د.مشبب القحطاني

د.مشبب القحطاني @dmshbb_alkhtany

إمام وخطيب مفكرة المجلس عضو في جماعة التوعية الإسلامية

(حقوق الانسان في خطبة الوداع )خطبة الجمعة 8/12/1424

الملتقى العام

أيها المسلمون:

في مثل هذه الأيام، ومنذ أربعةَ عشر قرناً من الزمان, تحديداً في السنة العاشرة من الهجرة، حج نبينا الحبيب محمد حجة الإسلام والتي أطلق عليها حجة الوداع.
وفي هذه الحجة المباركة، وقف وخطب في المسلمين خطبة بليغة كان لها وقعا كبير على نفوسهم ونفوس من بعدهم .

هذه الخطبة التي ألقاها لم تستغرق إلا بضع دقائق، ولكنها كانت خطبة عظيمة القدر والفائدة .
ولا عجب في ذلك فصاحبها عليه الصلاة والسلام، أفصح العرب، وأوتي جوامع الكلم، واختصرت له المعاني اختصاراً.

أيها الإخوة في الله : وفي هذه اليوم بإذن الله تعالى سنقف على عدة فقرات ودرت فيها ..

الأولى حول قوله :( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. )

لقد أعلنها صريحة أعلن حقوق الإنسان الحقيقية، وليست المزيفة أو المزدوجة، فدم المسلم حرام إلا بالحق ، ومن قتل مسلماً بدون حق فقد قال الله فيه وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً .

فأين هم الذين يعتدون على أرواح المسلمين بشتى الطرق من هذه الآية ؟

بل أين منها من يحب ويمدح ويحترم الملعونين الذين غضب الله عليهم من اليهود والنصارى والمنافقين الذين يقتلون المسلمين في بلاد شتى ؟؟

أين هم من هذه الآية ؟؟

وكما أن دم المسلم حرام فإنه ماله أيضاً حرام ، ولو كان شيئاً يسيراً ، ومن اخذ من المسلم ولو عود سواك فقد عرض نفسه للعذاب ، يؤكد هذا قوله : ( من اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق. فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة، قالوا: يا رسول الله: وإن كان شيئاً يسيراً قال: وإن كان قضيباً من أراك)

فأين هم الذين يعتدون على المسلمين فيسرقونهم ، وينهبون أموالهم بشتى الطرق ، أو حتى يستولون على أجورهم بغير حق ، أين هم عن هذا التهديد والوعيد، وما الذي سيفعلونه عندما يفضحهم الله يوم القيامة.


الوقفة الثانية حول قوله : (: يا أيها الناس! ألا إن ربكم عز وجل واحد ، وإن أباكم واحد ، ألا ، لا فضل لعربي على أعجمي ، ألا لا فضل لأسود على أحمر إلا بالتقوى ، ألا قد بلغت؟ قالوا : نعم . )

وهذا النص أساس في حقوق الإنسان، حيث اثبت صلى الله عليه وسلم أن ميزان الحق الذي يوزن به الناس يوم القيامة هو ميزان التقوى، لا ميزان الحسب والنسب والجاه والمال والشهرة، فكل هذا لا قيمة لها في الإسلام. والنعرات الجاهلية والتفاخر بها تعتبر من أقصر الطرق الموصلة إلى النار والعياذ بالله.

فأين الذين ما زالوا يتمسكون بالفخر باحسابهم وانسابهم وفي نفس الوقت يطعنون في انساب واحساب الآخرين ، ومن أجلها يوالون ويعادون، ويحبون ويكرهون،
وأمثال هؤلاء الذين يقدمون الجنس أو اللغة أو الدم آو البلد على الدين، أمثال هؤلاء قال نبيه : ((إن الله قد أذهب عنكم عُبيّة الجاهلية وفخرها بالآباء فالناس رجلان: مؤمن تقي، وفاجر شقي، أنتم بنو آدم، وآدم من تراب. ليدعن رجال فخرهم بأقوام، إنما هم فحم من فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن ) فهل يعتبر هؤلاء ويعرفوا أنه لا قيمة للإنسان إلا بالإسلام، وأنه من غير الإسلام لا يساوي شيئاً.

الوقفة الثالثة حول قوله : ( ألا كل شي من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ربيعة بن الحارث، )

لقد نبه هنا على أن كل ما كانت الجاهلية تفخر به وتتمسك من تقاليد وعادات واستعباد للناس، وحكم بغير ما انزل الله ، كل ذلك موضوع تحت قدميه .

ومع هذا التنبيه القوي الصريح فمازال هناك من الناس وللأسف من يصر على أن يضع هذه الأغلال على رأسه وفوق عينه، فإذا اصطدمت عاداتهم وتقاليدهم مع الدين، قدموا العادات والتقاليد وأخروا الدين. وإذا طلب منهم التحاكم إلى شرع الله، فيما بينهم فضلوا التحاكم إلى قوانينهم وأعرافهم، فهل هؤلاء مسلمون ؟؟
الوقفة الرابعة حول قوله صلى الله عليه وسلم ( ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع ، لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون )

وفي الحديث دلالة على بطلان الربا الذي كان يمارس في الجاهلية ، وهذا لا يعني أن هناك ربا إسلامي ، بل الربا كله من أعمال الجاهلية حتى ولو كان في العصر الحديث ، ولو قام به بعض المنتسبين إلى الإسلام .

أيها الأخوة ومع هذا النهي الصريح عن التعامل بالربا فمازال البعض يتعامل به ولا يبالي ، أعماه جمع المال عن دينه ودنياه وآخرته . نسال اله السلامةوالعافيه

لقد نصب المسكين نفسه محاربا لله ولرسوله ، وكأنه لم يسمع قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا بما بقي من الربا أن كنتم مؤمنين ، فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ، وان تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون )
أ
قول ما تسمعون. واستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين.


الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين أما بعد

الوقفة الرابعة حول قوله : (ألا واستوصوا بالنساء خيرا، فإنما هن عوان عندكم، ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضربا غير مبرح، فإن أطعنكم، فلا تبغوا عليهن سبيلا، ألا وإن لكم على نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم؛ فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وإن حقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن )


الله أكبر: انظروا إلى تكريم الرسول للمرأة، بعد أن كانت لا قيمة لها في الجاهلية، بل كانت رمزاً للشر والخزي والعار، فأكرمها الإسلام بنتاً وأختاً وزوجة وأماً. فأكرمها بنتاً وأختاً
وليس هذا فقط، بل إن المرأة في ظل الإسلام كالرجل في الثواب والعقاب؟ومطلق المسؤولية والجزاء. وجعل لها حق البيع والشراء والتملك، بل وجعلت النفقة والكفالة على أبيها أو ولي أمرها إن كانت بكراً أو ثيباً، وعلى زوجها إن كانت زوجة، حتى ولو كانت من الثريات، وغير ذلك كثير.

لكن الكثير يتجاهلون هذه الوصايا العظيمة ولا يعملون بها. بل إن بعض الرجال لا يزال يتعامل مع النساء بعقلية الجاهلين القدامى، لا ترى المرأة منه إلا الظلم والإهانة والضرب والتحقير لها.

والمصيبة العظمى أن البعض من النساء يعتقدن أن هذا يحدث لهن بسبب الدين، وهذا والله افتراء عظيم على دين الله .

فلقد عهدنا المرأة أيام كان الإسلام مزدهراً. عهدناها فقيهة محدثة كأم المؤمنين عائشة، ومربية فاضلة كأسماء وآلاف مثلها، وشاعرة مجيدة كالخنساء. ومجاهدة تلطم وجه الشرك وتصدع أعوان البغي كخولة ونسيبة .

هكذا كانت المرأة المسلمة ، وما نزلت قيمتُها ، وما ضيعت حقوقها إلا عندما قيل لها: تحرري وتطوري ، وإذا أردت الحضارة والحرية فاتركي الدين، واختلطي بالرجال وارفعي الحجاب،
فضاعت المرأة المسلمة في كثير من بلاد المسلمين، فاختلطت بالرجال ونزعت حجابها وتبرجت وغنت ورقصت، فصارت طعماً للذئاب الجائعة، والكلاب المفترسة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومما يؤسف له أن بعض المنتسبين الىالاسلام في بلادنا مازالوا يعلقون الآمال في تحرير المرأة من الظلم على الغرب الكافر ، مما حدى بمنظمي منتدى جدة الاقتصادي الأخير ، إلى استضافة قرد حقير ، يقف موقفا لا يبعد مأة كيلوامتر عن موقفه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، وينطق بعبارته الآثمة ، )إنه لو كانت السيارات موجودة منذ نحو 1400 عام مضت ، لسمح النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) لزوجته أن تكون خلف مقود السيارة ، وأن الرسول كان على الأرجح سيجعل السعودية أول دولة منتجة للسيارات على وجه الأرض ، وكان سيضع (النساء) في موقع المسؤولية عن هذه الصناعة .

ومما يدعو للأسف أن هذا الكلام بما تضمنه من إسفاف قد صفقت له أعداد من النساء اللاتي حضرن المؤتمر بحرارة.
أنه لأمر مؤسف جدا كيف سمح لذلك الكافر ابن الكافرة يتحدث على لسان نبيهم ، ويتقول عليه وعلى أزواجه أمهات المؤمنين ؟! ويفترض الافتراضات التي نخجل أن نطلقها على آحاد الناس ، فكيف بالمعصوم صلى الله عليه وسلم .

ولقد بلغ بهم الخنوع فلم ينكروا مقولته تلك بل صفق له من قبل الحاضرات والحضور . .
أيها الإخوة في الله

وبعد أن انتهى من الخطبة العظيمة نادى في الناس قائلاً: ((إنكم ستسألون عني فما أنتم قائلون؟ )) فارتفعت الأصوات من حوله تصرخ وتقول: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فرفع نظره إلى السماء وأشار بسبابته إلى السماء ثم إلى الناس قائلاً: ((اللهم أشهد، اللهم أشهد، اللهم أشهد)).
ونحن نقول اليوم نشهدك يا الله بأن رسولك ونبيك محمد قد بلغ وأدى ونصح، فجزاه الله خير ما يجزي نبياً عن أمته.
وإذا كان قد قضى حياته بطلاً مجاهداً صابراً مرابطاً، وترك بعده أصحابه الأبطال والذين قدموا أرواحهم وأموالهم رخيصة في سبيل الله وفي سبيل نصرة هذا الدين، وفي سبيل أن يصل إلينا نقياً صافياً.

فما الذي فعلناه نحن؟ هل عرفنا قيمة ديننا؟ هل عملنا له؟ هل دعونا لله؟ ماذا قدمنا في سبيله؟ هل جاهدنا بأموالنا وأنفسنا؟ هل. . وهل؟

أسئلة كثيرة تدور في عقولنا، ولكن لا نملك إجابة عليها، بسبب التقاعس والكسل عن نصرة ديننا.

فهل يدفعنا ما سمعناه سابقاً على أن نغير من أحوالنا إلى ما يحبه الله ويرضاه، نرجو ذلك ونتمناه،

وفقنا الله جميعاً لما يحبه ويرضاه. نسأل الله أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين جميعاً وأن يوقظنا من سكرة الدنيا ونشوة الشهوات والأهواء، وأن يتغمدنا بلطفه وجوده ورحمته إنه على كل شيء قدير.
0
632

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️