حكم ما يسمى تحدي دلو الثلج
السؤال
انتشر في هذه الفترة تحدٍ يسمى (تحدي الثلج)؛ يقوم الشخص بملء الوعاء بالثلج والماء، ثم يقوم بسكبه على نفسه من فوق رأسه، ثم يقول: أتحدى فلانًا وفلانًا. ثم يقوم الأشخاص الذين تحداهم بفعل هذا التحدي، ومن ثم يتحدون أشخاصًا آخرين. ما قولكم في هذا؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الذي انتشر بين الشباب، ويعرف بـ (تحدي دلو الثلج) هو: ظاهرة سيئة دخيلة على المسلمين، ليست من فعل العقلاء، وأصلها: حملة أسسها أناس من الغرب؛ ليحملوا الناس على أن يلتزموا أحد أمرين: فإما أن تتبرع لحملتنا لصالح مرضى التصلب العضلي الجانبي، وإما أن تسكب على نفسك ماءً شديد البرودة، لتشعر بشعورهم، وتحس بمعاناتهم.
وقد استوردها كثير من الشباب المسلمين جريًا وراء كلِّ مُحدَثٍ، ولهثًا وراء كل جديدٍ من عندهم، مصداقًا لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها، شبراً بشبر، وذراعاً بذراع»، فقيل: يا رسول الله، كفارس والروم؟ فقال: «ومن الناس إلا أولئك؟». رواه البخاري.
وفي رواية في الصحيحين: «لتتبعن سنن من كان قبلكم، شبراً شبراً، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم».
قال ابن حجر في الفتح: والذي يظهر أن التخصيص إنما وقع لجحر الضب لشدة ضيقه ورداءته، ومع ذلك فإنهم لاقتفائهم آثارَهم واتباعِهم طرائقَهم لو دخلوا في مثل هذا الضَّيّقِ الرديءِ لتبعوهم. اهـ.
ولا شك أن هذا ابتداعٌ، واتباعٌ رديءٌ، يتنافى مع ما جاءت به الشريعة، من وجوه:
- أولاً: أن الشريعة جاءت بمواساة الفقراء بالمال دون أن تأمر الأغنياء بالعُدْم والفَقر ليشاركوهم فيه، وجاءت بمواساة المرضى بالعيادة، والدعاء، والعلاج، دون أن تأمر بإمراض النفس، أو التمارض لمشاركتهم فيما هم فيه، ولا أمرت أن يضربَ نفسَه ليشعرَ بأخيه المضروب، ولا جعلت ذلك وسيلةً للعيادة أو بذل المال للمكلومِ، بل هو سفهٌ ونقصُ عقلٍ، لا هو من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا من هدي الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، ولا من سَمتِهم، ولو كان ذلك خيرًا محضًا أو راجحًا لما سبق إليه النصارى شريعةَ الله -جل وعلا-، قال تعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا {مريم:64}، وقال: وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ {المائدة:50}، وقال: الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا {المائدة:3}.
- ثانياً: أن الله -جل وعلا- حثَّ على التصدق بطيب نفسٍ دون أن يحمل على ذلك أمرٌ غير ابتغاء وجه الله تعالى، ومدَحَ فاعل ذلك، كما قال تعالى: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا . إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا {الإنسان:8، 9}. قال الشافعي -رحمه الله-: وقد حَمِد اللهُ جل ثناؤه على إعطاء المال والطعام في وجوه الخير، وأمر بهما، وذكر عدة آيات في الإنفاق منها، قال تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ {آل عمران:92}.اهـ.
وقد ذم الله المنافقين الذين ينفقون لأجل الناس وهم كارهون ، فقال في المنافقين: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ {التوبة:54}. قال الشيخ ابن سعدي: {وَلا يُنْفِقُونَ إِلا وَهُمْ كَارِهُونَ}: من غير انشراح صدر، وثبات نفس، ففي هذا غاية الذم لمن فعل مثل فعلهم، وأنه ينبغي للعبد أن لا يأتي الصلاة إلا وهو نشيط البدن والقلب إليها، ولا ينفق إلا وهو منشرح الصدر ثابت القلب، يرجو ذُخرها وثوابها من الله وحده، ولا يتشبه بالمنافقين. انتهى.
ولهذا نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النذر، وقال: «وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ »». متفق عليه. قال المازري: يحتمل أن يكون سبب النهي عن كون النذر يصير ملتزمًا له فيأتي به تكلُّفًا بغير نشاط. وقال النووي: معناه أنه لا يأتي بهذه القربة تطوعاً محضاً مبتدأ، وإنما يأتي بها في مقابلة شفاء المريض وغيره. اهـ
وهذه الظاهرة فيها شبه من هذا؛ لما فيه من التزام التصدق لهم إن خاف أن يسكب على رأسه الماء وخسر الرهان، مع ما فيه من أخذ المال بغير الرضى التام، بل بسيف الحياء. وقد روى الحاكم في المستدرك من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في حجة الوداع: «المسلمون إخوة، ولا يحُّل لِامرئ من مال أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس». ورجاله رجال الصحيح.
وكذلك ذم الله -جل وعلا- المُنْفِقين رياءً وسمعةً من أجل الناس، فقال: وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ الآية {النساء:38}.
وروى أبو داود وغيره عن ابن عباس -رضي الله عنهما-:«أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن طعام المتبارِيَيْن أن يؤكل». قال العلامة القاري في (شرح الشِّفا): المتباريَين: أي: المتسابقَينِ المتعارضَينِ بفعلهما ليغلبَ أحدهما الآخر في صنيعهما، وإنما كرهه لما فيه من المباهاة والرياء، أو لاشتمالهما على عدم الرضى لإعطائهما بسيف الحياء. اهـ.
وكل هذه الأمور -أو معظمها- توجد في هذا الرهان الذي ابتدعه النصارى.
- ثالثاً: في حال اختيار الثلج، فإن في هذا الفعل -مع ما فيه من السفه وقلة العقل-إضرارًا بالنفس أو إلقاءً بها إلى التهلكة، وقد ذكر بعض أطباء القلب من أهل الاختصاص أن سكب الماء المثلج على الجسم فجأةً يسبب إجهادًا للقلب، قد يؤدي إلى التجلط.
ولا شك في أن مثل هذا لا يكون وسيلةً مشروعةً لعمل البِر، ولا مصلحةَ راجحةَ فيه تتعيّنُ به. وقد روى أبو داود،وأحمد، وغيرهما، عن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح. فذكروا ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: «يا عمرو: صليت بأصحابك وأنت جنب؟!» فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت الله يقول: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما}، فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يقل شيئًا.
فهذا إن كان أقرّه النبي -صلى الله عليه وسلم- عذرًا مُسقطًا لفرض الغُسلِ إلى بدله؛ لإفضائه إلى تَهلُكة النفس وتلفها، فكيف يكون وسيلةً مشروعةً لمن أراد أن يواسي غيره، ويتصدق عليه؟!
وقد جمع الله -جل وعلا- ما ذكرناه من النهي عما يتضمنه هذا التحدي المستورد من سفهاء الغَرْب، في كتابه العزيز، في قوله تعالى: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {البقرة:195}، وفي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا {النساء:29}، فجمع فيهما بين الأمر بالإنفاق في سبيل الله، وأخذ المال عن رضى تامٍّ لا يشوبه شيء، وبين النهي عن قتلِ النفسِ وإلقائها إلى التهلكة.
وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا {النساء:125}.
والله أعلم.
http://fatwa.islamweb.net/fatwa/inde...waId&Id=269887
نوره . . @norh_119
محررة برونزية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
نوره . .
•
الطريفي يكشف لـ”تواصل”.. “تحدي الثلج” في ميزان الشرع
تواصل – خالد الزيدان:
“تحدي الثلج” أو ما يعرف بـ”آيس باكيت تشالنج” Ice Bucket Challenge ظاهرة انتشرت بسرعة البرق في وسائل التواصل الاجتماعي وعلى موقع اليوتيوب.
ولاقت الظاهرة الغربية رواجًا كبيرًا في العالم العربي، إلى حد التقليد في أوساط المشاهير والعامة، إلا أن الآراء تباينت بين مؤيد ومستنكر لها.
ففي حين يرى فريق أن التجربة تمثل حافزًا على البذل والمسارعة في تقديم الصدقة والتبرعات للجمعيات والمؤسسات الخيرية، يؤكد آخرون أن التبرع لا يحتاج إلى هذا التقليد الأعمى للغرب.
بداية الفكرة
تعود بدايات الفكرة حينما أطلق الشاب كوري جريفين (27 عامًا) (حملة تحدي دلو الماء المثلج) لجمع تبرعات في إطار مكافحة مرض “لو غيريغ”، أو ما يُعرف بالتصلب العضلي الجانبي، ويرمز له اختصاراً ALS وهو مرض يتلف الجهاز العصبي، حيث هدفت الحملة إلى جمع 31.5 مليون دولار لنشر الوعي حول المرض ودعم المصابين به.
وتقوم الحملة على سكب ماء مثلّج على الرأس ونشر مقطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي وتحدّي آخرين، استشعارًا بآلام المصابين بهذا المرض.
حظيت الحملة التي توفي مبتكرها، غرقًا قبل أيام، بمشاركة العديد من المشاهير الغربيين تبعهم فيها العرب بشكل واسع.
الغريب في الأمر أن الظاهرة امتدت لتشمل الشباب والأطفال في المملكة، حيث أضاف بعضهم الملح إلى الثلج، وتحولت القضية من هدف خيري واجتماعي وفق مؤسسها، إلى وسيلة للهو والترفيه.
تحدي التراب
ولجأ البعض إلى ابتكار أساليب واستحداث أخرى، من أشهرها قيام فنان أردني بسكب دلوًا من الرمل على رأسه، تضامنًا مع غزة.
وظهر “محمد دروزة” في الفيديو المنتشر على موقع يوتيوب، متسائلاً عن علاقة العرب بالحملة التي دشنها غربيون وشارك فيها مشاهير حتي يقلدوهم بسكب الماء المثلج علي رؤوسهم.
وأضاف أن همً العرب ينبغي أن يوجه لأطفال غزة وما يحسون به عندما يكونوا داخل بيوتهم، ثم تنهد عليهم هذه البيوتن بفعل القصف الصهيوني، ثم رفع دلواً ملئ بالرمل كان أمامه ليسكبه علي رأسه، قائلًا “هذا الشعور اللي يحسون به”.
ميزان الشرع
“تواصل” تقصّت القضية من بُعدٍ آخر، ووضعت الأمر بين يدي الشيخ عبدالعزيز الطريفي ليقول رأيه فيها من الناحية الشرعية، واستخدامها تحفيزًا للبذل والصدقة والعمل الإنساني.
وقال الطريفي: “الصدقة والزكاة والمعونات تستخرج من الناس بالوسائل المشروعة ترغيبًا بفضلها وترهيبًا من عاقبة تركها على الإنسان والناس في الدنيا والآخرة، وأما استخراجها بوسائل الإلزام النفسي (والتحدي) أمام الجماهير بأي أسلوب كان فهذا لا يليق إقحام أعمال البر العظيمة وخاصة الصدقة”.
واستند في رأيه إلى عدة وجوه، هي:
- أولاً: أن الصدقة والنفقة تتشوف الشريعة إلى إخراجها بطيب نفس خالص وإخراجها بغير ذلك من صفات المنافقين قال تعالى: (وَلا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) ومعنى التحدي لسكب الثلج أن من خاف من الثلج يتصدق فتصدق خوفًا ورهبة، وقد نهى النبي عن النذر لأن فيه إلزام الإنسان من غير طيب نفس وهذا يربي على البخل؛ وأما الشريعة فتحث على المبادرة كما في الصحيحين عن ابن عمر قال (نهى رسول الله ﷺ عن النذر وقال إنما يستخرج به من البخيل).
- ثانياً: أن من هذه الأفعال ما يورث خطورة على النفس فالبرودة الشديدة لا تتحملها كل الأجسام، وقد يهلك الإنسان ويموت بسببها وهذا إهلاك للنفس.
- ثالثاً: أن الطرق الشرعية غنية عن سبل الإنفاق التي يقلد بها الأمم، ففي أساليب القرآن والسنة كفاية ونصوص الحث والترغيب بالإنفاق متواترة.
- رابعاً: يُجمع العلماء على أن المال الذي يؤخذ بسيف الحياء منهي عنه فيحرج الإنسان لاستغلال غلبة حيائه الفطرية ليؤخذ ماله ولو نفقة أو بيعًا أو هدية وهبة، ويجب أن يحيا في نفوس الناس البذل وتؤخذ الزكاة من الأغنياء وتسهل الوسائل للإنفاق والبذل، وتكثر الجمعيات الخيرية والتضييق على ذلك يفتح أبواب الاجتهاد الخاطيء.
- خامسًا: أن تقليد الغرب وما جاءوا به؛ هو تتبع لسننهم الخاطئة رغم وجود المحفزات الشرعية في ديننا، وفي ذلك مصداق لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ). قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: (فَمَنْ؟) (متفق عليه).
مضاعفات صحية
من جانبه، أكد استشاري وأستاذ أمراض القلب وقسطرة الشرايين الدكتور خالد النمر أن سكب كميات كبيرة من الماء المثلج هو جهد للقلب قد يسبب جلطة القلب.
وحذر من تحدي الثلج قائلاً: “سكب كمية كبيرة من الماء المثلج على الشخص هو جهد للقلب لا يتحمله كل شخص، وقد يسبب الجلطة القلبية فيمن لديه تضيق شرايين أو قابلية للانقباض”.
تواصل – خالد الزيدان:
“تحدي الثلج” أو ما يعرف بـ”آيس باكيت تشالنج” Ice Bucket Challenge ظاهرة انتشرت بسرعة البرق في وسائل التواصل الاجتماعي وعلى موقع اليوتيوب.
ولاقت الظاهرة الغربية رواجًا كبيرًا في العالم العربي، إلى حد التقليد في أوساط المشاهير والعامة، إلا أن الآراء تباينت بين مؤيد ومستنكر لها.
ففي حين يرى فريق أن التجربة تمثل حافزًا على البذل والمسارعة في تقديم الصدقة والتبرعات للجمعيات والمؤسسات الخيرية، يؤكد آخرون أن التبرع لا يحتاج إلى هذا التقليد الأعمى للغرب.
بداية الفكرة
تعود بدايات الفكرة حينما أطلق الشاب كوري جريفين (27 عامًا) (حملة تحدي دلو الماء المثلج) لجمع تبرعات في إطار مكافحة مرض “لو غيريغ”، أو ما يُعرف بالتصلب العضلي الجانبي، ويرمز له اختصاراً ALS وهو مرض يتلف الجهاز العصبي، حيث هدفت الحملة إلى جمع 31.5 مليون دولار لنشر الوعي حول المرض ودعم المصابين به.
وتقوم الحملة على سكب ماء مثلّج على الرأس ونشر مقطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي وتحدّي آخرين، استشعارًا بآلام المصابين بهذا المرض.
حظيت الحملة التي توفي مبتكرها، غرقًا قبل أيام، بمشاركة العديد من المشاهير الغربيين تبعهم فيها العرب بشكل واسع.
الغريب في الأمر أن الظاهرة امتدت لتشمل الشباب والأطفال في المملكة، حيث أضاف بعضهم الملح إلى الثلج، وتحولت القضية من هدف خيري واجتماعي وفق مؤسسها، إلى وسيلة للهو والترفيه.
تحدي التراب
ولجأ البعض إلى ابتكار أساليب واستحداث أخرى، من أشهرها قيام فنان أردني بسكب دلوًا من الرمل على رأسه، تضامنًا مع غزة.
وظهر “محمد دروزة” في الفيديو المنتشر على موقع يوتيوب، متسائلاً عن علاقة العرب بالحملة التي دشنها غربيون وشارك فيها مشاهير حتي يقلدوهم بسكب الماء المثلج علي رؤوسهم.
وأضاف أن همً العرب ينبغي أن يوجه لأطفال غزة وما يحسون به عندما يكونوا داخل بيوتهم، ثم تنهد عليهم هذه البيوتن بفعل القصف الصهيوني، ثم رفع دلواً ملئ بالرمل كان أمامه ليسكبه علي رأسه، قائلًا “هذا الشعور اللي يحسون به”.
ميزان الشرع
“تواصل” تقصّت القضية من بُعدٍ آخر، ووضعت الأمر بين يدي الشيخ عبدالعزيز الطريفي ليقول رأيه فيها من الناحية الشرعية، واستخدامها تحفيزًا للبذل والصدقة والعمل الإنساني.
وقال الطريفي: “الصدقة والزكاة والمعونات تستخرج من الناس بالوسائل المشروعة ترغيبًا بفضلها وترهيبًا من عاقبة تركها على الإنسان والناس في الدنيا والآخرة، وأما استخراجها بوسائل الإلزام النفسي (والتحدي) أمام الجماهير بأي أسلوب كان فهذا لا يليق إقحام أعمال البر العظيمة وخاصة الصدقة”.
واستند في رأيه إلى عدة وجوه، هي:
- أولاً: أن الصدقة والنفقة تتشوف الشريعة إلى إخراجها بطيب نفس خالص وإخراجها بغير ذلك من صفات المنافقين قال تعالى: (وَلا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) ومعنى التحدي لسكب الثلج أن من خاف من الثلج يتصدق فتصدق خوفًا ورهبة، وقد نهى النبي عن النذر لأن فيه إلزام الإنسان من غير طيب نفس وهذا يربي على البخل؛ وأما الشريعة فتحث على المبادرة كما في الصحيحين عن ابن عمر قال (نهى رسول الله ﷺ عن النذر وقال إنما يستخرج به من البخيل).
- ثانياً: أن من هذه الأفعال ما يورث خطورة على النفس فالبرودة الشديدة لا تتحملها كل الأجسام، وقد يهلك الإنسان ويموت بسببها وهذا إهلاك للنفس.
- ثالثاً: أن الطرق الشرعية غنية عن سبل الإنفاق التي يقلد بها الأمم، ففي أساليب القرآن والسنة كفاية ونصوص الحث والترغيب بالإنفاق متواترة.
- رابعاً: يُجمع العلماء على أن المال الذي يؤخذ بسيف الحياء منهي عنه فيحرج الإنسان لاستغلال غلبة حيائه الفطرية ليؤخذ ماله ولو نفقة أو بيعًا أو هدية وهبة، ويجب أن يحيا في نفوس الناس البذل وتؤخذ الزكاة من الأغنياء وتسهل الوسائل للإنفاق والبذل، وتكثر الجمعيات الخيرية والتضييق على ذلك يفتح أبواب الاجتهاد الخاطيء.
- خامسًا: أن تقليد الغرب وما جاءوا به؛ هو تتبع لسننهم الخاطئة رغم وجود المحفزات الشرعية في ديننا، وفي ذلك مصداق لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ). قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: (فَمَنْ؟) (متفق عليه).
مضاعفات صحية
من جانبه، أكد استشاري وأستاذ أمراض القلب وقسطرة الشرايين الدكتور خالد النمر أن سكب كميات كبيرة من الماء المثلج هو جهد للقلب قد يسبب جلطة القلب.
وحذر من تحدي الثلج قائلاً: “سكب كمية كبيرة من الماء المثلج على الشخص هو جهد للقلب لا يتحمله كل شخص، وقد يسبب الجلطة القلبية فيمن لديه تضيق شرايين أو قابلية للانقباض”.
الصفحة الأخيرة
إراقة الماء البارد أو الثلج على الرأس للتضامن مع المرضى فكرةٌ غربيَّةٌ ظهرت قريباً لاستدرار عطف الناس للبذل والتضحية والمساهمة في التعريف بالفئات التي تُعاني الألم والكرب في بقاع الأرض .
هذه الفكرة من حيث المبدأ وليس التأصيل أشار إليها عمرو بن العاص في قوله عن الروم : ” إنهم لأحلم الناسِ عند فتنة ، وأجبر الناس عند مصيبة ، وخير الناس لمساكينهم وضعفائهم ” أخرجه مسلم .
ابتكار الأساليب العلمية والتربوية واستحداث طرق طريفة للإحسان إلى الناس من محاسن الغرب رغم إسرافه في أمور أخرى تتعلَّق بالبشرية . ولا تعدُّ هذه الفكرة دليلًا على صدقهم في البذل والعطف ، فعندهم من الظُّلم والإسراف الخُلقى ما يندى له الجبين .
فكرة التواصل مع المجتمع والتأثير عليه باللعب فكرة ذكية وتربوية وقد بدأت قديماً بالغناء والرقص والتمثيل المسرحي واللعب بالدومينو.
وفي أمريكا مثلاً ظهرت فكرة التشويق في بعض مقاعد الدراسة باللعب في الفصول بين المعلم والطلاب لكسر الروتين والملل الدراسي .
وطريقتها أن يجعل المعلم مقاعد الطلاب على شكل دائرى ثم يبدأ الدرس ويشرع المعلم فى التمهيد لدرسه ، ثم يأخذ الكرة ويلقى بها على أحد الطلبة فيتلقَّفها الطالب ويبدأ يقرأ ثم ينتهى إلى حدِّ معين ، وحينها يُلقي المعلم الكرة لطالب آخر ، فيأتي عليه الدور فى القراءة والطلاب كلهم فى تشوُّق لكى يَرمي لهم المعلم الكرة ويأتى عليهم الدور ! .
هذا مثال بسيط على أن القريحة الغربية تعتني بتفاصيل ساذجة لكنها تؤدِّي إلى نتائج تربوية وعلمية لها ثمرات يانعة تُعرف بالاستقراء .
لكن هذه الأفكار الغربية قد تصلح لقوم دون قوم وبلد دون بلد بلا تعميم . فينطبق عليها قول الحبيب : ” ألقوها وما حولها وكلوا سَمنكم ” أخرجه البخاري .
بعض المسلمين ينظر إلى هذه الأفكار – التي تُسمى في الغرب استراتيجية اللعب – نظرة دونية أو نظرة سخرية وتندُّر ، فكثيرون يطبقونها للتهكم والشهرة فحسب ، وليس لأهداف علمية وغايات تربوية كما يفعل الغرب خاصتهم وعامتهم . وهذه من ثمار ضعف الوعي عندنا . كقول المثل : اشتر المسمار ولا تعمله ! .
ومن حيث التأصيل فإن ظهور فكرة التربية باللعب أو بالمرح لا يصح منعها إطلاقاً ولا إباحتها إطلاقاً، حتى تستقر على هيئة واحدة يمكن تعميمها بلا إخراج لها عن أصلها الذي وضعت من أجله .
وعند الأصوليين أن المسائل المتشابهة يجب عدم قطع الجواب فيها بسبب فتنة الناس بالدنيا .
و التشبه بالكفار لا يصح منعه بإطلاق بل فيه تفصيل ، وقد يكون في المظهر والِّلباس والمأكل وغير ذلك لأنها كلمة عامة ، ومعناه أن يقوم الإنسان بشيء يختص بهالكفار ، بحيث يدلُّ من رآه أنه من الكفار ،فهذا هو الممنوع .أما إذا كان الشيء قد شاع بين المسلمين والكفار فإن التشبه يجوز ، وإن كان أصله مأخوذاًمن الكفار ، ما لم يكن محرماً لعينه كلباس الحرير مثلاً.
ويضاف إليه – في ضابط التشبه – أن يفعل الإنسان فعلًا لا يفعله إلا الكفار لا بمقتضىالإنسانية يفعله ،فيُخرج ما يفعله الكفار وغيرهم ، فإذا كان هذا الفعل يفعله الكفار وغيرهم ؛ فإنه لايكون تشبهًا .
والتشبه بالكفار في الأمور الدنيوية لا يباح إلا بشروط :
1- أن لا يكون هذا من تقاليدهم وشعارهم التي يميّزون بها .
2- وأن لا يكون ذلك الأمر من شرعهم ، ويثبت ذلك أنه من شرعهم بنقل موثوق به ، مثل أن يخبرنا الله تعالى في كتابه أو على لسان رسوله .
أو بنقل متواتر مثل سجدة التحية الجائزة في الأمم السابقة .
3- وأن لا يكون في شرعنا بيان خاص لذلك ، فأما إذا كان فيه بيان خاص بالموافقة أو المخالفة استغنى عن ذلك بما جاء في شرعنا .
4- وأن لا تؤدِّي هذه الموافقة إلى مخالفة أمرٍ من أمور الشريعة .
5- وأن لا تكون الموافقة في أعيادهم .
6- وأن تكون الموافقة بحسب الحاجة المطلوبة ولا تزيد عنها .
والمقصود أن المسلمين يجب عليهم عدم التقليد لغيرهم من الأمم إلا فيما لهم فيه مصلحة راجحة لبلدانهم ويكون مأذوناً في دينهم وشرعهم ، وما سوى ذلك فعبث يجب التوقِّي منه لأن لكل شيءٍ آفة .وقد وصف الشاعر هؤلاء المتبوعين بمثل حال البعض:
إن يعلموا الخير يُخفوه و إن علموا
شراً أذاعوا و إن لم يعلموا كذبوا
فلا يجب الإعتماد على كل ما يخرجه لنا الغرب بلا تهذيب ونقد .
أما ما يفعله بعض الشباب من وضع الرمل على الرأس حسرةً وحزناً على حال بلاد المسلمين فلا يليق بهدي المسلم ولا سمته ، وليس له أصل شرعي ، وهو ينافي العزة الإيمانية التي هي واجبة على من أطاع الله ورسوله . وهو يشبه النياحة ولطم الخدود المنهي عنها في الشرع .
وقد يكون الفعل حراماً لغيره إذا قصد به التشبه والتأثر بالكافرين مجاراةً لهم في عبثهم ولهوهم . وهذا يستدل عليه بقاعدة تخصيص العلة وهي قاعدة مشهورة عند الأصوليين أشار إليها ربنا في قوله : ” يُخربون بيوتهم بأيديهم ” ( الحشر : 2)
وبحديث أبي برزة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « مثل الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه ، مثل الفتيلة تضيء للناس وتحرق نفسها “ صححه الألباني . وهذا يدلُّ على منع عبارة : كن كالشمعة تُضيء للناس وتحرق نفسها . فيقال لأولئك : لا تضع الرمل على رأسك لتسعد غيرك ! .
هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
أ/ أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بمعاهد القوات البرية
( منقول )