فيضٌ وعِطرْ

فيضٌ وعِطرْ @fyd_oaatr

فريق الإدارة والمحتوى

** حكايَةُ الطَّيف **

الأدب النبطي والفصيح


( كتاب طاف العالم ، وتمثل فيه سحر الشرق، وترجم إلى معظم لغات العالم.
طبع بالعربية لأول مرة في ألمانيا سنة 1825م ،
ثم طبع مرات لا تحصى أهمها: طبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر 1960م.

تركت قصص ألف ليلة وليلة مساحة شديدة من التميز قوامها روحها الشعبي،
فرواياتها من النصوص السردية العربية التي لاقت اهتماما واسعا خاصة لدي الدارسين ).



لاشك أنكم سمعتم ب( ألف ليلة وليلة )..!
ذلك الكتاب التراثي الذي ضمّ بين دفتيه عوالم غريبة ..
طافت بنا في كل وادٍ
على لسان شهرزاد..
ولكن من منكن جالت بين لياليه ..
وامتطت سفن خياله ؟؟
لقد سحرتني بعض قصصه وأنا صغيرة
بالسرد الممتع على لسان أروع قاصّة ..
عمتي رحمها الله .. ومنها عشقت الكتاب .. أيّاً كان ..
جلسات قليلة كانت تتحفنا بها ..
تسرقنا من سحر الشاشة المرئية ..
وتحرك فينا كل براكين الخيال الهامدة ..
وعندما كبرت .. وطفت بين عوالم ألف ليلة ..
وجدت أن ذلك السحر القديم قد اختفى ..وزال ..
وانطفأت شعلته..!!
حين تصفحت الكتاب ورحلت بين أحداثه - ولا زلت -
وجدتني لم أبرح مكاني .. وقد كنت ....!!
قرأته حصيلة أفكار عربية مبدعة ..
(وحكاوي) من أزقة الماضي
وأخيلة خصبة ..خلقتها الحاجة إلى مايشبع جوع الواقع
ويضفي إلى الحياة لوناً وأنساً ..!
حكايات نسجت .. ومعهاتعددت الليالي حتى صارت ألف ليلة
حوت ذلك الكتاب الضخم..
لتملأ الليالي الطويلة الفارغة ..
بمواويل السهر بين حواديثه وحكاياته ..!
استمتعت بقراءته .. لكنه صار بالنسبة لي
كفاكهة .. بلا نكهة ..!
وكنت أجد بين ثنايا تلك القصص ..
بعض الألفاظ الصادمة للذوق والأدب
وهذا من المثالب التي تؤخذ عليه وتنتقصه كتراث، وتقيم عليه الحجج
ولكنه مع كل ذلك . يبقى جزءاً من كيانٍ الماضي الغابر ..!
وملحمة قصصية نقشت على ذاكرة التراث الشعبي العربي ..!

هنا ..! جئت لأسافر بكم إلى إحدى ليالي ألف ليلة ..
ليلة بعيدة عن مكائد ( دليلة المحتالة ) و( علي الزئبق )..
بعيدة عن الجن والمردة .. والجزر المسحورة ..
وعن رحلات السندباد السبع .. والرخ الذي طار به بعيداً..
إلى ليلة كانت للكلمات فيها سطوة الحدث ..
وللحب فيها قوافي ..!

في إحدى ليالي السمر ..
حيث ضوّأ القمر ..
وانساب نوره خلال زجاج نافذة القصر المهيب ..
كان شهريار قد ألف السهر ..
وأمسى ينتظر المساء بشغف..
وقد أسرته ليالي شهرزاد ، وهي تنسج الحكايات ..
وتبرع في غزلها على منوال الكلمات ..
وتتفنن في الضرب على وتر المشاعر...
وتجيد حبك خيوط الرواية ..
وتوصل البداية بالنهاية ..
وقد سرى إلى نفسها من ألفة الليالي ..
شيء من الاطمئنان..
على حياتها التي كانت على كفة الميزان ..!!

تربعت شهرزاد أمام مجلس شهريار ..
وانسابت حكاية الطيف .. على لسانها :

- يحكى يامولاي عن قديم الزمان ..
وسالف العصر والأوان ...
أن أحد السلاطين - وكانت قصوره تحتوي على المئات من الجواري -
كان قد اعتاد أن يرسل في طلب جارية معينة بين ليالٍ ..وأخرى..

ولنطلق عليها اسماً غير ( ولاّدة ) الذي اقترن بالقصة..
- فهذا الإسم نبا عنه ذوقي وعن رقة الجارية -
ولذا اخترت ( ليلى ) .. مادام حديثنا يطوف المساء ..!

كانت ليلى جوهرة نادرة تتألق في ليالي السهر ..
جمعت بين فصاحة اللسان .. وحسن البيان .. وحياكة الشعر ..
وعذوبة الصوت .. ومهارة العزف ....
إلى جانب الوجه الفاتن المليح ، والقوام السمهري الممشوق ..
الذي أشبه غصن البان .. !!

وفي منتصف ليلة.. ما كان السلطان قد هب من مضجعه قلقاً ..
وأخذ يزرع المكان جيئة وذهاباً ..
لكنه سرعان ماعبر خاطره أمرٌ ما ..
فأرسل في استدعاء جاريته ( ليلى ) على وجه السرعة ..
فجاءت مهرولة وهي تجاهد في تعديل هيئتها .. بعد أن كادت تسلم للنوم ..!
وكان تحتضن عودها الذي لم يكن يفارقها في أيّ مجلس كان ..!!.
بادرها بقوله وقد بدا على محياه سيماء القلق :

- ياليلى ..! اجلسي وهاتي مافي عودك من أنين .. وما في شدوك من حنين ..
وأطربيني ..! لعل النوم يطرق أجفاني .. فعيناي تطلبه ، وفؤادي يأباه ..!

- سلم فؤاد مولاي ..! ولكن هلا يتكرم مولاي .. فيخبرني بأي حرف يود أن أنشد
وعلى أيّ وتر يطيب له أن أعزف .. أعلى أنين الشدو ..؟.أم على نغمة السرور ..؟
حتى أجمع بياني .. وأسكب ألحاني ..فيما يصادف موقع الرضا والقبول ..؟

- أجل ! أجل صدقت في هذا ..!
أريدك أن تنشدي للأرق ..لعله يرق.. فيبعد الطيف عني ..!

- وهل للأرق طيف يامولاي ؟

- قالتها برقة وخفوت صوت مع ابتسامة حياء وهي مطرقة -
رمقها بنظرة عابرة وشبح ابتسامة على شفتيه .. وأردف وهو شارد الفكر كأنه يحدث نفسه:

- لا ياليلى .. إنما الطيف الساحر الذي لاح لي .. هو الذي سلب خافقي ، وأطار النوم
من عيني .. فكلما أطبقت جفني غزا فكري ، وأرّقني ، وسلب راحتي ..
والأهم أنني لاأعرف تفاصيل ذلك الطيف لأطلب صاحبته ..
فملامحه غشاها ضباب حال بيني وبين وضوح الرؤيا ..
فتغني بما تجود به قريحتك من رقيق البيان ..
واسكبي شلال صوتك على وتر المغنّي ..
وأنشديه .. ليرحل عنّي ..

- السمع والطاعة .. يامولاي ..!

تحضن ليلى عودها ، وتنحني لتداعب أوتاره بأناملها .. فيرسل اللحن شجياً ..
وماهي إلا هنيهات ..
حتى تختمر الكلمات .. في بوح شعرها .. فينطلق جرس الصوت..
خافتاً.. حنوناً.. رقيقاً..
يتسلل إلى القلب قبل السمع.. تحمله روحاً شفافة ..
ونبض مغلف بنبرة حزن :

قولي لطيفك ينثني عن مضجعي وقت الرقادْ
كي استريح وتنطفي نار.... تأجج في الفؤادْ
مضنىً تقلبه الأكفّ ..على فراشٍ من ســـهادْ
أما أنا فكما علمتِ فهل لوصلكِ من ســـــدادْ؟

تسرب إلى نفس مليكها دفق من السلام ، وشعر بشيء من الراحة يسري إليه ..
وأفتتن بكلمات ليلى التي أصابت موقعاً في نفسه ،وشدوها الذي تغلغل إلى أعماقه..
فهتف وقد افتر ثغره :

- الله .. الله ..! أحسنت ياليلى.. !فكأنك تحدثتي بما في قلبي ..!
ولكن ..! هلا أبقيتِ على الأبيات وغيرتِ القافيه ..؟
ليتوضح للطيف مانريد ؟..
فلا يملك ذريعةً للبقاء ؟

اجابت بإيماءة وقد أشرقت البسمة على ثغرها :

- فليكن يا مولاي ..!

وعلا الصوت الخافت بشلال سحر منهمر ليتسلل إلى قلب الأَرِقْ ..
تسلل الماء العذب إلى الأرض العطشى....

قولي لطيفك ينثني عن مضجعي وقت المنامْ
كي أستريح وتنطفي نارٌ تأجج في العظامْ
مضنىً تقلبه الأكف على فراش من ضــرامْ
أما أنا فكما علمتِ فهل لوصلك مــــن دوامْ؟

وهنا يضرب السلطان كفيه .. جذلاً وقد تملكه الطرب

- ياليلى ..! أبدعتِ وأيم الحق ..! وأسعدتني ببراعتك ، وجميل شدوك..
وها أن الطيف قد رق لصوتك وبدا ينأى .. !
فاتحفينا بقافية جديدةٍ ..
لعلّ ..! وعسى ..!

- كما يحب مولاي ..!

وانطلق جرس الصوت يسبح على موج الأثير
وقد ازداد عذوبة وحنواً وسحراً ونداوةً..
يشقّ قلب المساء وتتمايل نبراته مع نسائمه العليلة :

قولي لطيفك ينثني عن مضجعي وقت الهجوعْ
كي أستريح وتنطفي نار تأجج في الضـــلوعْ
مضنىً تقلبه الأكفّ على فراشٍ من دمــــــوعْ
أما أنا فكما علمت فهل لوصلك ..من رجــــوعْ

-لقد أوشك الطيف على الغياب ياليلى ..! واتضحت لي الرؤيا ..
فألحقينا بقافية أخيرة .. لأرى حقيقة الطيف
الذي يوشك أن يذوب بين غياهب الظلام ..!

أما ليلى فقد باتت في حيرة من أمرها .. مضطربة الفؤاد ..!
تحسّ بشعورٍ خفيّ أن ثمّة أمر ما لاتفهمه جيداً
هل يتمنى مولاها .. أن يختفي الطيف .. أم أن يتجسد ..؟!
وإلاّ فما معنى أن يذوب الطارقُ خيالاً ويعود حقيقة ً ..؟!
كيف يكون ذلك ؟!
تتنهد بعمق تنهيدة حرّى ، وهي تخفي غيرة تنهش فؤادها
من ذلك الطيف المحظوظ الذي ملك اللب وسلب الراحة ..

-كما يطلب مولاي ..!!

وشَدَت ...!
كما لم تشد من قبل ..
نَبَضَ خفقها في نبراتها ..
فانطلق .. شجياً .. عاصف الحزن .. مختمر الشوق ..
متيماً كأنما يبث تباريح القلب الملتاع ..
وتصاعد شجواً يستلب الشعور ..
و يضرب على أوتار الروح ..
وباحت في كل حرف بخلجات القلب المحب ..
وأهرقت الصمت ..
مع نفثات البوح ..!

قولي لطيفك ينثني عن مضجعي وقت الوسنْ
كي استريح وتنطفي نار .. تأجج في البدنْ
مضنى تقلبه الأكف ...على فراش من شجنْ
أما أنا..! فكما علمت فهل لوصلك من ثمنْ؟؟

هنا .. فاض الصبر بليلى فألقت العود ..
واحتضر الكتمان في عينيها فانهمرت دموعها سجالاً..
ولبثت مطرقة ..! وقد أخرسها الألم ..

أما السلطان فقد هبّ من جلسته .. كمن يصحو من حلمٍ ضبابيٍّ ..
على واقع جميل ..!
وهرع نحو ليلى .. آخذاً بيديها .. منهضاً إياها .. هاتفاً من أعماق فؤاده
وصوته يقطر حناناً وحباً ..

- هي انت ياليلى .. !!
أنت ذلك الطيف الذي أرّقني وحيرني ..!
غاب .. فتجليتِ ..!
كنت أمامي طوال الوقت .. فكيف ؟
كيف لم أرك قبل الآن ؟؟!!
وكيف لم أدرك طوال الوقت أنها أنتِ ..؟!!
........
...........
هنا صاح ديك الفجر ...!
وأدرك شهرزاد الصباح ..
فسكتت عن الكلام المباح ..!
16
2K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

نعمة ام احمد
نعمة ام احمد

هنا ومع رائدة الإبداع في الواحة ..
أصبح لألف ليلة وليلة ليلةٌ أُخرى ..
حقاً كلمة إبداع لا تكفي!!

صدقاً أصبحت كلماتك طيفاً يصاحبني كلما جنى الليل!!
نور يتلألأ
نور يتلألأ
فعلا إن لإبداع البيان مذاقا خاصا في قلمك يا فيض
استمتعت جدا بعذوبة كلماتك
وعلى الرغم بأن الشعر لا يستهويني كثيرا
إلا أني لا أخفيك بأني قد أعجبت بأبيات شعرك
أعجبني نظمها في أربع قوافي مختلفة


بارك الله فيك وفي قلمك..
تغريد حائل
تغريد حائل
ما أروعكِ يابياض الحرف وسحره..!

أنه عزف المساء
على قيثارة أهداب الوسن
ورقص حبات المطر على ناي السمر..!
وفي قديم الزمان
وسالف العصر والأوان
يحكي أن القمر أكتحل بنور الفجر..!

غاليتي...
لقد أجدتِ السرد القصصي ،والتصوير الدقيق للشخصيات
وعانقنا معكِ عالم الخيال بتفاصيل شاهقة البيان والإبداع..!
سلمتِ -فيضنا الحبيبة-
في حضرة قلمكِ تتوه أحرفي عن سكب الكلم..!
وفقكِ الله!!
ذوق واحساس 1
ذوق واحساس 1
عزيزتي فيض وعطر ...
حقا كما قالوا ..فكلمة الأبداع لا تكفي ...
تجيدين التصوير ..
وأخذتني القوافي ..
ماهرة وفي كل شئ تبدعين ...
بارك الله في قلمك ويمناك ..
لا تسعفني الكلمات ..
بل وانها تعجز عن وصف ابداعك عزيزتي ..
لا تحرمينا من جديدك ..
وانني عندما أرى موضوعا قد كتبه قلمك ..
اتشوق لقراءة ما يحتويه ..
دمتي بود يا مبدعة .
المحامية نون
المحامية نون
أبحرت بنا بعيدا الى هذا

العالم السحري من حكايات الف ليلة وليلة

بكل طقوسها وتنوع شخصياتها المحببة

سلم لنا هذا الابداع الماسي

491567