هنا ننبه إلى أمر قد خالف فيه الناس لأمر الله في مكان العدة، إذ بمجرد أن تحدث الفرقة بين الزوجين بطلاق أو فسخ، تخرج المرأة إلى بيت أبيها أو أخيها، أو أحد أقاربها، لتعتد فيه، وهذا الفعل مخالفٌ لأوامر الله، يدخل في الإثم فيه الزوج والزوجة، كلٌ بحسب ما بدر منه.
يقول الله تعالى موجهاً أمره إلى الأزواج إذا طلقوا زوجاتهم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا العِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ﴾ (1)]، أي لا يجوز للزوج أن يُخرج زوجته من بيته إذا طلقها، وكي لا يعتقد البعض أن الأمر يختص به الأزواج دون الزوجات أضاف الله أمراً للزوجات بعدم الخروج من بيت الزوج أثناء العدة، فقال: ﴿وَلاَ يَخْرُجْنَ﴾ (1)]. كما أن الآية السابقة أضافت البيوت إلى الزوجات، فقال: ﴿مِنْ بُيُوتِهِنَّ﴾، وفي ذلك دلالة على أن للمطلقة حق السكن في بيت الزوج.
ثم استثنى الله من تحريم خروج المرأة من بيت الزوج أثناء عدتها وذلك بجواز إخراج المرأة من بيت الزوج وذلك إذا ارتكبت فاحشة الزنا أثناء فترة العدة أو ساء خُلقها على زوجها، قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍَ﴾ (1)].
ثم أعقب الله تحذيراً للأزواج والزوجات فيما إذا تم إخراج الزوجة من بيت الزوجية، فقال: ﴿وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِوَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾ (1)].
ثم بيّن الله سبب اعتداد المرأة في بيت زوجها، فقال: ﴿لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً﴾ ، قال (الزمخشري): أي الأمر الذي يُحدثه الله : أن يُقلِّب قلب الزوج من بغضها إلى محبتها، ومن الرغبة عنها إلى الرغبة فيها، ومن عزيمة الطلاق إلى الندم عليه فيُراجعها.
وبالتالي فيجب على المطلقة الرجعية البقاء في بيت الزوج بالإجماع، كما أجمع العلماء على بقاء الحامل في بيت زوجها ولو كانت مطلقة طلاقاً بائناً.
ولكن ما حكم المطلقة طلاقاً بائناً، هل يجب عليها البقاء في بيت زوجها لحين انقضاء عدتها أم لا؟
من المعلوم أن المقصود بالطلاق الرجعي هو أن يُطلق الرجل زوجته طلقة أولى أو طلقتين، وسُمي طلاقاً رجعياً، لأن للرجل حق إرجاع الزوجة إليه بعد طلاقه الطلاق الأول أو الثاني دون موافقة الزوجة، وبدون مهر أو عقد جديدين إذا كانت الرَجعة في زمن العدة، وإذا انتهت العدة ثم أرجعها، فله أن يتزوجها ولكن بموافقتها وبمهر وعقد جديدين، بينما الطلاق البائن فهو أن يُطلق الرجل زوجته الطلقة الثالثة، وسُمي طلاقاً بائناً، لأن المرأة تبين أي تبعد وترحل عنه، ولا يحل له نكاحها إلا بعد أن تتزوج غيره، فيُطلقها الزوج الثاني ثلاث تطليقات، وتنتهي عدتها.
أما الجواب على ذلك، فقد ناقش العلماء هذا الأمر، وتعمقوا في الأمر من ناحية هل تستحق المطلقة طلاقاً بائناً الغير حامل حق السكن على الزوج على اختلافٍ أيضاً في استحقاقها النفقة من عدمه، ولكن ما يهمنا هنا هو حق السكنى، أي هل أمر الله في قوله تعالى: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْوَلاَتُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ﴾ (6)] يشمل المطلقة طلاقاً بائناً أم لا، وذلك على قولين:
- ليس للمطلقة البائنة حق السكن، وبالتالي فلا يجب بقاءها في بيت الزوجية بمجرد أن تصير بائنة، وهذا قولٌ عن الإمام (الشافعي)، ورواية عن الإمام (أحمد) بن حنبل.
- أن لها حق السكن، وبالتالي لا يجوز أن تخرج من بيت الزوجية، وهذا مذهب (الأحناف) و(المالكية)، والإمام (الشافعي) في القول الآخر له، والإمام (ابن حنبل) في روايته الأخرى.
وبالتالي، فمن أوجب بقاء المطلقة البائنة التي ليست بحامل في بيت الزوج، إنما لأجل استبراء الرحم، لأنه ما زال ذلك أثراً باقياً من آثار الزوجية، وهو من حق الزوج، بينما من أجاز اعتداد المطلقة البائنة خارج بين الزوج إنما لعدم الجدوى من بقاء المطلقة في بيت زوجها لأجل الرجعة الواردة في قوله تعالى: ﴿لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً﴾.
هذا ما وجب تنبيه الأزواج والزوجات إليه، كي لا يتم التعدي على حدود الله، والدخول في دائرة الظلم، والله أعلم.
م.ن
الخلق الرفيع @alkhlk_alrfyaa
عضوة فعالة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
wafa1
•
جزاك الله خير
لمار**
•
غفرالله لك ولنا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات
نحمدالله ونشكره على نعمه علينا الله يديمها
لاإله إلاأنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير
رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين
نحمدالله ونشكره على نعمه علينا الله يديمها
لاإله إلاأنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير
رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين
الصفحة الأخيرة