ما حال قلوبنا؟
نصٌ نفيس لابن القيم رحمه الله، ينبغي أن نقرأه ونتأمل عباراته، خاصة قبل دخول الشهر الفضيل (بلغنا الله وإياكم أيامه ولياليه الغر).
قال رحمه الله في إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 88):
ومن فوائد محاسبة النفس: أنه يعرف بذلك حق الله تعالى عليه، ومن لم يعرف حق الله تعالى عليه، فإن عبادته لا تكاد تجدي عليه، وهى قليلة المنفعة جدا ...
فمن أنفع ما للقلب النظر فى حق الله على العبد، فإن ذلك يورثه:
1 ـ مقت...َ نفسه،
2 ـ والإزراء عليها،
3 ـ ويخلصه من العجب ورؤية العمل،
4 ـ ويفتح له باب الخضوع والذل والانكسار بين يدي الله،
5 ـ واليأس من نفسه،
6 ـ وأن النجاة لا تحصل له إلا بعفو الله ومغفرته ورحمته، فإن من حقه أن يطاع ولا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر.
فمن نظر فى هذا الحق الذى لربه عليه، عَلِمَ عِلْمَ اليقين أنه غير مؤد له كما ينبغي، وأنه لا يسعه إلا العفو والمغفرة، وأنه إن أحيل على عمله هلك.
فهذا محل نظر أهل المعرفة بالله تعالى وبنفوسهم، وهذا الذى أيأسهم من أنفسهم، وعلق رجاءهم كله بعفو الله ورحمته.
وإذا تأملتَ حال أكثر الناس وجدتهم بضد ذلك، ينظرون فى حقهم على الله، ولا ينظرون فى حق الله عليهم، ومن هاهنا انقطعوا عن الله، وحُجبت قلوبهم عن معرفته، ومحبته، والشوق إلى لقائه، والتنعم بذكره، وهذا غاية جهل الإنسان بربه وبنفسه.
فمحاسبة النفس هو نظر العبد فى حق الله عليه أولاً، ثم نظره هل قام به كما ينبغي ثانياً؟ وأفضل الفكر الفكر فى ذلك؛ فإنه يُسَيِّر القلبَ إلى الله ويطرحه بين يديه ذليلاً، خاضعًا، منكسراً كسراً فيه جبرُه، ومفتقرًا فقراً فيه غناه، وذليلاً ذلاً فيه عزه، ولو عمل من الأعمال ما عساه أن يعمل؛ فإذا فاته هذا فالذي فاته من البر أفضل من الذي أتى" انتهى كلامه رحمه الله.
اللهم عرّفنا من أسمائك وصفاتك ما يملأ قلوبنا هيبةً وإجلالاً لك، ومعرفةً ببعض قَدْرِكَ، وعرّفنا قَدْرَ أنفسنا، وأعزنا بطاعتك، ولا تذلنا بمعصيتك، يا رب العالمين.
د. عمر المقبل
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
جزاك الله أعالي الجنان ومنازل الرحمن وجعلنا وإياك ممن يبشرون بروح وريحان ورب راض غير غضبان