حسن الظن بالآخرين
من أبرز القيم الإنسانية التي حثت عليها شريعة الإسلام لإشاعة الثقة والمحبة بين الناس حسن الظن والبعد عن سوء الظن، والحكم على الناس بالظواهر، لأن الذي يعلم البواطن والسرائر هو الله تعالى.
وحسن الظن هو تغليب جانب الخير على جانب الشر وتجنب المسارعة بالاتهام دون برهان أو دليل.
وحسن الظن بالله تعالى أن تظن أنه سيعفو عنك ويرحمك بواسع رحمته وهذا لا يتعارض ولا يتناقض مع الحذر والحيطة بخلاف الظن بالناس خيرا أو شرا.
إن الأمة السعيدة الرشيدة، كما يقول الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر، هي التي يكثر فيها الأفراد الذين يبنون علاقاتهم مع غيرهم على حسن الظن، وعلى عواطف المحبة المشتركة، والمودة الخالصة، والتعاون المتبادل والثقة الوثيقة والابتعاد عن سوء الظن دون أن يكون هناك ضرورة تدعو إليه، إذ من دعاء المؤمنين الصادقين: “ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم”.
لقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ فقال: “كل مخموم القلب صدوق اللسان” قيل: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب: فقال: “هو التقي النقي الذي لا إثم في قلبه ولا بغي ولا غل ولا حسد”. ولقد نهى صلى الله عليه وسلم أتباعه عن أن يبلغوه أخبارا لا يحب أن يسمعها، فقال: “لا يبلغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئا، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر”.
فضيلة الفضائل
والذي يتدبر القرآن الكريم يراه قد عدّ حسن الظن في مواطنه خلقا من أخلاقه، وفضيلة من فضائل المجتمع العاقل المستقيم الطهور، وأن سوء الظن دون مقتضى ليس من أخلاق المؤمنين الصادقين فقد قال سبحانه عندما أشاع المنافقون حديث الإفك عن السيدة عائشة رضي الله عنها: “لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين”.
والمعنى: هلا وقت أن سمعتم أيها المؤمنون والمؤمنات حديث الإفك هذا، ظننتم بأنفسكم، أي بإخوانكم وبأخواتكم، ظنا حسنا جميلا، وقلتم لمن تفوه بهذا الحديث المفترى: هذا كذب لا يصدقه عقل أو نقل؟ وفي التعبير عن إخوانهم بأنفسهم: أسمى ألوان الدعوة إلى غرس فضيلة حسن الظن فيما بينهم حتى لكأن الذي يظن الظن السيئ بغيره، إنما ظنه بنفسه.
ولقد ضرب المؤمنون والمؤمنات أروع الأمثال في حسن الظن، بغيرهم، فها هو ذا أبو أيوب الأنصاري عندما أشاع مرضى النفوس حديث الإفك عن السيدة عائشة؟ قال: سمعت وهذا هو الكذب!! ثم قالت له: هل كنت مكان “صفوان” وهو الشخص الذي اتهم مع عائشة أكنت تظن بحرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم سوءا؟ قال: لا، فقالت له: ولو كنت أنا بدل عائشة ما خنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة خير مني، وصفوان خير منك!!
وهكذا الأخيار الأطهار، يبنون أمورهم على حسن الظن بالناس.
صفة أهل الإيمان
وحسن الظن واجب على كل مسلم آمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا ذلك أن سوء الظن بالله من عمل أهل الجاهلية الذين لم تشرق قلوبهم بأنوار الإيمان ولم يهتدوا إلى طريق الرحمن، لقوله تعالى: “وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء”.
يتحدث سياق الآية ويقارن بين طائفة المؤمنين الظانين بالله أحسن الظنون. وطائفة المنافقين الشاكين الذين ضعف إيمانهم فظنوا بالله غير الحق ظن الجاهلية. فحسن الظن هنا صفة وخلق من أخلاق أهل الإيمان وعكس ذلك صفة أهل الشك والكفران الذين هم من الخاسرين الضالين الذين أساءوا بالله الظنون وذلك واضح في قوله تعالى: “وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون. وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين”.
وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: “أنا عند ظن عبدي بي” وفي هذا القول الكريم ترجيح لجانب الأمل والرجاء على جانب الخوف، وتغليب لحسن الظن على سوء الظن، لأن المحرك الوحيد لسوء الظن هو الشيطان حيث يؤدي ذلك إلى المفاسد الأخلاقية والاجتماعية بل والإنسانية بشكل عام: ذلك أن الشيطان يحاول دائما إثارة سوء الظن وتحريكه في نفس الإنسان ليؤدي به دائما إلى ما لا تحمد عقباه. ولقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نغلق باب سوء الظن ومنافذ الشيطان إليه، وذلك عندما كان معتكفا في المسجد، ووقف على بابه ليتحدث مع السيدة صفية بنت حيي فمر بهما رجلان من الأنصار فسلما وانصرفا، فناداهما النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنها صفية فقالا:
يا رسول الله ما نظن بك إلا خيرا، فقال إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فهذا حرص شديد وتضييق لكل منافذ الشيطان على صدق الإيمان.
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

بوركت اخيه
صدقت والله ....ان احسان الظن بالاخرين يعود بالراحه للشخص نفسه
وكم هي المواقف التي يتحسر صاحبها في النهايه بعد سوء ظنه........
سلمت يداك
صدقت والله ....ان احسان الظن بالاخرين يعود بالراحه للشخص نفسه
وكم هي المواقف التي يتحسر صاحبها في النهايه بعد سوء ظنه........
سلمت يداك



الصفحة الأخيرة
في ميزانكِ وسلمت يمينكِ