حكم زواج المسلم بالكتابية في دار الحرب (11)
حكم زواج المسلم بالكتابية في دار الكفر اليوم
هذا الموضوع هو أصعب موضوعات هذه الرسالة، وسبب صعوبته أن أحوال بلدان المسلمين وبلدان الكفر قد تغيرت.
فقد كانت الأرض في العصور الإسلامية السابقة، تنقسم إلى بلاد إسلام يطبق فيها شرع الله، وأهل الحل والعقد فيها هم المسلمون، وترفع بها راية الإسلام، وتبعث منها كتائب الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله، وبلاد كفر أهلها يحاربون الإسلام، حربا مباشرة، ولا يخرجها عن كونها بلاد حرب، إلا المعاهدات المؤقتة التي تعقد بين المسلمين وزعماء تلك البلدان.
أما الآن فإن كثيرا من بلدان المسلمين التي كل سكانها أو غالبهم مسلمون، قد تربع على كراسي حكمها من يحاربون الإسلام وتطبيق شريعته أشد من كثير من الكفار الحربيين.
ومن أمثلة ذلك الشعوب الإسلامية التي يحكمها شيوعيون ملحدون لا يؤمنون بالله ولا برسوله ولا باليوم الآخر ولا بالوحي، بل يعدون الإيمان بالغيب الذي جاءت به الرسل ونزلت به الكتب، خرافة تجب محاربتها والقضاء على من يعتقدها ويؤمن بها
وكذلك العلمانيون الذين يرون إقصاء الإسلام عن حياة الناس، ويسندون رأيهم بالقوة، ويرون أن قوانين البشر أنفع لحياة الناس من أحكام القرآن والسنة، وقلما تخلو من أحد هذين الصنفين بلاد من بلدان المسلمين، وإن كانوا في بعض الشعوب لا يجرؤن على الظهور بمظهر الدعوة إلى إقصاء الإسلام علنا، لعلمهم بأن الظروف غير مناسبة لذلك.
فبما ذا نحكم على هذه البلدان التي يحكمها أمثال هؤلاء؟
أهي بلاد إسلام، نظرا لأن كل سكانها، أو أغلبهم مسلمون، وإن كان الحل والعقد فيها لمن يحاربون تطبيق شريعة الإسلام؟ أم هي بلاد كفر، لأن الأحكام التي تنفذ فيها هي أحكام القوانين التي تعارض نصوص القرآن والسنة التي أجمعت الأمة على وجوب الحكم بها؟
وتعريف بعض علماء الإسلام لبلاد الإسلام وبلاد الكفر يرجح اعتبارها دار كفر، وليست دار إسلام، فقد قال علاء الدين الكاساني رحمه الله: " إن دار الكفر تصير دار إسلام بظهور أحكام الإسلام فيها … وإن دار الإسلام تصير دار كفر بظهور أحكام الكفر فيها "
وقد سألت بعض العلماء المعاصرين عن تعريفهم لدار الكفر ودار الإسلام، فلم يجبني إلا سماحة رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق في المملكة العربية السعودية الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله، وهذا نص جوابه:
"نفيدكم أن العبرة بمن كانت له الولاية والحل والعقد والتصرف في البلد، فإن كان ذلك للمسلمين، فهي دولة إسلامية، وإن وجد بها كفار، وإن كان الحل والعقد والتصرف والولاية للكفار، فتعتبر الدولة كافرة، وإن كثر فيها المسلمون "
يلاحظ أن الشيخ اختار لفظ " الدولة " ولم يختر لفظ " الدار " ولعله لا يريد أن يسمي الدار دار كفر، لأن بعض بلدان المسلمين يحكمها من لا يؤمن بالإسلام.
ولقد ابتلي المسلمون بهذا الوضع الشاذ في كثير من بلدانهم، ولو طبقنا تعريف بعض العلماء لبلاد الكفر، لما سلم من هذا الوصف كثير منها، وفي ذلك من الأخطار ما فيه، إذ ينبني عليه ألا يتزوج المسلم في بلاده التي تلك صفتها بالمسلمة، فضلا عن الكتابية، خشية من أن يصبح أولاده شيوعيين أو علمانيين يحاربون الإسلام، وإذا اضطر إلى ذلك لا يقصد الولد.
لهذا لا أريد الخوض في هذا الأمر، وعلى المسلمين أن يتقوا الله ما استطاعوا في بلدانهم، وأن يصبروا على التمسك بدينهم، وعلى تنشئة أولادهم عليه، حسب قدرتهم ووسعهم، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
هذا الموضوع مغلق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️