حال المسلم مع خلاف العلماء
الحمد لله الملك المهيمن العزيز الجبار الرحمن الرحيم عظيمالأسماء علىِّ الأوصاف، يعلم ما ظهر وكل ما هو خاف، أحمده جل شأنه وأشكره أمربالوحدة والعدل والإنصاف وحذر من التنازع والفرقة والاختلاف، وأشهد أن لا إله إلاالله وحده لاشريك له ، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى اللهعليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم على بصيرة وهدى وإنصاف.أما بعد:فاتقوا الله عبادالله في كل صغيرة وكبيرة في حياتكم تسعدوا في الدنيا ثم جنة عرضها السموات والأرضوعدكم ربكم ذلك بقوله:}مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِيمِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَىالَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ{(الرعد:35).
الاكتتابفي الشركات المساهمة وما حصل في الأسبوع الماضي من خلافات وتموجات هو في نظري بدايةخطر على الأمة ينبغي التنبيه عليه فكان موضوع الحلقة التاسعة والعشرين من يومياتمسلم حول المنهج الصحيح للتعامل مع الخلافات الفقهية بين العلماء؛وقبل الدخول فيالموضوع أود أن أنبه على قواعد أساسية ينبغي أن تكون واضحة دائماً في الذهن أثناءالحديث،
الأولى منها: أنني هنا لست مفتياً بجواز أو حرمة الاكتتاب في شركةبعينها فأنا مجرد واعظ ولست بفقيه يسوغ له الاجتهاد،ولا مجال له وقد تحدث في القضيةعلماء ومجتهدون جهابذة فلم يتركوا لغيرهم مكان،
الثانية:أن اختلاف العلماءالمجتهدين رحمة،
الثالثة:أن التعصب الأعمى لرأي فقهي أو مذهب ومحاولة حملالناس جميعاً عليه ممقوت ومرفوض في الإسلام وهو سبب فرقة الأمة،
الرابعة:أنهلابد للأمة من مرجعية دينية يُحْتَكَمُ إلى قولها و قرارتها حالالاختلاف،
الخامسة:أن إتباع الرخص الفقهية بحيث يأخذ المرء من كل مذهب أوفقيه القول الذي يتفق مع هواه مرفوض أيضاً.
أيها الأحبة في الله يجب علىالمرء أن يعرف قدره حقاً وأن لا يقول على الله بغير علم فقد ذم الله ذلكبقوله:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًىوَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ}(لقمان:20).
وحذر منه وبين تبعته بقوله:{ لِيَحْمِلُواأَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَيُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ }(النحل:25).
وإني منهذا المكان أوجه نداء إلى إخوتي من طلاب العلم فأقول لهم اتقوا الله ولا يغرنك أخيأن علمت شيئاً من العلم فما جهلته أكثر وفِرَّ من الفتوى ما استطعت فقد فَرَّ منهامن هو خير منك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ويكفيك أن تنقل بكل أمانة أقوالالعلماء في القضية ممن أجاز أو منع ولا تبدي بعضها لموافقتها لما في نفسك وتخفيالأخرى.
أيها الأحبة في الله سمعنا في الأسبوع الماضي من يشنع على العلماءاختلافهم ويصفهم بأنهم فرقوا الأمة وأنه لابد من أن يجتمعوا على رأي واحد!. وهذارأي فيه نظر فاختلاف العلماء لا يكون نابعاً من إتباع للهوى بل لا يصدر العالمفتواه إلا بعد التأمل في الدليل وواقع الحادثة؛اختلاف العلماء رحمة ولتوضيح ذلكدعونا نأخذ أمثلة من الحج؛فلكم أن تتخيلوا لو أجمع العلماء بأن الوقوف يوم عرفة لايجزيء إلا على جبل الرحمة،وأن النفرة من المزدلفة تكون في وقت واحد وأن الطواف يكونفي وقت واحد وأن السعي يكون في وقت واحد وأن الرجم يكون في وقت واحد فكم سيلحقبالأمة من مشقة وكم من الأرواح ستزهق وسط الزحام، وهكذا في الطلاق والبيوع وغيرها ...ومن هنا ساغ لطائفة من الأمة أن تتبع هذا المجتهد فيما أفتى به وأن تتبع طائفةأخرى غيره وهكذا..ولكن لابد أمام هذا الاختلاف من الأدب مع المخالف فلا يجوز لطائفةأن تتعصب لرأيها وأن تصف الأخرى بأنها ضالة أو مبتدعة أو متساهلة مادامت تتبعمجتهداً يعتمد على الدليل من الكتاب والسنة؛ قال الإمام ابن تيمية في الرسالةالثامنة من الرسائل المنيرية في شأن اختلاف العلماء:"..إن الله أمر كلاًمنهم أن يطلب الحق بقدر وسعه وإمكانه فإن أصابه و إلا فلا يكلف الله نفساً إلاوسعها وقد قال المؤمنون:}..رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْأَخْطَأْنَا..{(البقرة:286).وقال الله قد فعلت،وقال تعالى:} وَلَيْسَ عَلَيْكُمْجُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ..{(الأحزاب:5). فمن ذمهم ولامهم على مالم يؤاخذهمالله عليه فقد اعتدى، ومن أراد أن يجعل أقوالهم وأفعالهم بمنزلة قول المعصوم وفعلهوينتصر لها بغير هدى من الله فقد اعتدى واتبع هواه بغير هدى من الله،ومن فعل ما أمربه بحسب حاله من اجتهاد يقدر عليه، أو تقليد إذا لم يقدر على الاجتهاد وسلك فيتقليده مسلك العدل فهو مقتصد.."(مجموعة الرسائل المنيرية(3/141)الرسالةالثامنة).يا أمة الوحدة: "إن الربط بين الخلاف في أمور الدين –السائغ فيهاالاختلاف-وبين البغض والبراءة يفرق جماعة المسلمين، وإن الذين يستفيدون من ذلك همأعداء المسلمين، وهذا الاعتقاد القلبي في بغض المخالفين والبراءة منهم قد لا يتجاوزفي البداية حدود النقد، ثم يتطور إلى عدم السلام على المخالفين وعدم الصلاة خلفهموعدم مجالستهم-والإنكار على من جالسهم-ثم يتطور بعدها لمنابذة وتناحر،ولايمكنلهؤلاء المتناحرين أن يواجهوا أعداءهم بقوة لأن أغلب طاقتهم مصروفٌ للتناحر فيمابينهم"(عبد العزيز الحميدي،الرسائل الشمولية،ص82).فلا إله إلا الله ماأعظمها من خطوات للشيطان يفرق بها الأمة.وإن في التاريخ لعبرة فماذا حدث للأمة يومأن حاول الخوارج حملها على رأيهم فقط؟. وماذا جنت الأمة يوم أن حاول القائلون بخلقالقرآن حمل الأمة على رأيهم؟.ولله در الإمام مالك ما أفقهه يوم أن منع الخليفة منتوحيد الناس على كتابه الموطأ.يا خير أمة أخرجت للناس قد ينتقل الخلاف مع الأسف منمجرد خلاف فقهي سائغ إلى تشنيع وذم للمخالف فمن يرى التحريم يتهم العلماء الأفاضلالذين أفتوا بالجواز مع ضوابط أنهم متساهلون وأنهم لا دراية لهم بواقع القضية معأنه قد تكون أغلب حياتهم العملية في مجال الواقعة،ومن يرى الجواز يطعن في القائلينبالمنع ويصفهم بأنهم متشددون لا يعرفون فقه الواقع، فقولوا لي بربكم مادام أن كلاعلماء الفريقين مطعون فيهم من بقي من العلماء يرجع إليه الناس في أمور دينهم؟. ألايؤدي هذا إلى أن يفقد العامة الثقة في قياداتهم الدينية ويصبح الأمر فوضى وكل يفتينفسه؟.فأقول لكلا الفريقين اتقوا الله في أمة الإسلام ولا تكونوا معاول هدم وعليكمبالعدل والإنصاف واستمعوا لأمر ربكم وهو يقول:}وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُوَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَمَعَ الصَّابِرِينَ{(الأنفال:46).
الخطبة الثانية
الحمدلله وكفى يجزيأهل الوفاء بالتمام والوفاء وسلام على عباده الذين اصطفى أما بعد : فاتقوا اللهعباد الله واعلموا رحمني الله وإياكم أنه لا يجوز للمرء المسلم أن يستغل خلافالفقهاء ليتخير منها الأيسر ويأخذ به، كما أن الأخذ بالأحوط والأتقى دائماً أولىولكن لا يصح لك أخي أن تحمل الناس على درجة الورع والتقوى التي أنت عليها،وأنالمنهج الذي يجب على طلاب العلم والدعاة إتباعه عرض الأمور كما هي والأقوال التيفيها بأدلتها ولا مانع من أن يصرح بالرأي والموقف الذي اتخذه لنفسه دون انتقاصالآراء الأخرى أو التحامل عليها،وإني أتمنى من هذا لمكان على هيئة كبار العلماء أنيدرسوا ما يتعلق بحياة الناس عامة ومن بينها الشركات المساهمة قبل أن تنزل للاكتتابوإصدار فتوى تكون مرجعاً للناس،كما أتمنى على علمائنا الأفاضل إذا أصدر أحدهم فتوىأن يدعمها بكل مبررات الحكم من أدلة شرعية وملابسات واقعية وأرقام أو بيانات اعتمدعليها في الفتوى حتى يتفهمها الناس على بصيرة ولا يكون هناك مجالاً للتأويل فيها منقبل المتعصبين للآراء الأخرى المخالفة، وأن تقوم وسائل الإعلام المرئية والمسموعةوالمقروءة بنشر ذلك حفظاً على وحدة المجتمع وقى الله مجتمعنا ومجتمعات المسلمين منكل سوء.
شامخة باحترامي @shamkh_bahtramy
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️