
الماءوالبحر
•
تم مراجعة سورة الضحى والشرح والتين والعلق ولله الحمد


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله منزل البيان ومميز الإنسان عن سائر
ما خلق بما وهبه من فكر ومنطق مبين ، الحمد لله الذي شرح صدورنا بالإيمان ..
وجعل بعد الهم فرجا ومن الضيق مخرجا ..
وبعد العسر يسرا وكل ذلك بحكمة منه سبحانه وتدبيرا ..
و صلاةً وسلاماً طيبين مباركين على النبي المطهر صاحب الوجه
الأنور والجبين الأزهر , ما سار سفيراً للحق وأبحر , وما على نجم في السماء وأبهر ,
وعلى آله وصحبه خير أهل ومعشر , صلاةً وسلاماً إلى يوم البعث والمحشر
ضغطي هنا لمشاهدة الصورة بحجمها الأصلي
أما بعد :
حياكم الله في الدرس الثامن والعشرون..
رزقنا الله وياكم حفظ كتابه وفهمه والعمل به ..
وابدأ مستعينة بالله راضيةً به مدبراً ومعيناً ..
اضغطي هنا لمشاهدة الصورة بحجمها الأصلي
سورة الزلزلة
1- عن أبو هريرة رضي الله عنه قال : قرأ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذه الآيةَ :
يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا .
قال : أتدرون ما أخبارُها ؟
قالوا : اللهُ ورسولُه أعلمُ .
قال : فإنَّ أخبارَها أن تشهَدَ على كلِّ عبدٍ وأمَةٍ بما عمِل على ظهرِها
تقولُ : عمِل كذا وكذا
2 - عن عدي بن حاتم قال قال الرسول صل الله عليه وسلم :
ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه و بينه ترجمان
فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم فينظر أشأم منه ( عن شماله )
فلا يرى إلا ما قدم فينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه
( فاتقوا النار و لو بشق تمرة )
3- قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
«كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان،
ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم»
4- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال الرسول صل الله عليه وسلم
(يا نساء المسلمات ، لا تحقرن جارة لجارتها ، ولو فرسن شاة)
5- عن عبد الله بن عمرو قال نزلت { إذا زلزلت الأرض زلزالها }
وأبو بكر الصديق رضي الله عنه قاعد فبكى أبو بكر
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبكيك يا أبا بكر
فقال أبكتني هذه السورة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( لو أنكم لا تخطئون ولا تذنبون
لخلق الله تعالى أمة من بعدكم يخطئون ويذنبون فيغفر لهم)
تفسير السورة :
"بسم الله الرحمن الرحيم"
(إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الأرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الإنْسَانُ مَا لَهَا
(3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا(4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5)
يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6)
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)"
{ إذا زلزلت الأرض } :
أي حركت لقيام الساعة.
{ وأخرجت الأرض أثقالها } :
ألقت ما فيها من الموتى .
{ وقال الإنسان ما لها } :
أي : استنكر أمرها بعد ما كانت قارة ساكنة ثابتة ، وهو مستقر على ظهرها ،
أي : تقلبت الحال ، فصارت متحركة مضطربة ، قد جاءها من أمر الله
ما قد أعد لها من الزلزال الذي لا محيد لها عنه ،
ثم ألقت ما في بطنها من الأموات من الأولين والآخرين ،
{ يومئذ تحدث أخبارها } :
أي تخبر عما فعل الناس عليها من خير أو شر،
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
(أن المؤذن إذا أذن فإنه لا يسمع صوته شجر،
ولا مدر، ولا حجر، ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة )
فتشهد الأرض بما صنع عليها من خير أو شر،
وهذه الشهادة من أجل بيان عدل الله عز وجل،
وأنه سبحانه وتعالى لا يؤاخذ الناس إلا بما عملوه،
وإلا فإن الله تعالى بكل شيء محيط، ويكفي أن يقول لعباده جل وعلا عملتم كذا وعملتم كذا..
لكن من باب إقامة العدل وعدم إنكار المجرم؛ لأن المجرمين ينكرون أن يكونوا مشركين،
وحينئذ استنكر الناس أمرها وتبدلت الأرض غير الأرض والسموات ، وبرزوا لله الواحد القهار
{ بأن ربك أوحى لها } :
أي بسبب أن الله أوحى لها، يعني أذن لها في أن تحدث أخبارها،
وهو سبحانه وتعالى على كل شيء قدير إذا أمر شيئاً بأمر فإنه لابد أن يقع،
{ يومئذ يصدر الناس أشتاتا } :
(يومئذ) يعني يومئذ تزلزل الأرض زلزالها.
(يصدر الناس أشتاتاً) أي جماعات متفرقين، يصدرون كل يتجه إلى مأواه،
فأهل الجنة ـ جعلنا الله منهم ـ يتجهون إليها،
وأهل النار ـ والعياذ بالله ـ يساقون إليها
فيصدر الناس جماعات وزمراً على أصناف متباينة تختلف اختلافاً كبيراً كما
قال الله تعالى:
(انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً)
.
{ ليروا أعمالهم } :
يعني يصدرون أشتاتاً فيروا أعمالهم، يريهم الله تعالى أعمالهم إن خيراً فخير،
وإن شًّرا فشر،
وذلك بالحساب وبالكتاب، فيعطى الإنسان كتابه
إما بيمينه ، وإما بشماله،
ثم يحاسب على ضوء ما في هذا الكتاب،
يحاسبه الله عز وجل،
أما المؤمن فإن الله تعالى يخلو به وحده ويقرره بذنوبه
ويقول: فعلت كذا، وفعلت كذا وكذا، وفعلت كذا،
حتى يقر ويعترف، فإذا رأى أنه هلك،
قال الله عز وجل: «إني قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم»
وأما الكافر ـ والعياذ بالله ـ فإنه لا يعامل هذه المعاملة
بل ينادى على رؤوس الأشهاد
(هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)
.
وظاهره أنهم يرون الأعمال الصغير والكبير وهو كذلك، إلا ما غفره الله من قبل بحسنات،
أو دعاء أو ما أشبه ذلك فهذا يمحى
كما قال الله تعالى (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) .
فيرى الإنسان عمله، يرى عمله القليل والكثير حتى يتبين له الأمر جليًّا ويعطى كتابه ويقال:
(اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) .
ولهذا يجب على الإنسان أن لا يقدم على شيء لا يرضي الله عز وجل؛
لأنه يعلم أنه مكتوب عليه، وأنه سوف يحاسب عليه
{ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } :
(من) شرطية تفيد العموم، يعني:
أي إنسان يعمل مثقال ذرة فإنه سيراه، سواء من الخير، أو من الشر
(مثقال ذرة) يعني وزن ذرة،
والمراد بالذرة: صغار النمل كما هو معروف،
وليس المراد بالذرة: الذرة المتعارف عليها اليوم كما ادعاه بعضهم،
لأن هذه الذرة المتعارف عليها اليوم ليست معروفة في ذلك الوقت،
والله عز وجل لا يخاطب الناس إلا بما يفهمون،
وإنما ذكر الذرة لأنها مضرب المثل في القلة،
أي وزن ذرة من خير في الدنيا يثب عليه في الآخرة ومن يعمل مثقال ذرة
أي وزن ذرة من شر في الدنيا يجز به في الآخرة
إلا أن يعفو الجبار عز وجل وبما أن الكفر مانع من دخول الجنة
فإِن الكافر إذا عمل حسنة في الدنيا يرى جزاءها في الدنيا، وليس له في الآخرة شيء
وهذه السورة كلها التحذير والتخويف من زلزلة الأرض،
وفيها الحث على الأعمال الصالحة،
وفيها أن العمل لا يضيع مهما قل، حتى لو كان مثقال ذرة،
أو أقل فإنه لابد أن يراه الإنسان ويطلع عليه يوم القيامة.
نسأل الله تعالى أن يختم لنا بالخير والسعادة والصلاح والفلاح،
وأن يجعلنا ممن يحشرون إلى الرحمن وفداً إنه على كل شيء قدير
سورة القدر
وفي هذه السورة الكريمة فضائل متعددة لليلة القدر:
الفضيلة الأولى: أن الله أنزل فيها القرآن
الذي به هداية البشر وسعادتهم في الدنيا والآخرة.
الفضيلة الثانية: ما يدل عليه الاستفهام من التفخيم والتعظيم
في قوله: {وما أدراك ما ليلة القدر}.
الفضيلة الثالثة: أنها خير من ألف شهر.
الفضيلة الرابعة: أن الملائكة تتنزل فيها،
وهم لا ينزلون إلا بالخير والبركة والرحمة.
الفضيلة الخامسة: أنها سلام،
لكثرة السلامة فيها من العقاب والعذاب
بما يقوم به العبد من طاعة الله عز وجل.
الفضيلة السادسة: أن الله أنزل في فضلها سورة كاملة
تتلى إلى يوم القيامة.
ومن فضائل ليلة القدر ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال:
«من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه»
من صفات ليلة القدر :
ماثبت في الحديث الصحيح انها ( ليلة القدر ليلة سمحة ، طلقة ،
لا حارة و لا باردة ، تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء )
مايُقال في ليلة القدر :
أن عائشة رضي الله عنها قالت :
يا رسول الله ، إن وافقت ليلة القدر فما أدعو ؟
قال :
" قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو ، فاعف عني "
سورة القدر
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ }
{إِنَّا أَنزَلْنَـهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ *
تَنَزَّلُ الْمَلَـئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَـمٌ هِىَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}.
{إنا أنزلناه في ليلة القدر} :
يخبر الله تعالى أنه أنزل القرآن ليلة القدر
وهي الليلة المباركة التي قال الله عز وجل :
( إنا أنزلناه في ليلة مباركة )
وهي ليلة القدر ، وهي من شهر رمضان
كما قال تعالى : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) .
قال ابن عباس وغيره : أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ
إلى بيت العزة من السماء الدنيا ،
ثم نزل مفصلا بحسب الوقائع
في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
معنى إنزاله في ليلة القدر؟
الصحيح أن معناها: ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر،
وليلة القدر في رمضان لا شك في هذا ودليل ذلك قوله تعالى:
{شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان}
.
فإذا جمعت هذه الآية أعني {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}
إلى هذه الآية: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}
تبين أن ليلة القدر في رمضان ،
وبهذا نعرف أن ما اشتهر عند بعض العامة من أن ليلة القدر
هي ليلة النصف من شهر شعبان لا أصل له،
ولا حقيقة له، فإن ليلة القدر في رمضان،
وليلة النصف من شعبان كليلة النصف من رجب، وجمادى،
وربيع، وصفر، ومحرم وغيرهن من الشهور لا تختص بشيء،
حتى ما ورد في فضل القيام فيها فهو أحاديث ضعيفة لا تقوم بها حجة،
وكذلك ما ورد من تخصيص يومها وهو يوم النصف من شعبان بصيام
فإنها أحاديث ضعيفة
لا تقوم بها حجة، لكن بعض العلماء ـ رحمهم الله ـ
يتساهلون في ذكر الأحاديث الضعيفة
فيما يتعلق بالفضائل: فضائل الأعمال، أو الشهور، أو الأماكن وهذا أمر لا ينبغي،
وذلك لأنك إذا سقت الأحاديث الضعيفة في فضل شيء ما،
فإن السامع سوف يعتقد أن ذلك صحيح،
وينسبه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وهذا شيء كبير،
فالمهم أن يوم النصف من شعبان وليلة النصف من شعبان لا يختصان بشيء دون سائر الشهور، فليلة النصف لا تختص بفضل قيام، وليلة النصف ليست ليلة القدر،
ويوم النصف لا يختص بصيام، نعم شهر شعبان
ثبتت السنة بأن النبي صلى الله عليه وسلّم يكثر الصيام فيه حتى لا يفطر منه إلا قليلاً
وما سوى ذلك مما يتعلق بصيامه
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلّم إلا ما لسائر الشهور
كفضل صوم ثلاثة أيام من كل شهر
وأن تكون في الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، وهي أيام البيض.
{في ليلة القدر} :
من العلماء من قال:
1- القدر هو الشرف .
كما يقال (فلان ذو قدر عظيم، أو ذو قدر كبير) أي ذو شرف كبير،
ومن العلماء من قال:
2-المراد بالقدر التقدير،
لأنه يقدر فيها ما يكون في السنة لقول الله تعالى:
{إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين. فيها يفرق كل أمر حكيم} .
أي يفصل ويبين.
والصحيح أنه شامل للمعنيين،
فليلة القدر لا شك أنها ذات قدر عظيم، وشرف كبير،
وأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة من الإحياء والإماتة والأرزاق وغير ذلك.
{وما أدراك ما ليلة القدر} :
هذه الجملة بهذه الصيغة يستفاد منها التعظيم والتفخيم
أي ما أعلمك ليلة القدر وشأنها وشرفها وعظمها،
ثم بين هذا بقوله:
{ليلة القدر خير من ألف شهر} :
وهذه الجملة كالجواب للاستفهام الذي سبقها،
وهو قوله: {وما أدراك ما ليلة القدر}
الجواب: {ليلة القدر خير من ألف شهر}
أي من ألف شهر ليس فيه ليلة القدر،
والمراد بالخيرية هنا ثواب العمل فيها،
وما ينزل الله تعالى فيها من الخير والبركة على هذه الأمة،
ولذلك كان من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه،
ثم ذكر ما يحدث في تلك الليلة فقال تعالى :
{تنزل الملائكة والروح فيها}
أي تنزل شيئاً فشيئاً؛ لأن الملائكة سكان السموات،
والسموات سبع فتتنزل الملائكة إلى الأرض شيئاً فشيئاً حتى تملأ الأرض،
ونزول الملائكة في الأرض عنوان على الرحمة والخير والبركة،
ولهذا إذا امتنعت الملائكة من دخول شيء كان ذلك
دليلاً على أن هذا المكان الذي امتنعت الملائكة من دخوله
قد يخلو من الخير والبركة كالمكان الذي فيه الصور،
فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة
يعني صورة محرمة؛
لأن الصورة إذا كانت ممتهنة في فراش أو مخدة، فأكثر العلماء على أنها جائزة،
وعلى هذا فلا تمتنع الملائكة من دخول المكان،
لأنه لو امتنعت لكان ذلك ممنوعاً،
فالملائكة تتنزل في ليلة القدر بكثرة، ونزولهم خير وبركة.
{والروح} :
هو جبريل عليه السلام خصه الله بالذكر لشرفه وفضله .
{ بإذن ربهم } :
أي ينزلون بأمره تعالى لهم بالتنزيل فيها
{من كل أمر} :
قيل إن {من} بمعنى الباء أي
بكل أمر مما يأمرهم الله به،
وهو مبهم لا نعلم ما هو،
لكننا نقول إن تنزل الملائكة في الأرض عنوان على الخير والرحمة والبركة .
{سلام هي} :
أي هي سلام من الشر كله من غروب الشمس إلى طلوع الفجر،
ووصفها الله تعالى بالسلام،
لكثرة من يسلم فيها من الآثام وعقوباتها،
قال النبي صلى الله عليه وسلّم:
«من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه»،
ومغفرة الذنوب لا شك أنها سلامة من وبائها وعقوباتها.
{حتى مطلع الفجر} :
أي تتنزل الملائكة في هذه الليلة حتى مطلع الفجر،
أي إلى مطلع الفجر، وإذا طلع الفجر انتهت ليلة القدر
تنبيه:
سبق أن قلنا إن ليلة القدر في رمضان،
لكن في أي جزء من رمضان أفي أوله، أو وسطه، أو آخره؟
نقول في الجواب على هذا: إن النبي صلى الله عليه وسلّم اعتكف العشر الأول،
ثم العشر الأوسط تحرياً لليلة القدر،
ثم قيل له: إنها في العشر الأواخر فاعتكف العشر الأواخر،
إذاً فليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان.
* وفي أي ليلة منها ؟
الله أعلم قد تكون في ليلة إحدى وعشرين، أو في ليلة الثلاثين، أو فيما بينهما،
فلم يأت تحديد لها في ليلة معينة كل عام،
ولهذا أري النبي صلى الله عليه وسلّم ليلة القدر ليلة إحدى وعشرين
ورأى في المنام أنه يسجد في صبيحتها في ماء وطين،
فأمطرت السماء تلك الليلة أي ليلة إحدى وعشرين،
فصلى النبي صلى الله عليه وسلّم في مسجده، وكان مسجده من عريش
لا يمنع تسرب الماء من السقف،
فسجد النبي صلى الله عليه وسلّم صباحها أي في صلاة الفجر في الماء والطين،
ورأى الصحابة رضي الله عنهم على جبهته أثر الماء والطين،
ففي تلك الليلة كانت في ليلة إحدى وعشرين،
ومع ذلك قال: «التمسوها في العشر الأواخر»
وفي رواية: «في الوتر من العشر الأواخر»،
ورآها الصحابة ذات سنة من السنين في السبع الأواخر،
فقال صلى الله عليه وسلّم: «أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر،
فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر»
، يعني في تلك السنة،
أما في بقية الأعوام فهي في كل العشر، فليست معينة،
ولكن أرجاها ليلة سبع وعشرين،
وقد تكون (مثلاً)
في هذا العام ليلة سبع وعشرين،
وفي العام الثاني ليلة إحدى وعشرين،
وفي العام الثالث ليلة خمس وعشرين وهكذا
*وإنما أبهمها الله عز وجل لفائدتين عظيمتين:
الفائدة الأولى: بيان الصادق في طلبها من المتكاسل،
لأن الصادق في طلبها لا يهمه أن يتعب عشر ليال من أجل أن يدركها،
والمتكاسل يكسل أن يقوم عشر ليال من أجل ليلة واحدة.
الفائدة الثانية: كثرة ثواب المسلمين بكثرة الأعمال؛
لأنه كلما كثر العمل كثر الثواب.
وبهذه المناسبة أود أن أنبه إلى غلط كثير من الناس في الوقت الحاضر
حيث يتحرون ليلة سبع وعشرين في أداء العمرة،
فإنك في ليلة سبع وعشرين تجد المسجد الحرام قد غص بالناس وكثروا،
وتخصيص ليلة سبع وعشرين بالعمرة من البدع،
لأن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم يخصصها بعمرة في فعله،
ولم يخصصها أي ليلة سبع وعشرين بعمرة في قوله،
فلم يعتمر ليلة سبع وعشرين من رمضان مع أنه في عام الفتح ليلة سبع وعشرين
من رمضان كان في مكة ولم يعتمر،
ولم يقل للأمة تحروا ليلة سبع وعشرين بالعمرة،
وإنما أمر أن نتحرى ليلة سبع وعشرين بالقيام فيها لا بالعمرة،
وبه يتبين خطأ كثير من الناس،
وبه أيضاً يتبين أن الناس ربما يأخذون دينهم كابراً عن كابر،
على غير أساس من الشرع،
فاحذر أن تعبد الله إلا على بصيرة،
بدليل من كتاب الله، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلّم
أو عمل الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباع سنتهم.
سورة البينة :
عن أنس بن مالك قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لأبي بن كعب : " إن الله أمرني أن أقرأ عليك :
" لم يكن الذين كفروا "
قال : وسماني لك ؟
قال : " نعم " . فبكى .
ــــ:::ــــ
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" عينان لا تمسهما النار ،
عين بكت من خشية الله ،
وعين باتت تحرس في سبيل الله "
ــــ:::ــــ
وقال كعب الأحبار :
لأن أبكى من خشية الله فتسيل دموعي على وجنتي
أحب إلى من أن أتصدق بوزني ذهباً .
ــــ:::ــــ
وعن تميم الداري رضى الله عنه أنه قرأ هذه الآية :
{ أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات }
فجعل يرددها إلى الصباح ويبكي .
ــــ:::ــــ
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من القلب الذي لا يخشع
فيقول " ... اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع
ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها " . رواه مسلم
ــــ:::ــــ
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ }
{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَـبِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ *
رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ *
وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَـبَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ *
وَمَآ أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُواْ الزَّكَوةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَـبِ وَالْمُشْرِكِينَ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَـلِدِينَ فِيهَآ أَوْلَـئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ *
إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـلِحَـتِ أُوْلَـئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ *
جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّـتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الاَْنْهَـرُ خَـلِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رِّضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ رَبَّهُ}.
(لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين) :
(أهل الكتاب) : وهم اليهود والنصارى،
لماذا هم أهل الكتاب ؟
سموا بذلك لأن صحفهم بقيت إلى أن بعث النبي صلى الله عليه وسلّم
مع ما فيها من التحريف والتبديل والتغيير، ولكن هم أهل الكتاب،
فاليهود لهم التوراة،
والنصارى لهم الإنجيل
(والمشركين):
المشركون هم عبدة الأوثان
من كل جنس من بني إسرائيل ومن غيرهم،
لم يكن هؤلاء (منفكين) :
أي تاركين لما هم عليه من الشرك والكفر ومنفكين عنه ,
حتى يتبين لهم الحق
(حتى تأتيهم البينة):
والبينة ما يبين به الحق في كل شيء،
فكل شيء يبين به الحق فإنه يسمى بينة .
فما هي البينة التي ذكرها الله هنا؟
البينة قال تعالى :
(رسول من الله يتلو صحفا مطهرة * فيها كتب قيمة )
(رسول من الله ) :
النبي محمد ابن عبدالله الهاشمي القرشي صلوات الله وسلامه عليه
أرسله إلى العالمين بشيراً ونذيراً
(يتلو صحفاً مطهرة):
يعني يقرأ لنفسه وللناس .
و الصحيفة : وهي الورقة أو اللوح أو ما أشبه ذلك مما يكتب به
مطهرة : أي منقاة من الشرك، ومن رذائل الأخلاق،
ومن كل ما يسوء، لأنها نزيهة مقدسة
( فيها كتب قيمة ) :
أي مكتوبات قيمة،
والمعنى أن في هذه الصحف مكتوبات قيمة كتبها الله عز وجل،
ومن المعلوم أن الإنسان إذا تصفح القرآن وجده كذلك، وجده يتضمن كتباً أي مكتوبات قيمة،
انظر إلى ما جاء به القرآن من توحيد الله عز وجل، والثناء عليه،
وحمده وتسبيحه تجده مملوءاً بذلك،
انظر إلى ما في القرآن من وصف النبي صلى الله عليه وسلّم
ووصف أصحابه المهاجرين والأنصار ووصف التابعين لهم بإحسان،
انظر إلى ما جاء به القرآن من الأمر بالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج،
وغير ذلك من الأخلاق الفاضلة تجد أن كل ما جاء به القرآن فهو قيم بنفسه،
وكذلك هو مقيم لغيره
(فيها كتب قيمة):
إذاً أخبر الله في هذه الآية أنه
لا يمكن أن ينفك هؤلاء الكفار من أهل الكتاب والمشركين حتى تأتيهم البينة،
فلما جاءتهم البينة هل انفكوا عن دينهم، عن كفرهم وشركهم؟
الجواب قال الله تعالى:
(وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ) :
يعني لما جاءتهم البينة اختلفوا، منهم من آمن، ومنهم من كفر،
فمن علم الله منه أنه يريد الخير، ويريد الدين لله آمن ووفق للإيمان،
ومن لم يكن كذلك وفق للكفر، كذلك أيضاً من المشركين من آمن،
وما أكثر المشركين من قريش الذين آمنوا، فصار
الناس قبل بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام لم يزالوا
على ما هم عليه من الكفر حتى جاءتهم البينة،
ثم لما جاءتهم البينة تفرقوا واختلفوا
(وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين
حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة )
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى (وما أمروا )
أي وما أمر هؤلاء الكفار في التوراة والإنجيل
( إلا ليعبدوا الله ):أي ليوحدوه
(مخلصين له الدين) :أي العبادة
الثانية : قوله تعالى (حنفاء ) :
أي مائلين عن الأديان كلها ، إلى دين الإسلام
الثالثة : قوله تعالى ( ويقيموا الصلاة )
أي بحدودها في أوقاتها
(ويؤتوا الزكاة ) : أي يعطوها عند محلها .
(وذلك دين القيمة) :أي دين الملة ,
القيمة أي المستقيمة
( إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين
في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية )
أخبر تعالى عن مآل الفجار ، من كفرة أهل الكتاب ،
والمشركين المخالفين لكتب الله المنزلة وأنبياء الله المرسلة
أنهم يوم القيامة
( في نار جهنم خالدين فيها ):
أي ماكثين ، لا يحولون عنها ولا يزولون
( أولئك هم شر البرية ):
أي شر الخليقة التي برأها الله وذرأها .
ولما ذكر الله حكم هؤلاء الكفار من اليهود والنصارى والمشركين
ذكر حكم المؤمنين
لأن القرآن الكريم مثاني تثنى فيه المعاني، فيؤتى بالمعنى وما يقابله،
ويأتي بأصحاب النار وأصحاب الجنة،
ويأتي بآيات الترهيب وآيات الترغيب، وهلم جرا،
لأجل أن يكون الإنسان سائراً إلى الله عز وجل بين الخوف والرجاء .
(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية):
أي آمنوا بالإِسلام ونبيه وكتابه وعملوا الصالحات
وهم على طبقات أربع بينها الله في قوله:
{ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين
والصديقين والشهداء والصالحين}
فالذين آمنوا وعملوا الصالحات على اختلاف طبقاتهم هم خير البرية،
أي خير ما خلق الله عز وجل من البرايا،
[FONT
الحمد لله منزل البيان ومميز الإنسان عن سائر
ما خلق بما وهبه من فكر ومنطق مبين ، الحمد لله الذي شرح صدورنا بالإيمان ..
وجعل بعد الهم فرجا ومن الضيق مخرجا ..
وبعد العسر يسرا وكل ذلك بحكمة منه سبحانه وتدبيرا ..
و صلاةً وسلاماً طيبين مباركين على النبي المطهر صاحب الوجه
الأنور والجبين الأزهر , ما سار سفيراً للحق وأبحر , وما على نجم في السماء وأبهر ,
وعلى آله وصحبه خير أهل ومعشر , صلاةً وسلاماً إلى يوم البعث والمحشر
ضغطي هنا لمشاهدة الصورة بحجمها الأصلي
أما بعد :
حياكم الله في الدرس الثامن والعشرون..
رزقنا الله وياكم حفظ كتابه وفهمه والعمل به ..
وابدأ مستعينة بالله راضيةً به مدبراً ومعيناً ..
اضغطي هنا لمشاهدة الصورة بحجمها الأصلي
سورة الزلزلة
1- عن أبو هريرة رضي الله عنه قال : قرأ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذه الآيةَ :
يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا .
قال : أتدرون ما أخبارُها ؟
قالوا : اللهُ ورسولُه أعلمُ .
قال : فإنَّ أخبارَها أن تشهَدَ على كلِّ عبدٍ وأمَةٍ بما عمِل على ظهرِها
تقولُ : عمِل كذا وكذا
2 - عن عدي بن حاتم قال قال الرسول صل الله عليه وسلم :
ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه و بينه ترجمان
فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم فينظر أشأم منه ( عن شماله )
فلا يرى إلا ما قدم فينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه
( فاتقوا النار و لو بشق تمرة )
3- قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
«كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان،
ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم»
4- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال الرسول صل الله عليه وسلم
(يا نساء المسلمات ، لا تحقرن جارة لجارتها ، ولو فرسن شاة)
5- عن عبد الله بن عمرو قال نزلت { إذا زلزلت الأرض زلزالها }
وأبو بكر الصديق رضي الله عنه قاعد فبكى أبو بكر
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبكيك يا أبا بكر
فقال أبكتني هذه السورة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( لو أنكم لا تخطئون ولا تذنبون
لخلق الله تعالى أمة من بعدكم يخطئون ويذنبون فيغفر لهم)
تفسير السورة :
"بسم الله الرحمن الرحيم"
(إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الأرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الإنْسَانُ مَا لَهَا
(3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا(4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5)
يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6)
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)"
{ إذا زلزلت الأرض } :
أي حركت لقيام الساعة.
{ وأخرجت الأرض أثقالها } :
ألقت ما فيها من الموتى .
{ وقال الإنسان ما لها } :
أي : استنكر أمرها بعد ما كانت قارة ساكنة ثابتة ، وهو مستقر على ظهرها ،
أي : تقلبت الحال ، فصارت متحركة مضطربة ، قد جاءها من أمر الله
ما قد أعد لها من الزلزال الذي لا محيد لها عنه ،
ثم ألقت ما في بطنها من الأموات من الأولين والآخرين ،
{ يومئذ تحدث أخبارها } :
أي تخبر عما فعل الناس عليها من خير أو شر،
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
(أن المؤذن إذا أذن فإنه لا يسمع صوته شجر،
ولا مدر، ولا حجر، ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة )
فتشهد الأرض بما صنع عليها من خير أو شر،
وهذه الشهادة من أجل بيان عدل الله عز وجل،
وأنه سبحانه وتعالى لا يؤاخذ الناس إلا بما عملوه،
وإلا فإن الله تعالى بكل شيء محيط، ويكفي أن يقول لعباده جل وعلا عملتم كذا وعملتم كذا..
لكن من باب إقامة العدل وعدم إنكار المجرم؛ لأن المجرمين ينكرون أن يكونوا مشركين،
وحينئذ استنكر الناس أمرها وتبدلت الأرض غير الأرض والسموات ، وبرزوا لله الواحد القهار
{ بأن ربك أوحى لها } :
أي بسبب أن الله أوحى لها، يعني أذن لها في أن تحدث أخبارها،
وهو سبحانه وتعالى على كل شيء قدير إذا أمر شيئاً بأمر فإنه لابد أن يقع،
{ يومئذ يصدر الناس أشتاتا } :
(يومئذ) يعني يومئذ تزلزل الأرض زلزالها.
(يصدر الناس أشتاتاً) أي جماعات متفرقين، يصدرون كل يتجه إلى مأواه،
فأهل الجنة ـ جعلنا الله منهم ـ يتجهون إليها،
وأهل النار ـ والعياذ بالله ـ يساقون إليها
فيصدر الناس جماعات وزمراً على أصناف متباينة تختلف اختلافاً كبيراً كما
قال الله تعالى:
(انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً)
.
{ ليروا أعمالهم } :
يعني يصدرون أشتاتاً فيروا أعمالهم، يريهم الله تعالى أعمالهم إن خيراً فخير،
وإن شًّرا فشر،
وذلك بالحساب وبالكتاب، فيعطى الإنسان كتابه
إما بيمينه ، وإما بشماله،
ثم يحاسب على ضوء ما في هذا الكتاب،
يحاسبه الله عز وجل،
أما المؤمن فإن الله تعالى يخلو به وحده ويقرره بذنوبه
ويقول: فعلت كذا، وفعلت كذا وكذا، وفعلت كذا،
حتى يقر ويعترف، فإذا رأى أنه هلك،
قال الله عز وجل: «إني قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم»
وأما الكافر ـ والعياذ بالله ـ فإنه لا يعامل هذه المعاملة
بل ينادى على رؤوس الأشهاد
(هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)
.
وظاهره أنهم يرون الأعمال الصغير والكبير وهو كذلك، إلا ما غفره الله من قبل بحسنات،
أو دعاء أو ما أشبه ذلك فهذا يمحى
كما قال الله تعالى (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) .
فيرى الإنسان عمله، يرى عمله القليل والكثير حتى يتبين له الأمر جليًّا ويعطى كتابه ويقال:
(اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) .
ولهذا يجب على الإنسان أن لا يقدم على شيء لا يرضي الله عز وجل؛
لأنه يعلم أنه مكتوب عليه، وأنه سوف يحاسب عليه
{ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } :
(من) شرطية تفيد العموم، يعني:
أي إنسان يعمل مثقال ذرة فإنه سيراه، سواء من الخير، أو من الشر
(مثقال ذرة) يعني وزن ذرة،
والمراد بالذرة: صغار النمل كما هو معروف،
وليس المراد بالذرة: الذرة المتعارف عليها اليوم كما ادعاه بعضهم،
لأن هذه الذرة المتعارف عليها اليوم ليست معروفة في ذلك الوقت،
والله عز وجل لا يخاطب الناس إلا بما يفهمون،
وإنما ذكر الذرة لأنها مضرب المثل في القلة،
أي وزن ذرة من خير في الدنيا يثب عليه في الآخرة ومن يعمل مثقال ذرة
أي وزن ذرة من شر في الدنيا يجز به في الآخرة
إلا أن يعفو الجبار عز وجل وبما أن الكفر مانع من دخول الجنة
فإِن الكافر إذا عمل حسنة في الدنيا يرى جزاءها في الدنيا، وليس له في الآخرة شيء
وهذه السورة كلها التحذير والتخويف من زلزلة الأرض،
وفيها الحث على الأعمال الصالحة،
وفيها أن العمل لا يضيع مهما قل، حتى لو كان مثقال ذرة،
أو أقل فإنه لابد أن يراه الإنسان ويطلع عليه يوم القيامة.
نسأل الله تعالى أن يختم لنا بالخير والسعادة والصلاح والفلاح،
وأن يجعلنا ممن يحشرون إلى الرحمن وفداً إنه على كل شيء قدير
سورة القدر
وفي هذه السورة الكريمة فضائل متعددة لليلة القدر:
الفضيلة الأولى: أن الله أنزل فيها القرآن
الذي به هداية البشر وسعادتهم في الدنيا والآخرة.
الفضيلة الثانية: ما يدل عليه الاستفهام من التفخيم والتعظيم
في قوله: {وما أدراك ما ليلة القدر}.
الفضيلة الثالثة: أنها خير من ألف شهر.
الفضيلة الرابعة: أن الملائكة تتنزل فيها،
وهم لا ينزلون إلا بالخير والبركة والرحمة.
الفضيلة الخامسة: أنها سلام،
لكثرة السلامة فيها من العقاب والعذاب
بما يقوم به العبد من طاعة الله عز وجل.
الفضيلة السادسة: أن الله أنزل في فضلها سورة كاملة
تتلى إلى يوم القيامة.
ومن فضائل ليلة القدر ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال:
«من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه»
من صفات ليلة القدر :
ماثبت في الحديث الصحيح انها ( ليلة القدر ليلة سمحة ، طلقة ،
لا حارة و لا باردة ، تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء )
مايُقال في ليلة القدر :
أن عائشة رضي الله عنها قالت :
يا رسول الله ، إن وافقت ليلة القدر فما أدعو ؟
قال :
" قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو ، فاعف عني "
سورة القدر
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ }
{إِنَّا أَنزَلْنَـهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ *
تَنَزَّلُ الْمَلَـئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَـمٌ هِىَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}.
{إنا أنزلناه في ليلة القدر} :
يخبر الله تعالى أنه أنزل القرآن ليلة القدر
وهي الليلة المباركة التي قال الله عز وجل :
( إنا أنزلناه في ليلة مباركة )
وهي ليلة القدر ، وهي من شهر رمضان
كما قال تعالى : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) .
قال ابن عباس وغيره : أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ
إلى بيت العزة من السماء الدنيا ،
ثم نزل مفصلا بحسب الوقائع
في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
معنى إنزاله في ليلة القدر؟
الصحيح أن معناها: ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر،
وليلة القدر في رمضان لا شك في هذا ودليل ذلك قوله تعالى:
{شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان}
.
فإذا جمعت هذه الآية أعني {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}
إلى هذه الآية: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}
تبين أن ليلة القدر في رمضان ،
وبهذا نعرف أن ما اشتهر عند بعض العامة من أن ليلة القدر
هي ليلة النصف من شهر شعبان لا أصل له،
ولا حقيقة له، فإن ليلة القدر في رمضان،
وليلة النصف من شعبان كليلة النصف من رجب، وجمادى،
وربيع، وصفر، ومحرم وغيرهن من الشهور لا تختص بشيء،
حتى ما ورد في فضل القيام فيها فهو أحاديث ضعيفة لا تقوم بها حجة،
وكذلك ما ورد من تخصيص يومها وهو يوم النصف من شعبان بصيام
فإنها أحاديث ضعيفة
لا تقوم بها حجة، لكن بعض العلماء ـ رحمهم الله ـ
يتساهلون في ذكر الأحاديث الضعيفة
فيما يتعلق بالفضائل: فضائل الأعمال، أو الشهور، أو الأماكن وهذا أمر لا ينبغي،
وذلك لأنك إذا سقت الأحاديث الضعيفة في فضل شيء ما،
فإن السامع سوف يعتقد أن ذلك صحيح،
وينسبه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وهذا شيء كبير،
فالمهم أن يوم النصف من شعبان وليلة النصف من شعبان لا يختصان بشيء دون سائر الشهور، فليلة النصف لا تختص بفضل قيام، وليلة النصف ليست ليلة القدر،
ويوم النصف لا يختص بصيام، نعم شهر شعبان
ثبتت السنة بأن النبي صلى الله عليه وسلّم يكثر الصيام فيه حتى لا يفطر منه إلا قليلاً
وما سوى ذلك مما يتعلق بصيامه
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلّم إلا ما لسائر الشهور
كفضل صوم ثلاثة أيام من كل شهر
وأن تكون في الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، وهي أيام البيض.
{في ليلة القدر} :
من العلماء من قال:
1- القدر هو الشرف .
كما يقال (فلان ذو قدر عظيم، أو ذو قدر كبير) أي ذو شرف كبير،
ومن العلماء من قال:
2-المراد بالقدر التقدير،
لأنه يقدر فيها ما يكون في السنة لقول الله تعالى:
{إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين. فيها يفرق كل أمر حكيم} .
أي يفصل ويبين.
والصحيح أنه شامل للمعنيين،
فليلة القدر لا شك أنها ذات قدر عظيم، وشرف كبير،
وأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة من الإحياء والإماتة والأرزاق وغير ذلك.
{وما أدراك ما ليلة القدر} :
هذه الجملة بهذه الصيغة يستفاد منها التعظيم والتفخيم
أي ما أعلمك ليلة القدر وشأنها وشرفها وعظمها،
ثم بين هذا بقوله:
{ليلة القدر خير من ألف شهر} :
وهذه الجملة كالجواب للاستفهام الذي سبقها،
وهو قوله: {وما أدراك ما ليلة القدر}
الجواب: {ليلة القدر خير من ألف شهر}
أي من ألف شهر ليس فيه ليلة القدر،
والمراد بالخيرية هنا ثواب العمل فيها،
وما ينزل الله تعالى فيها من الخير والبركة على هذه الأمة،
ولذلك كان من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه،
ثم ذكر ما يحدث في تلك الليلة فقال تعالى :
{تنزل الملائكة والروح فيها}
أي تنزل شيئاً فشيئاً؛ لأن الملائكة سكان السموات،
والسموات سبع فتتنزل الملائكة إلى الأرض شيئاً فشيئاً حتى تملأ الأرض،
ونزول الملائكة في الأرض عنوان على الرحمة والخير والبركة،
ولهذا إذا امتنعت الملائكة من دخول شيء كان ذلك
دليلاً على أن هذا المكان الذي امتنعت الملائكة من دخوله
قد يخلو من الخير والبركة كالمكان الذي فيه الصور،
فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة
يعني صورة محرمة؛
لأن الصورة إذا كانت ممتهنة في فراش أو مخدة، فأكثر العلماء على أنها جائزة،
وعلى هذا فلا تمتنع الملائكة من دخول المكان،
لأنه لو امتنعت لكان ذلك ممنوعاً،
فالملائكة تتنزل في ليلة القدر بكثرة، ونزولهم خير وبركة.
{والروح} :
هو جبريل عليه السلام خصه الله بالذكر لشرفه وفضله .
{ بإذن ربهم } :
أي ينزلون بأمره تعالى لهم بالتنزيل فيها
{من كل أمر} :
قيل إن {من} بمعنى الباء أي
بكل أمر مما يأمرهم الله به،
وهو مبهم لا نعلم ما هو،
لكننا نقول إن تنزل الملائكة في الأرض عنوان على الخير والرحمة والبركة .
{سلام هي} :
أي هي سلام من الشر كله من غروب الشمس إلى طلوع الفجر،
ووصفها الله تعالى بالسلام،
لكثرة من يسلم فيها من الآثام وعقوباتها،
قال النبي صلى الله عليه وسلّم:
«من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه»،
ومغفرة الذنوب لا شك أنها سلامة من وبائها وعقوباتها.
{حتى مطلع الفجر} :
أي تتنزل الملائكة في هذه الليلة حتى مطلع الفجر،
أي إلى مطلع الفجر، وإذا طلع الفجر انتهت ليلة القدر
تنبيه:
سبق أن قلنا إن ليلة القدر في رمضان،
لكن في أي جزء من رمضان أفي أوله، أو وسطه، أو آخره؟
نقول في الجواب على هذا: إن النبي صلى الله عليه وسلّم اعتكف العشر الأول،
ثم العشر الأوسط تحرياً لليلة القدر،
ثم قيل له: إنها في العشر الأواخر فاعتكف العشر الأواخر،
إذاً فليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان.
* وفي أي ليلة منها ؟
الله أعلم قد تكون في ليلة إحدى وعشرين، أو في ليلة الثلاثين، أو فيما بينهما،
فلم يأت تحديد لها في ليلة معينة كل عام،
ولهذا أري النبي صلى الله عليه وسلّم ليلة القدر ليلة إحدى وعشرين
ورأى في المنام أنه يسجد في صبيحتها في ماء وطين،
فأمطرت السماء تلك الليلة أي ليلة إحدى وعشرين،
فصلى النبي صلى الله عليه وسلّم في مسجده، وكان مسجده من عريش
لا يمنع تسرب الماء من السقف،
فسجد النبي صلى الله عليه وسلّم صباحها أي في صلاة الفجر في الماء والطين،
ورأى الصحابة رضي الله عنهم على جبهته أثر الماء والطين،
ففي تلك الليلة كانت في ليلة إحدى وعشرين،
ومع ذلك قال: «التمسوها في العشر الأواخر»
وفي رواية: «في الوتر من العشر الأواخر»،
ورآها الصحابة ذات سنة من السنين في السبع الأواخر،
فقال صلى الله عليه وسلّم: «أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر،
فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر»
، يعني في تلك السنة،
أما في بقية الأعوام فهي في كل العشر، فليست معينة،
ولكن أرجاها ليلة سبع وعشرين،
وقد تكون (مثلاً)
في هذا العام ليلة سبع وعشرين،
وفي العام الثاني ليلة إحدى وعشرين،
وفي العام الثالث ليلة خمس وعشرين وهكذا
*وإنما أبهمها الله عز وجل لفائدتين عظيمتين:
الفائدة الأولى: بيان الصادق في طلبها من المتكاسل،
لأن الصادق في طلبها لا يهمه أن يتعب عشر ليال من أجل أن يدركها،
والمتكاسل يكسل أن يقوم عشر ليال من أجل ليلة واحدة.
الفائدة الثانية: كثرة ثواب المسلمين بكثرة الأعمال؛
لأنه كلما كثر العمل كثر الثواب.
وبهذه المناسبة أود أن أنبه إلى غلط كثير من الناس في الوقت الحاضر
حيث يتحرون ليلة سبع وعشرين في أداء العمرة،
فإنك في ليلة سبع وعشرين تجد المسجد الحرام قد غص بالناس وكثروا،
وتخصيص ليلة سبع وعشرين بالعمرة من البدع،
لأن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم يخصصها بعمرة في فعله،
ولم يخصصها أي ليلة سبع وعشرين بعمرة في قوله،
فلم يعتمر ليلة سبع وعشرين من رمضان مع أنه في عام الفتح ليلة سبع وعشرين
من رمضان كان في مكة ولم يعتمر،
ولم يقل للأمة تحروا ليلة سبع وعشرين بالعمرة،
وإنما أمر أن نتحرى ليلة سبع وعشرين بالقيام فيها لا بالعمرة،
وبه يتبين خطأ كثير من الناس،
وبه أيضاً يتبين أن الناس ربما يأخذون دينهم كابراً عن كابر،
على غير أساس من الشرع،
فاحذر أن تعبد الله إلا على بصيرة،
بدليل من كتاب الله، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلّم
أو عمل الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباع سنتهم.
سورة البينة :
عن أنس بن مالك قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لأبي بن كعب : " إن الله أمرني أن أقرأ عليك :
" لم يكن الذين كفروا "
قال : وسماني لك ؟
قال : " نعم " . فبكى .
ــــ:::ــــ
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" عينان لا تمسهما النار ،
عين بكت من خشية الله ،
وعين باتت تحرس في سبيل الله "
ــــ:::ــــ
وقال كعب الأحبار :
لأن أبكى من خشية الله فتسيل دموعي على وجنتي
أحب إلى من أن أتصدق بوزني ذهباً .
ــــ:::ــــ
وعن تميم الداري رضى الله عنه أنه قرأ هذه الآية :
{ أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات }
فجعل يرددها إلى الصباح ويبكي .
ــــ:::ــــ
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من القلب الذي لا يخشع
فيقول " ... اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع
ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها " . رواه مسلم
ــــ:::ــــ
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ }
{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَـبِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ *
رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ *
وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَـبَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ *
وَمَآ أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُواْ الزَّكَوةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَـبِ وَالْمُشْرِكِينَ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَـلِدِينَ فِيهَآ أَوْلَـئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ *
إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـلِحَـتِ أُوْلَـئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ *
جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّـتُ عَدْنٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الاَْنْهَـرُ خَـلِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رِّضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ رَبَّهُ}.
(لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين) :
(أهل الكتاب) : وهم اليهود والنصارى،
لماذا هم أهل الكتاب ؟
سموا بذلك لأن صحفهم بقيت إلى أن بعث النبي صلى الله عليه وسلّم
مع ما فيها من التحريف والتبديل والتغيير، ولكن هم أهل الكتاب،
فاليهود لهم التوراة،
والنصارى لهم الإنجيل
(والمشركين):
المشركون هم عبدة الأوثان
من كل جنس من بني إسرائيل ومن غيرهم،
لم يكن هؤلاء (منفكين) :
أي تاركين لما هم عليه من الشرك والكفر ومنفكين عنه ,
حتى يتبين لهم الحق
(حتى تأتيهم البينة):
والبينة ما يبين به الحق في كل شيء،
فكل شيء يبين به الحق فإنه يسمى بينة .
فما هي البينة التي ذكرها الله هنا؟
البينة قال تعالى :
(رسول من الله يتلو صحفا مطهرة * فيها كتب قيمة )
(رسول من الله ) :
النبي محمد ابن عبدالله الهاشمي القرشي صلوات الله وسلامه عليه
أرسله إلى العالمين بشيراً ونذيراً
(يتلو صحفاً مطهرة):
يعني يقرأ لنفسه وللناس .
و الصحيفة : وهي الورقة أو اللوح أو ما أشبه ذلك مما يكتب به
مطهرة : أي منقاة من الشرك، ومن رذائل الأخلاق،
ومن كل ما يسوء، لأنها نزيهة مقدسة
( فيها كتب قيمة ) :
أي مكتوبات قيمة،
والمعنى أن في هذه الصحف مكتوبات قيمة كتبها الله عز وجل،
ومن المعلوم أن الإنسان إذا تصفح القرآن وجده كذلك، وجده يتضمن كتباً أي مكتوبات قيمة،
انظر إلى ما جاء به القرآن من توحيد الله عز وجل، والثناء عليه،
وحمده وتسبيحه تجده مملوءاً بذلك،
انظر إلى ما في القرآن من وصف النبي صلى الله عليه وسلّم
ووصف أصحابه المهاجرين والأنصار ووصف التابعين لهم بإحسان،
انظر إلى ما جاء به القرآن من الأمر بالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج،
وغير ذلك من الأخلاق الفاضلة تجد أن كل ما جاء به القرآن فهو قيم بنفسه،
وكذلك هو مقيم لغيره
(فيها كتب قيمة):
إذاً أخبر الله في هذه الآية أنه
لا يمكن أن ينفك هؤلاء الكفار من أهل الكتاب والمشركين حتى تأتيهم البينة،
فلما جاءتهم البينة هل انفكوا عن دينهم، عن كفرهم وشركهم؟
الجواب قال الله تعالى:
(وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ) :
يعني لما جاءتهم البينة اختلفوا، منهم من آمن، ومنهم من كفر،
فمن علم الله منه أنه يريد الخير، ويريد الدين لله آمن ووفق للإيمان،
ومن لم يكن كذلك وفق للكفر، كذلك أيضاً من المشركين من آمن،
وما أكثر المشركين من قريش الذين آمنوا، فصار
الناس قبل بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام لم يزالوا
على ما هم عليه من الكفر حتى جاءتهم البينة،
ثم لما جاءتهم البينة تفرقوا واختلفوا
(وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين
حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة )
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى (وما أمروا )
أي وما أمر هؤلاء الكفار في التوراة والإنجيل
( إلا ليعبدوا الله ):أي ليوحدوه
(مخلصين له الدين) :أي العبادة
الثانية : قوله تعالى (حنفاء ) :
أي مائلين عن الأديان كلها ، إلى دين الإسلام
الثالثة : قوله تعالى ( ويقيموا الصلاة )
أي بحدودها في أوقاتها
(ويؤتوا الزكاة ) : أي يعطوها عند محلها .
(وذلك دين القيمة) :أي دين الملة ,
القيمة أي المستقيمة
( إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين
في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية )
أخبر تعالى عن مآل الفجار ، من كفرة أهل الكتاب ،
والمشركين المخالفين لكتب الله المنزلة وأنبياء الله المرسلة
أنهم يوم القيامة
( في نار جهنم خالدين فيها ):
أي ماكثين ، لا يحولون عنها ولا يزولون
( أولئك هم شر البرية ):
أي شر الخليقة التي برأها الله وذرأها .
ولما ذكر الله حكم هؤلاء الكفار من اليهود والنصارى والمشركين
ذكر حكم المؤمنين
لأن القرآن الكريم مثاني تثنى فيه المعاني، فيؤتى بالمعنى وما يقابله،
ويأتي بأصحاب النار وأصحاب الجنة،
ويأتي بآيات الترهيب وآيات الترغيب، وهلم جرا،
لأجل أن يكون الإنسان سائراً إلى الله عز وجل بين الخوف والرجاء .
(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية):
أي آمنوا بالإِسلام ونبيه وكتابه وعملوا الصالحات
وهم على طبقات أربع بينها الله في قوله:
{ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين
والصديقين والشهداء والصالحين}
فالذين آمنوا وعملوا الصالحات على اختلاف طبقاتهم هم خير البرية،
أي خير ما خلق الله عز وجل من البرايا،
[FONT


الماءوالبحر :
تم مراجعة سورة القدر والبينة والزلزلة ولله الحمدتم مراجعة سورة القدر والبينة والزلزلة ولله الحمد
ولله الحمد والمنة تم مراجعة سورة الزلزلة والقدر والبينة مع قراءة تفسيرها
جعلني الله وإياكن من أهل القرآن وخاصته
،،،،،،،،،،
جاءت آية {الله نور السموات والارض...} بعد آيات غض البصر، فمن غض بصره عن الحرام أطلق الله نور بصيرته وفتح عليه من العلم"
ابن تيميّة
جعلني الله وإياكن من أهل القرآن وخاصته
،،،،،،،،،،
جاءت آية {الله نور السموات والارض...} بعد آيات غض البصر، فمن غض بصره عن الحرام أطلق الله نور بصيرته وفتح عليه من العلم"
ابن تيميّة
الصفحة الأخيرة