حكم كشف وجه المراءه لشيخ ابن عثيمين رحمه الله..

الملتقى العام

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما كتبه سماحة الشيخ محمد الصالح العثيمين
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له, وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد. فلقد بعث الله تعالى محمداً , صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد, بعثه الله لتحقيق عبادة الله تعالى وذالك بتمام الذل والخضوع له تبارك وتعالى بامتثال أوامره وإجتناب نواهيه وتقديم ذلك على هوى النفس وشهواتها. وبعثه الله متمما لمكارم الأخلاق داعياً إليها بكل وسيلة, وهادماً لمساوئ الأخلاق محذراً عنها بكل وسيلة فجاءت شريعته, صلى الله عليه وسلم كاملة من جميع الوجوه. لا تحتاج إلى مخلق في تكميلها أو تنظيمها فإنها من لدن حكيم خبير عليم بما يصلح عباده رحيم بهم.


وإن من مكارم الأخلاق التي بعث بها محمد صلى الله عليه وسلم , ذلك الخلق الحكيم, خلق الحياء الذي جعله النبي, صلى الله عليه وسلم ,من الإيمان وشعبة من شعبه , ولا ينكر أحد أن من الحياء المأمور به شرعاً وعُرفاً احتشام المرأة وتخلقها بالأخلاق التي تبعدها عن مواقع الفتن ومواضع الريب. وإن مما لا شك فيه أن احتجابها بتغطية وجهها ومواضع الفتنة منها اهو من أكبر احتشام تفعله وتتحلى به لما فيه من صونها وإبعادها عن الفتنة.
ولقد كان الناس في هذه البلاد المباركة بلاد الوحي والرسالة والحياء والحشمة كانوا على طريق الاستقامة في ذلك فكان النساء يخرجن متحجبات متجلببات بالعباءة أو نحوها بعيدات عن مخالطة الرجال الأجانب , ولا تزال الحال كذلك في كثير من بلدان المملكة ولله الحمد. لكن لما حصل ما حصل من الكلام حول الحجاب ورؤية من لا يفعلونه ولا يرون بأساً بالسفور صار عند بعض الناس شك في الحجاب وتغطية الوجه هل هو واجب أو مستحب أو شيء يتبع العادات والتقاليد ولا يحكم عليه بوجوب ولا استحباب في حد ذاته , ولإزالة هذا الشك وجلاء حقيقة الأمر أحببت أن أكتب ما تيسر لبيان حكمه راجياً من الله تعالى أن يتضح به الحق وأن يجعلنا من الهداة المهتدين الذين رأو الحق حقاً واتبعوه ورأوا الباطل باطلاً فاجتنبوه فأقول وبالله التوفيق .
اعلم أيها المسلم أن احتجاب المرأة عن الرجال الأجانب وتغطية وجهها أمر واجب دل على وجوبه كتاب ربك تعالى وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم , والاعتبار الصحيح والقياس المطرد.

رسالتان في الحجاب

الرسالة الاولى :

أ ) ادلــة القـــران

( وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهن او ابائهن او اباء بعولتهن او اخوانهن او بني اخوانهن او بني اخواتهن او نسائهن او ما ملكت ايمانهن او التابعين غير اولي الاربة من الرجال او الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضـربن بارجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا الى الله جميعا ايه المؤمنون لعلكم تفلحون ) (1) .

وبيان دلالة هذه الاية على وجوب الحجاب على المرأة عن الرجال الاجانب وجوه :
1 – ان الله تعالى امر المؤمنات بحفظ فروجهن والامر بحفظ الفرج امر به ربما يكون وسيلة اليه ، ولا يرتاب عاقل ان من وسائله تغطية الوجه لان كشفه سبب للنظر اليها وتامل محاسنها والتلذذ بذلك ، وبالتالي الى الوصول والاتصال . وفي الحديث : " العينان تزنيان وزناهما النظر " . الى ان قال " والفرج يصدق ذلك او يكذبه " . فاذا كان تغطية الفرج الوجه من وسائل حفظ الفرج كان مأموراً به لان الوسائل لها احكام المقاصد .

2. قوله تعالى ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) . فان الخمار ما تخمر به المرأة راسها وتغطيه به كالغدقة فاذا كانت مامورة بان تضر بالخمار علي جيبها كانت مامورة بستر وجهها اما لانه من لازم ذلك او بالقياس فانه اذا وجب ستر النحر والصدر كان وجوب ستر الوجه من باب اولى لانه موضع الفتنة والجمـال . فان الناس الذين يتطلبون جمال الصورة لا يسالون الا عن الوجه فاذا كان جميلا لم ينظروا الى ما سواه نظراً ذا اهمية .

(1) سورة النور ، الاية : 31 .
ولذلك اذا قالوا فلانة جميلة لم يفهم من هذا الكلام الا جمال الوجه فتبين ان الوجة هو موضع الجمال طلبا وخبرا فاذا كان كذلك فكيف يفهم ان هذه الشريعة تامر بستر الصدر والنحر ثم ترخص في كشف الوجه .
2. ان الله تعالى نهى عن ابداء الزينة مطلقا الا ما ظهر منها وهي التي لا بد ان تظهر كظاهر الثياب ولذلك قال الا ماظهر منها لم يقل الا ما اضهرن منها ثم نهى مرة اخرى عن ابداء الزينة الا لمن استثناهم فدل هذا على ان الزينة الثانية غير الزينة الاولى . فالزينة الاولى هي الزينة الظاهرة التي تظهر لكل احد ولا يمكن اخفاؤها والزينة الثانية هي الزينة الباطنة التي يتزين بها ولو كانت هذه الزينة جائزة لكل احد لم يكن للتعميم في الاولى والاستثناء في الثانية فائدة معلومة .
3. ان الله تعالى يرخص بابداء الزينة الباطنة للتابعين غير اولي الاربة من الرجال وهم الخدم الذين لا شهوة لهم ، وللطفل الصغير الذين لم يبلغ الشهوة ولم يطلع على عورات النساء فدل هذا على امرين : احدهمـا : ان ابداء الزينة الباطنة لا يحل لاحد من الاجانب الا لهذين الصنفين .
الثاني : ان علة الحكم ومداره على خوف الفتنة بالمراة والتعلق بها ولا ريب ان الوجه مجمع الحسن وموضع الفتنة فيكون ستره واجبا لئلا يفتن به اولو الاربة من الرجال .
5. قوله تعالى ( ولا يضربن بارجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن ) . يعني لا تضرب المراة برجلها فيعلم ما تخفيه من الخلاخيل ونحوها مما تتحلى به للرجل فاذا كانت المراة منهية عن الضرب بالارجل خوفا من افتتان الرجل بما يسمع من صوت خلخالها ونحوه فكيف بكشف الوجه .
فايما اعظم فتنة ان يسمع الرجل خلخالا بقدم امراة لايدري ما هي وما جمالها لا يدري اشابـة هي ام عجوز ، ولا يدري اشوهاء هي ام حسناء . فايما اعظم فتنة هذا او ان ينظر الى وجه سافر جميل ممتلئ شبابا ونضارة وحسنا وجملا وتجميلا بما يجلب الفتنة ويدعو الى النظر اليها ان كل انسان له اربة في النساء ليعلم اي الفتنتين اعظم واحق بالستر والاخفاء ؟؟

الدليل الثاني : قوله تعالى ( والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح ان يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وان يستعففن خير لهن والله سميع عليم ) (1) .
وجه الدلالة من هذه الاية الكريمة ان الله تعالى نفى الجناح وهو الاثم عن القواعد وهن العواجز اللاتي لا يرجون نكاحا لعدم رغبة الرجال بهن لكبر سنهن . نفى الله الجناح عن هذه العجائز في وضع ثيلبهن بشرط ان لا يكون الغرض من ذلك التبرج بالزينة . ومن المعلوم بالبداهة انه ليس المراد بوضع الثياب ان يبقين عاريات ، وانما المراد وضع الثياب التي تكون فوق الدرع ونحوه مما لا يستر ما يظهر غالبا كالوجه والكفين فالثياب المذكورة المرخص لهذه العجائز في وضعها هي الثياب السابقة التي تستر جميع البدن وتخصيص الحكم بهؤلاء العجائز دليل على ان الشواب اللاتي يرجون النكاح يخالفنهن في الحكم ولو ان الحكم شاملا للجميع في جواز وضع الثياب ولبس درع ونحوه لم يكن لتخصيص القواعد فائدة .
ومن قوله تعالى ( غير متبرجات بزينة ) .
دليل اخر على وجوب الحجاب على الشابة التي ترجو النكاح لان الغالب عليها اذا كشفت وجهها انها تريد التبرج بالزينة واظهار جمالها وتطلع الرجال لها ومدحهم اياها ونحو ذلك ، ومن سوى هذه نادرة والنادر لا حكم له .
الدليل الثالث : قوله تعالى ( يا ايها النبي قل لازواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك ادنى ان يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما ) .
قال ابن عباس رضي اللع عنه : امر الله نساء المؤمنين اذا خرجن من بيوتهن في حاجة ان يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة وتفسير الصحابي حجة بل قال بعض العلماء انه في حكم المرفوع الى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقوله رضي الله عنه ويبدين عينا واحدة انما رخص في ذلك لاجل الضرورة والحاجة الى نظر الطريق فاما اذا لم يكن حاجة فلا موجب لكشف العين .
والجلباب هو الرداء فوق الخمار بمنزله العباءة . قالت ام سلمة رضي الله عنها لما نزلت هذه الاية ( خرج نساء الانصار كان على رؤوسهن الغربان من السكينة وعليهن اكسية سود يلبسنها ) . وقد ذكر عبيدة السلماني وغيره ان نساء المؤمنين كن يدنين عليهن الجلابيب من فوق رؤوسهن حتى لا يظهر الا عيونهن من اجل رؤية الطريق .
الدليل الرابع : قوله تعالى ( لا جناح عليهن في ابائهن ولا ابنائهن ولا اخوانهن ولا ابناء اخوانهن ولا ابناء اخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت ايمانهن واتقين الله ان الله كان على كل شئ شهيدا ) .
قال ابن كثير رحمه الله : لما امر الله النساء بالحجاب عن الاجانب ان هؤلاء الاقارب لا يجب الاحتجاب عنهم كما استثناهم في سورة النور عند قوله تعالى ( ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهن ) الاية . فهذه اربعة ادلة من القران الكريم تفيد وجوب احتجاب المراة عن الرجال الاجانب ، والاية الاولى تضمنت الدلالة على ذلك من خمسة اوجه .

سورة الاحزاب ، الايه : 55 .
2 - ادلة السنــة

واما ادلة السنة فمنها :
الدليل الاول :قوله ، صلى الله عليه وسلم ( اذا خطب احدكم امراة فلا جناح عليه ان ينظر منها اذا كان انما ينظر اليها لخطبة وان كانت لا تعلم ) . رواه احمد .
قال في مجمع الزوائد : رجاله رجال الصحيح . وجه الدلاله منه ان النبي ، صلى الله عليه وسلم ، نفي الجناح وهو الاثم عن الخاطب خاصة اذا نظر من مخطوبته بشرط ان يكون نظره للخطبة فدل هذا على ان غير الخاطب اثم بالنظر الى الاجنبة بكل حال ، وكذلك الخاطب اذا نظر لغير الخطبة مثل ان يكون غرضه بالنظر التلذذ والتمتع به نحو ذلك .
فان قيل ليس في الحديث بيان ما ينظر اليه . وقد يكون المراد بذلك نظر الصدر والنحر فالجواب ان كل احد يعلم ان مقصود الخاطب المريد للجمال انما هو جمال الوجه وما سواه تبع لا يقصد غالبا . فالخاطب انما ينظر الى الوجه لانه المقصود بالذات لمريد الجمال بلا ريب .

الدليل الثاني : ان النبي ، صلى الله عليه وسلم ، لما امر باخراج النساء الى مصلى العيد قلن : يا رسول الله احدانا لا يكون لها جلباب فقال النبي ، صلى الله عليه وسلم ، " لتلبسها اختها من جلبابها " رواه البخاري ومسلم وغيرهما . فهذا الحديث يدل غلى ان المعتاد عند النساء صحابة ان لا تخرج المراة الا بجلباب وانها عند عدمه لا يمكن ان تخرج . ولذلك ذكرن رضي الله عنهن هذا المانع لرسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، حينهما امرهن بالخروج الى مصلى العيد فبين النبي ، صلى الله عليه وسلم ، لهن حل هذا الاشكال بان تلبسها اختها من جلبابها ولم ياذن لهن بالخروج بغير جلباب مع ان الخروج الى مصلى العيد مشروع مامور به للرجال والنساء فاذا كان رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، لم ياذن لهن بالخروج بغير جلباب فيما هو مامور به فكيف يرخص لهن في ترك الجلباب لخروج غير مامور به ولا يحتاج اليه . بل هو التجول في الاسواق والاختلاط بالرجال والتفرج الذي لا فائدة منه . وفي الامر بلبس الجلباب دليل على انه لابد من التستر والله اعلم .

الدليل الثالث : ما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات بمروطهن ثم يرجعن الى بيونهن ما يعرفهن احد من الغلس . وقالت لو راى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، من النساء ما راينا لمنعهن من المساجد كما منعت بنو اسرائيل نساءها . وقد روى نحو هذا عبدالله بن مسعود رضي الله عنه . والدلاله في هذا الحديث من وجهين : احدهما : ان الحجاب والتستر كان من عادة نساء الصحابة الذين هم خير القرون واكرمها على الله عز وجل واعلاها اخلاقا وادبا واكملها ايمانا واصلحها عملا فهم القدوة الذين رضي الله عنهم وعمن اتبعوهم باحسان كما قال تعالى والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم باحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه واعد لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا ذلك الفوز العظيم )(1) .
فاذا كانت تلك طريقة نساء الصحابة فكيف يليق بنا ان نحيد عن تلك الطريقة التي في اتباعها باحسان رضي الله تعالى عمن سلكها واتبعها وقد قال الله تعالى ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا )(2) .
الثاني: أن عائشة أم المؤمنين وعبدالله بن مسعود رضي الله عنهما وناهيك بهما علما وفقها وبصيرة في دين الله ونصحا لعباد الله أخبرا بأن رسول الله، صلي الله عليه وسلم، لو رأى من النساء ما راياه لمنعهن من المساجد وهذا في زمان القرون المفضلة تغيرت الحال عما كان عليه النبي، صلي الله عليه وسلم، إلى حد يقتضي منعهن من المساجد. فكيف بزماننا هذا بعد نحو ثلاثة عشر قرنا وقد اتسع الأمر وقل الحياء وضعف الدين في قلوب كثير من الناس. وعائشة وابن مسعود رضى الله عنهما فهما ما شهدت به نصوص الشريعة الكاملة من أن كل امر يترتب عليه محذور فهو محظور.
الدليل الرابع:ان النبي، صلى الله عليه وسلم، قال (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة).فقالت ام سلمة فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ قال (يرخينه شبرا).قالت إذن تنكشف اقدامهن.قال(يرخين ذراعا ولا يزدن عليه).ففي هذا الحديث دليل على وجوب ستر قدم المراة وانه امر معلوم عند نساء الصحابة رضى الله عنهم والقدم أقل فتنة من الوجه والكفين بلا ريب . فالتنبيه بالأدنى تنبيه على ما فوقه وما هو أولى منه بالحكم وحكمة الشرع تأبى ان يجب ستر ما هو أقل فتنة ويرخص في كشف ما هو أعظم منه فتنة .فإن هذا من التناقض المستحيل على حكمة الله وشرعه.
الدليل الخامس:قوله،صلى الله عليه وسلم(إذا كان لإحداكن مكــاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه ).
رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي. وجه الدلالة من هذا الحديث أنه يقتضي ان كشف السيدة وجهها لعبدها جائز ما دام في ملكها فإذا خرج منه وجب عليها الإحتجاب لأنه صار اجنبيا فدل على وجوب احتجاب المراة عن الرجل الأجنبي.
الدليل السادس: عن عائشه رضي الله عنها قالت:كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع الرسول،صلى الله عليه وسلم،فإذا جاوزونا كشفناه، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه. ففي قولها:"فإذا حاذونا" تعني الركبان"سدلت إحدانا جلبابها على وجهها" دليل على وجوب ستر الوجه لأن المشروع في الإحرام كشفه فلولا وجود مانع قوي من كشفه حينئذ لوجب بقاؤه مكشوفا حتى الركبان. وبيان ذلك أن كشف الوجه في الإحرام واجب على النساء عند الأكثر من أهل العلم والواجب لايعارضه إلاماهو واجب فلولا وجوب الاحتجاب وتغطيه الوجه عن الاجانب ماساغ ترك في الصحيحين وغيرها أن المرأه المحرمة تنهى عن النقاب والقفازين. قال شيخ الاسلام ابن تيميه: وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن. فهذه ستة أدلة من السنة على وجوب احتجاب المرأة وتغطية وجهها عن الرجال الاجانب أضف إليها أدلة القرآن الاربعه تكن عشرة أدلة من الكتاب والسنة.

3 – ادلــة القياس

الدليل لحادي عشر : الاعتبار الصحيح والقياس المطرد الذي جاءت به هذه الشريعة الكاملة وهو اقرار المصالح ووسائلها والحث عليها والزجر عنها . فكل ما كانت مصلحته خالصة او راجحة على مفسدته فهو مامور به امر اجاب او امر استحباب . وكل ماكانت مفسدته خالصة او راجحة على مصلحة فهو نهي تحريم او نهي تنزيه . واذا تاملنا السفور وكشف المراة وجهها للرجال الاجانب وجدناه يشمل على مفاسد كثيرة وان قدر فيه مصلحة فهي يسيرة منغمرة في جانب المفاسد . فمن مفاسده :
1. الفتنة ، فان المراة تفتن نفسها بفعل ما يجمل وجهها ويبهيه ويظهره بالمظهر الفاتن . وهذا من اكبر دواعي الشر والفساد .
2. زوال الحياء عن المراة الذي هو من الايمان ومن مقتضبات فطرتها . فقد كانت المراة مضرب المثل في الحياء . احي من العذراء في خدرها ، وزوال الحياء عن المراة نقص في ايمانها وخروج عن الفطرة التي خلقت عليها .
3. افتتان الرجال بها لا سيما اذا كانت جميلة وحصل منها تملق وضحك ومداعبة في كثير من السافرات وقد قيل " نظرة فسلام فكلام فموعد فلقاء " .
والشيطان يجري من ابن ادم مجرى الدم . فكم من كلام وضحك وفرح اوجب تعلق قلب الرجل بالمراة وقلب المراة بالرجل فحصل بذلك من الشر مالا يمكن دفعه نسال الله السلامة .
4. اختلاط النساء بالرجال ، فان المراة اذا رات المراة نفسها مساوية للرجل في كشف الوجه والتجول سافرة لم يحصل منها حياء ولا خجل من مزاحمة ، وفي ذلك فتنة كبيرة وفساد عريض . وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم ، ذات يوم من المسجد وقد اختلط النساء مع الرجال في طريق فقال النبي ، صلى الله عليه وسلم " استاخرن فانه ليس لكن ان تحتضن الطريق . عليكن بحافات الطريق ".
فكانت المراة تلصق بالجدار حتى ان ثوبها ليتعلق به من لصوقها . ذكره ابن كثير عند تفسير قوله تعالى ( وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن ) .
وقد نص شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله على وجوب احتجاب المراة عن الرجال الاجانب ، فقال في الفتاوي المطبوعة اخيرا ص 110 ج2 من الفقة و22 من المجموع ( وحقيقة الامر ان الله جعل الزينة زينتين زينة ظاهرة وزينة غير ظاهرة ، ويجوز لها ابداء زينتها الظاهرة لغير الزوج وذوات المحارم ، وكانوا قبل نزول اية الحجاب كان النساء يخرجن بلا جلباب يرى الرجل وجهها ويديها وكان اذ ذاك يجوز لها ان تظهر الوجه والكفين ، وكان حينئذ يجوز النظر اليها لانه يجوز لها اظهاره . ثم لما انزل الله اية الحجاب بقوله ( يا ايها النبي قل لازواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ) ( حجب النساء عن الرجال ) . ثم قال ( والجلباب هو الملاءة وهو الذي يسميه ابن مسعود وغيره الرداء وتسميه العامة الازار وهو الازار الكبير الذي يغطي راسها وسائر بدنها ثم يقال : فاذا كن مامورات بالجلباب لئلا يعرفن وهو ستر الوجه او ستر الوجه بالنقاب كان الوجه واليدان من الزينة التي امرت ان لا تظهرها للاجانب فما بقي يحل للاجانب النظر الى الثياب الطاهرة فابن مسعود ذكر اخر الامرين وابن عباس ذكر اول الامرين ) الى ان قال ( وعكس ذلك الوجه واليدان والقدمان ليس لها ان تبدي ذلك للاجانب على اصح القولين بخلاف ما كان قبل النسخ بل لا تبدي الا الثبات ). وفي ص 117 ، 118 من الجزء المذكور ( واما وجهها ويداها وقدماها فهي انما نهيت عن ابداء ذلك للاجانب لم تنه عن ابدائه للنساء ولا لذوي المحارم ) وفي ص 152 من هذا الجزء قال (واصل هذا ان تعلم ان الشارع له مقصودان : احدهما الفرق بين الرجال والنساء . الثاني . احتجاب النساء ) . هذا كلام شيخ الاسلام واما كلام غيره من فقهاء اصحاب الامام احمد فاذكر المذهب عند المتاخرين قال في المنتهى ( ويحرم نظر خصي ومجبوب وممسوح الى اجنبية ) وقال في الاقناع : (ويحرم نظر خصي ومجبوب الى اجنبية ) وفي موضع اخر من الاقناع ( ولا يجـوز النظـر الى الحـرة الاجنبية قصدا يحرم نظر شعرها ) وقال في متن الدليل : ( والنظر ثمانية اقسام ..) .
الاول : نظر الرجل البالغ ولو مجبوبا للحرة البالغة الاجنبية لغير حاجة فلا يجوز له نظر شئ منها حتى شعرها المتصل ا.هـ .
واما كلام الشافعية فقالوا ان كان النظر لشهوة او خيفت الفتنة به فحرام قطعا بلا خلاف وان كان النظر بلا شهوة ولا خوف فتنة ففيه قولان حكاهما في شرح الاقناع لهم وقال : ( الصحيح يحرم كما في المنهاج كاصله ووجهه الامام باتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات الوجوه وبان النظر مظنة للفتنة ومحرك للشهوة ) .

وقد قال الله تعالى : ( قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم ) . واللائق بمحاسن الشريعة سد الباب والاعراض عن التفاصيل الاحوال ا.هـ . كلامه . في نيل الاوطار شرح المنتقى ( ذكر اتفاق المسلمين على منع النساء ان يخرجن سافرات الوجوه لا سيما عند كثرة الفساق ) .


4. ادلــة المبيحين لكشف الوجــه


ولا اعلم لمن اجاز نظر الوجه والكفين من الاجنبية دليلا من الكتاب والسنة سوى ما ياتي :
الاول : قوله تعالى ( ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها ) حيث قال ابن عباس رضي الله عنهما هي وجهها وكفاها والخاتم . قال الاعمش عن سعيد بن جبير عنه . وتفسير الصحابي حجة كما تقدم .
الثاني : ما رواه ابو داود في سننه عن عائشة رضي الله عنها ان اسماء بنت ابي بكر دخلت على رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وعليها ثياب رقاق فاعرض عنها وقال " يا اسماء ان المراة اذا بلغت سن المحيض لم يصلح ان يرى منها الا هذا وهذا " واشار الى وجهه وكفيه .
في حجة الوداع فجاءت امراة من خثعم فجعل الفضل ينظر اليها وتنظر اليه فجعل النبي ، صلى الله عليه وسلم ،يصرف وجه الفضل إلى الشق الأخر ففي هذا دليل على أن هذه المرأة كاشفة وجهها.
الرابع:ما اخرجه البخاري وغيره من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه في صلاة النبي ،صلى الله عليه وسلم ،بالناس صلاة العيد ثم وعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن وقال(يا معشر النساء تصدقن فإنكن أكثر حطب جهنم).
فقامت امرأة من سطة النساء سعفاء الخدين.الحديث ،ولولا أن وجهها مكشوفا ما عرف انها سعفاء الخدين.
هذا ما أعرفه من الأدلة التي يمكن أن يستدل بها على جواز كشف الوجه للأجانب من المرأة.
5- الرد على هذه الأدلة

ولكن هذه الأدلة لا تعارض ما سبق من أدلة وجوب ستره وذلك لوجهين:
أحدهما:أن أدلة وجوب ستره ناقلة عن الأصل ،وأدلة جواز كشفه مبقية على الأصل ،والناقل عن الأصل مقدم كما هو معروف عند الأصوليين. وذلك لأن الأصل بقاء الشيء على ما كان عليه. فإذا وجد الدليل الناقل عن الأصل دل ذلك على طروء الحكم على الأصل وتغييره له.ولذلك نقول إن مع الناقل زيادة علم.وهو إثبات تغيير الحكم الأصلي والمثبت مقدم على النافي. وهذا الوجه إجمالي ثابت حتى على تقدير تكافؤ الأدلة ثبوتا ودلالة.
الثاني:إننا إذا تأملنا أدلة جواز كشفه وجدناها لا تكافىء ادلة المنع ويتضح ذلك بالجواب عن كل واحد منها بما يلي:
1-عن تفسير ابن عباس ثلاثة أوجه:
أحدهما: محتمل أن مراده أول الأمرين قبل نزول آية الحجاب كما ذكره شيخ الإسلام ونقلنا كلامه آنفا.
الثاني: يحتمل أن مراده الزينة التي نهى عن إبدئها كما ذكره ابن كثير في تفسيره ويؤيد هذين الإحتماليين تفسيره رضي الله عنه لقوله تعالى (يا ايها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ). كما سبق في الدليل الثالث من أدلة القرآن.
الثالث: إذا لم نسلم ان مراده احد هذين الاحتمالين فان تفسيره لا يكون حجة يجب قبولها الا اذا لم يعارضه صحابي اخر . فان عارضه صحابي اخر اخذ بما ترجحه الادله الاخرى وابن عباس رضي الله عنهما قد عارض تفسيره ابن مسعود رضي الله عنه حيث فسر قوله : ( الا ماضهر منها ) بالرداء والثياب وما لابد من ظهوره فوجب طلب الترجيح والعمل بما كان راجحا في تفسيرهما .
2. وعن حديث عائشة بانه ضعيف من وجهين : احدهما : الانقطاع بين عائشة وخالد بن دريك الذي رواه عنه كما اعله بذلك ابو داود نفسه حيث قال : خالد بن دريك لم يسمع من عائشة وكذلك اعله ابو حاتم الرازي .
الثاني : ان في اسناده سعيد بن بشير النصري نزيل دمشق تركه ابن مهدي وضعفه احمد وابن معين وابن المديني والنسائي وعلى هذا فالحديث ضعيف لا يقاوم ما تقدم من الاحاديث الصحيحة الدالة على وجوب الحجاب . وايضا فان اسماء بنت ابي بكر رضي الله عنها كان لها حين هجرة النبي ، صلى الله عليه وسلم ، سبع وعشرون سنة . فهي كبيرة السن فيبعد ان تدخل على النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وعليها ثياب رقاق تصف منها ما سوى الوجه والكفين والله اعلم ، ثم على تقدير الصحة يحمل على ما قبل الحجاب لان نصوص الحجاب ناقلة عن الاصل فتقدم عليه .
3. وعن حديث ابن عباس بانه لا دليل فيه على جواز النظر الى الاجنبية لان النبي ، صلى الله عليه وسلم ، لم يقر الفضل على ذلك بل حرف وجهه الى الشق الاخر ولذلك ذكر النووي في شرح صحيح مسلم بان من فوائد هذا الحديث تحريم نظر الاجنبية وقال الحافظ ابن حجر في فتح البارى في فوائد هذا الحديث : وفيه منع النظر الى الاجنبيات وغض البصر قال عياض وزعم بعضهم انه غير واجب الا عند خشية الفتنة قال : وعندي ان افعله ، صلى الله عليه وسلم ، اذ غطى وجهه الفضل كما في الرواية .
فان قيل : فلماذا لم يامر النبي ، صلى الله عليه وسلم ، المراة بتغطية وجهها فالجواب ان الظاهر انها كانت محرمة والمشروع في حقها ان لا تغطي وجهها اذا لم يكن احد ينظر اليها من الاجانب او يقال لعل النبي ، صلى الله عليه وسلم ، امرها بعد ذلك . فان عدم نقل امره بذلك لا يدل على عدم الامر . اذ عدم النقل ليس نقلا للعدم . وروي مسلم وابو داود عن جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه قال : سالت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، عن نظرة الفجاءة فقال : ( اصرف بصرك ) او قال : فامرني ان اصرف بصري .
4. وعن حديث جابر بان لم يذكر متى كان ذلك فاما ان تكون هذه المراة من القواعد اللاتي لا يرجون نكاحا فكشف وجهها مباح ، ولا يمنع وجوب الحجاب على غيرها ، او يكون قبل نزول ايه الحجاب فانها كانت في سورة الاحزاب سنة 5 او 6 من الهجرة ، وصلاة العيد شرعة في السنة الثانية للهجرة . واعلم اننا انما بسطنا الكلام في ذلك لحاجة الناس الى معرفة الحكم في هذه المسالة الاجتماعية الكبيرة التي تناولها الكثيرون ممن يريدون السفور . فلم يعطوها حقها من البحث والنظر مع ان الواجب على كل باحث يتحرى العدل والانصاف وان لا يتكلم قبل ان يتعلم . وان يقف بين ادله الخلاف موقف الحاكم من الخصمين فينظر بعين العدل ويحكم بطريق العلم ، فلا يرجح احد الطرفين بلا مرجح بل ينظر في الادلة من جميع النواحي ، ولا يحمله اعتقاد احد القولين على المبالغة والغلو في اثبات حججه والتقصير والاهمال لادلة خصمه . ولذلك قال العلماء : ينبغي ان يستدل قبل ان يعتقد ليكون اعتقاده تابعا لدليل لا متبوعا له لان من اعتقد قبل ان يستدل قد يحمله اعتقاده على رد النصوص المخالفة لاعتقاده او تحريفها اذا لم يمكنه ردها . ولقد راينا وراى غيرنا ضرر استتباع الاستدلال لاعتقاد حيث حمل صاحبه على تصحيح احاديث ضعيفة . او تحميل نصوص صحيحه ما لا تتحمله من الدلالة تثبيتا لقوله واحتجاجا له . فلقد قرات مقالا لكاتب حول عدم وجود الحجاب احتج بحديث عائشة الذي رواه ابو داود في قصة دخول اسماء بنت ابي بكر على النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وقوله لها : ( ان المراة اذا بلغت سن المحيض لم يصلح ان يرى منها الا هذا وهذا ) . واشار الى وجهه وكفيه وذكر هذا الكاتب انه حديث صحيح متفق عليه ان العلماء متفقون على صحته فليس كذلك ايضا وكيف يتفقون على صحته وابو داود راويه اعله بالارسال واحد رواته ضعفه الامام احمد وغيره من امة الحديث ولكن تعصب والجهل يحمل صاحبه على البلاء والهلاك . قال ابن القيم :
وتعر من ثوبين من يلبسهما
يلقى الردي بمذلة وهوانا
ثوب من الجهل المركب فوقه
ثوبا التعصب بئست الثوبان
وتحل بالانصاف افخر حلة
زينت بها الاعطاف والاكتفان
وليحذر الكاتب والمؤلف من التقصير في طلب الادلة وتمحيصها تسرع الى القول علم فيكون ممن قال الله فيهم : ( فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم ان الله لا يهدي القوم الظالمين ) .
او يجمع بين التقصير في طلب الدليل والتكذيب بما قام عليه الدليل فيكون منه شر على شر ويدخل في قولـــه تعـالى : ( فمن اظلم من كذب على الله وكذب بالصدق اذ جاءه اليس في جهنم مثوى للكافرين )(1) . نسال الله تعالى ان يرينا الحق حقا ويوفقنا لتباعه ويرينا الباطل باطلا ويوفقنا لجتنابه ويهدينا صراطه المستقيم انه جواد كريم وصلى الله وبارك على نبيه وعلى اله واصحابه واتباعه اجمعين .



منقوووووووووول للفائده
لاتنسوني من صالح دعائكم


سميتــكـ _ غــــــــــلاي
29
7K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

فنجال منثلم
فنجال منثلم
الله يثبتنا ويهدي اللي ينجرفون ورى الفساد واهله الذين ضلوا وأضلوا.
الحبونيه
الحبونيه
جزاك الله خير اختي والله يهدي الجميع لأتباع الحق
miss meemaa
miss meemaa
جزاك الله خيرا 
والحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات
سميتكـ _ غلاي
سميتكـ _ غلاي
شاكره للجميع مروركن
جزاكن الله خير

رفع للفائدهـ
ندى التميز
ندى التميز
جزاك الله خير والله يهدي الجميع