والحمد لله رب العالمين و لا حول ولا قوة إلا بالله
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم

. أما بعد فإن موضوعنا اليوم هو أسباب السعادة
ولقد أخترت هذا الموضوع لعدة أسباب منها:-
o أن راحة القلب و سروره و زوال همومه و غمومه, هو المطلب لكل أحد وبه تحصل الحياة الطيبة ثم السرور و الابتهاج.
o انتشار الأمراض النفسية في هذه السنوات الأخيرة كالإكتئاب وخاصة النفاس و ما يشكو منه بعض الناس من ضيقة الصدر مع وجود الإيمان عندهم.
س: وهل وجود الإيمان وحده كافيا لوجود السعادة و الانشراح أم لابد من أمور أخرى ؟؟
لقد تبن يا أخوات أن السعادة لها أسباب دينية و أسباب طبيعية و أسباب عملية ولا يمكن اجتماعها كلها إلا للمؤمنين و أما من سواهم فإنها وإن حصلت لهم من وجه و سبب جاهد عقلاؤهم عليه فاتتهم من وجوه أحسن وأنفع .
وهذه الأسباب منهم من أصاب كثيرا منها فعاش عيشة هنية , ومنهم من لم يصب شيئا منها فعاش عيشة الشقاء, ومنهم من هو بين بين بحسب ما وفق له.
أسأل الله أن يوفقني و إياكن لها و أن يجعلنا من السعداء في الدنيا و الآخرة.

وإليكن أسباب السعادة :-
o أعظم الأسباب و أصلها هو الإيمان بالله و العمل الصالح,قال تعالى "من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة و لنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون" النحل 97
الحياة الطيبة كما قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره " وذلك بطمـأنينة القلب و سكون نفسه وعدم التفاته لما يشوش عليه قلبه, ويرزقه الله رزقا حلالا طيبا, من حيث لا يحتسب"إن إيماننا بالقضاء و القدر خيره وشره من أكبر أسباب السعادة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ولو اجتمعت على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رُفعت الأقلام وجفت الصحف"
فإذا علم المؤمن أن الله قد كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلقهم بخمسين ألف سنة فإنه لا يحزن لأنه يعلم أن الأمور مفروغ منها و مكتوبة عليه. وكيف يحزن؟؟؟ وهو يعلم أن هؤلاء البشر الذين حوله لا يستطيعون نفعه و لا ضره إلا بقدر الله . فلم القلق والحزن؟؟؟
وبناء على الإيمان بهذه العقيدة تجدين المسلم بين أمرين كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم " عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له و إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وليس ذاك إلا للمؤمن"

فالمؤمن يواجه المحاب و المسار بالشكر عليها فلا يغتر ولا يفرح فرح اشر بطر. لأنه يعلم أنها من عند الله وأن الله قادر على أن يسلبها منه , ويعلم أنه بالشكر تدوم النعم " ولئن شكرتم لأزيدنكم " فيشكر الله بقلبه و بلسانه و بجوارحه فيكثر من الطاعات إن أعطاه الله مالاً تصدق منه لأنه مال الله إن أعطاه الله علما علّمه ونفع به.
أما إذا واجهته الأحزان فإنه يصبر ويحتسب لأنه يعلم أن هذه المصائب قد كتبت عليه قبل أن يخلق قال تعالى " وما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير " الحديد 22 وتجدين المسلم في المصيبة مستقر النفس هادئ البال لعدة أمور منها :-

عظم أجر الصبر "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" يقول أحد السلف :- وجدنا أفضل عيشنا بالصبر . لما يحصل له من تكفير السيئات ورفع الدرجات "
أنه ينتظر الفرج و أن الشدة لابد لها من فرج "إن مع العسر يسرا فإن مع العسر يسرا " و إن تأخر الفرج " حتى إذا استيئس الرسل و ظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء" قصة المرأة العجوز التي أخذ أحد الوزراء في بغداد ما لها (لا تحزن )
بل إن المسلم لا يضجر للمصيبة لأنه يعلم أن قد تكون علامة محبة الله له "إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم " "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل "صحيح الجامع ولعلي أذكر هنا قصة على عظم الإيمان بالقضاء والقدر ..... هناك كاتب أمريكي – بودلي – مؤلف كتاب رياح في الصحراء و كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم وقد استوطن في فترة من حياته أفريقيا االشمالية بعد أن أسلم عاش معهم 7 سنوات .
إن الإيمان باليوم الآخر :- مما يجعل المسلم يشعر بكثير من الطمأنينة و السعادة حتى في أشد المواقف .
فلا يحزن على ما يفوته من مال أو جمال أو صحة أو أنباء لأن الدنيا يسيرة قصيرة "و اضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا " ويقول صلى الله عليه وسلم " لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء " لذلك الخنساء لما قتل أخوها صخر أخذت تبكيه و ألفت القصائد الطوال في رثائه وعلى العكس لما قتل أبنائها الأربعة في معركة القادسية وكانوا يقولون ماذا ستفعل الخنساء فقالت :"الحمد لله الذي شرفني بقتلهم جميعا وأرجو الله أن يجمعني بهم في مستقر رحمته . وكانت تقول صخر لا ارجوا أن أجمع معه ولكن أبنائي أرجو أن يجمعني الله بهم جميعاً " (المرأة التي تصرع- قصة أم الحارث أهبلت أجننت – حرام بن ملحان ).
إن السعادة الحقيقية هي في الإيمان و في طاعة الله قال تعالى " أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون" "إن الأبرار لفي نعيم " في نعيم الدنيا قبل الآخرة . ويقول إبراهيم بن أدهم :- لو يعلم الملوك و أبناء الملوك ما نحن فيه من السعادة لجالدونا عليها بالسيوف .
لعمرك ما السعادة جمع مالٍ ولكن التقي هو السعيد
من الطاعات التي تجلب لك السرور و الطمأنينة الصلاة , فقد قال صلى الله عليه وسلم " وجعلت قرة عيني في الصلاة " وكان صلى الله عليه وسلم يقول "أرحنا بالصلاة يا بلال "وقال صلى الله عليه و سلم إذا نام أحدكم عقد عليه الشيطان ثلاث عقد فإذا قام فذكر الله انحلت عقد فإذا توضأ انحلت عقدة فإذا صلى انحلت عقد ثم أصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان " وكان صلى الله عليه وسلم في المهمات العظيمة يشرح صدره بالصلاة كيوم بدر و الأحزاب و غيرها من المواطن لأن الله قال " واستعينوا بالصبر و الصلاة" فهل نحن لما نحس بالحزن على ما تعيشه الأمة هذه الأيام قامت و توضأت و صلت؟؟
ذكروا عن الحافظ ابن حجر صاحب الفتح أنه ذهب إلى القلعة بمصر فأحاط به اللصوص فقام يصلي ففرج الله عنه.لماذا نشعر بهذه الراحة؟؟؟ ...قال تعالى(( قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا مثنى..... ))
الصدقة سعة في الصدر و قد وصف الرسول صلى الله عليه و سلم البخيل و الكريم برجلين عليهما جبتان فلا يزال الكريم يعطي و يبذل فتتوسع عليه الجبة و الدرع من الحديد حتى يعفو أثره ولا يزال البخيل يُمسك و يمنع فتتقلص عليه فتخنقه حتى تضيق عليه روحه لذا قال سبحانه " ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك " إن غل الروح جزء من غل اليد ( لا تحزن ).
الصيام قال صلى الله عليه وسلم " للصائم فرحتان" فكيف بمن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر أوكل اثنين وخميس.
الدعاء وذكر الله سبحانه قال تعالى : وقال تعالى: يقول الشيخ عبدالرحمن السعدي عن الإكثار من ذكر الله فإن لذلك تأثيرا عجيبا في انشراح الصدر وطمأنينته و زوال همه وغمه ولذا يقول سبحانه الحجر 97-99
وإن من أفضل الذكر تلاوة القرآن و الانشغال بحفظه و تدبره و العمل بما فيه قال سبحانه شفاء من الأمراض الحسية ومن الأمراض المعنوية كالهموم و الشبهات و الشكوك .
قال أحد الصالحين أحسست بغم لا يعلمه إلا الله ,وبهمّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ مقيم فأخذت المصحف وبقيت أتلو فزال عني والله فجأة هذا الغم و أبدلني الله سرورا و حبورا مكان ذلك الكدر قال تعالى
قصة ابن تيمية في الحبس .