حكم استخدام العقل في التفسير، وسؤال عن تفسير الشعراوي

ملتقى الإيمان

حكم استخدام العقل في التفسير (*)



السؤال:

عندما أقرا آيات في كتاب الله ثم يظهر لي معنى من هذه الآية. هل أعده تفسيرًا ؟ هذا إذا كنت عامياً ليس لدي علم ولا معرفة بأي شيء من تفسير القرآن، ولكن لدي عقل راجح مثلًا.

ثم إذا كانت عندي معلومات عن القرآن ولكنها قاصرة هل أستخدم عقلي ؟

هل العقل وحده ممكن أن يفسر به القرآن ؟

ثم ما هي المدرسة العقلية التي فسرت القرآن مع ذكر المآخذ عليها ؟

وتفسير الشعراوي في أي خانة نضعه ؟

الجواب:

أخي الكريم في سؤالك عدد من النقاط أقسمها وأتحدث عنها على حدة:

الأولى: قولك: ((عندما أقرا آيات في كتاب الله ثم يظهر لي معنى من هذه الآية. هل أعده تفسيراً؟ هذا إذا كنت عامياً ليس لدي علم ولا معرفة بأي شيء من تفسير القرآن، ولكن لدي عقل راجح مثلاً).

أولاً: لا يمكن أن تمنع نفسك من بادي الرأي الذي يظهر لك أثناء قراءتك لكتاب الله سبحانه، وهذا القدر لست مؤاخذًا به، لأنه لا يمكنك الانفكاك عنه.

ثانيًا: أن تتبنَّى هذا الرأي دون أن ترجع إلى العلماء ليصحِّحوا لك ما ظهر لك من التفسير أو الاستنباط، فالبِدار بالقول ببادي الرأي وتبنيه ونشره وحالك - كما قلت -: أنك عاميٌّ ليس لديك علم ولا معرفة، فإن هذا من القول على الله بغير علم، وهو من الكبائر التي نهى الله عنها في قوله: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينَزِّل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) (الأعراف: 33). فانظر كيف قرن القول عليه بغير علم مع هذه الكبائر خصوصًا الشرك بالله.
ومن هذه الآية تعلم خطر القول على الله بغير علم، وأنت قد نصصت على ذلك، والعلم أصل أساس في القول بالرأي المحمود، ولا يكفي في ذلك العقل، لأن العقل غير المنضبط بالشرع لا يهدي للصواب دائمًا، وإن وقع منه في بعض الأحيان.

وبمناسبة ذكر العلم والعقل، ومن باب تمليح الكلام استطرد في ذكر مناظرة أقامها شاعر بين العلم والعقل فقال:

علم العليم وعقل العاقل اختلفا = من ذا الذي منهما قد أحرز الشرفا؟

فالعلم قال: أنا أحرزت غايته = والعقل قال: أنا الرحمن بي عُرِفا

فأفصح العلم إفصاحًا وقال له: = بأيِّنا الله في فرقانه اتَّصفا؟

فبان للعقل أن العلم سيدُه = فقبَّل العقلُ رأس العلم وانصرفا

ثانيًا: قولك: ((ثم إذا كانت عندي معلومات عن القرآن ولكنها قاصرة هل أستخدم عقلي؟ إذن هل العقل وحده ممكن أن يفسر به القرآن؟)).

فإن جواب سؤالك في سؤالك، فما دمت تحكم بقصور معلوماتك، فليس لك أن تفسر القرآن، ثم هل أنت ملزم بأن تستخدم عقلك في التفسير وهذا حالك؟
أرى أنك لست ملزمًا، بل عليك الرجوع إلى أهل العلم، والقراءة في كتب التفسير لتتبصر بما قاله أهله.

والعقل وحده لا يكفي في تفسير القرآن، ولا يمكن أن يستقل به دون المصادر الأخرى التي يعتمد عليها من يريد أن يفسر القرآن برأيه.

وحال هذا كحال رجل يدِّعي الطبَّ ويداوي الناس، فقد يصيب شيئًا، لكن أخطاءه وطوامَّه أكثر من إصابته للحق.

وهذا إذا كان غير مرضيِّ في علوم البشر، فما بالك بعلم يتعلق بالله سبحانه؟ وهو بيان مراد الله بكلامه.

ثالثًا: قولك: ((ثم ما هي المدرسة العقلية التي فسرت القرآن مع ذكر المآخذ عليها؟)).

أطلق مصطلح المدرسة العقلية على مجموع المتكلمين الذين يستخدمون عقولهم دون الاعتماد على النصوص، وقد صار يطلق على وجه الخصوص على المعتزلة قديمًا، ثمَّ على محمد عبده ومن سار على نهجه حديثًا.
ونسبتهم إلى العقل اصطلاحٌ، وإلا فالعقل الصحيح ليس معهم، بل معهم العقل المجرَّدُ، أو العقل المعتمد على مصادر غير إسلامية، كالمنطق والفلسفة وأفكار الحضارة الغربية وغيرها.

والذي يُتعجَّب منه أن هؤلاء يُنسبون إلى العقل، وكأن مقابليهم ليس لهم عقول، ولكن الأمر ليس كذلك، بل هؤلاء اعتمدوا على عرض الشريعة على عقولهم التي أصابها فساد إما من جهة الشبهات، وإما من جهة الشهوات، فصارت تسيِّر عقولهم في أمورهم الفكرية، فردُّوا بعض نصوص الكتاب والسنة لهذا السبب.

ويمكن القول بأن العقل على مراتب:

الأول: استخدام العقل المجرد عن أي مصدر، وغالبًا ما يكون ذلك عند فقدان النصِّ أو عند بادئ الرأي.

الثاني: الاعتماد على العقل المعتمد على مصادر فاسدة أو غير صحيحة؛ كما وقع لكثير من المعتزلة، وكذلك بعض المعاصرين الذين لا يرون حرمة النص القرآني، ويتعاملون معه كأي نص عربي، وهؤلاء عندهم مصدرهم، لكنه مصدر مخالف للصواب، وهذا أكثر من سابقه بكثير.

الثالث: الاعتماد على العقل المعتمد على مصادر الشريعة، وهذا الذي ينتج الرأي المحمود الذي لا زال العلماء يتعاملون به إلى اليوم.

وإذا تأملت هذه القسمة علمت أن نسبتهم إلى العقل تحكُّمٌ، فلو رٌبِط العقل بوصف زائد لكان أولى.

ولما كثر وصفهم بذلك جعلوا مقابلهم أهل النص والأثر، وزعم من زعم أن هؤلاء لا يستعملون نقولهم، وأنهم جمدوا مع النص، وأنهم لا يقدمون لأمة جديدًا، وهذا الزعم مخالف لواقع العلماء في الحكم على المستجدات، وطريقة التعامل معها.

لكن هؤلاء يريدون الانفلات من النص دون رقيب ولا حسيب، فينتسبون إلى العقل، والعقل الصريح منهم براء.

وأحب أن أنوه هنا إنه قد سبق التعليق على مصطلح مدرسة الذي شاع استخدامه في الدراسات القرآنية، ولعلي أذكر الرابط فأضعه لاحقًا من باب الفائدة.

ويمكن للسائل إن أراد أن يعرف المدرسة العقلية الحديثة ما لها وما عليها أن يرجع إلى كاب المدرسة العقلية الحديثة للأستاذ الدكتور فهد بن عبد الرحمن الرومي، وهي في مجلدين، وهناك دراسات أخرى في هذا الباب.
الرابع: قولك: ((وتفسير الشعراوي في أي خانة نضعه؟)).

أما تفسير الشعراوي فهو من التفاسير التي لقيت قبولاً عند العامة، وذلك من منة الله سبحانه على هذا الرجل، ويمكن أن نتلمس في طريقة درسه الإلقائي عوامل نجاحه في هذا الدرس، ومنها:

1 - طريقة إلقائه للمعلومة، وذلك باستخدام بعض العبارات التي يجذب بها الجمهور.

2 - السكتات التي يستخدمها في حديثه، وطريقته فيها، إذ فيها تنبيهات وجذب للانتباه.

3 - الأداء الحركي لأعضائه من اليد والجسم والعينين وغيرها - وذلك لمن يشاهده، وهو بالمشاهدة أكثر تأثيرًا - وهذه لا تتأتى لكل أحد، بل قد يستطيعها بعضهم لكنه يتركها خشية القالة.

4 - استفادته من المعلومات العامة المخزونة في ذاكرته في درسه في التفسير، وغالبًا ما تكون هذه المعلومات من باب الملح واللطائف، أو من باب بيان قضايا تتعلق بالشريعة لا التفسير، وفيها من الجدَّة والطرافة ما فيها.

5 - النُّزول بالأسلوب التعبيري إلى الفهم العامي، وذلك من السهل الممتنع الذي لا يستطيعه كل أحد، كما أنه يستفيد من واقع الناس في عباراتهم ومعاشهم في تفسيره، ويوظِّف هذا توظيفًا عجيبًا.

6 - استخدام أسلوب السؤال، وبعض الأساليب الكلامية المشوقة التي تجعل السامع منجذبًا إليه.

وهناك غيرها، وهذا ما خرج من عفو الخاطر، وهو استطراد أريد أن افتح به بابًا انغلق، كان قد سأل عنه الأخ الفاضل عبد الله بالقاسم، ولعله أن يرجع بسؤاله عن الطريقة المثلى في إلقاء درس التفسير في هذا العصر.

أما تفسيره من جهة الرأي، ففيه رأي واضحٌ، وذلك ظاهر في استنباطاته وتفسيراته، ومن تفسيراته التي ذكرها أن الإفساد الثاني لبني إسرائيل المذكور في سورة الإسراء هو ما نشاهده اليوم من إفساد بني إسرائيل.

ومنها تفسير الأوتاد بأنها الأهرامات.

ولكنه في عموم تفسيره لم يخرج عن تفسير المتقدمين عليه، لكنه لما أوتي من حسن أسلوب يظن من ليس عنده علم أنه جاء بجديد، وهو جديد على سامعه لكن ليس ابتكارًا حادثًا له.
وأذكر أن أحد الأقارب المعجبين بتفسيره يذكر - معجَبًا - ما فسر به التين والزيتون ويقول: من قال بهذا؟ على سبيل الإعجاب وأنه من بنات أفكار الشيخ، فذكرت له أن هذا محكي عن السلف، لكن لجهله لا يعلم أن الشيخ مسبوق بهذا التفسير، لكن الشيخ تميَّز بأسلوب عرضه لهذه المعلومة فحسب.

ويمكن القول بأن الرأي في تفسيره على أقسام:

الأول: رأي حادث في التفسير لم يسبق إليه، وهذا قليل.

الثاني: اختيار قول في التفسير، وهذه هي الطريقة الغالبة على تفسير المتأخرين.

الثالث: رأي في مسائل لا علاقة لها بالتفسير من المعارف المتعددة.

وعلى العموم فإن تفسيره مسموعًا نافع جدًّا، لولا ما فيه من هنات في المعتقد يعرفها من يعرف عقيدة السلف، والله يغفر لنا وله.

أما الآراء في العلم سواءً أكان تفسيرًا أو فقهًا أو غير ذلك، فإن الأمر فيها واسع ما دامت في باب الاجتهاد المقبول، والله أعلم.
5
2K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

ملكة على المملكة
جزاكم الله خيرا ارفعوا الموضوع
jo111
jo111
رفع الموضوع رائع
ملكة على المملكة
jo111 jo111 :
رفع الموضوع رائع
رفع الموضوع رائع
احسن الله اليك
ملكة على المملكة
للرفع احسن الله اليك
ملكة على المملكة
للرفع احسن الله اليك