
✨عابرة سبيل✨
•
تم ولله الحمد الحفظ



]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله ربّ العالمين ، خالق الكون أجمعين .
الحمدلله أنزل كتابة نوراً مبين ، عدّة للصابرين ومناراً للفالحين
ورفعة للمؤمنين وهداية للناس أجمعين ..
أخرج به العالمين من ظلمات الجهل المبين لنور الصراط المستقيم .
الحمدلله مارتلنا آية و سجدت لبيانه مُهجة وانهلّت لبيانه دمعَة ..
وصلى الله وسلم على عبده محمد ، قائد الأمة ورسول الملّة وآله وأصحابه
وبعد :
حياكم ربي وبياكم ..
في الدرس ( الثاني)
ولقائنا لهذا اليوم وقفات في تدبر سورة النبأ .
اسأل الله أن يفتح على قلوبنا ويرزقنا تدبر كتابه
والعمل به ..
بسم نبدأ وعليه نتوكل .
{إن جهنم كانت مرصاداً}:
أي مرصدة ومممدة للطاغين وجهنم أسم من أسماء كثيرة
*لماذا سميت جهنم ؟
لأنها ذات جهمة وظلمة بسوادها وقعرها أعاذنا الله وإياكم منها
وهي مرصاد للطاغين قد أعدها الله عز وجل لهم من الآن فهي موجودة
كما قال تعالى : {واتقوا النار التي أعدت للكافرين }
حين عرضت عليه وهو يصلي صلاة الكسوف.
ورأى فيها امرأة تعذَّب في قطة لها حبستها
لا هي أطعمتها ولا أرسلتها تأكل من خشاش الأرض .
ورأى فيها عمرو بن لحي الخزاعي يجر قصبه في النار
يعني أمعائه لأنه كان أول من أدخل الشرك على العرب.
هذه النار يقول الله عز وجل أنها :
{للطاغين مآبا }:
والطاغون جمع طاغ : وهو الذي تجاوز الحد .
وتجاوز الحد يكون في حقوق الله
ويكون في حقوق العباد ،
- أما في حقوق الله عز وجل :
فإنه التفريط في الواجب أو التعدي في المحرم .
- الطغيان في حقوق الآدميين :
فهو العدوان عليهم في أموالهم ودمائهم وأعراضهم .
وهذه الثلاثة التي حرمها رسول الله صلى الله و آله وسلم ،
وأعلن تحريمها في حجة الوداع في أكثر من موضع فقال:
((إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام )) .
{ مآبا } :
أي مكان أواب،
والأوب في الأصل الرجوع .
{لابثين فيها أحقابا }:
أي باقين فيها .
{أحقابا }:
أي مدداً طويلة ؛
وقد دل القرآن الكريم على أن هذه المدد
لا نهاية لها وأنها مدد أبدية .
{لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً}:
نفى الله سبحانه وتعالى عنهم البرد الذي تبرد به ظواهر أبدانهم،
والشراب الذي تبرد به أجوافهم.
ذلك لأنهم والعياذ بالله إذا عطشوا واستغاثوا كانوا كما قال الله تعالى:
{ وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل
يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقاً } .
أما في ظاهر الجسم فقد قال الله تعالى :
{ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ
ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ } .
.
وقال تعالى : { يصب من فوق رؤوسهم الحميم .
يُصهر به ما في بطونهم والجلود} .
ما في بطونهم الأمعاء وهي باطن الجسم ،
فمن كان كذلك فإنهم لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً يطفئ حرارة بطونهم
ومن تدبر ما في القران والسُّنة من الوعيد الشديد لأهل النار
فإنه كما قال السلف :
(عَجِبت للنار كيف ينام هاربها ،
وعجبت للجنة كيف ينام طالبها ) .
●تــــأملي وقفي ●
إننا لو قال لنا قائل :
أن لكم في أقصى الدنيا قصوراً وأنهاراً وزوجات وفاكهة لا تنقطع عنا ،
ولا ننقطع دونها بل هي إلى أبد الآبدين ،
لكنا نسير على أهداب أعيننا ليلاً ونهاراً لنصل إلى هذه الجنة
التي بها هذا النعيم العظيم ،
والتي نعيمها دائم لا ينقطع ،
وشباب ساكنها دائم لا يهرم ،
وصحته دائمة ليس فيها سقم ،
وانظروا إلى الناس اليوم يذهبون إلى مشارق الأرض ومغاربها
لينالوا درهماً او ديناراً قد يتمتعون بذلك وقد لا يتمتعون به ،
فما بالنا نقف هذا الموقف من طلب الجنة ،
وهذا الموقف من الهرب من النار ،
نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من النار ،
وأن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة .
{إلا حميماً وغساقاً}:
استثنى من البرد الحميم ومن الشراب الغساق .
فأما الحميم : فهو الحار الذي قد انتهى حره وحموه .
الغساق : هو شراب منتن الرائحة شديد البرودة،
فيجمع لهم ـ والعياذ بالله ـ
بين الماء الحار الشديد الحرارة،
والماء البارد الشديد البرودة ليذوقوا العذاب من الناحيتين
-من ناحية الحرارة،
-ومن ناحية البرودة،
بل إن بعض أهل التفسير قالوا:
إن المراد بالغساق صديد أهل النار، وما يخرج من أجوافهم من النتن والعرق
وغير ذلك.
وعلى كل حال فالآية الكريمة تدل على أنهم لا يذوقون إلا هذا الشراب
الذي يقطع أمعاءهم من حرارته، ويفطّر أكبادهم من برودته،
نسأل الله العافية.
{جزاء وفاقاً} :
أي يجزون بذلك جزاء موافقاً لأعمالهم من غير أن يظلموا ,
فهذا الجزاء موافق مطابق لأعمالهم.
ثم بين وجه الموافقة ،
موافقة هذا العذاب للأعمال فقال:
{إنهم كانوا لا يرجون حساباً. وكذبوا بآياتنا كِذَّاباً}:
فذكر انحرافهم في العقيدة وانحرافهم في القول،
{إنهم كانوا لا يرجون حساباً}:
أي لا يؤملون أن يحاسبوا بل ينكرون الحساب،
ينكرون البعث يقولون:
{ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر}
فلا يرجون حساباً يحاسبون به لأنهم ينكرون ذلك، هذه عقيدة قلوبهم،
- أما ألسنتهم فيكذبون يقولون هذا كذب، هذا سحر، هذا جنون،
وما أشبه ذلك كما جاء في كتاب الله
ما يصف به هؤلاء المكذبون رسل الله،
كما قال عز وجل: {كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول
إلا قالوا ساحر أو مجنون} .
ولولا أن الله ثبت أقدام الرسل وصبرهم على قومهم ما صبروا على هذا الأمر،
ثم إن قومهم المكذبين لهم لم يقتصروا على هذا بل آذوهم بالفعل
كما فعلوا مع الرسول عليه الصلاة والسلام من الأذية العظيمة
بل آذوهم بحمل السلاح عليهم، فمن كانت هذه حاله
فجزاؤه جهنم جزاءً موافقاً مطابقاً لعمله
{وكل شيء أحصيناه كتاباً} :
{كل شيء}:
يشمل ما يفعله الله عز وجل من الخلق والتدبير في الكون،
ويشمل ما يعمله العباد من أقوال وأفعال،
ويشمل كل صغير وكبير
{أحصيناه} :
أي ضبطناه بالإحصاء الدقيق الذي لا يختلف.
{كتاباً}:
يعني كتباً، وقد ثبت في الحديث الصحيح
أن الله تعالى كتب مقادير كل شيء إلى أن تقوم الساعة.
ومن جملة ذلك أعمال بني آدم فإنها مكتوبة،
بل كل قول يكتب، قال الله تعالى:
{ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} .
رقيب : يعني مراقب.
والعتيد : يعني الحاضر.
●تــــأملي وقفي ●
دخل رجل على الإمام أحمد رحمه الله
وهو مريض يئن من مرضه فقال له:
يا أبا عبدالله إن طاووساً وهو أحد التابعين المشهورين يقول:
إن أنين المريض يكتب،
فتوقف رحمه الله عن الأنين خوفاً من أن يكتب عليه أنين مرضه.
فكيف بأقوال لا حدّ لها ولا ممسك لها،
ألفاظ تترى طوال الليل والنهار ولا يحسب لها الحساب،
فكل شيء يكتب حتى الهم يكتب إما لك وإما عليك،
من همّ بالسيئة فلم يعملها عاجزاً عنها فإنها تكتب عليه،
وإن هم بها وتركها لله فإنها تكتب له،
فلا يضيع شيء كل شيء أحصيناه كتاباً.
{فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً}:
هذا الأمر للإهانة والتوبيخ، يعني يقال لأهل النار:
ذوقوا العذاب إهانة وتوبيخاً فلن نرفعه عنكم ولن نخففه عنكم ،
بل ولا نبقيكم على ما أنتم عليه لا نزيدكم إلا عذاباً في قوته ومدته ونوعه .
ذكر الله عز وجل ما للمتقين من النعيم بعد قوله:
{إن جهنم كانت مرصاداً. للطاغين مآباً}.
لأن القرآن مثاني إذا ذكر فيه العقاب ذكر فيه الثواب،
حتى يكون سير الإنسان إلى ربه بين الخوف والرجاء؛
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله:
«ينبغي أن يكون الإنسان في عبادته لربه بين الخوف والرجاء،
فأيهما غلب هلك صاحبه».
{إن للمتقين مفازاً}:
المتقون هم الذين اتقوا عقاب الله،
وذلك بفعل أوامر الله واجتناب نواهيه .
{مفازاً}:
والمفاز هو مكان الفوز وزمان الفوز أيضاً،
فهم فائزون في أمكنتهم، وفائزون في أيامهم.
{حدائق وأعنابا}:
هذا نوع المفاز .
{حدائق}:
جمع حديقة أي بساتين أشجارها عظيمة وكثيرة ومنوعة.
{وأعناباً}:
الأعناب جمع عنب وهي من جملة الحدائق
لكنه خصها بالذكر لشرفها .
{وكواعب أترابا} :
الكواعب جمع كاعب :
وهي التي تبين ثديها ولم يتدل،
بل برز وظهر كالكعب، وهذا أكمل ما يكون في جمال الصدر.
{وأتراباً}:
أي على سن واحدة لا تختلف إحداهن عن الأخرى
كبراً كما في نساء الدنيا، لأنها لو اختلفت إحداهن عن الأخرى
كبراً فربما تختل الموازنة بينهما، وربما تكون إحداهما
محزونة إذا لم تساوي الأخرى، لكنهن أتراب.
{وكأساً دهاقاً}:
أي كأساً ممتلئة، والمراد بالكأس هنا كأس الخمر.
وربما يكون للخمر وغيره، لأن الجنة فيها
{أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه
وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى} .
= ولكن يرجح أنها الخمر وحدها .
{لا يسمعون فيها لغواً}:
لا يسمعون في الجنة لغواً أي كلاماً باطلاً لا خير فيه.
{ولا كذاباً } :
أي ولا كذباً فلا يكذبون، ولا يكذب بعضهم بعضاً،
لأنهم على سرر متقابلين
قد نزع الله ما في صدورهم من غل وجعلهم أخواناً.
{جزاء من ربك عطاء حساباً} :
أي أنهم يجزون بهذا جزاء من الله سبحانه وتعالى
على أعمالهم الحسنة التي عملوها في الدنيا واتقوا بها محارم الله.
{حساباً}:
أي كافياً، مأخوذة من الحسب وهو الكفاية
أي أن هذا الكأس كأس كافٍ
لا يحتاجون معه إلى غيره
لكمال لذته وتمام منفعته.
{رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن}:
فالله سبحانه وتعالى هو رب كل شيء،
{وما بينهما}:
أي ما بين السماوات والأرض من المخلوقات العظيمة
كالغيوم والسحب والأفلاك وغيرها مما نعلمه،
ومما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.
{لا يملكون منه خطاباً}:
يعني أن الناس لا يملكون الخطاب من الله،
ولا يستطيع أحد أن يتكلم إلا بإذن الله،
{يوم يقوم الروح} :
وهو جبريل .
{والملائكة صفًّا}:
أي صفوفاً. صفًّا بعد صف، لأنه كما جاء في الحديث:
«تنزل ملائكة السماء الدنيا فتحيط بالخلق،
ثم ملائكة السماء الثانية من وراءهم،
ثم الثالثة والرابعة والخامسة» وهكذا..
صفوفاً لا يعلم عددهم إلا الذي خلقهم سبحانه وتعالى.
{لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً}:
أي لا يتكلمون ملائكة ولا غيرهم .
كما قال تعالى: {وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همساً} .
{إلا من أذن له الرحمن} :
بالكلام فإنه يتكلم كما أُذن له.
{وقال صواباً}:
أي قال قولاً صواباً موافقاً لمرضات الله سبحانه وتعالى
وذلك بالشفاعة إذا أذن الله لأحد أن يشفع شفع فيما أذن له فيه
على حسب ما أُذن له.
{ذلك اليوم الحق} :
أي ذلك الذي أخبرناكم عنه هو اليوم الحق،
والحق ضد الباطل أي الثابت الذي يقوم فيه الحق،
ويقوم فيه العدل يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
{فمن شاء اتخذ إلى ربه مآباً}:
أي من شاء عمل عملاً يؤوب به إلى الله ويرجع به إلى الله،
وذلك العمل الصالح الموافق لمرضاة الله تعالى.
{إنا أنذرناكم عذاباً قريباً} :
أي خوفناكم من عذاب قريب وهو يوم القيامة.
ويوم القيامة قريب، ولو بقيت الدنيا ملايين السنين فإنه قريب
{كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها} .
فهذا العذاب الذي أنذرنا الله قريب،
ليس بين الإنسان وبينه إلا أن يموت،
والإنسان لا يدري متى يموت قد يصبح ولا يمسي،
أو يمسي ولا يصبح،
ولهذا كان علينا أن نحزم في أعمالنا،
وأن نستغل الفرصة قبل فوات الأوان.
{يوم ينظر المرء ما قدمت يداه}:
المرء: أي كل امرئ ينظر ما قدمت يداه
ويكون بين يديه ويعطى كتابه،
ويقال: {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً} .
ويقول الكافر من شدة ما يرى من الهول وما يشاهده من العذاب:
{يا ليتني كنت تراباً}:
أي ليتني لم أخلق، أو ليتني لم أبعث، أو
إذا رأى البهائم التي يقضي الله بينها
ثم يقول كوني تراباً فتكون تراباً يتمنى أن يكون مثل البهائم
- {كنت تراباً} تحتمل ثلاثة معانٍ:
المعنى الأول:
يا ليتني كنت تراباً فلم أُخلق، لأن الإنسان خُلق من تراب.
المعنى الثاني:
ياليتني كنت ترابًا فلم أُبعث، يعني كنت ترابًا في أجواف القبور.
المعنى الثالث:
أنه إذا رأى البهائم التي قضى الله بينها وقال لها كوني تراباً
فكانت تراباً قال: ليتني كنت تراباً أي كما كانت هذه البهائم ـ والله أعلم ـ
وإلى هنا تنتهي سورة النبأ، وفيها من المواعظ والحكم وآيات الله عز وجل
ما يكون موجباً للإيقان والإيمان، نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بكتابه،
وأن يجعله موعظة لقلوبنا، وشفاء لما في صدورنا، إنه جواد كريم.
روابط انصح احبتي :
لمن الملك اليوم لله
التفسير من حلقة بالقران نحيا للأخت همه جزاها الله الجنة
]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله ربّ العالمين ، خالق الكون أجمعين .
الحمدلله أنزل كتابة نوراً مبين ، عدّة للصابرين ومناراً للفالحين
ورفعة للمؤمنين وهداية للناس أجمعين ..
أخرج به العالمين من ظلمات الجهل المبين لنور الصراط المستقيم .
الحمدلله مارتلنا آية و سجدت لبيانه مُهجة وانهلّت لبيانه دمعَة ..
وصلى الله وسلم على عبده محمد ، قائد الأمة ورسول الملّة وآله وأصحابه
وبعد :
حياكم ربي وبياكم ..
في الدرس ( الثاني)
ولقائنا لهذا اليوم وقفات في تدبر سورة النبأ .
اسأل الله أن يفتح على قلوبنا ويرزقنا تدبر كتابه
والعمل به ..
بسم نبدأ وعليه نتوكل .
{إن جهنم كانت مرصاداً}:
أي مرصدة ومممدة للطاغين وجهنم أسم من أسماء كثيرة
*لماذا سميت جهنم ؟
لأنها ذات جهمة وظلمة بسوادها وقعرها أعاذنا الله وإياكم منها
وهي مرصاد للطاغين قد أعدها الله عز وجل لهم من الآن فهي موجودة
كما قال تعالى : {واتقوا النار التي أعدت للكافرين }
حين عرضت عليه وهو يصلي صلاة الكسوف.
ورأى فيها امرأة تعذَّب في قطة لها حبستها
لا هي أطعمتها ولا أرسلتها تأكل من خشاش الأرض .
ورأى فيها عمرو بن لحي الخزاعي يجر قصبه في النار
يعني أمعائه لأنه كان أول من أدخل الشرك على العرب.
هذه النار يقول الله عز وجل أنها :
{للطاغين مآبا }:
والطاغون جمع طاغ : وهو الذي تجاوز الحد .
وتجاوز الحد يكون في حقوق الله
ويكون في حقوق العباد ،
- أما في حقوق الله عز وجل :
فإنه التفريط في الواجب أو التعدي في المحرم .
- الطغيان في حقوق الآدميين :
فهو العدوان عليهم في أموالهم ودمائهم وأعراضهم .
وهذه الثلاثة التي حرمها رسول الله صلى الله و آله وسلم ،
وأعلن تحريمها في حجة الوداع في أكثر من موضع فقال:
((إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام )) .
{ مآبا } :
أي مكان أواب،
والأوب في الأصل الرجوع .
{لابثين فيها أحقابا }:
أي باقين فيها .
{أحقابا }:
أي مدداً طويلة ؛
وقد دل القرآن الكريم على أن هذه المدد
لا نهاية لها وأنها مدد أبدية .
{لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً}:
نفى الله سبحانه وتعالى عنهم البرد الذي تبرد به ظواهر أبدانهم،
والشراب الذي تبرد به أجوافهم.
ذلك لأنهم والعياذ بالله إذا عطشوا واستغاثوا كانوا كما قال الله تعالى:
{ وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل
يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقاً } .
أما في ظاهر الجسم فقد قال الله تعالى :
{ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ
ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ } .
.
وقال تعالى : { يصب من فوق رؤوسهم الحميم .
يُصهر به ما في بطونهم والجلود} .
ما في بطونهم الأمعاء وهي باطن الجسم ،
فمن كان كذلك فإنهم لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً يطفئ حرارة بطونهم
ومن تدبر ما في القران والسُّنة من الوعيد الشديد لأهل النار
فإنه كما قال السلف :
(عَجِبت للنار كيف ينام هاربها ،
وعجبت للجنة كيف ينام طالبها ) .
●تــــأملي وقفي ●
إننا لو قال لنا قائل :
أن لكم في أقصى الدنيا قصوراً وأنهاراً وزوجات وفاكهة لا تنقطع عنا ،
ولا ننقطع دونها بل هي إلى أبد الآبدين ،
لكنا نسير على أهداب أعيننا ليلاً ونهاراً لنصل إلى هذه الجنة
التي بها هذا النعيم العظيم ،
والتي نعيمها دائم لا ينقطع ،
وشباب ساكنها دائم لا يهرم ،
وصحته دائمة ليس فيها سقم ،
وانظروا إلى الناس اليوم يذهبون إلى مشارق الأرض ومغاربها
لينالوا درهماً او ديناراً قد يتمتعون بذلك وقد لا يتمتعون به ،
فما بالنا نقف هذا الموقف من طلب الجنة ،
وهذا الموقف من الهرب من النار ،
نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من النار ،
وأن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة .
{إلا حميماً وغساقاً}:
استثنى من البرد الحميم ومن الشراب الغساق .
فأما الحميم : فهو الحار الذي قد انتهى حره وحموه .
الغساق : هو شراب منتن الرائحة شديد البرودة،
فيجمع لهم ـ والعياذ بالله ـ
بين الماء الحار الشديد الحرارة،
والماء البارد الشديد البرودة ليذوقوا العذاب من الناحيتين
-من ناحية الحرارة،
-ومن ناحية البرودة،
بل إن بعض أهل التفسير قالوا:
إن المراد بالغساق صديد أهل النار، وما يخرج من أجوافهم من النتن والعرق
وغير ذلك.
وعلى كل حال فالآية الكريمة تدل على أنهم لا يذوقون إلا هذا الشراب
الذي يقطع أمعاءهم من حرارته، ويفطّر أكبادهم من برودته،
نسأل الله العافية.
{جزاء وفاقاً} :
أي يجزون بذلك جزاء موافقاً لأعمالهم من غير أن يظلموا ,
فهذا الجزاء موافق مطابق لأعمالهم.
ثم بين وجه الموافقة ،
موافقة هذا العذاب للأعمال فقال:
{إنهم كانوا لا يرجون حساباً. وكذبوا بآياتنا كِذَّاباً}:
فذكر انحرافهم في العقيدة وانحرافهم في القول،
{إنهم كانوا لا يرجون حساباً}:
أي لا يؤملون أن يحاسبوا بل ينكرون الحساب،
ينكرون البعث يقولون:
{ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر}
فلا يرجون حساباً يحاسبون به لأنهم ينكرون ذلك، هذه عقيدة قلوبهم،
- أما ألسنتهم فيكذبون يقولون هذا كذب، هذا سحر، هذا جنون،
وما أشبه ذلك كما جاء في كتاب الله
ما يصف به هؤلاء المكذبون رسل الله،
كما قال عز وجل: {كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول
إلا قالوا ساحر أو مجنون} .
ولولا أن الله ثبت أقدام الرسل وصبرهم على قومهم ما صبروا على هذا الأمر،
ثم إن قومهم المكذبين لهم لم يقتصروا على هذا بل آذوهم بالفعل
كما فعلوا مع الرسول عليه الصلاة والسلام من الأذية العظيمة
بل آذوهم بحمل السلاح عليهم، فمن كانت هذه حاله
فجزاؤه جهنم جزاءً موافقاً مطابقاً لعمله
{وكل شيء أحصيناه كتاباً} :
{كل شيء}:
يشمل ما يفعله الله عز وجل من الخلق والتدبير في الكون،
ويشمل ما يعمله العباد من أقوال وأفعال،
ويشمل كل صغير وكبير
{أحصيناه} :
أي ضبطناه بالإحصاء الدقيق الذي لا يختلف.
{كتاباً}:
يعني كتباً، وقد ثبت في الحديث الصحيح
أن الله تعالى كتب مقادير كل شيء إلى أن تقوم الساعة.
ومن جملة ذلك أعمال بني آدم فإنها مكتوبة،
بل كل قول يكتب، قال الله تعالى:
{ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} .
رقيب : يعني مراقب.
والعتيد : يعني الحاضر.
●تــــأملي وقفي ●
دخل رجل على الإمام أحمد رحمه الله
وهو مريض يئن من مرضه فقال له:
يا أبا عبدالله إن طاووساً وهو أحد التابعين المشهورين يقول:
إن أنين المريض يكتب،
فتوقف رحمه الله عن الأنين خوفاً من أن يكتب عليه أنين مرضه.
فكيف بأقوال لا حدّ لها ولا ممسك لها،
ألفاظ تترى طوال الليل والنهار ولا يحسب لها الحساب،
فكل شيء يكتب حتى الهم يكتب إما لك وإما عليك،
من همّ بالسيئة فلم يعملها عاجزاً عنها فإنها تكتب عليه،
وإن هم بها وتركها لله فإنها تكتب له،
فلا يضيع شيء كل شيء أحصيناه كتاباً.
{فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً}:
هذا الأمر للإهانة والتوبيخ، يعني يقال لأهل النار:
ذوقوا العذاب إهانة وتوبيخاً فلن نرفعه عنكم ولن نخففه عنكم ،
بل ولا نبقيكم على ما أنتم عليه لا نزيدكم إلا عذاباً في قوته ومدته ونوعه .
ذكر الله عز وجل ما للمتقين من النعيم بعد قوله:
{إن جهنم كانت مرصاداً. للطاغين مآباً}.
لأن القرآن مثاني إذا ذكر فيه العقاب ذكر فيه الثواب،
حتى يكون سير الإنسان إلى ربه بين الخوف والرجاء؛
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله:
«ينبغي أن يكون الإنسان في عبادته لربه بين الخوف والرجاء،
فأيهما غلب هلك صاحبه».
{إن للمتقين مفازاً}:
المتقون هم الذين اتقوا عقاب الله،
وذلك بفعل أوامر الله واجتناب نواهيه .
{مفازاً}:
والمفاز هو مكان الفوز وزمان الفوز أيضاً،
فهم فائزون في أمكنتهم، وفائزون في أيامهم.
{حدائق وأعنابا}:
هذا نوع المفاز .
{حدائق}:
جمع حديقة أي بساتين أشجارها عظيمة وكثيرة ومنوعة.
{وأعناباً}:
الأعناب جمع عنب وهي من جملة الحدائق
لكنه خصها بالذكر لشرفها .
{وكواعب أترابا} :
الكواعب جمع كاعب :
وهي التي تبين ثديها ولم يتدل،
بل برز وظهر كالكعب، وهذا أكمل ما يكون في جمال الصدر.
{وأتراباً}:
أي على سن واحدة لا تختلف إحداهن عن الأخرى
كبراً كما في نساء الدنيا، لأنها لو اختلفت إحداهن عن الأخرى
كبراً فربما تختل الموازنة بينهما، وربما تكون إحداهما
محزونة إذا لم تساوي الأخرى، لكنهن أتراب.
{وكأساً دهاقاً}:
أي كأساً ممتلئة، والمراد بالكأس هنا كأس الخمر.
وربما يكون للخمر وغيره، لأن الجنة فيها
{أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه
وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى} .
= ولكن يرجح أنها الخمر وحدها .
{لا يسمعون فيها لغواً}:
لا يسمعون في الجنة لغواً أي كلاماً باطلاً لا خير فيه.
{ولا كذاباً } :
أي ولا كذباً فلا يكذبون، ولا يكذب بعضهم بعضاً،
لأنهم على سرر متقابلين
قد نزع الله ما في صدورهم من غل وجعلهم أخواناً.
{جزاء من ربك عطاء حساباً} :
أي أنهم يجزون بهذا جزاء من الله سبحانه وتعالى
على أعمالهم الحسنة التي عملوها في الدنيا واتقوا بها محارم الله.
{حساباً}:
أي كافياً، مأخوذة من الحسب وهو الكفاية
أي أن هذا الكأس كأس كافٍ
لا يحتاجون معه إلى غيره
لكمال لذته وتمام منفعته.
{رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن}:
فالله سبحانه وتعالى هو رب كل شيء،
{وما بينهما}:
أي ما بين السماوات والأرض من المخلوقات العظيمة
كالغيوم والسحب والأفلاك وغيرها مما نعلمه،
ومما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.
{لا يملكون منه خطاباً}:
يعني أن الناس لا يملكون الخطاب من الله،
ولا يستطيع أحد أن يتكلم إلا بإذن الله،
{يوم يقوم الروح} :
وهو جبريل .
{والملائكة صفًّا}:
أي صفوفاً. صفًّا بعد صف، لأنه كما جاء في الحديث:
«تنزل ملائكة السماء الدنيا فتحيط بالخلق،
ثم ملائكة السماء الثانية من وراءهم،
ثم الثالثة والرابعة والخامسة» وهكذا..
صفوفاً لا يعلم عددهم إلا الذي خلقهم سبحانه وتعالى.
{لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً}:
أي لا يتكلمون ملائكة ولا غيرهم .
كما قال تعالى: {وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همساً} .
{إلا من أذن له الرحمن} :
بالكلام فإنه يتكلم كما أُذن له.
{وقال صواباً}:
أي قال قولاً صواباً موافقاً لمرضات الله سبحانه وتعالى
وذلك بالشفاعة إذا أذن الله لأحد أن يشفع شفع فيما أذن له فيه
على حسب ما أُذن له.
{ذلك اليوم الحق} :
أي ذلك الذي أخبرناكم عنه هو اليوم الحق،
والحق ضد الباطل أي الثابت الذي يقوم فيه الحق،
ويقوم فيه العدل يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
{فمن شاء اتخذ إلى ربه مآباً}:
أي من شاء عمل عملاً يؤوب به إلى الله ويرجع به إلى الله،
وذلك العمل الصالح الموافق لمرضاة الله تعالى.
{إنا أنذرناكم عذاباً قريباً} :
أي خوفناكم من عذاب قريب وهو يوم القيامة.
ويوم القيامة قريب، ولو بقيت الدنيا ملايين السنين فإنه قريب
{كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها} .
فهذا العذاب الذي أنذرنا الله قريب،
ليس بين الإنسان وبينه إلا أن يموت،
والإنسان لا يدري متى يموت قد يصبح ولا يمسي،
أو يمسي ولا يصبح،
ولهذا كان علينا أن نحزم في أعمالنا،
وأن نستغل الفرصة قبل فوات الأوان.
{يوم ينظر المرء ما قدمت يداه}:
المرء: أي كل امرئ ينظر ما قدمت يداه
ويكون بين يديه ويعطى كتابه،
ويقال: {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً} .
ويقول الكافر من شدة ما يرى من الهول وما يشاهده من العذاب:
{يا ليتني كنت تراباً}:
أي ليتني لم أخلق، أو ليتني لم أبعث، أو
إذا رأى البهائم التي يقضي الله بينها
ثم يقول كوني تراباً فتكون تراباً يتمنى أن يكون مثل البهائم
- {كنت تراباً} تحتمل ثلاثة معانٍ:
المعنى الأول:
يا ليتني كنت تراباً فلم أُخلق، لأن الإنسان خُلق من تراب.
المعنى الثاني:
ياليتني كنت ترابًا فلم أُبعث، يعني كنت ترابًا في أجواف القبور.
المعنى الثالث:
أنه إذا رأى البهائم التي قضى الله بينها وقال لها كوني تراباً
فكانت تراباً قال: ليتني كنت تراباً أي كما كانت هذه البهائم ـ والله أعلم ـ
وإلى هنا تنتهي سورة النبأ، وفيها من المواعظ والحكم وآيات الله عز وجل
ما يكون موجباً للإيقان والإيمان، نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بكتابه،
وأن يجعله موعظة لقلوبنا، وشفاء لما في صدورنا، إنه جواد كريم.
روابط انصح احبتي :
لمن الملك اليوم لله
التفسير من حلقة بالقران نحيا للأخت همه جزاها الله الجنة
]

✨عابرة سبيل✨ :
تم ولله الحمد الحفظتم ولله الحمد الحفظ
حياك الله
ماشاء الله تبارك الله
الله يبارك فيكم
ويجعلكم من اهل القران وخاصته
وربي يسهل عليكم تثبيتها
كفاتحة الكتاب
وربي يكرمكم في الجنة ويجمعكم مع احبتكم فيها
اللهم آمين :smheart::smheart:
ماشاء الله تبارك الله
الله يبارك فيكم
ويجعلكم من اهل القران وخاصته
وربي يسهل عليكم تثبيتها
كفاتحة الكتاب
وربي يكرمكم في الجنة ويجمعكم مع احبتكم فيها
اللهم آمين :smheart::smheart:
الصفحة الأخيرة