elshymaa

elshymaa @elshymaa

عضوة نشيطة

حِكمٌ في الابتلاء

ملتقى الإيمان

:39::26::26::26:
حِكمٌ في الابتلاء

الشيخ/عبدالله بن صالح بن عبدالحميد آل الشيخ



الحمد لله رب العالمين، إله الأولين والآخرين، قيوم السموات والأرض، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه أجمعين ، أما بعد
فقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليم وسلم قال:" عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير, وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن, وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له "(1).
فالابتلاء بالسراء والخير يحتاج إلى شكر, والابتلاء بالضراء والشر يحتاج إلى صبر, وهذا لا يتم إلا بأن يقلب الله الأحوال على العبد حتى يتبين صدق عبوديته لربه عز وجل قال الله تعالى: الأنبياء:35.
وخلق الآلام والمصائب فيه من الحكم مالا يحيط بعلمه إلا الله عز وجل تلك الحكم التي تنطق بفضل الله وعدله ورحمته.
قال ابن القيم رحمه الله:" فالآلام والمشاق إما إحسان ورحمة, وإما عدل وحكمة، وإما إصلاح وتهيئة لخير يحصل بعدها, وإما لدفع ألم هو أصعب منها إلى أن قال رحمه الله:" والشرع والقدر أعدلا شاهد بذلك ".
فكم في طلوع الشمس من ألم لمسافر وحاضر, وكم في نزول الغيث والثلوج من أذى كما سماه الله بقوله: النساء:102.
وكم في الحر والبرد والرياح من أذى موجب لأنواع من الآلام لصنوف الحيوانات.
وأعظم لذات الدنيا لذة الأكل والشرب والنكاح واللباس والرياسة، ومعظم آلام أهل الأرض أو كلها ناشئة عنها ومتولدة منها؛ بل الكمالات الإنسانيه لا تنال إلا بالآلام والمشاق كالعلم والشجاعة والزهد والعفة والحلم والمروءة والصبر والإحسان"(2).


وفي الآلام والمصائب حكم عظيمة منها:


1ـ استخراج عبودية الضراء وهي الصبر.
2ـ طهارة القلب من الخصال القبيحة ذلك أن الصحة قد تدعو إلى الأشر والبطر والإعجاب بالنفس فإذا قيد بالبلاء انكسرت نفسه, ورق قلبه.
3ـ تقوية المؤمن: ذلك أن في المصائب تدريباً للمؤمن, وامتحاناً لصبره وتقوية لإيمانه.
4ـ النظر إلى قهر الربوبية وذل العبودية: فإنه ليس لأحد مفرعن أمر الله وقضائه، ولا محيد عن حكمه النافذ وابتلائه, فنحن عبيد الله يتصرف فينا كما يشاء ويريد, ونحن إليه راجعون في جميع أمورنا.
5ـ حصول الإخلاص في الدعاء, وصدق الإنابة في التوبة: ذلك أن المصائب تشعر الإنسان بضعفه, وافتقاره إلى ربه, فيبعثه ذلك إلى إخلاص الدعاء له, وشدة التضرع والاضطرار إليه, وصدق الإنابة في التوبة والرجوع إليه سبحانه.
قال سفيان بن عيينه رحمه الله:" ما يكره العبد خيرٌ له مما يحب, لأن ما يكرهه يهيجه للدعاء, وما يحبه يلهيه "(3).
6ـ إيقاظ المبتلى من غفلته فكم من مبتلى بفقد العافية حصلت له توبة شافية, وكم من مبتلى بفقد ماله انقطع إلى الله بحسن حاله، وكم من غافل عن نفسه معرض عن ربه أصابه بلاء فأيقظه من رقاده ونبهه من غفلته.
7ـ معرفة قدر العافية: لأن الشيء لا يعرف إلا بضده, فيحصل بذلك الشكر الموجب للمزيد من النعم, لأن ما من الله به من العافية أتم وأنعم مما ابتلى وأسقم.
8 ـ إن من الآلام ما قد يكون سبباً للصحة: فقد يصاب المرء بمرض ويكون سبباً للشفاء من مرض آخر, وقد يبتلى ببلية فيذهب لعلاجها فيكتشف أن به داء عضالاً لم يكتشف إلا بسبب هذا المرض الطارئ.


قال المتنبي:
لعل عتبك محمود عواقبه وربما صحت الأبدان بالعلل


9ـ حصول رحمة أهل البلاء: فالذي يبتلى بأمر ما يجد في نفسه رحمة لأهل البلاء, وهذه الرحمة موجبة لرحمة الله عز وجل وجزيل العطاء، فمن رحم من في الأرض رحمه من في السماء.
10ـ حصول الصلاة من الله والرحمة والهداية: قال الله تعالى: البقرة:155ـ 157.
11ـ حصول الأجر وكتابة الحسنات وحط السيئات: قال النبي صلى الله عليه وسلم:"مامن شيء يصيب المؤمن, حتى الشوكة تصيبه, إلا كتب الله له بها حسنة أو حطت عنه بها خطيئة"(4).
بل إن الأجر والثواب لا يختص به المبتلى فحسب, بل يتعداه إلى غيره، فالطبيب المسلم إذ عالج المريض واحتسب الأجر كتب الله له ذلك، وكذلك الذي يزور المريض يُكتب له الأجر، ومن يقوم برعاية المريض يُكتب له الأجر كذلك.
12ـ العلم بحقارة الدنيا وهوانها: فأدنى مصيبة تصيب الإنسان تعكر صفو عيشه، وتنغص حياته, وتنسيه ملاذه.
13ـ إن اختيار الله تعالى للعبد خير من اختيار العبد لنفسه, وذلك أن الله عز وجل ـ أرحم الراحمين ـ وأحكم الحاكمين, فهو أعلم بمصالح عباده منهم، وهو أرحم بهم من أنفسهم ووالديهم, وإذا أنزل بهم ما يكرهون كان خيراً لهم من ألا ينزل بهم إحساناً ولطفاً بهم, ولو مكنوا من الاختيار لأنفسهم لعجزوا عن القيام بمصالحهم ـ لكنه سبحانه تولى تدبير أمورهم بموجب علمه وعدله وحكمته ورحمته, أحبوا أم كرهوا.
14ـ الدخول في زمرة المحبوبين لله عز وجل: فالمبتلون من المؤمنين يدخلون في زمرة المحبوبين المشرَّفين بمحبة رب العالمين، فهو سبحانه إذا أحب قوماً ابتلاهم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إن عظم الجزاء مع عظم البلاء, وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم, فمن رضي فله الرضا, ومن سخط فله السخط "(5).
إلى غير ذلك من الحكم التي لا يعلمها كثير من الناس، فإذا أصيب الناس بالزلازل والأمراض والنقص في الأموال والأنفس والثمرات فليتذكروا نعم الله عليهم في غيرها، وليبادروا إلى التوبة والإنابة والانكسار بين يدي رب العالمين وليحذروا من قسوة القلوب.
قال الله تعالى: الأنعام:42ـ 43.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا جميعاً العفو والعافية والمعافاة الدائمة إنه سبحانه خير مسؤول، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.




الهوامش والمراجع:
(1) مسلم (2999).
(2) شفاء العليل ص498.
(3) الفرج بعد الشدة لابن أبي الدنيا ص22.
(4) رواه مسلم (2572).
(5) أخرجه الترمذي (2396) وابن ماجه (4031) وحسنه الترمذي.
3
468

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

غلاتي تاجي
غلاتي تاجي
الذاااهبة
الذاااهبة
جزاكى الله الجنه و نعيمها
الحايره 2009
الحايره 2009
جزاكى الله الجنه و نعيمها
جزاكى الله الجنه و نعيمها