
قصة انقاض الوعد
حدث في السابع من ذي الحجة
قال تعالى :
{وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً
تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً
وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ
وَأَرْضاً لَّمْ تَطأوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً}
26ـ27-الأحزاب.
* * *
في السابع من ذي الحجة منّ الله على المسلمين
بمزيد من النصر والعزة ، وأذن برد كيد الخائنين
إلى نحورهم فكان ذلك اليوم ...
فصل الخطاب في مصير بني قريظة ..
فمن هم بنو قريظة ؟
وماهي قصة غدر هؤلاء القوم وإخلافهم الوعد ؟
وهل استحقوا مانزل بهم جراء فعلهم ،
أم أن هذا العقاب كان في منتهى القسوة كما قيل ؟
................
لنتعرف في البدء على هؤلاء القوم ...
كتب أبو فرج الأصبهاني أن بنو قريظة
هم إحدى القبائل اليهودية
التي هاجرت إلى الحجاز في أعقاب حروب
بين اليهود والروم.
وأما القبائل الاخرى فهي : بنو قنيقاع وبنو النضير ..
...............
وفي القرن الخامس استوطنت القبائل الثلاث يثرب وامتهنوا
زراعة النخيل والحبوب .. فازدهرت أوضاعهم الاقتصاية في يثرب ..
حتى القرن السابع ..!
...............
نسب بنو قريظة :
هم قريظة بن النمام بن الخزرج بن الصريح
بن السبط بن اليسع بن سعد بن لاوي بن جبر
بن النمام بن عازر بن عيزر بن هارون بن عمران.
.........
أضواء على الأحوال في يثرب :
في أرض يثرب عاشت قبيلتان عربيتان :
الأوس والخزرج
ولم يكن بينهما تآلف وتعاون ،
بل عداء استحكم لمئة عام ...!
فكيف كان الوضع مع تواجد قبائل اليهود ؟
انقسمت اليهود بين قبيلتي العرب
فتحالف بنو النضير وبنو قريظة مع الأوس
وتحالفت بنو قنيقاع مع الخزرج .
ودخلت القبيلتان وحلفاؤهما في أربعة حروب
كان أشدهادمويةً.. ( يوم بعاث) .
................
وعودة إلى بني قريظة
كانت لبني قريظة قوة عسكرية كبيرة ...
هيمنت على المدينة وما جاورها
وامتهنوا إضافة إلى الزراعة صناعة أنواع من الأسلحة
وقد عاشوا في سعة ومنعة في صياصيهم
(حصونهم ) في أقصى المدينة ..
................
وتمتد القصة ..
في عام ٦٦٢ ميلادي عندما هاجر النبي صلى عليه وسلم
إلى يثرب ..
عقد حلفاً بين المسلمين وسكان المدينة من غير المسلمين ..
ومنهم سيد بني قريظة ( كعب ابن أسد ) ..
ونصت على أن لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم،
وهم حليفان إذا وقعت حرب فلا يغدر أحدهما بالآخر ..
حتى حدث ماأنقض ( حلف المدينة )
في غزوة الخندق ..! .
فماذا حدث ؟!!
...........
في بداية محاصرة الأحزاب للمدينة
لزمت بنو قريظة موقفها من الحياد..
بل وزودت المدافعين عن المدينة بالمجارف والمعاول
أثناء حفر الخندق ...!
إلا أنها انتكست على أعقابها في وقت لاحق،
حيث أغراها الأحزاب بزعامة المدينة فاستجابت
و دخلت في مفاوضات مع المحاصرين ..
مخلفةً عهدها مع المسلمين.
................
تناهى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الخبر
فأثار ذلك قلق المسلمين .. !!
إذن تلك الحصون التي كانت تشكل أماناً وحماية
لم تعد لها فائدة بل قد يأتي منها أشد الضرر
فتنهار في أي لحظة دفاعات المدينة .. !! فما العمل ؟!
..............
ولكن الحرب حيلة .. !
وكان أن اختار النبي ( نعيم بن مسعود )
وهو من سادات غطفان ..و كان قد اعتنق الإسلام سراً،
ليعُدّ خطة يفشل بها مؤامرة التحالف
بين المحاصرين وبني قريظة ..
فذهب نعيم إلى بني قريظة ونصحهم بألا ينضموا
إلى قتال المسلمين إلا إذا قدّم لهم المحاصرون رهائن
من بين قادتهم ضماناً ..
ثم سارع إلى الأحزاب وحذرهم من أنه إذا طلب بنو قريظة
الرهائن أن يرفضوا،لأنها تعتزم تسليمهم إلى المسلمين.
وهكذا لعب نعيم دوره بمهارة واقتنع الفريقان بكلامه..
فرفض المحاصرون الطلب ...
وفشل المخطط ..!
وأخفقت قريش في تكوين جبهة قتالية ..
من داخل المدينة .
وشاء الله أن يرجع الأحزاب حاملين الفشل ..
وطلعت شمس ذات نهار .. فإذا الأرض المحيطة بالمدينة
قد خلت إلا من آثارهم .. وكفى الله المؤمنين القتال .
وكان الله قوياً عزيزا.
...........
وبعد هزيمة الأحزاب أصبح النبيّ
في حلٍّ من عهده مع بنو قريظة ..
فأعلن الحرب عليهم ..ونادى المنادي
أن يخرج المسلمون إلى بني قريظة،
فلما بلغوهم، أغلقوا عليهم باب الحصن،
فعرض عليهم رسول الله(ص) الإسلام فيكون لهم ما للمسلمين
وعليهم ما عليهم،وإلا حاصروهم حتى يستسلموا أو يحاربوا،
فأشار عليهم رئيسهم كعب بن أسد أن يسلموا
وخاطبهم :
فوالله، لقد تبين لكم أنه نبي مرسل ..
وأنه الذي تجدونه في التوراة،
فأبوا وقالوا: لا نفارق ديننا.
وبدأ الحصار الإسلامي يطبق عليهم،
واستمر إلى خمسٍ وعشرين ليلة، حتى لم يستطيعوا البقاء معه،
فطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم
النزول على حكم سعد بن معاذ،
وهو رئيس الأوس، وقد كان بنو قريظة حلفاء لهم،
فوافق النبي على ذلك،
وقال لسعد: احكم بما شئت عليهم،
قال سعد: وحكمي نافذ عليهم؟
قال : نعم ...
فحكم سعد أن يقتل رجالهم المقاتلون..
وأن تقسم أموالهم وتسبى ذراريهم ونساؤهم ..
وأن تكون ديارهم للمهاجرين ..
ونفذ الأمر بشكلٍ دقيق،
انطلاقاً من نقضهم العهد فما عاد يؤتمن جانبهم
وأصبح موقعهم المحصن فيما إن بقوا ..
خطرٍ مستقبلي على الإسلام والمسلمين،
بعد أن كان حاضرهم يتحرك في اتجاه ممارسة هذا الخطر.
وهكذا تمت هزيمة بني قريظة في السابع من ذي الحجة ...
أثار البعض حديثاً مفاده ...
أن الحكم على بني قريظة كان قاسياً..
لارأفة فيه ولا رحمة حيث أنهم ًاستسلموا
آخر الأمر بشكل مطلقٍ..
فصل الخطاب أن الجزاء في بني قريظة كان عادلاً
فالمتأمل في طبيعة الموقف يدرك أن الحكم
لم يخرج عن دائرة العدالة.. !
فبنو قريظة نقضوا العهد دون أن يروا من المسلمين ما يستدعي الخيانة ..
لقد كانت أوضاعهم مستقرة وعاشوا بين ظهرانيهم
مطمئنين آمنين ..أحراراً .. منعمين
ثم أن النبي الكريم بعد ذلك أعطاهم الفرصة
لتفادي الخيار الصعب .. وذلك بالدخول في الإسلام ليكون لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم،
ولكنهم رفضوا ذلك ..
كما رفضوا النزول عند حكمه ...
وفضّلوا عليه حكم سعد بن معاذ..
آملين أن تحالفهم القديم مع عشيرته الأوس
سيكون له الأثرفي قرار سعد لصالحهم ..
................
ولكن سعداً حكم عليهم من منطلق عقيدتهم
ضد الإسلام والمسلمين ..
فلقد عاشرهم و كان يعرف خلفياتهم الفكرية..
ويلاحظ تحركاتهم المشبوهة في إثارة الفتن والقلاقل
في داخل المجتمع الإسلامي ..
ما جعله يقرّر ضرورة إنهاء أمرهم بشكل حاسم
فأنصاف الحلول لاتنفع مع هؤلاء ..
فهم قد يوظفونها بالتلاعب بها لصالحهم ..