السلام عليكم
دقيت على مكتب باستقدم شغاله نيباليه قال مسلمات ومسيحيات قليل جدا جدا مافيه الا بوذا وهندوس ؟؟؟
اشرحولي وش هالديانات وهل يجوز استقدامهم ؟؟؟؟؟؟
روزااانا @rozaaana
عضوة فعالة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
بنت العز777
•
سبحان الله
النشأة:
نشأت الهندوسية نتيجة تراكم معرفي ديني للتراث الهندي، وتبلورت من خلاله عبر آلاف السنين، ماجعل الهندوسية تجسِّد الشخصية القومية للمجتمع الهندي، في حين أن البوذية نشأت بفعل شخصٍ معيّن في إطار الرفض الصارخ للممارسات الهندوسية، وبتعبير آخر جاءت كحركة إصلاح اجتماعي ينطلق من مبادىء روحية وميتافيزيقية وسياسية ترفض نظام الطبقات الذي أعطى امتيازات واضحة للطبقتين الحاكمتين، البراهمة والكشتريا، وجعل البوذية تعتمد على الفئات الاجتماعية الأقل شأناً، وهي تتشبث بوجوب تخفيف سلطة البراهمة اللامحدودة إن لـم يكن القضاء عليها، وتعتقد البوذية القديمة بحقيقة التقمص والحياة الأخرى، وتسند مبادئها الروحية إلى وجود الكارمن (الفعل) والمصير الذي يخضع له الإنسان، ولكنَّها تؤكّد مع هذا بأنَّ الاحتفال الطقسي الدقيق كما تقرّره القوانين لن يوقف مجرى وعدد الولادات بل يؤثّر عليهما الخضوع للفضائل التي تنتج عن المسؤولية الشخصية.
وهكذا تحاول البوذية القضاء قضاءً تاماً على امتيازات الحسب والنسب الاجتماعية والوراثة الطبقية التي هي أسس المجتمع البراهماني، لذا ترحب البوذية دون تفرقة بجميع الذين يودون نقض سلطة البراهمة وتغدو من ثُمَّ ثورة اجتماعية.
وتستند البوذية في تعاليمها الروحية ـ كما جاء في موسوعة تاريخ الحضارات العام ـ إلى مبدأ صراع الخير والشر، وتصف كدواء لداء التقمص ممارسة فضيلة المحبة نحو جميع المخلوقات والتواضع والكفر بالذات، وعلاوة على ذلك فهي تؤمن بنظرية الفداء: إذ دون مخلّص سيخضع الأفراد إلى نتائج أعمالهم، وهذا المخلّص هو بوذا شاكيمني للطور الكوني الحالي، يليه يوذا ميتريا الذي سيغدو سيِّد العهد المقبل والذي سيسبق مجيئه زوال العالـم، ويشير البستاني في دائرة معارفه إلى أنَّ المذهب البوذي المقبول عموماً باتجاه المعبودات البرهمية يجعلها أدنى درجة من بوذة ومن الكهنة المحترميـن أيضاً جاعلاً بذلك النّاس أعلى درجة من المعبودات.
ثُمَّ يتابع البستاني قوله إنَّ بوذة ليس هو تجسيد لكائن أسمى بل هو كامل بالذات، وقد ذكر في الفيداس أيضاً أنَّ القداسة والتَّقوى والتأمّل والحكمة هي أقدس جميع المعبودات، وفضيلة الهنود تقوم بنكران النفس وقمع الشهوات وقهر الإرادة والشفقة على جميع الكائنات واستئصال الخطيئة، الذي يكون بعده معرفة غير متناهية، وكانت البوذية في الأصل بسيطة أدبية عقلية مضادة للميثولوجيا والفلسفة والاحتفالات وحرفة الكهنة، وكانت في أعلى درجة من الجودة والشفقة، وسهلة المراس تدعو جميع النّاس إلى الدخول فيها من دون تمييز بينهم باعتبار حالتهم ومركزهم مسهلة للجميع طريق الخلاص ومعلنة بأنَّه يمكن نوالها بطهارة السيرة، إلاَّ أنَّها لـم تنهَ صريحاً عن قسمة النّاس إلى أصناف ولا حرصت بالتسليم بها.
تأسيس البوذية:
بوذة أو بوذا اسم هندي معناه عالـم أو حكيم أو عاقل وهو جنس لمعلمين من البوذيين اتخذوهم معبودات ونسبوا إليهم، وهم يعتقدون أنَّه ظهر عدد لا يُحصى من البوذات ليخلّصوا العالـم وأنَّه في العصر الحالي يوجد واحد منهم، ويُعرف أيضاً بسقياموني أي القديس أو الناسك سقياً الذي يعتقد البعض أنَّه تجسَّد تاسع لوشنو وأنَّه أصلح البرهمية بإدخاله فيها قانون إيمان بسيطاً وإبداله شرائعها وعاداتها القاسية بشرائع أدبية ذات لين ورفق، كما ذكر البستاني في دائرة معارفه،.
ويتابع البستاني روايته بالقول، ويسمى بوذا سرقاتاسيذا ومعناه قد تـمّ كلّ المطلوب، وتوفيت أمّه في اليوم السابع من ولادته، فحضنته خالته براجا باتي غوتامي، ومعنى اسمها مالكة العالـم من قبيلة غوتامي ومن ثُمَّ دعي غوتامي.
وقد نزل حسب الرِّواية البوذية بصورة فيل أبيض والحبل به كشعاع من النور ذي خمسة ألوان، ووقعت عجائب عظيمة عند ولادته من جنب أمه الأيمن وإعلانه إرساليته حال ولادته.
وتروي قصة إنجابه تحت شجرة المالبيني، كما جاء في انجيل بوذا «انتشرنوره، وملأ العالـم، ففتحت عيون المكفوفين وشاهدوا المجد الآتي من العلاء، وحلّت عقدة ألسنة الخرس، وسمعت آذان الصم».
ومن جملة ما نسج الخيال الهندي حول مولد بوذا أنَّ أيدي البراهمة تلقته وأنَّه قام لتوه ونطق، يقولون عن أمّه حين وضعته ما نصه: «ولما أرادت النهوض مدّت يدها إلى غصن الشجرة فانحنى من تلقاء نفسه حتّى قارب كفها، ولـم تكد تنهض حتّى كان تحتها طفل تلقته أربعة من البراهمة في شبكة نسجت خيوطها من أسلاك الذهب، ووقف المولود فجأة، وتقدّم إلى الأمام سبع خطوات ثُمَّ صاح في صوتٍ عذب: أنا سيِّد هذا العالـم... وهذه الحياة هي آخر حياة لي» حسبما ذكر سليمان مظهر في استطلاعه المنشور في مجلة العربي.
عاش غوتاما في قصر والده ومن ثُمَّ زوجه، وبعد أن أنجب مولوداً، بدأ يشعر بالقلق على مصير الإنسان، وكان قد ما شاهده وراقبه من واقع الآلام التي تُعيب النّاس من الفقير الجائع إلى من ارتدى ثياباً رثة إلى من غلبه المرض... ما جعله ينفر من نظام حياته وقصر والده، ويذهب هائماً في البراري مع رهبان الهندوسية، وتمسك بالزهد والاعتزال تمسكاً شديداً صارماً، ومارس أشدّ التقشفات وذهب إلى البوذ غيدا أي عرش المعرفة في غايا وجلس تحت البوذ يدروماآي التينة المقدسة وهي شجرة البنيان حيث كلّ بوذيستقا (معرفة الحقّ) يصير بوذة.
لقد أعطى البوذيون لبوذا ـ كما جاء في انجيل بوذا ـ موقعاً فيها حال التأله، وأصبح بوذا هو الرسالة عندهم، وتقليده والأخذ بسلوكه ومنهجه هو المطلب، إنَّ الخلود المنشود يتحقّق بالاتحاد وبوذا من خلال «النيرفانا». «هلموا إلى بوذا الذي وجد الخلود في الفناء، هلموا إلى بوذا الذي لا يتبدد، إلى ذلك الذي لا يغيّر وجودنا، هلموا إليه، إلى الحقيقة المنبثقة منا ثورة»،ولذلك نسبوا لخليفة بوذا «أنورودا» أنَّه قال لأتباع البوذية: «إنَّ غوتاما شودهارانا كان الحقيقة المنظورة بيننا، إنَّه الواحد المقدس الكامل، وهو الواحد المبارك، وقد حلّت فيه الحقيقة العليا وصارت إنساناً وأعلنها لنا».
وهكذا يُصبح بوذا عند البوذيين، هو الخالد المتأله، هو الكامل، هو الشريعة، ولا حياة بدون اتحاد فيه.
ويبدو أن البوذية ـ كما قال البستاني ـ قد أعطت تفسيرات مختلفة لمعنى الإله، وفي هذا الصدد يقول البستاني "إن الله عند الشيع البوذية المعروفة بـ "أيس فاريكا" ومعناه الذات الأصلية السابقة كل الكائنات ويسمونه أيضاً سقايام بو أي الذات القائمة بنفسها، ويوجد بين هذه الشيع من يجعل من أديبوذة مبدأ مادياً يعادله في القوة وهو مثله سرمدي ومشارك له في خلق العالم ، إلا أن الباقين يعتبرون أديبوذة المبدأ الإلهي المفرد والسبب الوحيد لكل الكائنات ومقامه في أعلى اقاليم الكون وهو إقليم النار (أغنختا بوفانا) ووجود كل شيء في الكون نشأ عن رغبته الشديدة في التخلص من وحدته لتكثير ذاته، فانبعث من تلك الرغبة المسماة عندهم برجنا ومعناها العقل المعلن ذاته خمس معبودات أخرى يسمون بوذة كل واحد منهم أنشأ بذاته وبالتوسط السماوي المسمى عندهم ذيان ابناً روحياً يعرف عندهم ببوذيستفا، وكان للإله أميتابا ابن روحي اسمه بادماباني وهو الخالق الحقيقي للكون وذلك لأنه خلق الآلهة الثلاثة المعروفين عندهم بالقوات السامية وهم براهما وفيخنو وسيفا.
انتشار البوذية:
يعتبر تاريخ البوذية منذ تأسيسها حتّى أصبحت ديناً لمملكة فارس وما وراء النهر تاريخاً غامضاً، ولكنَّ المعروف ـ كما يقول البستاني ـ هو أنَّه عصفت بها المشاكل وحدثت بها انشقاقات وصلت إلى حوالي ثمانية عشر طائفة، كان أشهرها اثنتان: الأولى الفيبها شيكا أي المنشقون وفروعهم كثيرة، والثانية هي السوتونيتكا أي المحافظون على القواعد الأصلية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ انتشار البوذية يعود الفضل فيه لشخص عاش في مرحلة متأخرة على ظهور بوذا بحوالي قرنين ونصف هو آشوكا.
ويعود السبب في انتشارها ـ كما ورد في دائرة معارف البستاني ـ إلى غزو الاسكندر المقدوني لبلاد الهند حيثُ سيطر على معظمها، وكان من آثار ذلك أن نهض الأمير الهندي شاندار غوتبا، سنة 321ق.م. وجمع حول قبائل عديدة وتمكن من إجلاء الإغريق عن بلاده، وجعل الهند بأسرها تحت مملكة واحدة خاضعة لسلطانه، واتخذ من أصله السودري وهو من أدنى أصناف الهنود وغزو المكدونيين للهند وسيلة لسحق قوّة البراهمة.
وتولى الحكم من بعده ابنه «بندو سارا» الذي قبل في بلاطه «ميغشينس» المؤرخ اليوناني ليشبع له فضوله.
وخلف "بندو سارا" في الحكم ابنه «ذارماسوكا» أو «شوكا» كما في بعض المصادر في حكم الدولة المورية، فوسع مملكته ومارس العنف والتسلّط على الآخرين من خلال العمل العسكري، ولكنَّه كما يقول ديورانت لـم يلبث أن اشمأز من الحرب والقوّة، ومال إلى البوذية ووجد ضالته فيها، فاعتنقها وعمل على نشرها، وأعلن أنَّ فتوحه من ذلك الوقت ستكون في سبيل الدين،ويشير البستاني إلى أنه نشر تحت لقب بياداسي (المحب التّقي) قوانين ذات حلم وشفقة وجدت محفورة على أعمدة من دلهي، والله آباد، وعلى صخور بالقرب من بشاور في غزارة وأوريسا وغيرها ولكنَّها كتبت باللغة البركليتية أي الدراجة وليست باللغة السنسكريتية لغة البراهمة، وتلك القوانين تأمر بممارسة الفضائل وحفر الآبار وزرع الأشجار، وبناء الطرق والمستشفيات والحدائق العامة والبساتين، وتنهى عن القصاص بالقتل، وأرسل البعثات الدينية إلى كشمير وسيلان والإمبراطورية اليونانية وجبال هملايا، فتحوّلت بذلك البوذية من مذهب من المذاهب الهندية إلى دين عالمي، وهذا ما أكده البستاني وشلبي.
البوذية …ديانة وضعية:
لقد أحدث أشوكا نقلة نوعية في البوذية ، ولعل هذا الذي دعا لأن يعتبر أشوكا المؤسس الثاني للبوذية بحيث تحوّلت مع انتشارها على يديه من فلسفة أخلاقية إلى ديانة وضعية لها معابدها ومفهومها للألوهية ولها نظامها الطقسي.
ويمكن أن نصنف البوذية اليوم ـ كما ذكر فوزي محمد حميد في كتابه عالم الأديان بين الأسطرة والحقيقة ـ إلى نوعين هما:
1 ـ هنيايانا Hinaiana أو العجلة الصغيرة... ويرتدي كهنتها ثوباً أصفر اللون ويحلقون رؤوسهم، وعليهم الالتزام بعددٍ من القواعد الكهنوتية شديدة التعقيد، مثلاً: لا يسمح لهم تناول أي طعام بعد منتصف النهار، ولا يسمح لهم بحمل أيّ نقود أو ملكية، وهي أصغر أشكال البوذية، وأتباعها يعتبرون أنَّ بوذا ليس إلاَّ مجرّد رجل وضع بعض القواعد للسلوك، وهو ليس إلهاً يُعبد، ولا تزال توجد في سيريلانكا أشهر آثار بوذا وهي إحدى أسنانه.
2 ـ ماهيانا Mahiana أو العجلة الكبيرة... وهي شكل منحرف للبوذية، وأتباعها يعتبرون بوذا إلهاً، ويعبدون الروح التي ألهمت بوذا، وهم يؤمنون بالملائكة والشياطين، وتؤمن بعض طوائفهم بوجود الجنّة والجحيم، وأنَّه لا بُدَّ من مرور الروح بهما قبل أن تصل مرتبة الينرفانا.
و يشير السحمراني إلى أن «المهايانا» التي انتشرت في الشمال توزعت إلى مذاهب، منها «زن» في اليابان الذي يهتم بالتأمّل ومذهب اللامية في منغوليا ومناطق التيبت، وهو مذهب مفتوح للجميع ويركز على الفضائل كالرحمة والإحسان والصدق والاعتدال ويحذر من الخطايا.
هذا بالإضافة إلى أشكال متعدّدة من البوذية التي تأثّرت بثقافات البلدان التي انتشرت فيها، ففي الهند، بوذية مطعمة بالهندوسية، وفي الصين بوذية متأثرة بالكنفوشيوسية، وفي اليابان بالشنتوية، كما تسربت إلى بعض مذاهب البوذية مفاهيم من أتباع الرسالات السَّماوية كالمسيحية والإسلام، ولا يخلو الأمر من مفاهيم بوذية دخلت في مذاهب غير البوذيين.
ويذكر السحمراني وكولر أن عدد البوذيين اليوم يتجاوز الأربعمائة مليون نسمة، وهم يتواجدون في الهند ونيبال والصين واليابان وأندونيسيا وماليزيا، ولكنَّهم يشكلون الأغلبية السكانية في الدول التالية: بورما، بوتان، تايلند، تايوان، سريلانكا، سنغافورة، فيتنام، كمبوديا، كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، لاوس ومنغوليا.
وإذا كانت الأمم قد شهدت وتشهد صراعات وحروباً فإنَّ مناطق انتشار البوذية نعمت بقسط من عدم وجود العنف، أو أنَّها خففت من العنف والحروب على الأقل.
تعاليم البوذية وفروعها:
إنَّ البوذيين يقولون قبل كلّ شيء بفراغ الطبيعة وبكونها وهمية خداعة وأنَّ العدم يوجد في كلّ مكان وكلّ زمان وهو مملوء بالغش ونفس هذا العدم يزيل كلّ الحواجز بين أصناف النّاس وجنسياتهم وأحوالهم الدنيوية ويجعل أحقر الديدان أخوة للبوذيين، وهم يعتقدون أنَّ آخر عبارة نطق بها سقياموني هي «كلّ مركّب فان» والغاية القصوى عندهم هي نجاة النفس من كلِّ ألـم وغرور وإنَّ دور التناسخ الذي لا نهاية له ينتهي أو ينقطع بمنع النفس عن أن تولد ثانية ويتوصل إلى ذلك بتطهيرها حتّى من رغبة الوجود، كما ذكر البستاني في دائرة معارفه، وهذا ما يجعل البوذي يؤمن بدورة النفس تناسخاً في الأبدان في مسعى للتطهر حتّى تصل إلى حالة الاستنارة والصفاء، وبذلك تستحق التسامي والرحيل من دورتها في الأبدان لتتحقّق لها النيرفانا، وهي الاندماج الكامل والاتحاد بالمخلّص بوذا.
وتجعل البوذية ـ كما يقول البستاني أيضاّ ـ الألـم هو المحرّك للاهوت بوذا فعنده الولادة والسن والمرض، والموت ومصادفة المكروه ومفارقة المحبوب والعجز عمّا يرام كلّها أمور مؤلمة، وإذا ما أراد الخلاص من هذا الألـم ما عليه إلاَّ أن يعمل للتخلي عن شهواته النفسانية والجسدية والأهواء وملاشاة جميع هذه الأسباب...
وخلاصة الأدب البوذي إنَّما هي في اجتناب كلّ شيء رديء وعمل كلّ شيء صالح وتهذيب العقل.
أمّا ما كان من الخرافات والذبائح والتأديبات والكهنوت والفلسفة والأسرار فقد أضيف إليها مع تمادي الزمان في بلدان وأحوال مختلفة.
وقد نصت تعاليم البوذية على مجموعة من الوصايا يبلغ عددها 250 وصية منها عشر جوهرية وهي ـ كما جاءت في دائرة معارف البستاني ـ : لا تقتل، لا تسرق، كن عفيفاً، لا تكذب، لا تسكر، لا تأكل بعد الظهر، لا تغنِ ولا ترقص، وتجنّب ملابس الزينة، لا تستعمل فراشاً كبيراً، لا تقبل معادن كريمة، وخمس تتعلّق بما يجب أن يقدّم من الاحترام لبوذة والشريعة والكهنوت والسيرة الجيّدة، والصحة الجيّدة، والعلم القليل صفات كافية للدخول إلى الرهبانية حتّى في سنّ الحداثة، ويؤمر المبتدئ أن لا يأكل إلاَّ فضلات أطعمة العوام، وأن يلبس رداء من الخرق ملطخاً، وأن يسكن بالقرب من الأشجار، وأن يستعمل بول البقر دواءً، وأن لا يفتخر بقوى فوق القوى البشرية.
ويرتدي الكهنة الثياب ذات اللون الأصفر وذلك دلالة على إشراقة نفوسهم، وملبوس الكهنة مؤلف من صدرية تحتية وكساء يصل إلى الركبتين ويشدّ بمنطقة يجعل على الكتف اليسرى وجميعها صفراء تلبس دائماً حتّى في الليل ويحسب فقدها فقد صفة كهنوتية.
وقد نشأ بسبب اختلاف البلدان والشيع والرتب الكهنوتية بعض اختلافات في اللبس، ـ ذكرت في الدارمابادا أوردها الكتور رؤوف شلبي على شكل ملحق وقد جاء فيها ـ فإنَّ اللامة يلبسون أروية قرمزية أو بنفسجية والمواد الحديثة والثمينة يقطعونها إلى أجزاء ثُمَّ تخلط معاً ويرشق عليها غبار اتباعاً لنص شريعتهم الحرفي...
ويشترط في من يرتدي الثياب الصفراء «أن يطهروا أبدانهم من الباطن وإلاَّ فإنَّهم لا يستحقون ارتداء هذه الثياب».
ويرى البوذيون أنَّ الأعمال بنتائجها تتبع الباعث على العمل ولما كانت الطهارة الباطنية هي الباعث كانت «نتائج الأعمال تتبع الباعث على العمل كعجلات العربة تتبع حوافر الحيوان الذي يشدّها».
ومن هذا المنطلق فإنَّ الزهد والفكر السليم سلاحان قويان باستطاعتهما أن يقفا في وجه الموجات الغرائزية والتحرر من نير الشهوات، والفضيلة عند بوذا هي الغاية، وقد جاء في نصوص (الدارما): «الذين يفكّرون بمنطق الفضيلة في كلّ غاياتهم ومقاصدهم يزدادون قوّة على قوّة في سلامة منطقهم فلا يتقيدون برباط دنيوي أو شهواني».
كما جعل طريق الزهد والتقشف طريقاً محبباً يسلكه الحكماء بقصد الابتعاد عن الطرقات المظلمة والاتجاه صوب النور: «ليستعد الرّجل الحكيم لترك طريق مظلم، وليدخل في كلّ صوب مضيء، وعندما يترك منـزله ولا يجد له محلاً يبيت فيه يكون قد حبّب لنفسه طريق الزهد والتقشف».
وهجرانه إنَّما يكون إلى الغابات حيثُ يسعد الإنسان هناك فلا يُقابل أحداً من البشر العاديين، هو في رحلة ولادته ويبتعد عن الاشتغال بالبحث عن الشهوات وفي ذلك مسلك للطريق التي سلكها بوذا نفسه وكان حيث أنجبته أمّه تحت شجرة المالبيني، وتقول الدارما بادا: «الغابات هي المحل الذي يسعد الإنسان القديس الطاهر حيث لا يقابل إنساناً من البشر العاديين، لأنَّه قد تحرر من أهواء النفس، ولهذا فإنَّه يشعر بالسعادة والراحة والطمأنينة لأنَّه لا يشتغل بالبحث عن مادية تهواها نفسه».
وهذه البوذية كما سبق وأشرنا قد أثّرت في بعض المعتقدات، فعاشوا حياة العزلة والهروب من المواجهة، يقول البوذيون: «إذا وجدنا شخصاً سجن ألفاً، ورجلاً آخر سجن هوى نفسه فإنَّ الأخير هو أفضل الذين يسيطرون على الأمور لئن يسيطر المرء على نفسه أفضل من أن يسيطر على أناس آخرين، وكلّ من يسيطر على نفسه هو الذي يستطيع أن يغسلها دائماً ويطهرها من الآثام».
أمّا على صعيد التعاطي مع المرأة في المجتمع البوذي، فإنَّه تعاطى معها بسلبية، ومن منطلق دوني، وكان بوذا نفسه قد دعا إلى الرهبانية واعتزال المجتمع والعيش في الغابات، كما أنَّه دعا أتباعه إلى ممارسة هذه الطقوس، وهذا ما أثر سلباً على طبيعة العلاقة بين الرّجل والمرأة، كما أوحى بأن يكون الرّجل على حذرٍ في تعاطيه معها.
وهكذا يستنتج أنَّ البوذية التي أسسها بوذا لـم تلزم أتباعها في البداية بشعار معيّن أو تفرض عليهم عبادات خاصة، ولكنَّها لـم تلبث أن تحوّلت من بعده إلى ممارسة العبادات وأقامت المعابد كما أنَّ بوذا رفض النظام الطبقي وحاربه، وآمن بالتناسخ، واتخذ من الزهد والتقشف والعزلة مساراً له ولأتباعه، ودعا إلى رهبانية قاسية وجادّة للتخلّص من الشهوات وهوى النفس، وجعل السبيل إلى التخلّص منها ومواجهتها بقضايا أخلاقية، وجعل الطريق إلى ذلك الفرار إلى الغابات والطبيعة للتأمّل، ما جعل بذلك منهجه سلبياً في مواجهة التحدّيات.
نشأت الهندوسية نتيجة تراكم معرفي ديني للتراث الهندي، وتبلورت من خلاله عبر آلاف السنين، ماجعل الهندوسية تجسِّد الشخصية القومية للمجتمع الهندي، في حين أن البوذية نشأت بفعل شخصٍ معيّن في إطار الرفض الصارخ للممارسات الهندوسية، وبتعبير آخر جاءت كحركة إصلاح اجتماعي ينطلق من مبادىء روحية وميتافيزيقية وسياسية ترفض نظام الطبقات الذي أعطى امتيازات واضحة للطبقتين الحاكمتين، البراهمة والكشتريا، وجعل البوذية تعتمد على الفئات الاجتماعية الأقل شأناً، وهي تتشبث بوجوب تخفيف سلطة البراهمة اللامحدودة إن لـم يكن القضاء عليها، وتعتقد البوذية القديمة بحقيقة التقمص والحياة الأخرى، وتسند مبادئها الروحية إلى وجود الكارمن (الفعل) والمصير الذي يخضع له الإنسان، ولكنَّها تؤكّد مع هذا بأنَّ الاحتفال الطقسي الدقيق كما تقرّره القوانين لن يوقف مجرى وعدد الولادات بل يؤثّر عليهما الخضوع للفضائل التي تنتج عن المسؤولية الشخصية.
وهكذا تحاول البوذية القضاء قضاءً تاماً على امتيازات الحسب والنسب الاجتماعية والوراثة الطبقية التي هي أسس المجتمع البراهماني، لذا ترحب البوذية دون تفرقة بجميع الذين يودون نقض سلطة البراهمة وتغدو من ثُمَّ ثورة اجتماعية.
وتستند البوذية في تعاليمها الروحية ـ كما جاء في موسوعة تاريخ الحضارات العام ـ إلى مبدأ صراع الخير والشر، وتصف كدواء لداء التقمص ممارسة فضيلة المحبة نحو جميع المخلوقات والتواضع والكفر بالذات، وعلاوة على ذلك فهي تؤمن بنظرية الفداء: إذ دون مخلّص سيخضع الأفراد إلى نتائج أعمالهم، وهذا المخلّص هو بوذا شاكيمني للطور الكوني الحالي، يليه يوذا ميتريا الذي سيغدو سيِّد العهد المقبل والذي سيسبق مجيئه زوال العالـم، ويشير البستاني في دائرة معارفه إلى أنَّ المذهب البوذي المقبول عموماً باتجاه المعبودات البرهمية يجعلها أدنى درجة من بوذة ومن الكهنة المحترميـن أيضاً جاعلاً بذلك النّاس أعلى درجة من المعبودات.
ثُمَّ يتابع البستاني قوله إنَّ بوذة ليس هو تجسيد لكائن أسمى بل هو كامل بالذات، وقد ذكر في الفيداس أيضاً أنَّ القداسة والتَّقوى والتأمّل والحكمة هي أقدس جميع المعبودات، وفضيلة الهنود تقوم بنكران النفس وقمع الشهوات وقهر الإرادة والشفقة على جميع الكائنات واستئصال الخطيئة، الذي يكون بعده معرفة غير متناهية، وكانت البوذية في الأصل بسيطة أدبية عقلية مضادة للميثولوجيا والفلسفة والاحتفالات وحرفة الكهنة، وكانت في أعلى درجة من الجودة والشفقة، وسهلة المراس تدعو جميع النّاس إلى الدخول فيها من دون تمييز بينهم باعتبار حالتهم ومركزهم مسهلة للجميع طريق الخلاص ومعلنة بأنَّه يمكن نوالها بطهارة السيرة، إلاَّ أنَّها لـم تنهَ صريحاً عن قسمة النّاس إلى أصناف ولا حرصت بالتسليم بها.
تأسيس البوذية:
بوذة أو بوذا اسم هندي معناه عالـم أو حكيم أو عاقل وهو جنس لمعلمين من البوذيين اتخذوهم معبودات ونسبوا إليهم، وهم يعتقدون أنَّه ظهر عدد لا يُحصى من البوذات ليخلّصوا العالـم وأنَّه في العصر الحالي يوجد واحد منهم، ويُعرف أيضاً بسقياموني أي القديس أو الناسك سقياً الذي يعتقد البعض أنَّه تجسَّد تاسع لوشنو وأنَّه أصلح البرهمية بإدخاله فيها قانون إيمان بسيطاً وإبداله شرائعها وعاداتها القاسية بشرائع أدبية ذات لين ورفق، كما ذكر البستاني في دائرة معارفه،.
ويتابع البستاني روايته بالقول، ويسمى بوذا سرقاتاسيذا ومعناه قد تـمّ كلّ المطلوب، وتوفيت أمّه في اليوم السابع من ولادته، فحضنته خالته براجا باتي غوتامي، ومعنى اسمها مالكة العالـم من قبيلة غوتامي ومن ثُمَّ دعي غوتامي.
وقد نزل حسب الرِّواية البوذية بصورة فيل أبيض والحبل به كشعاع من النور ذي خمسة ألوان، ووقعت عجائب عظيمة عند ولادته من جنب أمه الأيمن وإعلانه إرساليته حال ولادته.
وتروي قصة إنجابه تحت شجرة المالبيني، كما جاء في انجيل بوذا «انتشرنوره، وملأ العالـم، ففتحت عيون المكفوفين وشاهدوا المجد الآتي من العلاء، وحلّت عقدة ألسنة الخرس، وسمعت آذان الصم».
ومن جملة ما نسج الخيال الهندي حول مولد بوذا أنَّ أيدي البراهمة تلقته وأنَّه قام لتوه ونطق، يقولون عن أمّه حين وضعته ما نصه: «ولما أرادت النهوض مدّت يدها إلى غصن الشجرة فانحنى من تلقاء نفسه حتّى قارب كفها، ولـم تكد تنهض حتّى كان تحتها طفل تلقته أربعة من البراهمة في شبكة نسجت خيوطها من أسلاك الذهب، ووقف المولود فجأة، وتقدّم إلى الأمام سبع خطوات ثُمَّ صاح في صوتٍ عذب: أنا سيِّد هذا العالـم... وهذه الحياة هي آخر حياة لي» حسبما ذكر سليمان مظهر في استطلاعه المنشور في مجلة العربي.
عاش غوتاما في قصر والده ومن ثُمَّ زوجه، وبعد أن أنجب مولوداً، بدأ يشعر بالقلق على مصير الإنسان، وكان قد ما شاهده وراقبه من واقع الآلام التي تُعيب النّاس من الفقير الجائع إلى من ارتدى ثياباً رثة إلى من غلبه المرض... ما جعله ينفر من نظام حياته وقصر والده، ويذهب هائماً في البراري مع رهبان الهندوسية، وتمسك بالزهد والاعتزال تمسكاً شديداً صارماً، ومارس أشدّ التقشفات وذهب إلى البوذ غيدا أي عرش المعرفة في غايا وجلس تحت البوذ يدروماآي التينة المقدسة وهي شجرة البنيان حيث كلّ بوذيستقا (معرفة الحقّ) يصير بوذة.
لقد أعطى البوذيون لبوذا ـ كما جاء في انجيل بوذا ـ موقعاً فيها حال التأله، وأصبح بوذا هو الرسالة عندهم، وتقليده والأخذ بسلوكه ومنهجه هو المطلب، إنَّ الخلود المنشود يتحقّق بالاتحاد وبوذا من خلال «النيرفانا». «هلموا إلى بوذا الذي وجد الخلود في الفناء، هلموا إلى بوذا الذي لا يتبدد، إلى ذلك الذي لا يغيّر وجودنا، هلموا إليه، إلى الحقيقة المنبثقة منا ثورة»،ولذلك نسبوا لخليفة بوذا «أنورودا» أنَّه قال لأتباع البوذية: «إنَّ غوتاما شودهارانا كان الحقيقة المنظورة بيننا، إنَّه الواحد المقدس الكامل، وهو الواحد المبارك، وقد حلّت فيه الحقيقة العليا وصارت إنساناً وأعلنها لنا».
وهكذا يُصبح بوذا عند البوذيين، هو الخالد المتأله، هو الكامل، هو الشريعة، ولا حياة بدون اتحاد فيه.
ويبدو أن البوذية ـ كما قال البستاني ـ قد أعطت تفسيرات مختلفة لمعنى الإله، وفي هذا الصدد يقول البستاني "إن الله عند الشيع البوذية المعروفة بـ "أيس فاريكا" ومعناه الذات الأصلية السابقة كل الكائنات ويسمونه أيضاً سقايام بو أي الذات القائمة بنفسها، ويوجد بين هذه الشيع من يجعل من أديبوذة مبدأ مادياً يعادله في القوة وهو مثله سرمدي ومشارك له في خلق العالم ، إلا أن الباقين يعتبرون أديبوذة المبدأ الإلهي المفرد والسبب الوحيد لكل الكائنات ومقامه في أعلى اقاليم الكون وهو إقليم النار (أغنختا بوفانا) ووجود كل شيء في الكون نشأ عن رغبته الشديدة في التخلص من وحدته لتكثير ذاته، فانبعث من تلك الرغبة المسماة عندهم برجنا ومعناها العقل المعلن ذاته خمس معبودات أخرى يسمون بوذة كل واحد منهم أنشأ بذاته وبالتوسط السماوي المسمى عندهم ذيان ابناً روحياً يعرف عندهم ببوذيستفا، وكان للإله أميتابا ابن روحي اسمه بادماباني وهو الخالق الحقيقي للكون وذلك لأنه خلق الآلهة الثلاثة المعروفين عندهم بالقوات السامية وهم براهما وفيخنو وسيفا.
انتشار البوذية:
يعتبر تاريخ البوذية منذ تأسيسها حتّى أصبحت ديناً لمملكة فارس وما وراء النهر تاريخاً غامضاً، ولكنَّ المعروف ـ كما يقول البستاني ـ هو أنَّه عصفت بها المشاكل وحدثت بها انشقاقات وصلت إلى حوالي ثمانية عشر طائفة، كان أشهرها اثنتان: الأولى الفيبها شيكا أي المنشقون وفروعهم كثيرة، والثانية هي السوتونيتكا أي المحافظون على القواعد الأصلية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ انتشار البوذية يعود الفضل فيه لشخص عاش في مرحلة متأخرة على ظهور بوذا بحوالي قرنين ونصف هو آشوكا.
ويعود السبب في انتشارها ـ كما ورد في دائرة معارف البستاني ـ إلى غزو الاسكندر المقدوني لبلاد الهند حيثُ سيطر على معظمها، وكان من آثار ذلك أن نهض الأمير الهندي شاندار غوتبا، سنة 321ق.م. وجمع حول قبائل عديدة وتمكن من إجلاء الإغريق عن بلاده، وجعل الهند بأسرها تحت مملكة واحدة خاضعة لسلطانه، واتخذ من أصله السودري وهو من أدنى أصناف الهنود وغزو المكدونيين للهند وسيلة لسحق قوّة البراهمة.
وتولى الحكم من بعده ابنه «بندو سارا» الذي قبل في بلاطه «ميغشينس» المؤرخ اليوناني ليشبع له فضوله.
وخلف "بندو سارا" في الحكم ابنه «ذارماسوكا» أو «شوكا» كما في بعض المصادر في حكم الدولة المورية، فوسع مملكته ومارس العنف والتسلّط على الآخرين من خلال العمل العسكري، ولكنَّه كما يقول ديورانت لـم يلبث أن اشمأز من الحرب والقوّة، ومال إلى البوذية ووجد ضالته فيها، فاعتنقها وعمل على نشرها، وأعلن أنَّ فتوحه من ذلك الوقت ستكون في سبيل الدين،ويشير البستاني إلى أنه نشر تحت لقب بياداسي (المحب التّقي) قوانين ذات حلم وشفقة وجدت محفورة على أعمدة من دلهي، والله آباد، وعلى صخور بالقرب من بشاور في غزارة وأوريسا وغيرها ولكنَّها كتبت باللغة البركليتية أي الدراجة وليست باللغة السنسكريتية لغة البراهمة، وتلك القوانين تأمر بممارسة الفضائل وحفر الآبار وزرع الأشجار، وبناء الطرق والمستشفيات والحدائق العامة والبساتين، وتنهى عن القصاص بالقتل، وأرسل البعثات الدينية إلى كشمير وسيلان والإمبراطورية اليونانية وجبال هملايا، فتحوّلت بذلك البوذية من مذهب من المذاهب الهندية إلى دين عالمي، وهذا ما أكده البستاني وشلبي.
البوذية …ديانة وضعية:
لقد أحدث أشوكا نقلة نوعية في البوذية ، ولعل هذا الذي دعا لأن يعتبر أشوكا المؤسس الثاني للبوذية بحيث تحوّلت مع انتشارها على يديه من فلسفة أخلاقية إلى ديانة وضعية لها معابدها ومفهومها للألوهية ولها نظامها الطقسي.
ويمكن أن نصنف البوذية اليوم ـ كما ذكر فوزي محمد حميد في كتابه عالم الأديان بين الأسطرة والحقيقة ـ إلى نوعين هما:
1 ـ هنيايانا Hinaiana أو العجلة الصغيرة... ويرتدي كهنتها ثوباً أصفر اللون ويحلقون رؤوسهم، وعليهم الالتزام بعددٍ من القواعد الكهنوتية شديدة التعقيد، مثلاً: لا يسمح لهم تناول أي طعام بعد منتصف النهار، ولا يسمح لهم بحمل أيّ نقود أو ملكية، وهي أصغر أشكال البوذية، وأتباعها يعتبرون أنَّ بوذا ليس إلاَّ مجرّد رجل وضع بعض القواعد للسلوك، وهو ليس إلهاً يُعبد، ولا تزال توجد في سيريلانكا أشهر آثار بوذا وهي إحدى أسنانه.
2 ـ ماهيانا Mahiana أو العجلة الكبيرة... وهي شكل منحرف للبوذية، وأتباعها يعتبرون بوذا إلهاً، ويعبدون الروح التي ألهمت بوذا، وهم يؤمنون بالملائكة والشياطين، وتؤمن بعض طوائفهم بوجود الجنّة والجحيم، وأنَّه لا بُدَّ من مرور الروح بهما قبل أن تصل مرتبة الينرفانا.
و يشير السحمراني إلى أن «المهايانا» التي انتشرت في الشمال توزعت إلى مذاهب، منها «زن» في اليابان الذي يهتم بالتأمّل ومذهب اللامية في منغوليا ومناطق التيبت، وهو مذهب مفتوح للجميع ويركز على الفضائل كالرحمة والإحسان والصدق والاعتدال ويحذر من الخطايا.
هذا بالإضافة إلى أشكال متعدّدة من البوذية التي تأثّرت بثقافات البلدان التي انتشرت فيها، ففي الهند، بوذية مطعمة بالهندوسية، وفي الصين بوذية متأثرة بالكنفوشيوسية، وفي اليابان بالشنتوية، كما تسربت إلى بعض مذاهب البوذية مفاهيم من أتباع الرسالات السَّماوية كالمسيحية والإسلام، ولا يخلو الأمر من مفاهيم بوذية دخلت في مذاهب غير البوذيين.
ويذكر السحمراني وكولر أن عدد البوذيين اليوم يتجاوز الأربعمائة مليون نسمة، وهم يتواجدون في الهند ونيبال والصين واليابان وأندونيسيا وماليزيا، ولكنَّهم يشكلون الأغلبية السكانية في الدول التالية: بورما، بوتان، تايلند، تايوان، سريلانكا، سنغافورة، فيتنام، كمبوديا، كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، لاوس ومنغوليا.
وإذا كانت الأمم قد شهدت وتشهد صراعات وحروباً فإنَّ مناطق انتشار البوذية نعمت بقسط من عدم وجود العنف، أو أنَّها خففت من العنف والحروب على الأقل.
تعاليم البوذية وفروعها:
إنَّ البوذيين يقولون قبل كلّ شيء بفراغ الطبيعة وبكونها وهمية خداعة وأنَّ العدم يوجد في كلّ مكان وكلّ زمان وهو مملوء بالغش ونفس هذا العدم يزيل كلّ الحواجز بين أصناف النّاس وجنسياتهم وأحوالهم الدنيوية ويجعل أحقر الديدان أخوة للبوذيين، وهم يعتقدون أنَّ آخر عبارة نطق بها سقياموني هي «كلّ مركّب فان» والغاية القصوى عندهم هي نجاة النفس من كلِّ ألـم وغرور وإنَّ دور التناسخ الذي لا نهاية له ينتهي أو ينقطع بمنع النفس عن أن تولد ثانية ويتوصل إلى ذلك بتطهيرها حتّى من رغبة الوجود، كما ذكر البستاني في دائرة معارفه، وهذا ما يجعل البوذي يؤمن بدورة النفس تناسخاً في الأبدان في مسعى للتطهر حتّى تصل إلى حالة الاستنارة والصفاء، وبذلك تستحق التسامي والرحيل من دورتها في الأبدان لتتحقّق لها النيرفانا، وهي الاندماج الكامل والاتحاد بالمخلّص بوذا.
وتجعل البوذية ـ كما يقول البستاني أيضاّ ـ الألـم هو المحرّك للاهوت بوذا فعنده الولادة والسن والمرض، والموت ومصادفة المكروه ومفارقة المحبوب والعجز عمّا يرام كلّها أمور مؤلمة، وإذا ما أراد الخلاص من هذا الألـم ما عليه إلاَّ أن يعمل للتخلي عن شهواته النفسانية والجسدية والأهواء وملاشاة جميع هذه الأسباب...
وخلاصة الأدب البوذي إنَّما هي في اجتناب كلّ شيء رديء وعمل كلّ شيء صالح وتهذيب العقل.
أمّا ما كان من الخرافات والذبائح والتأديبات والكهنوت والفلسفة والأسرار فقد أضيف إليها مع تمادي الزمان في بلدان وأحوال مختلفة.
وقد نصت تعاليم البوذية على مجموعة من الوصايا يبلغ عددها 250 وصية منها عشر جوهرية وهي ـ كما جاءت في دائرة معارف البستاني ـ : لا تقتل، لا تسرق، كن عفيفاً، لا تكذب، لا تسكر، لا تأكل بعد الظهر، لا تغنِ ولا ترقص، وتجنّب ملابس الزينة، لا تستعمل فراشاً كبيراً، لا تقبل معادن كريمة، وخمس تتعلّق بما يجب أن يقدّم من الاحترام لبوذة والشريعة والكهنوت والسيرة الجيّدة، والصحة الجيّدة، والعلم القليل صفات كافية للدخول إلى الرهبانية حتّى في سنّ الحداثة، ويؤمر المبتدئ أن لا يأكل إلاَّ فضلات أطعمة العوام، وأن يلبس رداء من الخرق ملطخاً، وأن يسكن بالقرب من الأشجار، وأن يستعمل بول البقر دواءً، وأن لا يفتخر بقوى فوق القوى البشرية.
ويرتدي الكهنة الثياب ذات اللون الأصفر وذلك دلالة على إشراقة نفوسهم، وملبوس الكهنة مؤلف من صدرية تحتية وكساء يصل إلى الركبتين ويشدّ بمنطقة يجعل على الكتف اليسرى وجميعها صفراء تلبس دائماً حتّى في الليل ويحسب فقدها فقد صفة كهنوتية.
وقد نشأ بسبب اختلاف البلدان والشيع والرتب الكهنوتية بعض اختلافات في اللبس، ـ ذكرت في الدارمابادا أوردها الكتور رؤوف شلبي على شكل ملحق وقد جاء فيها ـ فإنَّ اللامة يلبسون أروية قرمزية أو بنفسجية والمواد الحديثة والثمينة يقطعونها إلى أجزاء ثُمَّ تخلط معاً ويرشق عليها غبار اتباعاً لنص شريعتهم الحرفي...
ويشترط في من يرتدي الثياب الصفراء «أن يطهروا أبدانهم من الباطن وإلاَّ فإنَّهم لا يستحقون ارتداء هذه الثياب».
ويرى البوذيون أنَّ الأعمال بنتائجها تتبع الباعث على العمل ولما كانت الطهارة الباطنية هي الباعث كانت «نتائج الأعمال تتبع الباعث على العمل كعجلات العربة تتبع حوافر الحيوان الذي يشدّها».
ومن هذا المنطلق فإنَّ الزهد والفكر السليم سلاحان قويان باستطاعتهما أن يقفا في وجه الموجات الغرائزية والتحرر من نير الشهوات، والفضيلة عند بوذا هي الغاية، وقد جاء في نصوص (الدارما): «الذين يفكّرون بمنطق الفضيلة في كلّ غاياتهم ومقاصدهم يزدادون قوّة على قوّة في سلامة منطقهم فلا يتقيدون برباط دنيوي أو شهواني».
كما جعل طريق الزهد والتقشف طريقاً محبباً يسلكه الحكماء بقصد الابتعاد عن الطرقات المظلمة والاتجاه صوب النور: «ليستعد الرّجل الحكيم لترك طريق مظلم، وليدخل في كلّ صوب مضيء، وعندما يترك منـزله ولا يجد له محلاً يبيت فيه يكون قد حبّب لنفسه طريق الزهد والتقشف».
وهجرانه إنَّما يكون إلى الغابات حيثُ يسعد الإنسان هناك فلا يُقابل أحداً من البشر العاديين، هو في رحلة ولادته ويبتعد عن الاشتغال بالبحث عن الشهوات وفي ذلك مسلك للطريق التي سلكها بوذا نفسه وكان حيث أنجبته أمّه تحت شجرة المالبيني، وتقول الدارما بادا: «الغابات هي المحل الذي يسعد الإنسان القديس الطاهر حيث لا يقابل إنساناً من البشر العاديين، لأنَّه قد تحرر من أهواء النفس، ولهذا فإنَّه يشعر بالسعادة والراحة والطمأنينة لأنَّه لا يشتغل بالبحث عن مادية تهواها نفسه».
وهذه البوذية كما سبق وأشرنا قد أثّرت في بعض المعتقدات، فعاشوا حياة العزلة والهروب من المواجهة، يقول البوذيون: «إذا وجدنا شخصاً سجن ألفاً، ورجلاً آخر سجن هوى نفسه فإنَّ الأخير هو أفضل الذين يسيطرون على الأمور لئن يسيطر المرء على نفسه أفضل من أن يسيطر على أناس آخرين، وكلّ من يسيطر على نفسه هو الذي يستطيع أن يغسلها دائماً ويطهرها من الآثام».
أمّا على صعيد التعاطي مع المرأة في المجتمع البوذي، فإنَّه تعاطى معها بسلبية، ومن منطلق دوني، وكان بوذا نفسه قد دعا إلى الرهبانية واعتزال المجتمع والعيش في الغابات، كما أنَّه دعا أتباعه إلى ممارسة هذه الطقوس، وهذا ما أثر سلباً على طبيعة العلاقة بين الرّجل والمرأة، كما أوحى بأن يكون الرّجل على حذرٍ في تعاطيه معها.
وهكذا يستنتج أنَّ البوذية التي أسسها بوذا لـم تلزم أتباعها في البداية بشعار معيّن أو تفرض عليهم عبادات خاصة، ولكنَّها لـم تلبث أن تحوّلت من بعده إلى ممارسة العبادات وأقامت المعابد كما أنَّ بوذا رفض النظام الطبقي وحاربه، وآمن بالتناسخ، واتخذ من الزهد والتقشف والعزلة مساراً له ولأتباعه، ودعا إلى رهبانية قاسية وجادّة للتخلّص من الشهوات وهوى النفس، وجعل السبيل إلى التخلّص منها ومواجهتها بقضايا أخلاقية، وجعل الطريق إلى ذلك الفرار إلى الغابات والطبيعة للتأمّل، ما جعل بذلك منهجه سلبياً في مواجهة التحدّيات.
الصفحة الأخيرة