زهرة الابداع @zhr_alabdaaa
محررة برونزية
حبر الأمة (عبدالله بن عباس) فعالية صدقوا ما عاهدوا الله عليه
مشاركتي الثانية
حبر الأمة عبدالله بن عباس
((إنه فتى الكهول ، له لسان سؤول ، وقلب عقول ))
عمر بن الخطاب
هو عبدالله بن عباس بن عبدالمطلب
هذا الصحابي الجليل ملك المجد من أطرافه ، فقد اجتمع له مجد الصحبة
ومجد القرابة فهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم ،
ومجد العلم فهو حبر أمة محمد وبحر علمها الزاخر ، ومجد التقى
فقد كان صواما بالنهار قواما بالليل ، مستغفرا بالأسحار ،
بكاء من خشية الله حتى خدد الدمع خديه ...
ولد ابن عباس قبل الهجرة بثلاث سنوات ، ولما توفي الرسول كان له ثلاث عشرة سنة ....
ومع ذلك فقد حفظ للمسلمين عن نبيهم ألفا و ستمائة و ستين
حديثا أثبتها البخاري و مسلم في صحيحيهما ...
ولما وضعته أمه حملته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحنكه بريقه ،
فكان أول ما دخل جوفه ريق النبي الطاهر ، وما إن حلت عن الغلام الهاشمي تمائمه
و دخل سن التمييز حتى لازم رسول الله ملازمة العين لأختها ،
فكان يعد له ماء وضوئه إذا هم أن يتوضأ ...
ويصلي خلفه إذا وقف للصلاة ...
ويكون رديفه إذا عزم للسفر ...
حتى غدا له كظله ...
حدث عن نفسه قال :
هم رسول الله بالوضوء ذات مرة فما أسرع أن أعددت له الماء فسر بما صنعت ،
ولما هم بالصلاة أشار إلي أن أقف بإزائه ، فوقفت خلفه ،
فلما انتهت الصلاة مال علي وقال : ما منعك أن تكون بإزائي يا عبدالله ؟!
فقلت : أنت أجل في عيني و أعز من أن أوازيك يا رسول الله ،
فرفع يديه إلى السماء و قال (( اللهم آته الحكمة )).
وقد استجاب الله دعوة نبيه فقد أوتي عبدالله
من الحكمة ما فاق به أكابر الحكماء ..
ومن مواقفه :
لما اعتزل بعض أصحاب علي و خذلوه في نزاعه مع معاوية
قال عبدالله بن عباس لعلي :ائذن لي يا أمير المؤمنين ، أن آتي القوم و أكلمهم ..
فقال : إني أتخوف عليك منهم .
فقال : كلا إن شاء الله .
ثم دخل عليهم فلم ير قوما قط أشد اجتهادا منهم في العبادة فقالوا :
مرحبا بك يابن عباس ... ما جاء بك ؟ !
قال : جئت لأحدثكم .
فقال : بعضهم لا تحدثوه .
وقال : بعضهم قل نسمع منك .
فقال : أخبروني ما تنقمون على ابن عم رسول الله وزوج ابنته و أول من آمن به ؟
قالوا : ننقم عليه ثلاثة أمور : أولها أنه حكم الرجال في دين الله ،
وثانيها أنه قاتل عائشة ومعاوية ولم يأخذ غنائم
ولا سبايا ، وثالثها أنه محا عن نفسه
لقب أمير المؤمنين مع أن المسلمين قد بايعوه و أمروه ...
فقال : أرأيتم إن أسمعتكم من كتاب الله ، وحدثتكم
من حديث رسول الله مالا تنكرونه ، أفترجعون عما أنتم فيه ؟
قالوا : نعم ..
قال : أما قولكم أنه حكم الرجال في دين الله ، فالله سبحانه و تعالى يقول
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ
مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ ))
أنشدكم الله أفحكم الرجال في حقن دمائهم و أنفسهم ،
وصلاح ذات بينهم أحق أم حكمهم في أرنب ثمنها ربع درهم ؟!
فقالوا : بل في حقن دماء المسلمين و صلاح ذات بينهم .
فقال : أخرجنا من هذه ؟
قالوا : اللهم نعم .
قال : أما قولكم أن عليا قاتل ولم يسب كما سبى رسول الله ،
أفكنتم تريدون أن تسبوا أمكم عائشة و تستحلونها كما تستحل السبايا ؟
فإن قلتم نعم فقد كفرتم ، وإن قلتم إنها ليست بأمكم كفرتم أيضا ، فالله سبحانه و تعالى يقول :
((النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ))
فاختاروا لأنفسكم ما شئتم .
ثم قال : أخرجنا من هذه أيضا ؟
قالوا : اللهم نعم .
قال : وأما قولكم إن عليا قد محا عن نفسه لقب إمرة المؤمنين ،
فإن رسول الله حين طلب من المشركين يوم الحديبية
أن يكتبوا في الصلح الذي عقده معهم
(( هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله )) قالوا : لو كنا نؤمن
أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ، ولكن اكتب
(( محمد بن عبدالله )) فنزل عند طلبهم وهو يقول :
(( والله إني لرسول الله وإن كذبتموني )) فهل خرجنا من هذه ؟
فقالوا : اللهم نعم .
وكان من ثمرة هذا اللقاء ، وما أظهره فيه عبدالله بن عباس
من حكمة بالغة وحجة دامغة أن عاد منهم عشرون ألفا إلى صفوف علي ،
و أصر أربعة آلاف على خصومتهم عنادا له و إعراضا عن الحق ..
وقد سلك عبدالله بن عباس إلى العلم كل سبيل ،
وبذل من أجل تحصيله كل جهد ، فقد ظل ينهل من رسول الله ما امتدت به الحياة ،
فلما لحق الرسول الكريم بجوار ربه اتجه إلى البقية الباقية
من علماء الصحابة وطفق يأخذ منهم و يتلقى عنهم .
حدث عن نفسه قال :
كان إذا بلغني الحديث عند رجل من صحابة رسول الله أتيت باب بيته
في وقت قيلولته وتوسدت ردائي عند عتبة داره ،
فيسفي علي الريح من التراب ما يسفي ، وإن شئت أن أستأذن عليه لأذن لي ،
و إنما كنت أفعل ذلك لأطيب نفسه ، فإذا خرج من بيته رآني على هذه الحال ،
وقال يابن عم رسول الله ما جاء بك ؟ هلا أرسلت إلي فآتيك ؟
فأقول أنا أحق بالمجيء إليك ، فالعلم يؤتى ولا يأتي ، ثم أسأله عن الحديث .
وكما كان ابن عباس يذل نفسه في طلب العلم فقد كان يعلي من قدر العلماء .....
فها هو زيد بن ثابت كاتب الوحي ورأس أهل المدينة في القضاء
والفقه والقراءة والفرائض يهم بركوب دابته فيقف عبدالله بن عباس
بين يديه ويمسك له ركابه و يأخذ بزمام دابته ...
فقال له زيد : دع عنك يابن عم رسول الله .
فقال ابن عباس : هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا .
فقال له زيد : أرني يدك .
فأراه ابن عباس يده ، فمال عليها وقبلها وقال :
هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا .
وقد دأب ابن عباس على طلب العلم حتى بلغ فيه مبلغا أدهش الفحول .
فقال فيه مسروق بن الأجدع أحد كبار التابعين :
كنت إذا رأيت ابن عباس قلت : أجمل الناس .
فإذا نطق قلت : أفصح الناس .
فإذا تحدث قلت : أعلم الناس .
20
3K
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
ولما اكتمل لابن عباس ما طمح إليه
من العلم تحول إلى معلم يعلم الناس ...
روى أحد أصحابه قال :
لقد رأيت من ابن عباس مجلسا لو أن جميع قريش افتخرت به
لكان لها مفخرة ، فلقد رأيت الناس اجتمعوا في الطرق المؤدية إلى بيته
حتى ضاقت بهم ، و سدوها في وجوه الناس ،
فدخلت عليه و أخبرته باحتشاد الناس على بابه ، فقال :
ضع لي وضوءا ، فتوضأ وجلس ،
وقال : اخرج وقل لهم : من كان يريد أن يسأل عن القرآن وحروفه فليدخل ...
فخرجت فقلت لهم ، فدخلوا حتى ملؤوا البيت والحجرة ،
فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به و زادهم مثل
ما سألوا عنه وأكثر . ثم قال لهم :
أفسحوا الطريق لإخوانكم ...
فخرجوا ثم قال لي :
اخرج فقل من أراد أن يسأل عن تفسير القرآن فليدخل ..
فخرجت فقلت لهم ، فدخلوا حتى ملؤوا الحجرة ،
فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به و زادهم مثل ما سألوه و أكثر ،
ثم قال لهم :
أفسحوا الطريق لإخوانكم ..
فخرجوا ثم قال لي :
اخرج فقل : من أراد أن يسئل عن الحلال والحرام والفقه فليدخل ،
فخرجت فقلت لهم ، فدخلوا حتى ملؤوا البيت والحجرة ،
فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثله ، ثم قال :
أفسحوا الطريق لإخوانكم ..
فخرجوا ، ثم قال لي :
اخرج فقل : من أراد أن يسأل عن الفرائض وما أشبهها فليدخل ...
فخرجت فقلت لهم ، فدخلوا حتى ملؤوا البيت و الحجرة ،
فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به و زادهم مثله ، ثم قال لهم :
أفسحوا الطريق لإخوانكم ..
فخرجوا ثم قال لي :
اخرج فقل : من أراد أن يسأل عن العربية والشعر
وغريب كلام العرب فليدخل ..
فدخلوا حتى ملؤوا البيت والحجرة ، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به ،
وزادهم مثله ، قال راوي الخبر :
فلو أن قريشا كلها فخرت بذلك لكان ذلك لها فخرا .
وكان ابن عباس رضي الله عنهما يجلس
في الأسبوع يوما لا يذكر فيه إلا التفسير .
ويوما لا يذكر فيه إلا الفقه .
ويوما لا تذكر فيه إلا المغازي .
ويوما لا يذكر فيه إلا الشعر .
ويوما لا تذكر فيه إلا أيام العرب .
وما جلس إليه عالم قط إلا خضع له ،
وما سأله إلا سائل قط إلا وجد عنده علما .
وقد غدا ابن عباس بفضل علمه و فقهه ، مستشارا للخلافة الراشدة
على الرغم من حداثة سنه ، فكان إذا عرض لعمر بن الخطاب
أمر أو واجهته معضلة دعا جلة الصحابة
ودعا معهم عبدالله بن عباس ، فإذا حضر رفع منزلته
و أدنى مجلسه و قال له :
لقد أعضل علينا أمر أنت له و لأمثاله .
وقد عوتب مرة في تقديمه له و جعله مع الشيوخ ، وهو ما زال فتى ،
فقال : إنه فتى الكهول له لسان سؤول وقلب عقول .
على أن ابن عباس حين انصرف إلى الخاصة ليعلمهم ويفقههم ،
لم ينس حق العامة عليه ،
فكان يعقد لهم مجالس الوعظ والتذكير فمن مواعظه
قوله مخاطبا أصحاب الذنوب :
يا صاحب الذنب لا تأمن عاقبة ذنبك ،
واعلم أن ما يتبع الذنب أعظم من الذنب نفسه ،
فإن عدم استحيائك ممن على يمينك
وعلى شمالك و أنت تقترف الذنب لا يقل عن الذنب ،
وإن ضحكك عند الذنب وأنت لا تدري ما الله صانع بك أعظم من الذنب ،
وإن فرحك بالذنب إذا ظفرت به أعظم من الذنب ،
وإن حزنك على الذنب إذا فاتك أعظم من الذنب ،
وإن خوفك من الريح إذا حركت سترك ،
و أنت ترتكب الذنب مع كونك لا يضطر
ب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذنب ، يا صاحب الذنب :
أتدري ما كان ذنب أيوب عليه السلام حين ابتلاه الله عز وجل بجسده وماله ؟
إنما كان ذنبه أنه استعان به مسكين ليدفع عنه الظلم فلم يعنه .
ولم يكن ابن عباس من الذين يقولون ما لا يفعلون ،
وينهون الناس ولا ينتهون ، وإنما كان صوام نهار قوام ليل .
أخبر عنه عبدالله بن مليكة قال :
صحبت ابن عباس رضي الله عنه من مكة إلى المدينة ،
فكنا إذا نزلنا منزلا قام شطر الليل والناس نيام من شدة التعب ،
ولقد رأيته ذات ليلة يقرأ
(وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ
مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ )..
فظل يكررها وينشج حتى طلع عليه الفجر ،
وحسبنا بعد ذلك كله أن نعلم أن عبدالله بن عباس كان
من أجمل الناس جمالا ، و أصبحهم وجها ، فما زال يبكي في جوف الليل
من خشية الله حتى أحدث الدمع الهتون على خديه
الأسيلين مجريين شبههما بعضهم بشراكي النعل .
وقد بلغ ابن عباس من مجد العلم غايته ،
ذلك أن خليفة المسلمين معاوية بن أبي سفيان خرج ذات سنة حاجا ،
وخرج عبدالله بن عباس حاجا أيضا ، ولم يكن له صولة ولا إمارة ،
فكان لمعاوية موكب من رجال دولته ،
وكان لعبدالله بن عباس موكب يفوق موكب الخليفة من طلاب العلم .
عمًر ابن عباس إحدى و سبعين سنة ملأ فيها الدنيا علما
و فقها و حكمة وتقى ، فلما أتاه اليقين
صلى عليه محمد بن الحنفية والبقية الباقية
من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلة من التابعين ،
رضي الله عنه و أرضاه .