربُّهُ يقولُ : " أُجِيبُ دعوةَ الدَّاعِ إذا دَعَانِ " ؟ ولَم يقُل في رمضانَ فَقَط ، بل في رمضانَ وغيرِه.
الصِّيــــَام :
أما الصِّيَامُ أيُّها الأحبَّة ، الصِّيَامُ وَمَا أدرَاكَ ما الصِّيَام ، العبادةُ التي اختصَّهَا اللهُ لنفسِهِ فقال : " إلاَّ الصَّومَ فإنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِه " ، فلا يعلَمُ جزاءَ الصائمينَ إلاَّ الله ، وإنْ غَفَرَ لهم ما تقدَّمَ من الذُّنوب ، وإنْ اختُصُّوا بالدُّخولِ للجنَّةِ من بابِ الريَّانِ، وإنْ باعَدَ اللهُ بينَهُم وبينَ النَّارِ سبعينَ خريفاً ، وإنْ جاءَ الصِّيامُ شفيعاً لأصحابِهِ يومَ القيامَةِ ، فإنَّ هذِهِ وغيرَهَا مِن ثَمَراتِ الصِّيَامِ ، أمَّا جَزَاءُ الصَّائمِينَ فَلاَ يَعلَمُ بِهِ إلاَّ الله ، لاَ يعلَمَهُ إلاَّ الله !
قال ابنُ حَجَر : المُرادُ بقولِهِ وأنا أجزِي بِه ، أي أنِّي أنفَرِدُ بِعِلمِ مِقدَارِ ثَوَابِهِ وَتَضعيفِ حَسَنَاتِه . انتَهَى كَلامُهُ رَحِمَهُ الله .
وقال المناوِيُّ : وأنا أجْزِي بِهِ إشارةٌ إلى عِظَمِ الجَزَاءِ عَليه وكَثرَةِ الثَّوابِ ، لأنَّ الكَريمَ إذا أَخْبَرَ أنَّهُ يُعطِي العَطَاءَ بِلاَ واسِطَة ، اقتَضَى سُرعَةَ العَطَاءِ وَشَرَفِه . انتهى كلامُهُ رحمَهُ الله .
كلُّ هَذِهِ الفَضَائِلِ للصَّومِ وَهِيَ أُخرَوَيَّة ، فما بالُكَ بثمراتِهِ وفوائدِهِ الدُّنيويَّة ، ومَعَ ذلكَ فإنَّ بعضَ النَّاسِ وخاصَّةً من الصَّالحينَ والصَّالِحَاتِ لا يعرِفُ الصِّيامَ إلاَّ في رمَضَان ، يعتذِرُ لنَفْسِهِ تارَةً بالعَمَلِ وتارةً بالتَعَبِ وتارةً بشدَّةِ الحَرِّ وهكذا تمضِي الأيَّامُ فإذا برمضَان الآخَرِ أتى ، وهكذا تذهَبُ الأيَّامُ وتفنى الأعمَارُ .
أخي الحَبيبُ ، صُمْتَ شَهراً كاملاً متتابِعَاً ، فَهَل تَعجَزُ عن صِيَامِ ثلاثِ أيَّامٍ من كلِّ شهرٍ أو يومَي الاثنينِ والخَميسِ ؟!
فاتَّقِ اللهَ وكُن حازِمَاً مَعَ نفسِكَ عارِفاً حيَلَهَا .
إنَّ بعضَ النَّاسِ كلَّمَا همَّ أن يسمُو إلى المعَالِي خَتَمَ الشيطانُ على قلبِه : عليكَ ليلٌ طويلٌ فارقُد ! وكلَّما سعى في إقالةِ عثرتِهِ والارتقاءِ بهمَّتِهِ عاجلتهُ جيوشُ التَّسويفِ والبطالةِ والتمنِّي ، ودَعْثَرَتْهُ ونادتْهُ نفسُهُ الأمَّارةُ بالسُّوءِ : أنتَ أكبَرُ أمِ الوَاقِع ؟!
قال ابنُ القيِّمِ واسمَع إلى هَذِهِ الكلمَةِ الجميلَةِ : والنَّفْسُ كلَّمَا وسَّعْتَ عليهَا ، ضيَّقْتَ على القَلْبِ حتَّى تَصيرُ معيشتُهُ ضَنكَاً ، وكلَّمَا ضيَّقْتَ عليهَا وسَّعْتَ على القَلبِ حتى ينشَرِحَ ويَنفَسِح . انتهى كلامُهُ رحمَهُ الله .
ورمضانُ يشهدُ بهذا ، وما كنَّا نشعرُ بهِ من رقَّةِ القَلبِ واتَّصالِهِ بالله سبحانَهُ وتَعَالى .
نصر @nsr_1
محرر في عالم حواء
هذا الموضوع مغلق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️