حكم الأناشيد بإيقاع والإقاعات لــ عصام الحميدان

ملتقى الإيمان

حكم الأناشيد بإيقاع


سألنا فضيلة الشيخ الدكتور عصام الحميدان عن مسألة طرحت في المنتدى -- حكم الأناشيد بالإيقاع --
فأجاب إجابة وافية شملت الحكم الشرعي والجانب التربوي في المسألة



بسم الله الرحمن الرحيم


حُكم الأناشيد بالمؤثرات الصوتية
كتبه / د. عصام بن عبدالمحسن الحميدان

الأستاذ المساعد بقسم الدراسات الإسلامية والعربية
جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران



الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعـــد

للجواب عن هذه القضية جانبان شرعيّ ، وتربويّ :


أولاً : الجانب الشرعي : إن الاستماع إلى الآلات الموسيقية عدّه جمهور علماء السلف الصالح من اللهو المنهي عنه
بقوله تعالى ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ) ( لقمان:6 ) ،
وقوله صلى الله عليه وسلّم " كل لهوٍ يلهو به الرجل فهو باطل إلا ثلاثة ... " رواه

وبأقوال وردت عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .

وعارضهم آخرون من القدماء والمحدثين بأن اللهو المنهي عنه ما كان يصدّ عن سبيل الله بنصّ الآية ، وبأن الأصل في الأشياء الإباحة ، وبما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم استمع إلى غناء جوارٍ –

وهما تضربان بالدفّ - في مناسبة ، وبأن امرأةً نذرت أن تضرب بالدفّ في فرح ، فأمرها بالوفاء
بنذرها ، وبما ورد أن بعض الصحابة رضي الله عنهم كان يستمع للغناء بالآلات الموجودة آنذاك .

ولكلٍّ من أنصار الفريقين ردود ومناقشات للقول الآخر ، وترجيحات قابلة للنظر .

ومن هنا يتبين أن مسألة الاستماع للغناء واللهو من مسائل الفروع المختلف فيها ، والتي لا تدخل
في مسائل الإجماع المتفق عليها .

ويتفق الفريقان على أن الغناء يصبح حراماً إذا استخدم في الصدّ عن سبيل الله ، أو الاستهزاء بآيات الله ، أو شرعه ، أو المؤمنين ، أو يتضمن الفحش والفجور ، والدعوة للدعارة ، أو الاختلاط بين الرجال والنساء ، أو صور الفاتنات ، أو الرقص المختلط ، أو الاستماع للمرأة جميلة الصوت من قبل
الرجال بألفاظ الغزل .

بقي أن نعرف هل سبب التحريم في الغناء هو الصوت الحسن ، أم الكلام ، أم الآلة المستعملة .

الحقيقة أن الصوت الحسن لا يستطيع أحدٌ تحريمه ، لأنه هبةٌ من الله تعالى ، ومأمور بإظهاره
في بعض الحالات كالتغني بالقرآن الكريم ، فإذا اقترن به ما يمنع منه كأن يستخدم في الفحش أو الفتنة ،
كقوله تعالى ( فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض ) فيحرم حينئذ .

وهذا الاقتران لا يختصّ بالصوت وحده ، بل يشمل كل تصرفٍ إنساني ، كالمشي ، والإشارة باليد أو بالعين ، وغير ذلك ، فالأصل في هذه الأشياء الإباحة ، وتجب في حالات وتحرم في أخرى .

فثبت أن الصوت الحسن لا يحرم لذاته ، وقد كان أنجشة يحدو بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ،
أي يتغنى ببعض الكلام ، ولم ينكر عليه .

والحقيقة الثانية: أن الكلام المنظوم لا يستطيع أحدٌ تحريمه لذاته؛ لأنه شعر ، والشعر كان ينشد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره ،
بل كان يأمر به أحياناً كما كان يأمر حسان بالشعر ، وحتى الشعر الغزلي كان ينشد بين يدي
النبي صلى الله عليه وسلم ، كقول كعب رضي الله عنه : بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ،
ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو من الغزل العفيف .

ولكن الشعر يحرم إذا استخدم فيما نهى الله عنه ، كالصوت تماماً ، فثبت أن الكلام المنظوم لا يحرم لذاته .



وبقي القول في الآلات الموسيقية .

وهنا نجد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف "
رواه البخاري عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري رضي الله عنه .

فقرن المعازف بالخمر والزنا المجمع على تحريمهما ، وأكّد ذلك بقوله " يستحلُّون "
مما يدلّ على سبق التحريم .
( انظر أدلة التحريم وترجيحها على أدلة المخالفين في : حكم ممارسة الفنّ في الشريعة الإسلامية لصالح الغزالي : 187 ، وهي رسالة علمية للماجستير أشرف عليها د. عابد السفياني وناقشها
د. صالح بن عبدالله بن حميد ود. سليمان التويجري ، وأجيزت بتقدير " ممتاز " )

ونظراً لأن التحريم لا يمكن أن يتوجه إلى الصوت أو الكلام ؛ لما ذكرته سابقاً ، فيبقى التحريم
منصباً في هذا الحديث وغيره على ذات المعازف ، وهي الآلات الموسيقية .

فمتى صاحب الأغنية آلات موسيقية حرمت ، وإن لم تصحبها آلات فهي كلام ، قد يحلّ وقد يحرم بحسب
ما يتضمنه ، وما يقترن به مما ذكرته آنفاً .

مع العلم أن بعض العلماء ذكر مبررات أخرى لتحريم الغناء غير هذه ، لكنها لا تنهض للمناقشة .



بعد هذه المقدمة - التي أراها ضرورية – عن حكم الأغاني ،

يتساءل القارئ : ما علاقة هذا الشرح
بالأناشيد الإسلامية المصحوبة بالمؤثرات الصوتية ؟


أقول : إن العلاقة قوية جداً ، بل لعل بعض القراء فهموا الجواب
مما تقدم ، ومن لم يتضح له الجواب أزيد فأقول :

لا شك أن الأناشيد الإسلامية لا يمكن القول بتحريمها إذا خلت عن المؤثرات الصوتية الشبيهة بالموسيقى ؛ لأنها كلامٌ حسن مؤدَّى بتنغيم ، وهو جائز ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستمع

لمثله أحياناً ، ولا ينكره ، ولكنه بلا شك ليس خيراً من ا لاستماع للقرآن الكريم ، وليس بديلاً عنه ،
إلا أنه – الاستماع للأناشيد الإسلامية - يفيد في الترويح عن النفس ، وشحذ الهمم للطاعات .

فإن صاحبت المؤثرات الصوتية الشبيهة بالموسيقى هذه الأناشيد الإسلامية ، حرمت هذه الأناشيد ؛
لما تقدم من تحريم المعازف .

فإن كانت هذه المؤثرات ليست شبيهة بالموسيقى ، ولا يحصل بها الترنُّم ، كأصوات السيارات،
وسقوط الأشياء ، وكسر الزجاج ، فلا مانع منها .

وأما الدفّ فالخلاف فيه معروف ، وحكم المؤثرات الصوتية الشبيهة بصوته كحكمه سواء بسواء .



ثانياً : الجانب التربوي :

يجب أن يتساءل الشابّ قبل أن يستمع للأناشيد المصحوبة بالمؤثرات الصوتية الشبيهة بالموسيقى
بينه وبين نفسه :

* هل هذه الأناشيد والاستماع إليها بكثرة يزيد الإيمان أو ينقصه ؟ وهل كان
قبل استماعه إليها أكثر إقبالاً على العبادة ، أم الآن ؟ أم لم يتغير ؟

* هل يحسّ إذا استمع إليها برغبة أن يهزّ رأسه ويحرِّك يديه تجاوباً مع أنغامها ؟ أو هو يفعل ذلك أصلاً .
* هل كمية استماعه للقرآن الكريم ككمية استماعه للأناشيد ؟

* هل هذه الأناشيد تزيد من حماسه للطاعات ، وتزوِّده بمفاهيم إسلامية ، أم هي للتسلية فقط دون فائدة تذكر ؟
* هل لدى الشابّ قناعة كافية بحل هذه الأناشيد ، أم فيها شبهة تستوجب الحذر منها ؟






أرجو من كل شابٍّ يستمع لهذه الأناشيد أن يجيب على هذه التساؤلات ، إضافة للاطلاع على الحكم الشرعي فيها .



تعقيبان قد يثيرهما بعض الشباب :



الأول : هذه المؤثرات ليست معازف ،
بل هي أصوات بشرية أو صناعية ، يتحكّم فيها عن طريق الكمبيوتر .


الجواب: العبرة في تحريم المعازف هو الاستماع لها ، ووصول صوتها
إلى أذنيه ؛ لأن المعازف وسيلة للعزف ، وإنما يستفيد المستمع من الاستماع إليها والترنُّم بصوتها ،
لا من النظر إليها ، ومعرفة نوعها .

ألا ترى أن الناس يترنمون بتشغيل المسجِّل والاستماع له ، وهم لا يعرفون نوع الآلات المستخدمة .
بل لو شغَّلت مسجِّلاً بمؤثرات صوتية على وزن الموسيقى لم يفرق الناس بينها وبين صوت الآلات الموسيقية .

فإذا كان التحريم معلقاً على الاستماع ، فمتى حصل هذا الاستماع – سواء كان بآلة موسيقية ،
أو بكمبيوتر ، أو بغيرهما – وُجِد التحريم ، وإن كان أصل الصوت بشرياً ، ثم عدِّل وغيِّر وخضع للتحكُّم .

بل حتى الصوت البشري المجرَّد الخالي من التغيير إن خشي منه الفتنة يمنع منه سداً للذريعة ،
كما قلت في استماع الرجال للمرأة جميلة الصوت .

وبذا يتضح تحريم الاستماع للمؤثرات الصوتية الشبيهة بالموسيقى ، سواء أدخلت مع الأناشيد
الإسلامية ، أو كانت خلفيات صوتية لكلامٍ عاديّ ، أو لم تدخل مع أحدهما .



هذا ما تيسَّر لديّ ، والله الميسِّر لكل الأمور ، وهو الهادي إلى سواء السبيل ، والله تعالى أعلى وأعلم وأحكم


منقول ،
1
493

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

شيهانه®
شيهانه®
لا اله الا انت سبحانك