حرمة مكة
قال القرطبي (رحمه الله) في تفسيره : اختلف العلماء في مكة هل صارت حرما آمنا بسؤال إبراهيم ، أو كانت قبله كذلك على قولين ، أحدهما : أنها لم تزل حرما من الجبابرة المسلطين ، ومن الخسوف والزلازل وسائر المثلات التي تحل بالبلاد ، وجعل في النفوس المتمردة من تعظيمها والهيبة لها ما صار به أهلها متميزين بالأمن من غيرهم من أهل القرى .... وإنما سأل إبراهيم ربه أن يجعلها أمنا من القحط والجدب والغارات ، وأن يرزق أهله من الثمرات ، لا على ما ظنه بعض الناس أنه المنع من سفك الدم في حق من لزمه القتل ، فإن ذلك يبعد كونه مقصودا لإبراهيم e حتى يقال طلب من الله أن يكون في شرعه تحريم قتل من التجأ إلى الحرم هذا بعيد جدا . الثاني : أن مكة كانت حلالا قبل دعوة إبراهيم -عليه السلام- كسائر البلاد وأن بدعوته صارت حرما آمنا كما صارت المدينة بتحريم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أمنا بعد أن كانت حلالا . احتج أهل المقالة الأولى بحديث ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة : إن هذا البلد حرمه الله تعالى يوم خلق السماوات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة ، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة .... وفي صحيح مسلم أيضا عن عبد الله بن زيد بن عاصم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال : إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها ، وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة ، وإني دعوت في صاعها ومدها بمثلي ما دعا به إبراهيم لأهل مكة ، قال ابن عطية : ولا تعارض بين الحديثين ، لأن الأول إخبار بسابق علم الله فيها وقضائه ، وكون الحرمة مدة آدم وأوقات عمارة القطر بإيمان ، والثاني إخبار بتجديد إبراهيم لحرمتها وإظهاره ذلك بعد الدثور ، وكان القول الأول من النبي e ثاني يوم الفتح إخبارا بتعظيم حرمة مكة على المؤمنين بإسناد التحريم إلى الله تعالى ذكر إبراهيم عند تحريم المدينة مثالا لنفسه ، ولا محالة أن تحريم المدينة هو أيضا من قبل الله تعالى ، ومن نافذ قضائه وسابق علمه . وقال الطبري : كانت مكة حراما فلم يتعبد الله الخلق بذلك حتى سأله إبراهيم فحرمها .
سوسوان @sosoan
عضوة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️