بسم الله الرحمن الرحيم
إنك إن حكم عليك بالشنق فأنقذك رجل منه فكم تقّدره؟ وألست ترى نفسك رهينة إحسانه ما دمت حيّاً؟.
نعم تراه أنت ويراه كل ذي ضمير!
ثم لنا أن نتساءل: ولم هذا التقدير؟.
والجواب: إن الرجل المنقذ حفظ الشخص المحكوم عليه بالإعدام فله حق الحياة على المحكوم عليه، وحيث ان الحياة أجلّ من جميع النعم فشكر المحسن بها يلزم أن يكون أجزل من جميع أنحاء الشكر. إنّ معنى إنقاذ الحياة أنّ المحكوم عليه رهين إحسان المنقذ في كل لحظة من لحظات حياته ألا يحق له شكره في كل آن؟.
إنّ هذا المنطق الواضح يدل على مدى لزوم الإحسان إلى الوالدين بمقايسة بسيطة، وهي إنّ المنقذ من الإعدام لو استحق كل تجلّة واحترام فالأبوان اللذان سبّبا حياة الشخص من أوّلها إلى آخرها يستحقان أضعاف ذلك الإحسان.
أرأيت الفرق الواضح بين من وهبك داراً وبين من أنقذ دارك من يد غاصب؟.
إنّ الأول أحق بالشكر من الثاني.
وهذا هو الفرق بين من أعطاك حياة وبين من أنقذ حياتك.
ولذا نرى الإسلام ـ الإسلام العظيم العارف بالحقوق ـ يمنح الوالدين قسطاً كبيراً من الإحسان والإكرام، ووجوب الطاعة والإتباع وحتى لو كانا مشركين! والمشرك بنظر الإسلام معلوم حاله ـ وحتى لو جاهدا لإشراك الولد فإن الإسلام لا يمنعهما رفده والتوصية بهما: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً...).
ويقول الله تعالى: (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا).
ويقول ايضا : (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا...).
أما السنة المطهرة فقد اهتمت أيضاً بهذا الجانب ووردت أحاديث كثيرة توصينا بالبر بوالدينا وتحذرنا من عقوقهما فقد قال عليه الصلاة والسلام: (رضا الرب من رضا الوالدين وسخط الرب من سخط الوالدين), ليس هذا فحسب بل إن السنة أوصتنا بأن نبر بأصدقاء والدينا كما قال عليه الصلاة والسلام: (من أبر البر أن يبر الرجل ود أبيه) أي أصدقاءه, وفي حديث آخر قرن عليه الصلاة والسلام الاشراك بالله بعقوق الوالدين ولذلك كان سلفنا الصالح بارين بوالديهم مؤدين لحقوقهم,, ولكن كيف حالنا الآن,, لقد ذهبت السنون بالكثير من المحاسن الإنسانية التي كانت مقدسات يتباهى بها الإنسان المسلم ومن أعظم تلك المقدسات طاعة الآباء والأمهات.
فقد كان إنسان الماضي يتفانى ويذهب فداء لأبويه بل تذهب روحه ولا تصيب أحد والديه شوكة,, والآن وبعد هذا التقدم الكبير وهذه الحضارة الزائلة صار بر الوالدين شيئاً من الماضي الذي يجب أن ينسى, إن ما نسمعه بين فينة وأخرى من تعرض أحد الوالدين لعقوق وتجاهل لم يعد من الأمور الشاذة والنادرة الحصول بل صرنا نسمع ونقرأ عن مثل ذلك يومياً (بدون مبالغة) حتى إن بر الوالدين واحترامهما أصبح في أحيان كثيرة من النوادر,, وإن التجاوزات التي تحدث بحقهما تجاوزت حدها ولم تقف عند حدود كلمة (أُفٍ) والتي نهانا عنها الحق سبحانه وعن التفوه بها بل تجاوزتها.
هل سمعتم بالفتاة التي تطالب والديها بتعويض مقابل قيامها بتنظيف غرفتهما, وبالرجل الذي قتل والدته المسنة وأكل لحمها,, هذا ما يحدث في الغرب فماذا يحدث عندنا ؟ ابن يحرق أباه, وشقي يطرد أمه من المنزل، وآخر يضع القمامة على رأس أبيه,, وانتهى المطاف ببعض والدينا إلى دور المسنين هرباً من جور الأبناء وظلمهم لآبائهم تلك الدور التي بدأت في الغرب ثم وبكل أسف زحفت لا إلى عالمنا العربي والإسلامي فحسب بل وإلى ديارنا أي والله ديارنا حينما يضيق أبناء الأب الطاعن في السن أو الأم الطاعنة في السن فينقل الأب إلى بيت يؤويه وأمثاله وتنقل الأم إلى بيت يؤويها وأمثالها حتى يرحمهما الموت,, فهل كان عندنا قبل ثلاثة عقود من الزمن بل عقدين بيوت مسنين أو مجرد سمعنا بها,, الذي نعرفه ويعرفه كل واحد منا أن البيت الواحد يعيش فيه ثلاثة أجيال ينظم الأذان نومها ويقظتها !! وكنا نحس بمعنى الحديث الشريف (ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه),,!
كان بر الوالدين يلي عبادة الله! وكان التماس دعائهما أملاً كبيراً، أما في هذا العصر الذي انقلبت فيه الموازين والعياذ بالله فخير للوالدين أو أحدهما ترك البيت للابن العاق يسعد فيه وزوجه وقضاء بقية العمر في دور المسنين.
الوصية على الوالدين و البر بهما واجب وهي عبادة و طاعة لامر الله عزوجل :
أولاً : أنها طاعة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى : ( ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً ) ، وقال تعالى : ( وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيراً ) وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل افضل قال إيمان بالله ورسوله ثم بر الوالدين .. الحديث . وغيرها من الآيات والأحاديث المتواترة في ذلك .
ثانياً : إن طاعة الوالدين واحترامهما سبب لدخول الجنة كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ . صحيح مسلم 4627
ثالثاً : أن احترامهما وطاعتهما سبب للألفة والمحبة .
رابعاً : أن احترامهما وطاعتهما شكر لهما لأنهما سبب وجودك في هذه الدنيا وأيضاً شكر لها على تربيتك ورعايتك في صغرك ، قال الله تعالى : ( وأن اشكر لي ولوالديك .. ) .
خامساً : أن بر الولد لوالديه سببُ لأن يبره أولاده ، قال الله تعالى
( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) . والله أعلم .
منقول

بقايا دموع @bkaya_dmoaa
عضوة شرف عالم حواء
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.




الصفحة الأخيرة
اللهم إجعل أبناءنا قرة عين لنا وأعنا على تربيتهم
*****
على الهامش
مبرووووك الاشراف :26: