عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
1/5/1427
من أعظم النعم أن يرزق الإنسان ذرية تسعده وتبره في حياته وتحمل اسمه من بعده بعد مماته، وفي هذه العصور يشتكي كثير من الناس من وجود عناصر خارجية مؤثرة في تربية الصغار كالإعلام والمدارس وغيرها. وفي هذه المبحث محاولة لمعرفة بعض الطرق التربوية المستخرجة من التراث الإسلامي المليء بالكنوز لمن أراد نبشها وإظهارها، والله المستعان وعليه التكلان.
تعويد الصغار على الالتزام بالشعائر التعبدية:
أولا: تعويدهم على الصلاة:
يقول الله _تعالى_: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ..." (التحريم: من الآية6) قال علي _رضي الله عنه_: "علموهم وأدبوهم"(1)، وعن الحسن البصري مثله(2). وقال _تعالى_ مادحاً نبيه إسماعيل _عليه السلام_: "وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ..." (مريم: من الآية55) وقال _تعالى_: "وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا..." (طـه: من الآية132) قال ابن مسعود _رضي الله عنه_: "حافظوا على أبنائكم في الصلاة ثم تعودوا الخير فإن الخير بالعادة"(3) وكان عروة يأمر بنيه بالصيام إذا أطاقوه وبالصلاة إذا عقلوا"(4).
ولا مانع من إعطائهم الهدايا التشجيعية على أداء الصلاة، فقد روت عائشة _رضي الله عنها_ أنهم كانوا يأخذون الصبيان من الكُتَّـاب ليقوموا بهم في رمضان ويرغبونهم في ذلك عن طريق الأطعمة الشهية(5). وكان بعض السلف يعطون الأطفال الهدايا التشجيعية على أداء الصلاة(6). ومن ذلك ما كان من زبيد بن الحارث _رحمه الله_ وكان مؤذن مسجد، فكان يقول للصبيان: يا صبيان تعالوا فصلوا أهب لكم الجوز، قال: فكانوا يجيؤون فيصلون، ثم يحوطون حوله، فقال بعضهم: ما تصنع بهذا؟ فقال: وما علي أن أشتري لهم جوزا بخمسة دراهم وتعودون الصلاة(7).
ثانياً: تعويدهم على الصيام:
روى البخاري ومسلم عن الربيع بنت معوذ قالت: "أرسل النبي _صلى الله عليه وسلم_ غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه ومن أصبح صائما فليصم، قالت: فكنا نصومه بعد ونصوم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك حتى يكون عند الإفطار"(8)، وجيء بسكران في رمضان إلى عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_ فقال له موبخاً وزاجراً: "في رمضان ويلك وصبياننا صيام" فضربه(9). وكان _صلى الله عليه وسلم_ يعظم يوم عاشوراء ويدعو برضعائه ورضعاء فاطمة فيتفل في أفواههم ويأمر أمهاتهم ألا يرضعن إلى الليل(10).
القدوة وأثرها في تعبد الصغار:
ذكر ابن الجوزي عن نفسه أنه كان يتأثر ببكاء بعض شيوخه أكثر من تأثره بعلمهم(11). وكان عبدالله التستري يردد في طفولته قبل أن ينام: الله شاهدي الله ناظري الله معي(12)، ولا شك أنه لشيء رآه من والديه أو أحدهما في هذا الأمر.
وقال عتبة بن أبي سفيان لمؤدب ولده: ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك فإن عيونهم معقودة بك، فالحسن عندهم ما صنعت والقبيح عندهم ما تركت، وعلمهم كتاب الله ولا تكرههم عليه فيملوه، ولا تتركهم منه فيهجروه، ثم روهم من الشعر أعفه، ومن الحديث أشرفه، ولا تخرجهم من علم إلى غيره حتى يحكموه، فإن ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم..."(13).
ويحذر ابن مسكويه من ترك التربية للخدم خوفا عليهم من أن يتأثروا بأخلاقهم وأفعالهم(14).
الحرص على تعليمهم الخير:
وهذا من تمام القيام بالأمانة التي وليها الوالدان، روى ابن أبي شيبة أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ كان يعلم الغلام من بني عبدالمطلب إذا أفصح قول الله _تعالى_: "الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك" سبع مرات. وكان علي بن الحسين يعلمهم: "قل آمنت بالله وكفرت بالطاغوت"، وكان بعض السلف يعلم الصبيان قول "لا إله إلا الله"(15).
كما أن السلف كانوا يقدمون الغالي والرخيص ليرغبوا الأطفال في العلم فقد روى النضر بن شميل قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: قال لي أبي: يا بني اطلب الحديث فكلما سمعت حديثاً وحفظته فلك درهم فطلبت الحديث على هذا(16). وقالت أم سفيان الثوري لسفيان: يا بني اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي، وقالت أيضا: يا بني إذا كتبت عشرة أحاديث فانظر هل ترى من نفسك زيادة في مشيك وحلمك ووقارك، فإن لم يزدك فاعلم أنه يضرك ولا ينفعك(17).
ومن أعظم ما حرص عليه السلف أن يتشرب الصغار السيرة النبوية لتكون نبراسا لهم ولتزيد محبتهم للصدر الأول، كما أن في معرفتهم للسيرة تكوين للقدوات التي يولع بها كثير من الصغار، ومن ما ورد عن السلف في تحبيب الصغر للسيرة ما قاله علي بن الحسين: "كنا نعلم مغازي النبي _صلى الله عليه وسلم_ كما نعلم السورة من القرآن الكريم" وقال إسماعيل بن محمد بن سعد: "كان أبي يعلمنا مغازي رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ويعدها علينا وسراياه ويقول: يا بني: هذه مآثر آبائكم فلا تضيعوا ذكرها".
ولما كان الاختلاط بالأعاجم مظنة لفساد اللسان العربي، حرص السلف على تقويم ألسنة الصغار من اللحن فقد جاء عن نافع عن ابن عمر _رضي الله عنهما_ "أنه كان يضرب بنيه على اللحن"(18).
ولم يكن السلف غافلين عن العلوم الأخرى المفيدة كالأنساب والشعر فقد أرسل معاوية _رضي الله عنه_ إلى دغفل فسأله عن العربية وعن أنساب العرب وسأله عن النجوم فإذا رجل عالم. قال: "يا دغفل من أين حفظت هذا؟ قال: بلسان سؤول وقلب عقول وإن آفة العلم النسيان. قال: انطلق بين يديَّ – يعني ابنه يزيد – فعلمه العربية وأنساب قريش والنجوم وأنساب الناس"(19).
ولما دفع عبدالملك ولده إلى الشعبي يؤدبهم قال: علمهم الشعر يمجدوا وينجدوا وحسن شعورهم تشتد رقابهم وجالس بهم علية الرجال يناقضوهم الكلام(20).
ولأن السلف أمة مجاهدة، كانوا يربون أبناءهم على حب هذه الشعيرة والتدرب عليها ليكونوا على استعداد تام عند لاحاجة إليهم. فقد أوصى عمر بن عبدالعزيز مؤدب ولده سهلا قائلاً: "وليفتح كل غلام فيهم بجزء من القرآن يثبت في قراءته فإذا فرغ تناول قوسه ونبله وخرج إلى الغرض حافيا فرمى سبعة ارشقة ثم انصرف إلى القائلة"(21).
قال ابن القيم _رحمه الله_: "إذا رأى الصبي وهو مستعد للفروسية وأسبابها من الركوب والرمي واللعب بالرمح وأنه لا نفاذ له من العلم ولم يخلق له ومكنه من أسباب الفروسية والتمرن عليها فإنه أنفع له وللمسلمين"(22).
وليعلم أن معرفة السباحة غاية في الأهمية ولذا أوصى الحجاج مؤدب بنيه بقوله: "علمهم السباحة قبل الكتابة فإنهم يجدون من يكتب عنهم ولا يجدون من يسبح عنه"(23).
ومن الأساليب التي يحببون بها العلم إلى الصغار الاحتفال بهم، قال أبو خبيب الكرابيسي: كان معنا ابن لأيوب السختياني في الكتاب فحذق الصبي فأتينا منزلهم فوضع له منبر فخطب عليه ونهبوا علينا الجوز وأيوب قائم على الباب، يقول لنا: ادخلوا، وهو خاص لنا(24). وقال يونس : حذق ابن لعبدالله بن الحسن، فقال عبدالله: إن فلاناً قد حذق، فقال الحسن _رضي الله عنه_: كان الغلام إذا حذق قبل اليوم نحروا جزوراً وصنعوا طعاماً للناس(25).
ومن ذلك أن الصبي إذا كان ذا موهبة خطابية فإن الأولى بمعلمه أن ينمي هذه الموهبة، وقد كان ابن الجوزي الواعظ من ثمار الشيخ أبي القاسم البلخي، فإنه علمه كلمات ثم أصعده المنبر فقالها وكان عمره ثلاث عشرة سنة، قال ابن الجوزي: وحزر الجمع يومئذ بخمسين ألفا. وهو أول مجالسه رحمه الله(26).
ومن الأمور التي ينبغي أن يعلمها الصبي، الجرأة على طرح أفكاره، ويكون هذا بمجالسة العقلاء الكبار ليكبر عقله وينضج تفكيره، فمن الخطأ أن يمنع الصغير من حضور مجالس أهل الخبرة والتجربة، وقد مر عمرو بن العاص _رضي الله عنه_ على حلقة من قريش فقال:" ما لكم قد طرحتم هذه الأغيلمة؟ لا تفعلوا، أوسعوا لهم في المجلس، وأسمعوهم الحديث، وأفهموهم إياه، فإنهم صغار قوم أوشك أن يكونوا كبار قوم، وقد كنتم صغار قوم فأنتم اليوم كبار قوم"(27). بل كان ابن شهاب الزهري رحمه الله يشجع الصغار ويقول:" لا تحتقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم فإن عمر بن الخطاب كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان فاستشارهم يتبع حدة عقوله"(28).
وتعليم الصبي الاعتماد على النفس بتعلم صنعة أو تجارة أمر مهم من أهم واجبات الولي، فقد روى أبو داود أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ رأى غلاما لا يحسن سلخ الشاة فقال له: تنح حتى أريك، فأدخل يده بين الجلد واللحم فدحس بها حتى توارت إلى الإبط ثم مضى(29).
وقال علي بن جعفر: مضى أبي إلى أبي عبدالله- يعني الإمام أحمد- وذهب بي معه فقال له: يا أبا عبدالله، هذا ابني، فدعا لي، وقال لأبي: ألزمه السوق وجنبه أقرانه(30).
وبعكس النظرة الموجودة لدى الآباء بمحاولة نفخ الصغير والتحسر على نحافته نجد السلف يحذرون من تسمين الصغار. قال إسماعيل بن عبيدالله: أمرني عبدالملك بن مروان أن أجنب بنيه السمن وأن لا أطعمهم طعاما حتى يخرجوا إلى البراز وأن أجنبهم الكذب وإن كان فيه بعض القتل(31).
يتبع...
(((( منقول من موقع المسلم ))))
رابط الموضوع
http://www.almoslim.net/tarbawi2/show_article_main.cfm?id=1520
*الأمـــل* @alaml_11
محررة فضية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️