حكم التداوي بسماع أصوات المعازف (1-2)

ملتقى الإيمان

المقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فإن الله عز وجل قد شرع لنا التداوي والاستشفاء من سائر الأدواء والأمراض، وقد توصل الإنسان عن طريق الدراسات والتجارب إلى أدوية كثيرة للعديد من الأمراض.

ومما أحدثه الإنسان من هذه الأدوية سماع الغناء وأصوات المعازف، ورأى أنه ينفع لبعض الأمراض، واهتمت به العديد من المجتمعات ومنها بعض البلدان الإسلامية.



ولذا فقد عزمت على الكتابة في هذا الموضوع مبيناً الحكم الشرعي في "التداوي بسماع أصوات المعازف" من خلال المسائل التالية:
المسألة الأولى: تعريف المعازف لغة واصطلاحاً.
المسألة الثانية: حكم سماع أصوات المعازف.
المسألة الثالثة: نبذة عن تاريخ العلاج بالموسيقى والأثر الطبي له.
المسألة الرابعة: حكم التداوي بسماع أصوات المعازف.
سائلاً المولى العلي القدير أن ينفع بهذا البحث كاتبه وقارئه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.



المسألة الأولى: تعريف المعازف لغة واصطلاحاً

أما في اللغة: فالمعازف: الملاهي، واحدها مِعْزَف ومِعْزَفة. والعَزْف: اللعب بالمعازف، وهي الدفوف وغيرها مما يضرب(1).



وفي الاصطلاح: المعازف لا يخرج معناها الاصطلاحي عن المعنى اللغوي.
فهي آلات اللهو التي يضرب بها، وهذا اسم يتناول الآلات كلها بأنواعها؛ وترية؛ كالعود، أو هوائية؛ وهي ما ينفخ فيها؛ كالناي، أو ما تضرب كالطبول والدفوف(2).



وأما العزف بها فيمكن تعريفه عند أهل هذا الفن بأنه: " عبارة عن أصوات مقطعة موزونة، تحدث بواسطة آلات صنعت من الجمادات، سواء كانت بالقرع أو النفخ أو العزف عليها، ولها لذة عند سماعها "(3). وهو ما يسمى بالموسيقى، وهي لفظة يونانية تطلق على فنون العزف على آلات الطرب (4).



المسألة الثانية: حكم سماع أصوات المعازف

اختُلف فيه على قولين:

القول الأول: تحريم العزف بالمعازف والاستماع إليها.
وهذا القول هو مذهب عامة أهل العلم، من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم، في الجملة.
وعند بعض أصحاب المذاهب الأربعة بعض التفصيل أو الاختلاف في بعض الآلات(5).
قال شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله تعالى -: " الأئمة الأربعة متفقون على تحريم المعازف التي هي آلات اللهو، ولم يُحْكَ عنهم نزاع في ذلك "(6).
وقد نفى الخلاف في تحريم المعازف غير واحد من أهل العلم، منهم: سُليم الرازي، وأبو العباس القرطبي، وابن عبد البر وغيرهم(7).

القول الثاني: إباحة الاستماع إلى المعازف بجميع أنواعها.
قال به ابن حزم الظاهري(8)، وابن طاهر(9).
وقد استُدل لكل قول بأدلة كثيرة تُراجع في مضانها؛ إذ قد يطول البحث بذكرها.
والصحيح هو التحريم، ومن أقوى الأدلة على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (ليكوننَّ من أمتي أقوام يَسْتَحِلُّون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف...)(10).



المسألة الثالثة: نبذة عن تاريخ العلاج بالموسيقى والأثر الطبي له

استخدم الأقدمون حتى قبل الإسلام الموسيقى كوسيلة لعلاج بعض الأمراض، حتى ذُكر عن بعض علماء اليونان؛ كأفلاطون وأرسطو وغيرهما أن للموسيقى أثراً في العلاج من بعض الأمراض. وعرف العلاج بها العرب وغيرهم من الحضارات القديمة في الصين والهند.



ولما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، بدأ استخدام الموسيقى كعلاج نفسي جسماني. وفي عام: 1944م اُنشأ في جامعة أمريكية أول منهج لتدريب المعالجين بالموسيقى، ثم تأسس عام 1950م بأمريكا الاتحاد الوطني للعلاج بالموسيقى، الذي وحد قوانين هذه المعالجة، عن طريق الكليات المتخصصة في هذا المجال.



وأُنشئت في أوربا أول مدرسة للمعالجة بالموسيقى عام: 1959م، وانتشر هذا النوع من الدراسة حتى أصبح في أمريكا ست عشرة جامعة، يدخل في برنامجها تعليم هذا الفرع من الطب.
وبلغ عدد المستشفيات التي تستخدم هذا النوع من العلاج ستمائة مستشفى. وفي عام: 1967م ظهر في اليابان الاتحاد الياباني للعلاج بالموسيقى.



وفي خلال القرن التاسع عشر اهتم الأطباء النفسيون بالعلاج بها؛ حيث ظهر لهم أن للموسيقى دوراً كبيراً في علاج الأمراض النفسية والعصبية، وذكر بعض المختصين أن لها أثراً على أمراض القلب والشرايين والجهاز الهضمي والعصبي والنساء وغيرها من الأمراض(11).



______________

(1) انظر: لسان العرب: 9 / 189، وتاج العروس: 12/ 385.
(2) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيميه 10 / 535، قواعد الفقه للبركتي ص: 493، نيل الأوطار 8/ 109.
(3) مقدمة ابن خلدون 2/ 976، 3 / 1119، وحكم ممارسة الفن في الشريعة الإسلامية ص: 163.
(4) انظر: المعجم الوسيط ص: 553، 891، وقواعد الموسيقى
-منقول من موقع المسلم للشيخ ناصر العمر
0
347

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️