بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله مستحق الحمد وأهله، يجزي الصادقين بصدقهم من رحمته وفضله
ويجازي الكاذبين فيعاقبهم إن شاء بحكمته وعدله...
●●
فقد سرت أمراض خبيثة في أمة الإسلام
تحصد الحسنات وتجلب السيئات
يقوم بها مخلوق صغير هو من نعم الله العظيمة
ولطائف صنعه الغريبة، إنه اللسان الذي به تظهر الرفعة والدنو والسقطة والعلو..
وأشد أنواع الاستهزاء وأعظمها خطراً: الاستهزاء بالدين وأهله،
ولخطورته وعظم أمره فقد أجمع العلماء على أن الاستهزاء بالله وبدينه وبرسوله كفر بواح،
يخرج من الملة بالكلية.
والاستهزاء بالدين من الأعمال الشنيعة، والداء الفتاك الذي انتشر بين كثير المسلمين مع الأسف، حتى صارت السخرية ببعض آيات الله،
وبعض ما يتعلق بالإيمان، والعقيدة، والعبادات الشرعية موجودةً عند عدد من الناس، يتندرون بها في المجالس، وينشرونها ويتكلمون بها.
●●●
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن الاسهزاء بالله وآياته ورسوله كـفر يكفر صاحبه بعد إيمانه.
●
●
وفي غزوة تبوك استهزأ بعض الناس بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم،
والرواية قد رواها ابن جريررحمه الله وغيره، وهو حديث حسن.
عن عبدالله بن عمر
قال: (قال رجل في غزوة تبوك في المجلس
قال: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أجبن عند اللقاء،
فقال رجل في المجلس: كذبت؛ ولكنك منافق، ولأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن،
قال عبدالله بن عمر : وأنا رأيته متعلقاً بِحِقْب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تَنْكُبُه الحجارة
وهو يقول: يا رسول الله: (إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ )
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) )
وفي رواية: (فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته فقال: يا رسول الله!
(إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ )
ونتحدث حديث الركب نقطع به عناء الطريق,,,
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:
(أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ )
) .
وذكر شيخ الاسلام رحمه الله أن الكفر الذي كفروا به كفر حقيقي، وليس مجرد كفر باللسان، بل هو كفر قلبي،
ولذلك ما أظهروه إلا لبعض خواصهم، قال: ( ما رأينا مثل قرائنا ) ونُقل الحديث إلى النبي عليه الصلاة والسلام،
وهذا دال على الكفر ولا شك.
●●
فبيَّنت هذه الرواية أن الاستهزاء بآيات الله كفر، وأن المستهزئ كافر، فلو أن شخصاً استهزأ بشيء من الدين،
أو بآية من القرآن مثلاً، ثم قال لك: يا أخي! والله أنا قصدي المزاح فقط،
نقول: لا، الاستهزاء بالقرآن كفر،
قلتَ مازحاً أو ما قلتَ مازحاً أنت كافر، هذه هي المسألة واضحة.
●●●
قال شيخ الإسلام رحمه الله في هذه الآية التي هي:
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ )
قال: وهذا نص في أن الاستهزاء بالله وآياته وبرسوله كفر.
وقال أيضاً: وقد دلت هذه الآية على أن كل من تَنَقَّصَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم
جاداً أو هازلاً فقد كفر.
وقال رحمه الله: فهؤلاء لما تَنَقَّصُوا النبي صلى الله عليه وسلم، حيث عابوه والعلماء من أصحابه قالوا: ما رأينا مثل قرائنا،
والقراء هم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، واستهانوا بخبره، أخبر الله أنهم كفروا بذلك وإن قالوه استهزاءً،
فكيف بما هو أغلظ من ذلك، وإنما لم يُقِمِ الحد عليهم لكون جهاد المنافقين لم يكن قد أُمِر به إذ ذاك،
بل كان مأموراً بأن يدع أذاهم؛ ولأنه كان له أن يعفو عمن تَنَقَّصَه وآذاه. وعلى ما سبق فإن أي استخفاف أو ازدراء بالدين،
أو استهزاء بأي شعيرة من الدين؛ بالله، أو آياته، أو رسوله، أو أركان الإيمان؛ أو الجنة، أو النار، أو الملائكة،
أو الأنبياء، مَن استهزأ بشيء من ذلك فقد كفر، والكفر الذي يكفر به كفر أكبر مخرج عن الملة.
قال العلامةالسعدي رحمه الله: إن الاستهزاء بالله ورسوله كفر يخرج عن الدين؛ لأن أصل الدين مبني على تعظيم الله،
وتعظيم دينه ورسوله، والاستهزاء بشيء من ذلك منافٍ لهذا الأصل ومناقض له أشد المناقضة.
وقال ابن قدامة رحمه الله: من سب الله تعالى كفر؛ سواء كان مازحاً أو جاداً،
وكذلك من استهزأ بالله تعالى، أو بآياته، أو برسله، أو كتبه،
قال الله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ .. الآية ) .
لذلك ينبغي على الإنسان إذا سمع كلام الله عز وجل أن يعظِّمه، وأن يخشع له، وأن يطرق مفكراً فيه متدبراً،
لا أن يستعمله في مجالات الاستهزاء والسخرية والمزاح، فما أُنْزِل القرآن لكي نقطعه مقاطع، ونأتي بها في مناسبات
على سبيل السخرية والتنكيت والمزاح وإضحاك الناس، ما أُنْزِل القرآن لهذا مطلقاً!
●●●
فهذا اللسان الصغير الذي خلقه الله عز وجل للطاعة والعبادة
قد يودي بصاحبه إلى المهالك، خاصة إذا كان يطلق بدون تحفظ ولا تحرز، فتراه يغمز هذا،
ويلمز ذاك..
ومن تأمل في حال البعض رأى أن هناك مجالس طويلة قامت على الضحك والنكت الساذجة،
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم محذراً ومبيناً عظم الأمر وخطورته
{ إن الرجل ليتكـلم بالكلمة ليضحك بها جلساءه يهوي بها من أبعد من الثريا } .
واجعل أمام عينيك هذه الآية: ( مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )
واحرص على حفظ لسانك ففي الحديث: {.. وهل يكب الناس على وجوههم - أو على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم }
.
●
اللهم ارزقنا حبك وحب دينك وكتابك ونبيك صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام،
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان
وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
‘‘
المصادر
فلا تقعدوا معهم .. عبدالملك القاسم
الاستهزاء بالدين بيانه واحكامه ..محمد المنجد
