
اخت المحبه
•

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه قبسات من سورة (ق) وهى عبارة عن
ملف كامل يتضمن المعانى المستفادة من سورة (ق)، سواء الفوائد الإيمانية أو العلمية
أو التربوية، والتي كان فضيلة الشيخ هاني حلمي حفظه الله قد شرحها من كتاب الفوائد
لابن القيم الجوزية، قمت بتجميعها لعلنا نستفيد منها جميعًا بمشيئة الله تبارك
وتعالى:
أولاً: قاعدة جليلة فى الانتفاع بالقرءان
وشروطه
اذا أردت الانتفاع بالقرءان فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه,
وألق سمعك, ,احضر حضور من يخاطبه به من تكلّم به سبحانه منه اليه, فانّه خطاب منه
لك, على لسان رسوله, قال تعالى:{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ
قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ {ق/37}".
وذلك أن تمام
التأثير لمّا كان موقوفا على مؤثر مقتض, ومحل قابل, وشرط لحصول الأثر, وانتقاء
المانع الذي يمنع منه, تضمّنت الآية بيان ذلك كلّه بأوجز لفظ وأبينه, وادلّه على
المراد.
فقوله تعالى:{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى } إشارة إلى ما
تقدّم من أوّل السورة إلى ها هنا وهذا هو المؤثّر.
وقوله:{ لِمَن
كَانَ لَهُ قَلْبٌ } فهذا هو المحل القابل, والمراد به القلب الحيّ الذي يعقل عن
الله, كما قال تعالى:{ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ * لِيُنذِرَ مَن
كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ {يس/7069}. أي حي
القلب.
وقوله: { أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ } أي وجّه سمعه وأصغى حاسّة
سمعه الى ما يقال له, وهذا شرط التأثّر بالكلام.
وقوله: { وَهُوَ
شَهِيدٌ } أي شاهد القلب حاضر غير غائب.
قال ابن قتيبة: " استمع
كتاب الله وهو شاهد القلب والفهم, ليس بغافل ولا ساه". وهو إشارة إلى المانع من
حصول التأثير, وهو سهو القلب, وغيبته عن تعقّل ما يقال له, والنظر فيه وتأمّله.
فاذا حصل المؤثر وهو القرآن, والمحل القابل وهو القلب الحي, ووجد الشرط وهو
الإصغاء, وانتفى المانع وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب, وانصرافه عنه الى
شئ آخر, حصل الأثر وهو الانتفاع والتذكّر.
فإن قيل: إذا كان التأثير
إنما يتم بمجموع هذه, فما وجه دخول أداة "أو" في قوله "أو ألقى السمع", والموضع
موضع واو الجمع لا موضع "أو" التي هي لأحد الشيئين.
قيل: هذا سؤال
جيّد والجواب عنه أن يقال: خرج الكلام ب"أو" باعتبار حال المخاطب المدعو, فان من
الناس من يكون حي القلب واعيه, تام الفطرة, فإذا فكّر بقلبه, وجال بفكره, دلّه قلبه
وعقله على صحّة القرءان, وأنه الحق, وشهد قلبه بما أخبر به القرآن, فكان ورود
القرآن على قلبه نورا على نور الفطرة, وهذا وصف الذين قيل فيهم: "وَيَرَى الَّذِينَ
أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ {سبأ/6}،
وقال في حقّهم:
" اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ
كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا
كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ
وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ
عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ
لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {النور/35}".
فهذا نور
الفطرة على نور الوحي, وهذا حال صاحب القلب الحيّ الواعي.
قال ابن
القيّم: وقد ذكرنا ما تضمّنت هذه الآية من الأسرار والعبر في كتاب "اجتماع الجيوش
الاسلامية لغزو المعطّلة والجهميّة" ص 7-8. فصاحب القلب يجمع بين قلبه وببن معاني
القرءان, فيجدها كأنها قد كتبي فيه, فهو يقرؤها عن ظهر قلب. ومن الناس من لا يكون
تام الاستعداد, واعي القلب, كامل الحياة, فيحتاج الى شاهد يميّز له بين الحق
والباطن, ولم تبلغ حياة قلبه ونوره وذكاء فطرته مبلغ صاحب القلب الواعي الحي, فطريق
حصول هدايته أن يفرغ سمعه للكلام, وقلبه لتأمّله, والتفكر فيه, وتعقل معانيه, فيعلم
حينئذ أنه الحق.
فالأول: حال من رأى بعينه ما دعى اليه وأخبر به.
والثاني: من علم صدق المخبر وتيقّنه, وقال يكفيني خبره, فهو في مقام الإيمان,
والأوّل من مقام الاحسان. وهذا قد وصل الى علم اليقين, وترقى قلبه منه إلى منزلة
عين اليقين, وذاك معه التصديق الجازم الذي خرج به من الكفر ودخل به في
الإسلام.
فعين اليقين نوعان: نوع في الدنيا, ونوع في الآخرة,
فالحاصل في الدنيا نسبته إلى القلب كنسبة الشاهد الى العين. وما أخبرت به الرسل من
الغيب يعاين في الآخرة بالأبصار, وفي الدنيا بالبصائر, فهو عين اليقين في
المرتبتين.


الصفحة الأخيرة