حكم زاج المسلم بالكتابية (9)
أقوال العلماء في حكم زواج المسلم بالكتابية في دار الحرب.
وقد صرحت كتب المذاهب الفقهية بكراهة الزواج بالكتابية في دار الحرب، إلا أن بعضهم يفسرون الكراهة بكراهة التحريم، وبعضهم يفسرونها بكراهة التنزيه.
قال السرخسي رحمه الله:
"بلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن سئل عن مناكحة أهل الحرب من أهل الكتاب؟ فكره ذلك، وبه نأخذ، فنقول: يجوز للمسلم أن يتزوج كتابية في دار الحرب، ولكنه يكره، لأنه إذا تزوجها ثمة، ربما يختار المقام فيهم.
وقال صلى الله عليه وسلم :
( أنا بريء من كل مسلم مع مشرك، لا تراءى ناراهما )
ولأن فيه تعريض ولده للرق، فربما تحبل فتسبى، فيصير ما في بطنها رقيقاً، وإن كان مسلماً، وإذا ولدت تخلق الولد بأخلاق الكفار، وفيه بعض الفتنة، فيكره لهذا".
ورجح الفقيه الحنفي محمد أمين المشهور بابن عابدين رحمه الله أن الكراهة هنا كراهة تحريمية، وليست كراهة تنزيه، فقال:
"وفيه أن إطلاقهم الكراهة في الحربية يفيد أنها تحريمية، والدليل عند المجتهد على أن التعليل يفيد ذلك، ففي الفتح: ويجوز تزوج الكتابيات، والأولى أن لا يفعل …
وتكره الكتابية الحربية إجماعا، لافتتاح باب الفتنة، من إمكان التعلق المستدعي للمقام معها في دار الحرب، وتعريض الولد على التخلق بأخلاق أهل الكفر، وعلى الرق، بأن تسبى وهي حبلى، فيولد رقيقاً، وأن كان مسلماً أ.هـ..
فقوله:
" والأولى ألا يفعل " يفيد كراهة التنزيه في غير الحربية، وما بعده يفيد كراهة التحريم في الزواج بالحربية في دار الحرب.
وقال في الشرح الصغير – في المذهب المالكي –:
"وتأكد الكره – أي الكراهة – إن تزوجها بدار الحرب، لأن لها قوة بها لم تكن بدار الإسلام، فربما ربت ولده على دينها، ولم تبال باطلاع أبيه على ذلك".
وقال النووي رحمه الله:
"وتحل كتابية، ولكن تكره حربية، وكذا ذمية على الصحيح " وقال في الحاشية: " لكن الحربية أشد كراهة منها ".
وقال الخرقي رحمه الله:
"ولا يتزوج في أرض العدو، إلا أن تغلب عليه الشهوة، فيتزوج مسلمة ويعزل عنها، ولا يتزوج منهم، ومن اشترى منهم جارية لم يطأها في الفرج، وهو في أرضهم".
وقال ابن قدامة – معلقا على ذلك -:
"يعني والله أعلم من دخل أرض العدو بأمان، فأما إن كان في جيش المسلمين فمباح له أن يتزوج، وقد روي عن سعيد بن أبي هلال أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج أبا بكر أسماء بنت عميس وهم تحت الرايات. أخرجه سعيد، لأن الكفار لا يد لهم عليه، فأشبه من في دار الإسلام.
أما الأسير فظاهر كلام أحمد أنه لا يحل له التزوج ما دام أسيراً، لأنه منعه من وطء امرأته إذا أسرت معه، مع صحة نكاحهما، وهذا قول الزهري، فإنه قال: لا يحل للأسير أن يتزوج ما دام في أرض المشركين". .
وقال ابن القيم رحمه الله:
"وإنما الذي نص عليه أحمد ما رواه ابنه عبد الله، قال: كره أن يتزوج الرجل في دار الحرب، أو يتسرى، من أجل ولده، وقال في رواية إسحاق بن إبراهيم: لا يتزوج ولا يتسرى الأسير، ولا يتسرى بمسلمة، إلا أن يخاف على نفسه، فإذا خاف على نفسه لا يطلب الولد…". .
وبهذا يظهر أن مذهب الإمام أحمد أكثر صراحة في تحريم زواج المسلم بالكتابية في دار الحرب، بل لا يبيح له وطء أمته المسلمة أو امرأته في دار الحرب إلا للضرورة، مع توقي إنجاب الولد. ويلي مذهب الإمام أحمد في الصراحة بالتحريم المذهب الحنفي.
هذا الموضوع مغلق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️