om kbyb

om kbyb @om_kbyb

عضوة نشيطة

حال الانسان عند المصيبة

الملتقى العام

الحمد لله رب العالمينوالصلاة والسلام على رسوله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن العبد في هذه الدنيامعرض لصنوف من البلاء، والاختبار، وما ذلك إلا ليعلم الله ـ تعالى ـ من العبد صبرهورضاه؛ وحسن قبوله لحكم الله وأمره، قال الله تعالى:{ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَوَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً }(1).
والإنسان عندمايصاب بمصيبة، فإن له أحوالاً في تقبل تلك المصيبة، إما بالعجز والجزع، وإما بالصبروحبس النفس عن الجزع، وإما بالرضا، وإما بالشكر.
قال ابن القيم (ت751هـ) ـ رحمهالله تعالى ـوالمصائب التي تحل بالعبد، وليس له حيلة في دفعها، كموت من يعزُّ عليه، وسرقة ماله،ومرضه، ونحو ذلك، فإن للعبد فيها أربع مقامات:
أحدها: مقام العجز، وهو مقامالجزع والشكوى والسخط، وهذا ما لا يفعله إلا أقل الناس عقلاً وديناًومروءة.
المقام الثاني: مقام الصبر إما لله، وإما للمروءة الإنسانية.
المقامالثالث: مقام الرضى وهو أعلى من مقام الصبر، وفي وجوبه نزاع، والصبر متفق علىوجوبه.
المقام الرابع: مقام الشكر، وهو أعلى من مقام الرضى؛ فإنه يشهدُ البليةَنعمة، فيشكر المُبْتَلي عليها)(2).

وقد علق على هذه المقامات الأربع الشيخمحمد بن عثيمين(3) ـ رحمه الله تعالى ـ فقال: للإنسان عندحلولالمصيبةله أربع حالات:
الحالالأول: أن يتسخط.
الحال الثاني: أن يصبر.
الحال الثالث: أن يرضى.
الحالالرابع : أن يشكر.

هذه أربع حالات للإنسان عندما يصاب بالمصيبة:

أماالحال الأول: أن يتسخط إما بقلبه أو بلسانه أو بجوارحه.
ـ فتسخط القلب أن يكونفي قلبه شيء على ربه عز وجل من السُّخط والشره على الله ـ تعالى ـ والعياذ باللهوما أشبهه، ويشعر وكأن الله قد ظلمه بهذه المصيبة.

ـ وأما باللسان فأن يدعوبالويل والثبور، يا ويلاه! يا ثبوراه! وأن يسب الدهر فيؤذي الله عز وجل وما أشبهه.
ـ وأما التسخط بالجوارح مثل: أن يلطم خده، أو يصفع رأسه، أو ينتف شعره، أو يشقثوبه، وما أشبهه ذلك.

هذا حال السخط حال الهلعين الذين حرموا من الثواب،ولم ينجوا منالمصيبةبل الذيناكتسبوا الإثم؛ فصار عندهم مصيبتان: مصيبة في الدين بالسخط، ومصيبة في الدنيا لماأتاهم ممَّا يؤلمهم.
أما الحال الثانية: فالصبر علىالمصيبةبأن يحبس نفسه؛ هو يكرهالمصيبةولا يحبها، ولا يحب إنوقعت، لكن يصبّر نفسه؛ لا يتحدث باللسان بما يسخط الله، ولا يفعل بجوارحه ما يغضبالله تعالى، ولا يكون في قلبه على الله شيءٌ أبداً؛ صابر لكنه كاره لها.
والحالالثالثة: الرِّضى بأن يكونالإنسانمنشرحاً صدره بهذهالمصيبةويرضى بها رضاءً تاماً، وكأنه لم يصب بها.
والحال الرابعة: الشُكر فيشكرالله ـ تعالى ـ عليها، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يكره قال:"الحمدلله على كل حال"(4).
فيشكر الله من أجل أن يُرتب له من الثواب على هذهالمصيبةأكثر مماأصابه.

مسألة: ما ينبغي لمن بلغتهالمصيبةأن يفعل.

ينبغي لمنبلغته مصيبة، أيَّاً كانت هذهالمصيبةأمور:
أ- الصبر؛ فيسنالصبر على المصيبة، ويجب منه ما يمنعه عن المحرم(5).
قال شيخ الإسلام ابنتيمية(728هـ) ـ رحمه الله تعالى ـوالصبر واجب باتفاقالعلماء)(6).
قال ابن القيم (ت751هـ) ـ رحمه الله تعالى ـوالصبر واجب بإجماعالأمة، وهو نصف الإيمان، فإن الإيمان نصفان: نصف صبر، ونصف شكر)(7).

والصبرهو: حبس النفس عن الجزع والتسخط، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عنالتشويش(8).

قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْوَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِالصَّابِرِينَ{155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّالِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ{156} أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّنرَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (9).
وعن أنس بن مالكرضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال:"اتقيالله واصبري" قالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه! فقيل لها: إنه النبيصلى الله عليه وسلم فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال:"إنما الصبر عند الصدمة الأولى"(10).
قال الحافظ ابن حجر (ت852هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ عند قوله صلى الله عليه وسلم :"إنّما الصبر عندالصّدمَة الأولى" المعنى إذا وقع الثبات أول شيء يهجم على القلب من مقتضيات الجزعفذلك هو الصبر الكامل الذي يترتَب عليه الأَجر؛ قال الخطابي: المعنى أن الصبر الذييحمد عليه صاحبه ما كان عند مفاجأَة المصيبة, بخلاف ما بعد ذلك فإنه مع الأياميسلو؛ وحكى الخطابي عن غيره أن المرء لا يُؤجر علىالمصيبةلأنّها ليست من صنعه, وإنَما يؤجر على حسن تثبته وجميل صبره؛ وقال ابن بطّال: أراد أن لا يجتمع عليهامصيبة الهلاك وفقد الأَجر)(11).

قال الإمام الموفق ابن قدامة (ت620هـ) ـرحمه الله تعالى ـوينبغي للمصاب أن يستعين بالله تعالى، ويتعزىبعزائه، ويمتثل أمره في الاستعانة بالصبر والصلاة، ويَتَنَجَّز ما وعد اللهالصابرين، قال الله عز وجل: { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ{155} الَّذِينَ إِذَاأَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ{156} أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُالْمُهْتَدُونَ}، ويسترجع)(12).

ب- الرضا بالقضاء والقدر والتسليم التاملله عز وجل، وهذه الصفة هي من أعظم صفات المؤمن المتوكل على الله، المصدق بموعودالله، الراضي بحكم الله، وبما قضاه الله ـ تعالى ـ وقدره، بل الإيمان بالقضاءوالقدر ركن من أركان الإيمان، الواردة في حديث أمير المؤمنين عمر رضي الله عنهالطويل وفيه" قال: فأخبرني عن الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم : أن تؤمن باللهوملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره"(13).

ج- قول ( إنا لله وإنا إليه راجعون)
وذلك لما جاء في قوله تعالى:{ الَّذِينَ إِذَاأَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} (14).

وله أن يزيد "اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها"، لما جاء منحديث أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مامن عبدٍ تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلفلي خيراً منها, إلا آجره الله في مصيبته، وأخلف له خيراً منها " قالت: فلما توفيأبو سلمة رضي الله عنه قلت: ومن خيرٌ من أبي سلمة؟ صاحب رسول الله صلى الله عليهوسلم , ثم عزم الله علي فقلتها، فما الخلف؟! قالت: فتزوجت رسول الله صلى الله عليهوسلم ومن خير من رسول الله صلى الله عليه وسلم (15).

د- أن تعلم أن الدنيادار ابتلاء وامتحان؛ لذا فهي مليئة بالمصائب، والأكدار، والأحزان، كما قال ربناالرحمن:{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَالأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} ، وقال عز وجل: { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ}(16).

هـ- تذكر أن العبد وأهلهوماله لله عز وجل فله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، قاللبيد:

وما المال والأهلون إلا ودائع ولابد يوماً أن ترد الودائع

و- الاستعانة علىالمصيبةبالصلاة،قال الله تعالى: { وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} (17)؛وقد "كان صلىالله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى"(18)،ومعنى حزبه: أي نزل به أمرٌ مهم، أو أصابهغم.
وهذا حال المؤمن الصادق، الذي لا يخطر على قلبه في وقت المحن والشدائد، إلاتذكر الله عز وجل، لأنه الذي بيده مفاتيح الفرج.
ولما أخبر ابن عباس ـ رضي اللهعنهما ـ بوفاة أحد إخوانه استرجع وصلى ركعتين أطال فيهما الجلـوس، ثم قام وهـويقول:{ وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} (19).

ز- تذكر ثوابالمصائب، والصبر عليها، وإليك شيئاً منه:
1- دخول الجنة: قال الله تعالى: { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْوَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ{23} سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}(20).
وقال صلىالله عليه وسلميقول الله عز وجل: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذاقبضت(21) صفيّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة)(22).وصفيه هو حبيبه المصافيكالولد، والأخ، وكل من يحبه الإنسان،والمراد بقوله عز وجل (ثم احتسبه): أي صبر علىفقده راجياً الأجر من الله تعالى على ذلك(23).

2- الصابرون يوفون أجورهمبغير حساب. قال تعالى:{ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِحِسَابٍ}(24)، قال الأوزاعيليس يوزن لهم ولا يكال، إنما يغرف لهمغرفاً)(25).

3- معية الله للصابرين، وهي المعية الخاصة المقتضية للمعونةوالنصرة والتوفيق، قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}(26).

4- محبة الله للصابرين، قال تعالى: { وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} (27).

5- تكفير السيئات لمن صبر على ما يصيبه في حال الدنيا، كبر المصاب أم صغر؛ قال صلىالله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه :" ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب،ولا همٍ، ولا حزن، ولا أذىً، ولا غم, حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بهاخطاياه"(28)، والنصب التعب، والوصب: المرض، وقيل هو المرض اللازم(29).
قالالإمام القرافي(ت684هـ) ـ رحمه الله تعالى ـالمصائب كفارات جزماًسواءً اقترن بها الرضا أم لا، لكن إن اقتران بها الرضا عظم التكفير وإلا قل) (29).
وقال صلى الله عليه وسلم :"ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولدهوماله, حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة)(30).

6- حصول الصلوات، والرحمة،والهداية من الله ـ تعالى ـ للعبد الصابر؛ قال الله عز وجل: {أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْصَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُالْمُهْتَدُونَ}(31).

7- رفع منزلة المصاب؛ قال صلى الله عليه وسلم :" إنالعبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده، أو في ماله،أو في ولده، ثم صبّره على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله تعالى"(33).


-----------------------------------------





منقول
1
321

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

بقايا أمل ..
بقايا أمل ..
الله يرحمنا ويهادينا الي مايحب ويرضى