
محمد المصباحي
أزعم أن بعض العرب يفتقدون لغة التواصل الاجتماعي بكل ما تعنيه الكلمة، إذ يقتصرون في تواصلهم على بعض معارفهم، في حين تساورهم الشكوك في من لا يعرفونه.
فلو مددت يدك مصافحا الغريب لصافحك بتثاقل واستغراب وعيناه تنظران لك وفمه مفتوح يكاد ينطق ماذا تريد يا أبله! أنت تعرفني؟ وريثما تغادره سيقول سريعا: الله يشفيك! والنقيض تماما فحينما يقابل هذا المندهش صديقه أو قريبه، فلا تكاد تستطيع أن تميز هل هما شخص أم اثنان لقوة تلاحمهما بالأحضان وقبلاتهما الحارة!.
ولو كنت في سيارتك وفتحت الإشارة لثانيتين فقط دون أن تتحرك لتدفقت أصوات أبواق السيارات عليك، ولخرجت الأيادي من نوافذ السيارات تشير إليك بالسباب! ولربما ــ وهذا طبيعي ــ تسمع لعنة توقظك من غفلتك، وكأنك مخلوق لا تفقه من لغة التخاطب أو الكلمات الراقية شيئا، ولا تستجيب إلا للعن حتى تتحرك! حتى لو كنت أصم فاقدا للسمع، فأزعم أن أبواق السيارات تكاد تجعلك تسمع، وذلك لشدتها حتى لتكاد تجزم أن كل من خلفك لديهم مشاغل ستتغير عند تأخرهم للحظة واحدة خارطة العالم بأسره! بينما لو وقف شخص تعرفه بسيارته أمامك لفترة لما أزعجته بأبواق سيارتك ولاكتفيت وأنت تبتسم يا أبو حميد ترى الإشارة خضراء!.
حقيقة لا يجيد البعض وسطية التواصل الاجتماعي، بل يمشي بين حدي الغلو والتفريط! وننسى أحيانا أهم أنواع التواصل، وهو زيارة الأرحام، ثم ندعي لمجرد تواصلنا في نطاق ضيق مع بعض أصدقائنا أننا اجتماعيون! برغم عدم قبولنا للغرباء مع أنهم من أفراد المجتمع!
الاجتماعية لا تعني التواصل المقتصر على فئة ثم لا نقبل أو نجيد التعامل مع الغرباء!، بل تعني في المقام الأول الذوقية في التعامل مع الآخرين وحسن الظن!.
يفتقد الكثير منا لغة الحوار الراقية التي يتميز الغرب بها! ونزعم أننا متحضرون! ويكفيك لترى فروقات التعامل بيننا والغرب في تحقيق التواصل الخلاق.. تلك الكاميرا الخفية التي تعرض على الشاشات ردود الفعل المتباينة! ولا أكاد أخفي سرا بأن الكاميرا الخفية العربية أجمل عند ردة الفعل الغاضبة!.
لا أقصد أن نعيش بسذاجة فنقبل كل غريب!، أو أن نضحك في وجوه المشاة كالمجانين!، ولكن التوسط في التعامل! وأقله كف الأذى، والحرص على الرقي بكلماتنا، وتجنب اللعن والشتم.. نوع من التواصل والتعامل الاجتماعي المتحضر!.