السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تمهيد الموضوع
لماذا هذا الموضوع عن قضية التأخر في الزواج؟
هل هي قضية تستحق هذا الاهتمام والبحث والدراسة ؟
تعالوا نحاول! الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها.
جاء هذا الموضوع عن العنوسة لأنها باتت ظاهرة ينبغي عدم التغافل عنها، بل مشكلة اجتماعية يجب الاهتمام بها ومعالجتها، واستنفار جميع الناس من أجل حلها، أو التخفيف منها على الأقل.
ولعل تحديد المسئول عن العنوسة يسهم في اقتراح الحلول لها. فمن هو المسئول عنها؟
أهو الأب الذي يرد الخاطبين الذين يتقدمون طالبين يد ابنته؟ أم هي الفتاة التي لا يعجبها أحد ممن يتقدم إليها؟ أم هي العادات والتقاليد من مثل اختلاف قبيلة الخاطب عن قبيلة الفتاة؟ أم هو إغراء التعليم ومواصلته؟ أم هو زواج الشباب من غير بنات بلدهم وصعوبة ذلك على الفتاة؛ أي زواجها من غير أبناء بلدها؟
**ّّ إلى أختيّّّ**
**ّّ البكر العذراء كما يحلو لي تسميتهاّّّ**
إنهن كثيرات
"ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي "
هذا ما قالته الخنساء في الجاهلية، من قصيدة ترثي فيها أخاها صخرا، فتعزي نفسها بهذه الحقيقة، وهي كثرة النساء اللواتي قتل إخوة لهن، فهي ليست وحدها المصابة بهذا المصاب.
إن إحساس المرأة العانس أنها ليست وحدها التي لم يكتب لها الزواج؛ يخفف كثيرا من مشاعر الضيق التي تلفها، ويجعلها أكثر تسليما بقضاء الله؛ فهي تتذكر أن عشرات الآلاف، بل مئاتها، بل ملايين النساء، لم يتزوجن مثلها.
إذن، يمكننا أن نقول إن العوانس العربيات بالملايين، ملايين النساء العربيات لم يكتب لهن الزواج، ومع هذا فإنهن يعشن حياة مستقرة، لأن القيم الاجتماعية الإسلامية تجعل العانس قريبة من أهلها، وأهلها قريبين منها، فهي تعيش معهم، أو أنها تزورهم كثيرا ويزورونها أكثر.
أعرف عوانس كثيرات يعوضن فقدهن الأمومة بمودة أبناء إخوانهن أو أخواتهن، حتى أن هؤلاء الأبناء كثيرا ما يتعلقون بعماتهن وخالاتهن غير المتزوجات أكثر مما يتعلقون بآبائهم وأمهاتهم.
أختي
خففي عن نفسك، وتذكري أن هناك ملايين كثيرة من النساء مثلك لم يتزوجن، ولعل كثيرات منهن أسعد من كثيرات من المتزوجات.
شرح الله صدرك للرضا بقضائه، والاطمئنان إلى ما أنت عليه، وملأ قلبك سعادة.
أنت أسعد من كثيرات!
هل تزداد معاناتك من عدم زواجك حين ترين امرأة مع زوجها وأولادها يخرجون في نزهة؟!
أيجعلك هذا تتذكرين وحدتك، وحرمانك الزوج ومساندته، والأولاد وبراءتهم؟!
أيثير فيك إحساسا بأنك مظلومة، أو أنك تعيسة، أو أنك محرومة؟
تمهلي قليلا، ولا تدعي هذه المشاعر السلبية، والأحاسيس المحبطة؛ تملأ عليك نفسك، وتزرع فيك الحزن.
لقد رأيت جانبا واحدا من حياة هذه الأسرة؛ لكن هناك جوانب كثيرة أخرى لم ترها عينك.
لعلك لو رأيت الزوجة المبتلاة بزوج قاس لا يرحم، واستمعت إلى شكواها من معاناتها الدائمة منه؛ لربما حمدت الله على أن نجاك من الزواج.
لو رأيت زوجة لا تجد وقت راحة، نالت الأعمال من صحتها، وذهبت المسؤوليات بنضارة وجهها، واستمعت إلى شكواها من هذا كله... لربما حمدت الله على أن خفف عنك وأعفاك مما قد لا تحتملينه.
لو جلست مع مطلقة تندب حظها، وتعلن ندمها على زواجها، واستمعت إليها وهي تشكو لك كم احتملت وعانت حتى حصلت على الطلاق، واستعادت أمنها؛ لربما حمدت الله على أنك لم تتزوجي ولم تعاني مثل ما عانت.
إن تفكرك، أختي الغالية، بما تعانيه آلاف الزوجات، وما احتملته كثيرات غيرهن انتهى زواجهن بالطلاق، يخفف عنك كثيرا مشاعر الأسى التي تثور في نفسك بسبب عدم زواجك.
إن ذاك التفكر يبدد إحساسك بأنك مظلومة، ويحل محله إحساسا جميلا بالرضا. الرضا الذي يجلب لك رضا الله، كما حدثتك في الرسالة السابقة.
تذكري شكوى صديقتك من صراخ زوجها المستمر، وغضبه الدائم، ونجاتك أنت من هذا.
واستعيدي مشهد جارتك التي خرجت من بيتها باكية بعد أن ضربها زوجها فألحق بها ضررا وأذى. واستحضري حديث أختك التي لا تجد وقتا تهتم فيه بنفسها وبممارسة هوايتها الأثيرة لديها في القراءة. ستجدين أنك في نعم كثيرة، وستطمئنين إلى أنك أحسن حالا من متزوجات كثيرات قد يحسدنك على ما أنت فيه من مسؤوليات قليلة، وأعباء خفيفة، وأوقات وافرة كثيرة تمارسين فيها هواياتك من قراءة أو كتابة أو دعوة أو زيارة أو نشاط خيري أو اجتماعي.
أرجو أن تبتسمي الآن ابتسامة الرضا، فأنت في خير عظيم، ولن تستبد بك بعد اليوم مشاعر القلق، والأسى، والانهزام.
أرجو أن تفسحي المجال في نفسك لمشاعر الطمأنينة، والرضا، والهناءة.
أرجو أن تكوني سعيدة.
حروف صادقة وغاية نبيلة
أعرض رسالة تلقيتها من الأخت التي كنت نفسها ب "أم يمان "، وتحدثت فيها عن تجربتها الناجحة بتجاوز ما يمكن أن يسببه لها عدم زواجها من حزن أو إحباط.
تقول في بداية رسالتها: "شكر الله سعيكم، وجزاكم خيرا على اختيار هذا الموضوع الشائك الذي يهم فردا مهما هو: المرأة".
وتضيف: "أود أن أنقل إلى أخواتي في الله تجربتي المتواضعة التي خرجت منها أكثر سعادة، بعون الله وفضله ".
ثم تشرح حالها فتقول: "بلغت الأربعين من عمري ولم أتزوج، وأحمد الله على كل حال ارتضاه لي. في بداية أمري كنت أشعر بالحسرة والألم كلما خلوت بنفسي، وأندب حظي كلما تزوجت واحدة من صديقاتي. لم تكن لي شروط أو مواصفات محددة في الرجل الذي أرتضيه زوجا" فقد كنت مستعدة للقبول بأي رجل صالح. لكن السنين مرت دون أن يأتي هذا الرجل. صرت أعتزل الناس لأتحاشى نظرات الشفقة... ولم أنج منها تماما فقد كنت أراها في عيون والدي وإخوتي الذين كانوا يدعون لي كلما رأوني ". "وفي يوم من أواخر أيام شهر شعبان، ونحن نستعد لشهر رمضان المبارك، هداني الله إلى اقتناء مصحف خاص بي. صممت على ختمه. وجدت صعوبة كبيرة في قراءته بسبب انقطاعي عن القراءة طوال عشر سنين مضت ". "وجدت صعوبة كذلك في فهم بعض الآيات، فاشتريت كتاب تفسير، وصرت أقرأ فيه تفسير ما أتلوه من آيات الكتاب الحكيم. انتهى رمضان ولم ينته تعلقي بكتاب الله، فواصلت تلاواتي آيات الله وقراءة تفاسيرها ".
"وجاء اليوم الذي استوقفتني فيه آية في سورة الكهف{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً}. تساءلت: ما معنى {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ} وجدت في التفسير أنها كل عمل صالح ".
"عشقت الأعمال الصالحة من صلاة وصيام وصدقة وتسبيح و تحميد وتهليل وتكبير. وبدأت السعادة تملأ قلبي، والرضا يستقر في نفسي. حمدت الله حمدا كثيرا أن هداني إلى هذا الطريق وأرشدني إلى معالمه ".
تستدرك الأخت أم يمان فتقول:
"لكن هذه ليست دعوة للرهبانية، بل هي دعوة للرضا بقضاء الله وقدره ".
وتورد من ديوان الشافعي بيته الشهير:
دع الأيام تفعل ما تشاء وطب نفسا إذا حكم القضاء
وكذلك أبياته:
ما شئت كان وإن لم أشأ وما شئت إن لم تشأ لم يكن
خلقت العباد لما قد علمت ففي العلم يجري الفتى والمسن
فمنهم شقي ومنهم سعيد ومنهم قبيح ومنهم حسن
على ذا مننت وهذا خذلت وذاك أعنت وذا لم تعن
وتختم بقولها: "لقد أطلت عليكم كثيرا، ولكن يعلم الله أني أريد منفعة المسلمين ".
ثم تذكر ملاحظة تقول فيها: "إن لم تكن رسالتي تستحق النشر فأنا أتفهم ذلك، فقد كتبت الرسالة وأنا في قمة انفعالي ".
يا أخت أم يمان؛ بل تستحق رسالتك النشر، بل والشكر والدعاء، ويكفي الصدق الذي كتبت به حروفها، والإخلاص الذي انطلقت منه كلماتها، والرضا الذي كان بين سطورها، والغاية النبيلة التي توجهت إليها معانيها.
بارك الله فيك، وأجزل لك الأجر على نصحك أخواتك، ووفقك إلى مزيد من هذا العطاء.
يتأخر زواجهن لأنهن... غير أنانيات!
في السابعة والثلاثين من عمرها. تعمل اختصاصية اجتماعية. تشرح سبب عدم زواجها حتى الآن بقولها: في أثناء دراستي في الجامعة، وأثناء عملي بعد تخرجي، تقدم لي كثير من الشباب الذين يرغبون في الزواج مني، ورغم ارتياحي إلى بعضهم، وعدم رفضي لهم،- فقد كانوا ذوي ثراء أو منصب علمي- ورغم قدرة الكثيرين منهم على تكوين أسرة والإنفاق عليها، فإنني كنت أرفض هذه الفرص للزواج حرصا على والدتي المريضة، التي لم يكن لها أحد غيري، لأن شقيقاتي صغيرات وغير قادرات على رعايتها من بعدي، بل كن هن في حاجة إلى من يرعاهن. لهذا رفضت الزواج في سن مبكرة حتى تكبر شقيقاتي ويصبحن قادرات على رعاية والدتنا بعد زواجي وتركي منزل أسرتي
لا يمكن لنا إلا أن نصف ما أقدمت عليه هذه الأخت بالتضحية والإيثار، وهما خلقان عظيمان، يدلان على نفس نبيلة، وقلب سليم.
إنها ابنة بارة بأمها، حريصة عليها، رحيمة بضعفها، تحررت من الأنانية وإيثار النفس.
ولكن، أما كان يمكن أن تتزوج هذه الأخت دون أن تتخلى عن أمها وعن أخواتها؟ هل يكون جزاء إيثارها وتضحيتهما أن تعيش بقية عمرها دون زوج وأولاد؟
أجل. كان يمكنها الجمع بين حبها لأمها وزواجها! ولكن متى؟ وكيف؟ حين يتقدم الخاطب إليها، ويعلم أن سبب رفضها الزواج منه هو رغبتها في رعاية أمها، فيزداد تعلقا بها، ورغبة فيها، وحرصا على الزواج منها، لأنها فتاة مرضية من أمها، وذات خلق جعلها تضحي، فيقول لها: والدتك والدتي، أرعاها كما ترعينها، وأبرها كما تبرينها، وأخواتك أخواتي، أتزوجك ونقيم معا في بيت ملاصق لبيت أمك وأخواتك، أو ينتقلون ليقيموا في بيت ملاصق لبيتنا.
هذا ما كان ينبغي أن يصدر عن أولئك الذين تقدموا إلى خطبتها، أو عن واحد منهم على الأقل، فمثل هذه البارة بأمها لا ينصرف عنها الرجل الحكيم البصير الراغب في زوجة تطيعه، وتحسن عشرته وتربية أطفاله.
لكنها الأنانية، وحب الذات، وعدم إدراك الأجر الذي يناله الرجل لو أعان هذه الفتاة على بر أمها ورعاية شقيقاتها، والزواج منها في الوقت نفسه.
وكأنما كان زواج النبي صلى الله عليه وسلم من أم سلمة (هند بنت أبي أمية بن المغيرة) ليتأسى به المسلمون فلا يمنعهم ما تحمله الفتاة أو المرأة من مسؤوليات تجاه أولاد وبنات، أشقاء لها أو أبناء، من الزواج منها. فقد تقدم إلى خطبتها النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني مسنة ذات عيال، وأغار من النساء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما إنك مسنة فأنا أكبر منك، وأما الغيرة فيذهبها الله عنك، وأما العيال فإلى الله ورسوله ".
إن الرغبة لتزداد في فتاة تضحي من أجل أهلها، وأرملة تحب أولادها وتحرص عليهم، لكن الواقع الحزين أن الرجال ينصرفون عن هؤلاء الفتيات والنساء، ويزهدون بهن، ويبحثون عمن تترك أولادها وأهلها من أجلهم وحدهم.
وتبقى كلمتان، الأولى لكل فتاة تجد نفسها مسئولة عن أبوين كبيرين أو عن أحدهما، أو أرملة أو مطلقة مسئولة عن أطفالها الصغار ولا تريد أن تتخلى عنهم: لا ترفضي الخاطبين؛ إنما صارحيهم بحالك، وأخبريهم أنك تحرصين على تحمل مسؤولياتك تجاه أهلك أو أولادك، وأنك تسعدين لو رضي المتقدم إليك بذلك، وشاركك فيه، وأنك مستعدة للزواج منه إذا قبل بحالك.
الكلمة الثانية لمن لم تتزوج بسبب تضحيتها، مثل تلك الفتاة التي بدأت بحكايتها كلامي هذا، أقول لها: لا تندمي على تضحيتك، فإن لك- إن شاء الله تعالى- لأجرا كبيرا، وثوابا عظيما، على إيثارك أهلك أو أولادك.
تجربتي.. أحكيها لكم
"المرأة المؤمنة، العاملة في مجال الدعوة إلى الله، لا يمكن أن تشعر بأنها عانس، ولو صارت عجوزا. هذا ما رأيته، وشاهدته، وجربته ".
بهذه الكلمات الإيمانية السامقة، الواثقة، تبدأ الأخت الفاضلة أم الحسن (فاطمة محمد صالح) رسالتها التي تتحدث فيها عن سعادتها، ورضاها، وطمأنينتها، على الرغم من عدم زواجها.
كيف وصلت إلى هذا؟ كيف حققت هذا الارتفاع على الشعور بالنقص الذي قد يصيب من لم تتزوج؟ ها هي تجيب عن ذلك فتقول:
"لأنها جعلت الدعوة إلى الله في قلبها، وشغفت حبا بكل أساليب الدعوة، فهي تقرأ الكتب الإسلامية، وتسمع أشرطتها، وقد تكتب أحيانا.. لتفيد جميع من حولها، وتنقل إليهم ما استفادته من قراءتها الكتب، وسماعها الأشرطة".
ولا تكتفي الأخت فاطمة بهذا الكلام العام؛ بل هي تفضل في حديثها وتشرح نصائحها لأخواتها كما يلي:
- إذا كانت طالبة في مدرسة فيمكنها أن تخصص لها دفترا تكتب فيه المعلومات المفيدة التي تقرأها أو تسمعها، ثم تنشر هذه المعلومات التي استفادتها في مجلة الحائط، أو إذاعة المدرسة.
وكذلك تسعى لتكوين أخوات صالحات من حولها، وتتنافس معهن في الطاعات: (صيام الأيام البيض في كل شهر- الأذكار- الابتسامة في وجوه الصديقات والزميلات- السلام على من عرفت من النساء ومن لم تعرف).
- وإذا كانت طالبة في جامعة فلتحرص على إعطاء دراستها وقتا كافيا، واهتماما وافيا، بحيث تملأ الدراسة لها وقتها، وتشغل اهتمامها، لتكون متفوقة بإذن الله تعالى.
- وإذا كانت تعمل، وأغلب من يعملن هن معلمات، فإن من تتصل بهن كثيرات: زميلاتها المعلمات، والتلميذات أو الطالبات. وتستطيع أن توجه طاقاتها لهن، وتبذل اهتمامها بهن؛ توجيها وتربية ونصحا وإرشادا.
- وإذا لم تكن طالبة ولا جامعية ولا عاملة... فماذا تفعل؟ وكيف تمضي وقتها وتملأ فراغها؟ وبم تشغل نفسها؟ وإلام تصرف اهتمامها؟
لقد بدأت مع أخوات لي في الله من هذه الشريحة، كن يشتكين من السأم والملل لكثرة الأوقات.. فصرن يشتكين من قلة الوقت! كيف تحقق هذا؟
- عقدنا رابطة الإخاء في الله فيما بيننا، وتم التعارف في أحد المراكز الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم، فقد سبق طلبي منهن التسجيل في هذا المركز.
تعرفت إليهن، ووجدت لدى كل واحدة منهن أكثر من مهارة.. كانت مضيعة لا يستفيد منها غيرها. واحدة منهن كانت ماهرة في الطبخ، فشجعتها على كتابة طرائق ما تتقنه من طبخات، ثم طبعها، وبيعها للمنتسبات. وكان الريع للمسلمين المحتاجين في العالم.
ثانية قامت بتفريغ بعض الأشرطة، وكتابة محتوياتها في دفتر، وجعلها مادة لدروس تلقيها في حلقات الأخوات.
ثالثة ورابعة تسابقتا في حفظ سور القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
خامسة أخذت تعد دفترا تجمع فيه الأحاديث لتفيد به (النادي الثقافي)، كما أخذت تجمع أسئلة المسابقة الثقافية وإجاباتها وإعدادها بشكل جميل وجذاب.
ولم تتوقف نشاطات الأخوات بانتهاء المركز الصيفي الخيري، ولم تنقطع صلاتهن بانقطاع الدوام فيه، بل واصلن ما بدأنه، من إعداد لوحات حائطية ومسابقات وطرائف، والبحث عن أفكار جديدة، ليقدمنها إلى المركز الخيري في العام المقبل. وصرن يتبادلن الزيارات، ويعقدن دروسا وحلقات صغيرة فيما بينهن؛ يحفظن القرآن والحديث، ويربين أنفسهن على مبادئ الإسلام.
ولقد شجع نجاح عملنا.. أخوات في مناطق أخرى، لم يكن فيها مثل هذه المراكز، على التقدم إلى الجهات المسئولة؛ مطالبات بفتح مركز لتحفيظ القرآن فيما بينهن، وتحقق لهن ما أردن، وكن الرائدات في ذلك. أما من لا تستطيع الالتحاق بهذه المراكز، بسبب منع أهلها لها، فكانت الأخوات في المركز على اتصال دائم بها، عن طريق الهاتف والرسائل، يتذاكرن معهن الله تعالى، ويتفكرن في آلائه ونعمائه، وفي زوال هذه الدنيا، ومتاعها القليل، حتى كنا نشعر، كما قالت الأخت العانس في رسالتها إليكم: (إننا والله لفي سعادة لا يعلم بها إلا الله، ولو علم بها أهل الدنيا لجالدونا عليها بالسيوف)، وليست تلك السعادة ناتجة عن العنوسة- كما قد يفهم البعض- وإنما هي ثمرة تعلق القلب بالله تعالى، وتفرغ الأخت لإرضائه بكل قول وعمل.
لقد كنا نشعر حقا؛ إذا أمد الله في أعمارنا، في صحة وعافية، ودامت هذه الحال من الخير والنعيم والإيمان؛ أننا في جنة الدنيا.
وأنقل هنا كلاما قرأته للأخت يمان السباعي في كتابها "الراقصون على جراحنا": إن الفتاة قد تمر الأيام عليها وهي وحيدة كئيبة، في حياة رتيبة، مملة، دون دعوة إلى الله وعمل جاد، وجهاد مستمر في سبيله، ودون أخوات في الله، وتخاف أن تذبل وتخبو وحدها في زاوية منسية، وتحاول أن تخرج للحياة التي تركتها على قارعة الطريق، سواء أكانت ملمة بالهوية أم مسلمة حقا، فتسقط هي الأخرى وتنحرف، والانحراف في حال كونها مسلمة حقا هو ابتعاد عن طريق الله أولا، وتوغل في الجاهلية ثانيا. ولكننا، والحال هذه، لا نقبل أن يكون الزواج هم الفتاة في مثل هذا المجتمع الذي لا يرحم ولا يعرف حاجات الإنسان، مع أنه من الواجب أن يكون الزواج هم الفتاة؛ لأنها من خلال الزواج تؤدي وظيفتها في الحياة بدليل قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} فمن هنالك تنطلق إلى العالم عن طريق طفل، وبدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "والزوجة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها".
... ولكن، لتعلم كل فتاة أن الغاية من الحياة هي العبودية بمعناها الخاص ومعناها العام، فإذا توفر المناخ المناسب لبناء بيت مسلم.. قامت الفتاة بعبادة ربها من خلال الزواج وتربية الأولاد، وقد تنشئ لنا الجيل الذي نريد.
.. فإن لم يكن؛ فإن طرق العبادة العامة كثيرة وعلى رأسها الدعوة إلى الله عز وجل. فلتلتفت إلى المنحرفات عن طريق الله لتجعل منهن بنات لها وتهديهن إلى صراط الله السوي (من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا).
ولتجعلي من المجتمع الإسلامي بيتا كبيرا هي فيه شمس هداية، ونبراس حق وعدل ومعرفة وعلم. ولنتواص بالحق والصبر:{إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} .
ولا تختم الأخت فاطمة رسالتها إلا بعد أن تعدنا بأن تنقل لنا نماذج من "عوانس سعيدات " استفدن حقا من أوقاتهن.. وأعطين الكثير.
الكبيرة أولا! لماذا؟
لفت انتباهي خبر نقلته وكالة الأنباء الفرنسية (في 15 محرم 1417 الموافق 1/6/1996) عن إقدام ثلاث أخوات هنديات على الانتحار بتناول مبيد للحشرات؛ لعدم قدرتهن على احتمال فكرة البقاء دون زوج.
وقال ناطق باسم شرطة بومباي: إن الأخوات الثلاث كن يعتبرن أن حظوظهن في الزواج تكاد تكون معدومة، واعتبرن أنهن لا يملكن خيارا آخر سوى الانتحار.
وقد انتحرت الأخوات الثلاث: فيجايانتي (30 عاما) وشاكونتالا (25 عاما) ويامونا سوفارنا (20 عاما) في ضاحية العاصمة الاقتصادية والمالية للهند.
وقال الناطق باسم الشرطة: إن والد المنتحرات الثلاث أعلن أنه لم يتمكن من العثور على زوج لابنته الكبرى، ورفض السماح لابنتيه الأخريين بالزواج طالما لم تتزوج الأولى.
ويذكر أن معظم حالات الزواج في الهند يجري ترتيبها من قبل العائلات التي تختار لأبنائها أزواجا من الفئة نفسها التي تنتمي إليها. وتتزوج الفتيات عادة صغيرات السن.. ويجدن صعوبة في العثور على زوج بعد الخامسة والعشرين.
هذا ما جاء في الخبر، نقلته إليك أختي العانس كما نقل ونشر، دون إضافة مني أو حذف.
وأرى أن في الخبر ثلاثة توجيهات لك؛ أرجو أن تقفي معي عندها، في محاولة للاستفادة منها.
التوجيه الأول نستخلصه من تلك العادة الخاطئة؟
بعدم تزويج البنت الصغرى ما لم تتزوج الكبرى أولا! هذه العادة، للأسف، موجودة لدى كثير من الأسر، ليس في الهند وحدها، ولكن في كثير من بلدان المسلمين أيضا.
ويخطئ الآباء والأمهات حين يردون الخاطبين لبناتهم وهم يقولون لهم: لن نزوج أي بنت قبل أن تتزوج أختهن الكبيرة!
سبحان الله! قد لا تتزوج الكبيرة أبدا.. فهل تبقى الصغيرات دون زواج حتى يصبحن كبيرات أيضا؟!! كيف يخضع الآباء والأمهات إلى مثل هذا التقليد الخاطىء.. حتى ولو كان بسبب نيتهم وحرصهم على تزويج الكبرى؟!!
وقد تسألين، أختي الفاضلة، وأنت تقرأين هذا التوجيه: إنه للآباء والأمهات.. وليس لنا نحن البنات.. أليس كذلك؟
وأجيبك فأقول: بل فيه توجيه لك أيضا إن كنت أختا كبرى؛ إذ تستطيعين أن تصارحي أمك وتقولي لها: لا تظلموا أخواتي بسببي! لماذا ترفضون من يتقدم إليهن؟! أعلم أنكم تفعلون ذلك حرصا علي.. لكنني لا أريد أن تظلم أخواتي بسببي.. لا أريدهن أن يكرهنني مع الزمن حين يشعرن أنني عثرة في طريق زواجهن.
ستكسبين تقدير والدتك، ومحبة أخواتك، ورضا ربك إن شاء الله، لأنك بهذا تؤثرينهن على نفسك، وتعودين برضا عظيم في نفسك، وحلاوة كبيرة في قلبك. هذا هو التوجيه الأول،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتبع

~ كـنــوووزة ~ @knoooz_2
عضوة شرف في عالم حواء
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

عانس... وتزوجت!
أنشر هنا رسالة الأخت أم الحسن، وقد سبق أن نشرنا لها رسالة تحت عنوان (هذه تجربتي.. أحكيها لكم) تقول الأخت في رسالتها:
أشكركم على تفضلكم بنشر مقالتي عن العوانس، وكنت قد وعدتكم أني سأكتب المزيد والمزيد عن حالات أخوات لي أيضاً في الله، ينعمن بوافر السعادة والاطمئنان.
وحتى أفي بوعدي أذكر لكم هذه المفاجأة السارة التي فاجأتني بها إحدى الصديقات العوانس، وكانت هذه المفاجأة هي السبب في تأخير رسائلي عنكم.. ألا وهي زواجها!.. أتعلمون أنني كنت مستغربة جداً من أمر هذه العانس.. فقد كانت جميلة، ومعلمة في مدرسة تحفيظ القرآن، وجامعية، وطالبة علم، وفيها كل ما يتمناه الشاب الملتزم من خلق ودين.. فكانت كلما تقدم إليها شاب أو متزوج وافقت عليه.. لكن أهل قريتها يقومون بالأخذ والكلام عنها أمام هذا الخاطب، وينبشون وراءها، حتى يتركها.. لكن استغرابي كان يكثر عندما أجدها إنسانة مواظبة على قيام الليل والدعاء والتهجد في الأسحار، وقراءة القرآن والدعاء الملح على الله بأن تتزوج... فكنت أقول في نفسي: سبحان الله.. كيف لم يقدر الله لها الزواج مع كثرة دعائها وإلحاحها على الله؟! ولم يدم الأمر طويلاً.. ربما أربع سنوات حتى رزقها الله الآن بشاب يصغرها سناً، وطالب علم، وقد حمدت الله على هذه النعمة، واغتبطت لها كثيراً أن قد استجاب الله دعاءها.. وقد جاء في الحديث "إن الله لا يمل حتى تملوا".
تقول الأخت: كنت أدعو الله في الأسحار، وفي السجود، وبين الأذان والإقامة، وأطلب من الأخوات الصالحات الدعاء لي بظهر الغيب، وكنت أدعو لغيري بالزواج رجاء أن يرزقني الله كما أتمنى..
قلت: وهذا من بركة الدعاء، فهو سلاح المؤمن..
تقول الأخت: قد شجعني على الدعاء زميلة لي في الجامعة تقول: كنت أدعو الله عز وجل بصريح العبارة أن يرزقني .
وقد رزقني الله كما تمنيت.. فلا تبخلي على نفسك بالدعاء. فلله الفضل والمنة أولاً وأخيراً.
هذا عن حال إحداهن وقد ألغينا من اسمها (العانس) فأسأل الله أن يمن على جميع الأخوات بالزوج الصالح والولد الصالح.
وأما عن حال الثانية.. وهي ما زالت عانساً.. وهي مديرة لمدرسة من المدارس.
تقول عن نفسها: لم يكن السبب في عنوستي عدم قبول الشباب في، كلا ولكن كان الرفض مني دائماً.. فكنت أؤجل الزواج وأخشى من المسؤولية وأستشهد بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما معناه أن امرأة جاءت إليه وهي تسأله عن حق الزوج فأخبرها النبي صلى الله عليه وسلم في ما معنى كلامه: أنه إذا شج رأس زوجك دماً ولم تجدي ما تمسحي به الدم إلا أن تمجيه بفمك لما وفيت حقه.
فكنت أخشى من عقاب الله إن أنا لم أقم بواجب الزوج كما ينبغي.. وعلمت أن هذا قراري سيبقى معي مدى الحياة.. فقررت أن أتخذ البديل.. وكانت وظيفتي هي شغلي الشاغل. سخرت نفسي لخدمة هذا الدين بكل ما أوتيت من استطاعة وحاولت أن أوفق في النجاح في مسيرتي التعليمية، فكنت معلمة ثم مديرة ثم مديرة للتوجيه التربوي.. حتى مضى العمر وفاتني قطار الزواج.. وربما الذي جعلني لم أفكر فيه مطلقاً أن هذا ليس وضعي فقط بل الأخوات العاملات في حقل التعليم التربوي معي كلهن قد فاتهن قطار الزواج.. فنحن نعقد الدروس سوية ونتزاور في الله وبيننا من الإخاء والود ما ننسى به حتى أهلينا... وقد قمت بتربية أولاد أخواتي وإخواني، وكانوا يحبونني كثيراً.. فأغنوني عن الأطفال... وأنا ولله الحمد الآن في أسعد حال وأرجو أن يديم الله علي هذه السعادة التي أشعر بها والتي يغبطني عليها الكثيرات.. وأشكركم على طرح مثل هذا الموضوع، لتعلم كل أخت فاتها قطار الزواج أن لها من الأخوات الكثيرات أسوأ ولكن عليها أن تصبر ولا تحزن، وأن تحسن استغلالها حياتها فيما ينفعها ويرفع من شأنها..
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
أقول: وبعد تجربة أختي هذه العانس أضيف أنها تكثر من دعوة طيبة ألا وهي: اللهم حببني إليك وإلى ملائكتك وإلى جميع خلقك.. وسبحان الله كان كل من رأتها أحبتها، حتى حاسداتها من الأخوات لا تستطيع الواحدة منهن الصبر عن ملاقاتها، أو عدم الاتصال بها، وقد ألقى الله محبتها في القلوب علاوة على الهيبة التي لا يمكن لواحدة أن تنكرها.. وسبحان الله من صبر على شيء عوضه الله خيراً منه..
وأخيراً.. دعوة لأخواتي العوانس: إن لم تكن الواحدة قادرة على الصبر فعليها بالآتي:
1- كثرة الدعاء ليل نهار والتضرع بخضوع.. فالزوج رزق والأخوة رزق كما أن المال والصحة رزق.
2- لا يمنعك أن يكون فيك عيب ما، أن لا تثقي بقدرة الله على تزويجك، بل اجعلي ثقتك كاملة في الله حتى ولو كنت عجوزاً شوهاء. فادعي الله ما استطعت ولا تتعجلي الإجابة فقد يستجيب الله لك في ساعة من الساعات.
3- أكثري من استغلال وقتك بقراءة القرآن والصلاة والاستغفار وجميع الأذكار فهي مفتاح السعادة {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}.
نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. سبحانك اللهم وبحمدك...
أختكم في الله
أم حسن- الجبيل الصناعية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسك الختام ::نختم هذه الحملة برد وتذليل جميل لأخ فلضل رد ردا جميلا
على رسالة {عانس سعيدة} والذي يحوي فوائد جمّة ونافعة
بسم الله الرحمن الرحيم
سعادة الأستاذ الأخ/ محمد رشيد العويد
مدير تحرير مجلة النور حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد اطلعت على الرسالة المنشورة في مجلة النور
على صفحات ملحقها مؤمنة بعنوان (رسالة من عانس سعيدة) وقرأتها، وكررت قراءتها. ولأن هذه المشكلة المتفشية في المجتمع، ليس الخليجي وحده ولكن في جميع المجتمعات الإسلامية، وهو ما يهم الجميع، ظاهرة جديرة بدراستها وإيجاد الحلول لها من ذوي العلم والمعرفة. ولي ملاحظات على ما كتبته الأخت في رسالتها أرفقها لسعادتكم، أرجو الإطلاع عليها ونشرها. وجزاكم الله خيرا.
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد قرأت رسالة الأخت التي رمزت لاسمها ب(عانس سعيدة)، والتي تذكر فيها مدى سعادتها وانشراح صدرها لما هي فيه، ورضاها بقضاء الله وقدره، وحثها بنات جنسها على الصبر والرضا بالمقسوم والمقدر لها، وضرب أمثلة لهن من الواقع. وهذا شيء طيب وعمل تشكر عليه، ولكنها جانبت الصواب في بعض ما قالت، وأحببت التعقيب عليها مشاركة في طرق هذا الموضوع، وحبا من القلب في إيجاد الحلول الناجعة. ومن لم يهتم بأمور إخوانه (المسلمين) فليس منهم.
وإنه ليسرني ويسر كل مسلم أن تكون المرأة المسلمة أنموذجا حيا، وصرحا شامخا، في الصبر على البلاء، والثبات على الحق، والصمود في وجه الأعاصير. كيف لا نفرح والمرأة المسلمة هي الأم والأخت والزوجة والبنت، سعادتها سعادتنا وتعاستها تعاستنا. وأرجو من الله السداد والتوفيق وأقول والله الموفق والمعين:
1- معلوم لدينا أن الزواج سكن ومودة ورحمة {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} وما كتب للعبد، ذكرا أو أنثى، لا بد كائن، وعلينا الرضا والتسليم. ولكن ألا يكون أيضا للبشر دور أو يد في تأخر الزواج لأسباب:
إما أن الزوج غير مرغوب في خُلُقه، أو خَلْقه، أو في هيئته، أو في وظيفته، أو في مركزه الاجتماعي، أو بسبب العرف الاجتماعي المعروف.
وإما أن للآباء والأمهات مآرب أخرى في الزوج المرتقب، ويصعب إقناع الطرفين: الأم والأب، خصوصا إذا كان بينهما تنافس علمي أو اجتماعي، فكل يرى أن الصواب معه، وأنه أدرى بمصلحة ابنته.
وإما أن تكون الفتاة هي نفسها السبب حبا في التحصيل العلمي، ونيل الشهادة والمركز، ظنا أن الزواج ومهام البيت عائق سيحول بينها وبين طموحاتها، وهن أيضا يشهدن على أنفسهن- أعني عدد كبير من المتعلمات اللاتي مارسن المجال الوظيفي- بأنهن السبب الأول في بقائهن عانسات، فلا ريب إذا ندمت على ما مضى من أجل تصحيح المسار والتفكير لدى الأخريات. وإما أنه لم يتقدم لهن أحد، وإذا كانت المرأة سليمة من الموانع فلا عجب أن يخطب الرجل لابنته من يراه أهلا لها من قريب أو بعيد، وقد فعل ذلك من هو خير منا كسعيد بن المسيب رحمه الله. وفي زمننا هذا جمع كبير خطبوا لبناتهم فعشن مع أزواجهن في عافية وستر وهذا هو المطلوب، وإذا بذل الأولياء السبب فلم يوفقوا فلا بد من الصبر {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} {مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً}
2- أيضا ليس كل من تزوجت شقيت أو حظيت بزوج يتعسها ويشقيها، وليس كل من تزوجت رزقت مولودا مريضا سقيما أو معاقا أو جاء عاقا فاسدا، ثم إن العقم والحرمان من الأولاد قضاء وقدر ليس للبشر دخل فيه، منهم من يرزق بنين ومنهم من يرزق بنات ومنهم من يحرم والله يقول: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} ومرض الأطفال والإعاقة ابتلاء من الله تعالى للوالدين لتكفير الخطايا وتمحيص
الذنوب، ومنحة من الله يعقبها الفرج ولكن للصابرين {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}فيجب ألا يكون الإحجام عن الزواج سببه الخوف من الإعاقة أو المرض، أو نكره الذرية خوفا من مجيئهم مرضى أو معاقين فالأمور مغيبات علمها عند فاطر الأرض والسماوات ولا اعتراض على ما قسم وقدر.
والترمل لا يكون إلا بوفاة الزوج، ومن يعترض على ذلك؟ (قدر الله وما شاء فعل).
والطلاق لا يعيب المرأة ولا ينقص من مكانتها بقدر ما يحصل، فإن كان السبب أمرا يخدش الدين والأخلاق فإنه يعيب صاحبه رجلا أو امرأة، والطلاق حل إذا تعذر البقاء والوفاق غير مكروه أو مستقبح.
وقولك يا أختي العزيزة: كم من واحدة كان الزواج سببا في فتنتها عن دينها وتبرجها. فأقول لك: علاج ذلك في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" وكذلك كم من امرأة كانت وبالا على زوجها؟ ولهذا فنحن مأمورون بالظفر بذات الدين، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "اظفر بذات الدين تربت يداك " وكم من شاب كانت هدايته- بعد الله- على يد فتاة صالحة أخرجته من الظلمات إلى النور، وللمرأة أن تبذل ما في وسعها لاختيار الرجل الصالح الذي إن أحبها أكرمها وإن كرهها لم يظلمها، والركيزة الأساسية إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
وعلى الفتاة المسلمة أن تكون الداعية والواعظة لنفسها وأولادها وزوجها، وماذا عليها لو رزقت بزوج غير ملتزم، ونذرت نفسها وما تملكه في سبيل هدايته أو تعليمه إن كان جاهلا، أو سد فاقته إن كانت غنية وكان محتاجا؟ تلك والله المفاخرة! نعم بهذه الأعمال تكون المفاخرة حقا، وأين الأخت المسلمة عن الصحابية الجليلة التي جعلت مهرها الإسلام (أغلى المهور) إذا الأثرياء تفاخروا بثرواتهم.
3- المجتمع لا يستغني عن المرأة، والمجالات مفتوحة لمشاركتها في حدود طاقتها وقدرتها، ولا أحد ينكر ذلك أو يهضم حقا من حقوقها في المجتمع، بل هي مشكورة جدا على كل عمل تقدمه خدمة لدينها ومجتمعها، ولكن لا يمنع أن تكون مرتبطة باسم رجل أبا كان أم زوجا إلا إذا كانت هي ولية نفسها... ولا يمكن أن تستغني عن الرجل وليا أو محرما.
4- نحمد الله تعالى على ترابط وتكافل هذا المجتمع. وقوة هذا الترابط والتآلف دافع قوي لتكوين أسر متماسكة بنية للمجتمع المسلم.
5- أفضل من ذلك وأجل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وأطاعت زوجها، قيل لها ادخلي الجنة من أي أبوابها الثمانية" وقوله: "من ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة" "هو جنتك ونارك " والمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كثير ترغيبا في الزواج وطاعة الزوج والحفاظ على العشرة الزوجية بما فيها، والصبر على الإنجاب وتربية الأولاد والقيام بمهام مسؤوليتها، كراعية في بيت زوجها. وكل ذلك يزيد من أجرها ويرفع درجتها عند الله.
6- حقا إن الدنيا دار عمل ودار ابتلاء وامتحان - ابتلاء وامتحان- فالأرملة والمطلقة والعقيم ومن يرزق مولودا مريضا أو معاقا وأكثر من ذلك أيضا من الابتلاء والامتحان، وقولك- أيتها الأخت- أن الدنيا دار عمل ودار ابتلاء وامتحان صحيح لا يقبل الشك لكنك تناقضين به نفسك في النقطة أو الفقرة الثانية من رسالتك ورغم وجود المنغصات لا يمنع من التلذذ بالطيبات التي منحها الله لعباده، ووجود المشاكل شيء طبيعي في هذه الدنيا، ولولا ذلك لما جعلت الجنة راحة ومستقرا لكن (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا) وأفضل من هذا القول وأجل قول الله عز وجل: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} والأزواج والأولاد والأموال وإن كانت فتنة فهي أيضا من الزينة والرزق الطيب إذا قصد به وجه الله ورزق صاحبه الإخلاص، ولا عبرة بالمشاكل الزوجية الحاصلة فهي تعتبر نادرة قليلة إذا قيست بكثافة المجتمع المتزن، وبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخل منها، وبيوت صحابته وهم خير القرون ما خلت من المشاكل، والتابعون وغيرهم و (في كل واد من بني سعد) فهل يتخذ مثل ذلك تبريرا للعنوسة وتسلية للعانسات، وما أكثر الفتيات اللاتي تهربن عن الزواج- وحاشا الأخت المسلمة- جريا خلف الموضات والشهرة ودور الأزياء ورمي أنفسهن في أحضان المخرجين وأصحاب الدعاية والأقلام المأجورة فهن رغم امتهان أعراضهن واللعب بهن كالدمية يرين أنهن سعيدات- وحاشاك حاشاك هذا- وسرعان ما تزول.
7- نعم أيتها الأخت العزيزة أعداد كبيرة من الأخوات الكريمات اللاتي بلغن درجة كبيرة في التحصيل العلمي وفاتهن اللحاق بالزوجية يندمن على فواته ولكن كبرياءهن لم يمنعهن من الرضا والتسليم وقبلن بالتعدد تحصينا لأنفسهن ولم يفسرن التعدد بأنه (بناء على أنقاض) أو (أنانية) وليس من يندم على فوات الزواج، أو فوات الإنجاب، أو حب التمتع وإشباع الغريزة الجنسية بالحلال، يعد من أهل الدنيا وليس له في الآخرة من خلاق، فهذه نظرة (صوفية) بل (رهبنة، ولا رهبانية في الإسلام) كل في هذه الدنيا يعمل والعبرة بالمقاصد والنيات، والأمومة والشوق إليها غريزة فطرية وضعها الله في المرأة وليست من صنع البشر- ولا عبرة بالشواذ- وإنكارها من أحد لا ينفي وجود هذه الظاهرة (أعني ظاهرة الندم على فوات الزواج)- كما تقولين- وهل يستشهد بقولك يا أخت- غفر الله لنا ولك- ونسد أعيننا ونصم آذاننا عن أقوال مئات الأخوات الصالحات وننسبهن إلى أهل الدنيا فقط، فهل أنت وحدك من أهل الآخرة أو من يعمل لأجل الآخرة؟!. أما صويحبات العفن والشهرة فلا مجال لهن عندنا في الاستشهاد.
هل الطبيبات أو الممرضات أو المدرسات بل الموظفات عموما اللاتي فاتهن الركون إلى عش الزوجية وبالتالي فقدن الذرية بتفريط، أو لأمر ما، ويندمن على ما فاتهن من متعة حلال، وحنان إلى أمومة، هل نعتبرهن، بمجرد ندمهن، من أهل الدنيا، أو بالأحرى من أهل الكفر- كما قلت يا أخت- الذين يريدون أن يتمتعوا ويحصلوا على كل شيء في هذه الحياة الدنيا؟! هل إذا أصبحت المرأة عانسا وندمت على ما فاتها تكون معترضة على قضاء الله وقدره؟ وأنها باعت آخرتها بدنيا فانية؟ في أي كتاب هذا المفهوم؟! لقد جانبت الصواب {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} والله جل وعلا يخبرنا عن زكريا عليه السلام ودعواته لربه على كبر سنه وامرأته عاقر {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} ولم يكن معترضا على قضاء الله وقدره.
8- الولد الصالح- ذكرا أو أنثى- عمل متواصل لوالديه بعد مماتها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له " واستشهادك بسيد قطب أو محمد الجراح أنهما لم يتزوجا وأن الناس تلهج بذكرهما وليس لهما ذرية ليس في محله لأن كل رجل صالح في المجتمع متزوجا كان أم أعزب تلهج الناس بذكره وتدعو له، إلا إذا كان المراد من الاستشهاد هو (دعوة صريحة) لرفض الزواج وتفضيل العنوسة على الضرة (التعدد) وإلا هل نظرت إلى حالة سيد قطب أو محمد الجراح- رحمهما الله- كما تقولين؟ هل عرفت حالتيهما الصحية والجسمية؟ وكيف قضيا حياتيهما؟ وأزيدك من الشعر بيتا فشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مات ولم يتزوج وهو أقوى جسما وأسلم فكرا وإذا علم السبب بطل العجب، وكذلك الأختان زينب الغزالي وموضي السلطان وغيرهما كثير رضين بالقدر وجربن الزواج ولم يرزقن الذرية ولكن لم نقرأ يوما أن واحدة نفرت من الزواج أو رحبت بالعنوسة، وهذا هو المهم، ومقالك يوحي إلى القارئ خلافه ولعلك لا تقصدين ذلك. وأقول ما رأيك في زوجات عقيمات وغير عقيمات كن المربيات المخلصات لأولاد ضراتهن؟ وهذا واقع غير مبالغ فيه، وفي عصرنا هذا، وبمثل هذه الأعمال والحالات يستشهد.
9- 10- كل يطمع في السعادة ومكمنها في تقوى الله عز وجل وطاعته {فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} وصفاء النفس وراحة القلب والاطمئنان كلها في التقوى، والزواج والأولاد وتكوين الأسرة مع شيء من التقوى والصلاح محقق للسعادة والاستقرار بإذن الله، ووصمك الأزواج (ظلمة، طغاة، جبابرة، أهل أذى وقهر وعدوان، وأن المرأة لا تساوي عندهم شيئا) قول خاطئ خالف الصواب. وهذه المقولة عن الرجال تكررت في الرسالة أكثر من مرة فما السر؟!
11- هنا (مربط الفرس)، كما يقول المثل، النقطة الحادية عشرة من رسالتك هي زبدة الكلام وهي خلاصته. يقول الله جل وعلا: { )وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} فالتعدد مشروع وهو مهم جدا لتكثير النسل وللقضاء على العنوسة، ولا يقال التعدد بناء سعادة وعشرة زوجية جديدة على أنقاض أو هدم ما قبلها، أو على حساب غيرها، ولو كان كذا لصار التعدد ضررا على المجتمع، والله- جل وعلا- أعلم بمصالح العباد، ومن تترك الزواج وتقبل العنوسة خوفا من المستقبل الذي لا يعلمه إلا الله قد خالفت فطرتها وأساءت الظن بربها، وإحسان الظن بالله أولى، فما الحكمة من إيجاد الذكر والأنثى؟ الرجل والمرأة؟! {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
وقولك أن الزوجة الثانية (التعدد) أمر غير مقبول عند كثيرات ممن يسمونهن بالعوانس فأقول: من أين أتيت بالخبر أو هذا الاستبيان أو الإحصائية؟ قد يوجد، ولكن لا يعمم على الكثيرات، وليس قبول المرأة أن تكون ثانية أو رابعة لزوج يحكم عليها بأنها قبلت بالمشاكل ووجع الرأس- كما تقولين- وما يدريك أن ذلك القدر خير لها؟ قال تعالى: { وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} وهذا عام في كل الأمور كلها، ولماذا نغفل عن بيوتات كثيرة في المجتمع جمعت بين ضرتين وثلاث وأربع في سعادة وصفاء، ولكن من الصعب إقناع امرأة استفحل عليها التغريب والغرور حتى لو رأت ذلك بأم عينها، ولا أنسى مقولة امرأة من هذا الصنف منزوعة الحياء ضعيفة الإيمان ضحية الفكر المشبوه تقول أنها لا تمانع في سفر زوجها إلى خارج البلاد وفعله (ما يشاء...) فهو أهون عليها من أن يأخذ زوجة ثانية- حلالا- نسأل الله العافية، ولنا ولها الهداية.
وأنت أيتها الأخت واحدة من العوانس لو تقدم لك رجل راغب في التعدد معه واحدة أو ثلاث هل تقبلين به؟ أم هو مرفوض أصلا؟ دون سؤال عنه، وما السبب؟ هل لأنك لا تريدين- كما تقولين- بناء سعادتك على حساب غيرك؟ أنت إذن تتكهنين بغيب قد لا يكون. أم أنك تعارضين مشروعية التعدد وترفضينه فكرا ومنهجا؟ وهذا الاعتراض مع ما فيه من الكبر قد يخرجك إلى ما لا تحمد عواقبه. والله المستعان.
وأخيرا: أقول إن الرضا بما قضاه الله وقدر هو سلوة المؤمن في كل ما يصيبه (واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك) ولنعلم جيدا أن الشيطان يسعى جادا لتشكيك المؤمن في دينه سواء في العبادات أو الأحكام أو في المعاملات.
التعدد مباح في الشرع؟ نعم! إذن ما الذي يوحي للنساء خوفا قد لا يحدث أبدا؟ وإن حدث شيء منه فكغيره مما يحدث في البيوت لا يذكر، إن الذي يثير مثل هذا الخوف لا شك أنه الشيطان بالوسوسة أو من خيله ورجله وأعوانه ممن يسخرون أقلامهم لخدمة الباطل والصد عن الحق.
المجتمع الذي نعيش فيه ولله الحمد مجتمع إسلامي طيب، ورؤيتنا للمخالفات جهارا لا يجعلنا نخرج المجتمع كله عن دائرة الإسلام، بمجرد فشو المنكرات وقلة الرادع، فما زال المجتمع بخير، وشعائر الإسلام تقام والواعظون كثيرون، وهو بحاجة إلى الطبيب الذي يتلمس الداء فينجح في وصف الدواء وطريقة استعماله.
وجود العنوسة في المجتمع المسلم لا يبشر بخير، وانطواء العانسات واختفاؤهن أيضا لا يبشر بخير، وظهورهن على الصفحات والمنتديات وتفاخرهن بأنهن مقتنعات وراضيات عن أنفسهن أيضا لا يبشر بخير، لأن تصريحهن بذلك يعتبر دعوة لتكثير العنوسة وعزوف الأخريات عن الزواج. فما هو الحل؟؟
والحل والله أعلم في:
1- قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".
2- لا يتخذ الرجل الأعذار لابنته أو موليته في تأخير زواجها من أجل الدراسة أو الوظيفة أو الراتب فيكون سببا في تأخير زواجها.
3- المحافظة على القيم الإسلامية في البيت فسمعة البيت وأهله أمر مهم جدا، فالبيت المتفكك تثار ضده الشائعات، أب غافل وأم غارقة فماذا يفعل الأولاد عموما؟ والناس إذا علموا أن في البيت واحدة ذات علاقة مشبوهة مع أحد حتى وإن كانت مكالمة هاتفية واحدة انصرفوا عنه وإن كان في البيت عشر ملتزمات.
4- إذا تكرر من ولي المرأة رد الخاطب الملتزم أحجم عنه الخاطبون الملتزمون وغيرهم لأنهم يتوقعون هذا المصير.
5- لا يعاب على الرجل إذا خطب لموليته فقد فعلها من هو أفضل منه لمن هي أفضل منها.
6- في التعدد حل للحد من العنوسة، بل وللقضاء عليها بعون هن الله، إذا تغيرت الفكرة المترسبة في عقول بنات المجتمع، والتي مصدرها الفكر المشبوه رواده، أصحاب العفن والأقلام المأجورة. وكذلك حث الشباب على التعدد وتشجيعهم بتيسير المهور وتكاليف الزواج.
7- نظرة المجتمع في أن الرجل لا بد أن يبحث عن زوجة أصغر منه بكثير! ما الذي يمنعه من أن يأخذ مساوية له في العمر، بكرا أو ثيبا، مطلقة أو أرملة.
8- بعض البيوتات تجد الكلمة للمرأة فقط والرجل مجرد سائق أو عامل حديقة في المنزل مسلوب الصلاحية فأين القوامة؟، لذلك تجد المرأة تذهب ببناتها يمنة ويسرة وتباهي بهن في المجالس، وإذا جاء الخاطب أحيل إلى ربة البيت فتطلب منه ما لا يستطاع فيفر هاربا. ولو كان للبيت ولي يخاف الله ويتقيه ويشعر بعظم مسؤوليته وثقل الأمانة التي حملها لسارع في الخلاص من أعباء المسؤولية بتزويج مولياته لتبرأ ذمته.
9- المهور وتكاليف الزواج والعادات والتقاليد سبب في إحجام الشباب عن الزواج، فملاحظ أنه مع الوعي وفهم الناس للحياة وحسن المعيشة وقربهم من الدين إلا أن الكثير ما زال متشبثاً ببقايا الجاهلية، لا أعني جاهلية الكفر بل جاهلية عصرنا في حب الثروة وتكديسها وحب المظاهر: مهر غالي مرهق، وتكلفة الولائم والأفراح وما يتبعها، وغيرها كثير. كل ذلك منفر جدا يجب الانتباه إليه.
10- خوف الفتاة على مستقبلها الدنيوي: الدراسة والوظيفة، وتظن أن الزواج سيكون عائقا لها، وهذا ليس بصحيح، قد تواصل تحصيلها العلمي وهي متزوجة، وقد تتوظف وهي متزوجة. وإذا تم الوفاق حسنت الأحوال وهذا كل مشاهد فليعلم.
11- إن على الفتيات المسلمات الداعيات إلى الله أن يوضحن لأخواتهن المسلمات ما لهن وما عليهن، وليست الحياة مجرد دراسة أو وظيفة أو رصيد في البنك فقط أو سهر الليالي على غثاء الشاشة والتمذهب بأفكار أقزامها، يعلمن أنهن غدا زوجات صالحات، وبعد غد أمهات مربيات للأجيال المسلمة التي تشارك في نصرة هذا الدين الذي يحارب من كل جانب، وهذه هي أعظم وأجل مشاركة تقدمها المرأة لدينها بلا تقصير من غيرها.
معذرة أيتها الأخت العزيزة ألتمسها منك في ما قلت، فإن كنت مصيبا فمن الله، وإن كنت مخطئا فمن نفسي والشيطان أعاذنا الله منه، ولك مني دعوات صادقة أن يلهمك الصواب ويعيذك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن لا يحرمك الأجر وأرجو من الله عز وجل أن يجعل ما قلته خالصا لوجهه أولا وآخرا.
أخوكم/ سعد بن حمد
10/ رمضان/ 1417 هـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــْْْْْْْْْْْْْْْْْْْــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سطور منتقاة من كتاب
محمد رشيد العويد مع تصرفات في النقل والترتيب
أنشر هنا رسالة الأخت أم الحسن، وقد سبق أن نشرنا لها رسالة تحت عنوان (هذه تجربتي.. أحكيها لكم) تقول الأخت في رسالتها:
أشكركم على تفضلكم بنشر مقالتي عن العوانس، وكنت قد وعدتكم أني سأكتب المزيد والمزيد عن حالات أخوات لي أيضاً في الله، ينعمن بوافر السعادة والاطمئنان.
وحتى أفي بوعدي أذكر لكم هذه المفاجأة السارة التي فاجأتني بها إحدى الصديقات العوانس، وكانت هذه المفاجأة هي السبب في تأخير رسائلي عنكم.. ألا وهي زواجها!.. أتعلمون أنني كنت مستغربة جداً من أمر هذه العانس.. فقد كانت جميلة، ومعلمة في مدرسة تحفيظ القرآن، وجامعية، وطالبة علم، وفيها كل ما يتمناه الشاب الملتزم من خلق ودين.. فكانت كلما تقدم إليها شاب أو متزوج وافقت عليه.. لكن أهل قريتها يقومون بالأخذ والكلام عنها أمام هذا الخاطب، وينبشون وراءها، حتى يتركها.. لكن استغرابي كان يكثر عندما أجدها إنسانة مواظبة على قيام الليل والدعاء والتهجد في الأسحار، وقراءة القرآن والدعاء الملح على الله بأن تتزوج... فكنت أقول في نفسي: سبحان الله.. كيف لم يقدر الله لها الزواج مع كثرة دعائها وإلحاحها على الله؟! ولم يدم الأمر طويلاً.. ربما أربع سنوات حتى رزقها الله الآن بشاب يصغرها سناً، وطالب علم، وقد حمدت الله على هذه النعمة، واغتبطت لها كثيراً أن قد استجاب الله دعاءها.. وقد جاء في الحديث "إن الله لا يمل حتى تملوا".
تقول الأخت: كنت أدعو الله في الأسحار، وفي السجود، وبين الأذان والإقامة، وأطلب من الأخوات الصالحات الدعاء لي بظهر الغيب، وكنت أدعو لغيري بالزواج رجاء أن يرزقني الله كما أتمنى..
قلت: وهذا من بركة الدعاء، فهو سلاح المؤمن..
تقول الأخت: قد شجعني على الدعاء زميلة لي في الجامعة تقول: كنت أدعو الله عز وجل بصريح العبارة أن يرزقني .
وقد رزقني الله كما تمنيت.. فلا تبخلي على نفسك بالدعاء. فلله الفضل والمنة أولاً وأخيراً.
هذا عن حال إحداهن وقد ألغينا من اسمها (العانس) فأسأل الله أن يمن على جميع الأخوات بالزوج الصالح والولد الصالح.
وأما عن حال الثانية.. وهي ما زالت عانساً.. وهي مديرة لمدرسة من المدارس.
تقول عن نفسها: لم يكن السبب في عنوستي عدم قبول الشباب في، كلا ولكن كان الرفض مني دائماً.. فكنت أؤجل الزواج وأخشى من المسؤولية وأستشهد بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما معناه أن امرأة جاءت إليه وهي تسأله عن حق الزوج فأخبرها النبي صلى الله عليه وسلم في ما معنى كلامه: أنه إذا شج رأس زوجك دماً ولم تجدي ما تمسحي به الدم إلا أن تمجيه بفمك لما وفيت حقه.
فكنت أخشى من عقاب الله إن أنا لم أقم بواجب الزوج كما ينبغي.. وعلمت أن هذا قراري سيبقى معي مدى الحياة.. فقررت أن أتخذ البديل.. وكانت وظيفتي هي شغلي الشاغل. سخرت نفسي لخدمة هذا الدين بكل ما أوتيت من استطاعة وحاولت أن أوفق في النجاح في مسيرتي التعليمية، فكنت معلمة ثم مديرة ثم مديرة للتوجيه التربوي.. حتى مضى العمر وفاتني قطار الزواج.. وربما الذي جعلني لم أفكر فيه مطلقاً أن هذا ليس وضعي فقط بل الأخوات العاملات في حقل التعليم التربوي معي كلهن قد فاتهن قطار الزواج.. فنحن نعقد الدروس سوية ونتزاور في الله وبيننا من الإخاء والود ما ننسى به حتى أهلينا... وقد قمت بتربية أولاد أخواتي وإخواني، وكانوا يحبونني كثيراً.. فأغنوني عن الأطفال... وأنا ولله الحمد الآن في أسعد حال وأرجو أن يديم الله علي هذه السعادة التي أشعر بها والتي يغبطني عليها الكثيرات.. وأشكركم على طرح مثل هذا الموضوع، لتعلم كل أخت فاتها قطار الزواج أن لها من الأخوات الكثيرات أسوأ ولكن عليها أن تصبر ولا تحزن، وأن تحسن استغلالها حياتها فيما ينفعها ويرفع من شأنها..
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
أقول: وبعد تجربة أختي هذه العانس أضيف أنها تكثر من دعوة طيبة ألا وهي: اللهم حببني إليك وإلى ملائكتك وإلى جميع خلقك.. وسبحان الله كان كل من رأتها أحبتها، حتى حاسداتها من الأخوات لا تستطيع الواحدة منهن الصبر عن ملاقاتها، أو عدم الاتصال بها، وقد ألقى الله محبتها في القلوب علاوة على الهيبة التي لا يمكن لواحدة أن تنكرها.. وسبحان الله من صبر على شيء عوضه الله خيراً منه..
وأخيراً.. دعوة لأخواتي العوانس: إن لم تكن الواحدة قادرة على الصبر فعليها بالآتي:
1- كثرة الدعاء ليل نهار والتضرع بخضوع.. فالزوج رزق والأخوة رزق كما أن المال والصحة رزق.
2- لا يمنعك أن يكون فيك عيب ما، أن لا تثقي بقدرة الله على تزويجك، بل اجعلي ثقتك كاملة في الله حتى ولو كنت عجوزاً شوهاء. فادعي الله ما استطعت ولا تتعجلي الإجابة فقد يستجيب الله لك في ساعة من الساعات.
3- أكثري من استغلال وقتك بقراءة القرآن والصلاة والاستغفار وجميع الأذكار فهي مفتاح السعادة {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}.
نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. سبحانك اللهم وبحمدك...
أختكم في الله
أم حسن- الجبيل الصناعية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسك الختام ::نختم هذه الحملة برد وتذليل جميل لأخ فلضل رد ردا جميلا
على رسالة {عانس سعيدة} والذي يحوي فوائد جمّة ونافعة
بسم الله الرحمن الرحيم
سعادة الأستاذ الأخ/ محمد رشيد العويد
مدير تحرير مجلة النور حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد اطلعت على الرسالة المنشورة في مجلة النور
على صفحات ملحقها مؤمنة بعنوان (رسالة من عانس سعيدة) وقرأتها، وكررت قراءتها. ولأن هذه المشكلة المتفشية في المجتمع، ليس الخليجي وحده ولكن في جميع المجتمعات الإسلامية، وهو ما يهم الجميع، ظاهرة جديرة بدراستها وإيجاد الحلول لها من ذوي العلم والمعرفة. ولي ملاحظات على ما كتبته الأخت في رسالتها أرفقها لسعادتكم، أرجو الإطلاع عليها ونشرها. وجزاكم الله خيرا.
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد قرأت رسالة الأخت التي رمزت لاسمها ب(عانس سعيدة)، والتي تذكر فيها مدى سعادتها وانشراح صدرها لما هي فيه، ورضاها بقضاء الله وقدره، وحثها بنات جنسها على الصبر والرضا بالمقسوم والمقدر لها، وضرب أمثلة لهن من الواقع. وهذا شيء طيب وعمل تشكر عليه، ولكنها جانبت الصواب في بعض ما قالت، وأحببت التعقيب عليها مشاركة في طرق هذا الموضوع، وحبا من القلب في إيجاد الحلول الناجعة. ومن لم يهتم بأمور إخوانه (المسلمين) فليس منهم.
وإنه ليسرني ويسر كل مسلم أن تكون المرأة المسلمة أنموذجا حيا، وصرحا شامخا، في الصبر على البلاء، والثبات على الحق، والصمود في وجه الأعاصير. كيف لا نفرح والمرأة المسلمة هي الأم والأخت والزوجة والبنت، سعادتها سعادتنا وتعاستها تعاستنا. وأرجو من الله السداد والتوفيق وأقول والله الموفق والمعين:
1- معلوم لدينا أن الزواج سكن ومودة ورحمة {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} وما كتب للعبد، ذكرا أو أنثى، لا بد كائن، وعلينا الرضا والتسليم. ولكن ألا يكون أيضا للبشر دور أو يد في تأخر الزواج لأسباب:
إما أن الزوج غير مرغوب في خُلُقه، أو خَلْقه، أو في هيئته، أو في وظيفته، أو في مركزه الاجتماعي، أو بسبب العرف الاجتماعي المعروف.
وإما أن للآباء والأمهات مآرب أخرى في الزوج المرتقب، ويصعب إقناع الطرفين: الأم والأب، خصوصا إذا كان بينهما تنافس علمي أو اجتماعي، فكل يرى أن الصواب معه، وأنه أدرى بمصلحة ابنته.
وإما أن تكون الفتاة هي نفسها السبب حبا في التحصيل العلمي، ونيل الشهادة والمركز، ظنا أن الزواج ومهام البيت عائق سيحول بينها وبين طموحاتها، وهن أيضا يشهدن على أنفسهن- أعني عدد كبير من المتعلمات اللاتي مارسن المجال الوظيفي- بأنهن السبب الأول في بقائهن عانسات، فلا ريب إذا ندمت على ما مضى من أجل تصحيح المسار والتفكير لدى الأخريات. وإما أنه لم يتقدم لهن أحد، وإذا كانت المرأة سليمة من الموانع فلا عجب أن يخطب الرجل لابنته من يراه أهلا لها من قريب أو بعيد، وقد فعل ذلك من هو خير منا كسعيد بن المسيب رحمه الله. وفي زمننا هذا جمع كبير خطبوا لبناتهم فعشن مع أزواجهن في عافية وستر وهذا هو المطلوب، وإذا بذل الأولياء السبب فلم يوفقوا فلا بد من الصبر {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} {مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً}
2- أيضا ليس كل من تزوجت شقيت أو حظيت بزوج يتعسها ويشقيها، وليس كل من تزوجت رزقت مولودا مريضا سقيما أو معاقا أو جاء عاقا فاسدا، ثم إن العقم والحرمان من الأولاد قضاء وقدر ليس للبشر دخل فيه، منهم من يرزق بنين ومنهم من يرزق بنات ومنهم من يحرم والله يقول: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} ومرض الأطفال والإعاقة ابتلاء من الله تعالى للوالدين لتكفير الخطايا وتمحيص
الذنوب، ومنحة من الله يعقبها الفرج ولكن للصابرين {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}فيجب ألا يكون الإحجام عن الزواج سببه الخوف من الإعاقة أو المرض، أو نكره الذرية خوفا من مجيئهم مرضى أو معاقين فالأمور مغيبات علمها عند فاطر الأرض والسماوات ولا اعتراض على ما قسم وقدر.
والترمل لا يكون إلا بوفاة الزوج، ومن يعترض على ذلك؟ (قدر الله وما شاء فعل).
والطلاق لا يعيب المرأة ولا ينقص من مكانتها بقدر ما يحصل، فإن كان السبب أمرا يخدش الدين والأخلاق فإنه يعيب صاحبه رجلا أو امرأة، والطلاق حل إذا تعذر البقاء والوفاق غير مكروه أو مستقبح.
وقولك يا أختي العزيزة: كم من واحدة كان الزواج سببا في فتنتها عن دينها وتبرجها. فأقول لك: علاج ذلك في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" وكذلك كم من امرأة كانت وبالا على زوجها؟ ولهذا فنحن مأمورون بالظفر بذات الدين، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "اظفر بذات الدين تربت يداك " وكم من شاب كانت هدايته- بعد الله- على يد فتاة صالحة أخرجته من الظلمات إلى النور، وللمرأة أن تبذل ما في وسعها لاختيار الرجل الصالح الذي إن أحبها أكرمها وإن كرهها لم يظلمها، والركيزة الأساسية إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
وعلى الفتاة المسلمة أن تكون الداعية والواعظة لنفسها وأولادها وزوجها، وماذا عليها لو رزقت بزوج غير ملتزم، ونذرت نفسها وما تملكه في سبيل هدايته أو تعليمه إن كان جاهلا، أو سد فاقته إن كانت غنية وكان محتاجا؟ تلك والله المفاخرة! نعم بهذه الأعمال تكون المفاخرة حقا، وأين الأخت المسلمة عن الصحابية الجليلة التي جعلت مهرها الإسلام (أغلى المهور) إذا الأثرياء تفاخروا بثرواتهم.
3- المجتمع لا يستغني عن المرأة، والمجالات مفتوحة لمشاركتها في حدود طاقتها وقدرتها، ولا أحد ينكر ذلك أو يهضم حقا من حقوقها في المجتمع، بل هي مشكورة جدا على كل عمل تقدمه خدمة لدينها ومجتمعها، ولكن لا يمنع أن تكون مرتبطة باسم رجل أبا كان أم زوجا إلا إذا كانت هي ولية نفسها... ولا يمكن أن تستغني عن الرجل وليا أو محرما.
4- نحمد الله تعالى على ترابط وتكافل هذا المجتمع. وقوة هذا الترابط والتآلف دافع قوي لتكوين أسر متماسكة بنية للمجتمع المسلم.
5- أفضل من ذلك وأجل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وأطاعت زوجها، قيل لها ادخلي الجنة من أي أبوابها الثمانية" وقوله: "من ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة" "هو جنتك ونارك " والمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كثير ترغيبا في الزواج وطاعة الزوج والحفاظ على العشرة الزوجية بما فيها، والصبر على الإنجاب وتربية الأولاد والقيام بمهام مسؤوليتها، كراعية في بيت زوجها. وكل ذلك يزيد من أجرها ويرفع درجتها عند الله.
6- حقا إن الدنيا دار عمل ودار ابتلاء وامتحان - ابتلاء وامتحان- فالأرملة والمطلقة والعقيم ومن يرزق مولودا مريضا أو معاقا وأكثر من ذلك أيضا من الابتلاء والامتحان، وقولك- أيتها الأخت- أن الدنيا دار عمل ودار ابتلاء وامتحان صحيح لا يقبل الشك لكنك تناقضين به نفسك في النقطة أو الفقرة الثانية من رسالتك ورغم وجود المنغصات لا يمنع من التلذذ بالطيبات التي منحها الله لعباده، ووجود المشاكل شيء طبيعي في هذه الدنيا، ولولا ذلك لما جعلت الجنة راحة ومستقرا لكن (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا) وأفضل من هذا القول وأجل قول الله عز وجل: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} والأزواج والأولاد والأموال وإن كانت فتنة فهي أيضا من الزينة والرزق الطيب إذا قصد به وجه الله ورزق صاحبه الإخلاص، ولا عبرة بالمشاكل الزوجية الحاصلة فهي تعتبر نادرة قليلة إذا قيست بكثافة المجتمع المتزن، وبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخل منها، وبيوت صحابته وهم خير القرون ما خلت من المشاكل، والتابعون وغيرهم و (في كل واد من بني سعد) فهل يتخذ مثل ذلك تبريرا للعنوسة وتسلية للعانسات، وما أكثر الفتيات اللاتي تهربن عن الزواج- وحاشا الأخت المسلمة- جريا خلف الموضات والشهرة ودور الأزياء ورمي أنفسهن في أحضان المخرجين وأصحاب الدعاية والأقلام المأجورة فهن رغم امتهان أعراضهن واللعب بهن كالدمية يرين أنهن سعيدات- وحاشاك حاشاك هذا- وسرعان ما تزول.
7- نعم أيتها الأخت العزيزة أعداد كبيرة من الأخوات الكريمات اللاتي بلغن درجة كبيرة في التحصيل العلمي وفاتهن اللحاق بالزوجية يندمن على فواته ولكن كبرياءهن لم يمنعهن من الرضا والتسليم وقبلن بالتعدد تحصينا لأنفسهن ولم يفسرن التعدد بأنه (بناء على أنقاض) أو (أنانية) وليس من يندم على فوات الزواج، أو فوات الإنجاب، أو حب التمتع وإشباع الغريزة الجنسية بالحلال، يعد من أهل الدنيا وليس له في الآخرة من خلاق، فهذه نظرة (صوفية) بل (رهبنة، ولا رهبانية في الإسلام) كل في هذه الدنيا يعمل والعبرة بالمقاصد والنيات، والأمومة والشوق إليها غريزة فطرية وضعها الله في المرأة وليست من صنع البشر- ولا عبرة بالشواذ- وإنكارها من أحد لا ينفي وجود هذه الظاهرة (أعني ظاهرة الندم على فوات الزواج)- كما تقولين- وهل يستشهد بقولك يا أخت- غفر الله لنا ولك- ونسد أعيننا ونصم آذاننا عن أقوال مئات الأخوات الصالحات وننسبهن إلى أهل الدنيا فقط، فهل أنت وحدك من أهل الآخرة أو من يعمل لأجل الآخرة؟!. أما صويحبات العفن والشهرة فلا مجال لهن عندنا في الاستشهاد.
هل الطبيبات أو الممرضات أو المدرسات بل الموظفات عموما اللاتي فاتهن الركون إلى عش الزوجية وبالتالي فقدن الذرية بتفريط، أو لأمر ما، ويندمن على ما فاتهن من متعة حلال، وحنان إلى أمومة، هل نعتبرهن، بمجرد ندمهن، من أهل الدنيا، أو بالأحرى من أهل الكفر- كما قلت يا أخت- الذين يريدون أن يتمتعوا ويحصلوا على كل شيء في هذه الحياة الدنيا؟! هل إذا أصبحت المرأة عانسا وندمت على ما فاتها تكون معترضة على قضاء الله وقدره؟ وأنها باعت آخرتها بدنيا فانية؟ في أي كتاب هذا المفهوم؟! لقد جانبت الصواب {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} والله جل وعلا يخبرنا عن زكريا عليه السلام ودعواته لربه على كبر سنه وامرأته عاقر {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} ولم يكن معترضا على قضاء الله وقدره.
8- الولد الصالح- ذكرا أو أنثى- عمل متواصل لوالديه بعد مماتها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له " واستشهادك بسيد قطب أو محمد الجراح أنهما لم يتزوجا وأن الناس تلهج بذكرهما وليس لهما ذرية ليس في محله لأن كل رجل صالح في المجتمع متزوجا كان أم أعزب تلهج الناس بذكره وتدعو له، إلا إذا كان المراد من الاستشهاد هو (دعوة صريحة) لرفض الزواج وتفضيل العنوسة على الضرة (التعدد) وإلا هل نظرت إلى حالة سيد قطب أو محمد الجراح- رحمهما الله- كما تقولين؟ هل عرفت حالتيهما الصحية والجسمية؟ وكيف قضيا حياتيهما؟ وأزيدك من الشعر بيتا فشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مات ولم يتزوج وهو أقوى جسما وأسلم فكرا وإذا علم السبب بطل العجب، وكذلك الأختان زينب الغزالي وموضي السلطان وغيرهما كثير رضين بالقدر وجربن الزواج ولم يرزقن الذرية ولكن لم نقرأ يوما أن واحدة نفرت من الزواج أو رحبت بالعنوسة، وهذا هو المهم، ومقالك يوحي إلى القارئ خلافه ولعلك لا تقصدين ذلك. وأقول ما رأيك في زوجات عقيمات وغير عقيمات كن المربيات المخلصات لأولاد ضراتهن؟ وهذا واقع غير مبالغ فيه، وفي عصرنا هذا، وبمثل هذه الأعمال والحالات يستشهد.
9- 10- كل يطمع في السعادة ومكمنها في تقوى الله عز وجل وطاعته {فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} وصفاء النفس وراحة القلب والاطمئنان كلها في التقوى، والزواج والأولاد وتكوين الأسرة مع شيء من التقوى والصلاح محقق للسعادة والاستقرار بإذن الله، ووصمك الأزواج (ظلمة، طغاة، جبابرة، أهل أذى وقهر وعدوان، وأن المرأة لا تساوي عندهم شيئا) قول خاطئ خالف الصواب. وهذه المقولة عن الرجال تكررت في الرسالة أكثر من مرة فما السر؟!
11- هنا (مربط الفرس)، كما يقول المثل، النقطة الحادية عشرة من رسالتك هي زبدة الكلام وهي خلاصته. يقول الله جل وعلا: { )وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} فالتعدد مشروع وهو مهم جدا لتكثير النسل وللقضاء على العنوسة، ولا يقال التعدد بناء سعادة وعشرة زوجية جديدة على أنقاض أو هدم ما قبلها، أو على حساب غيرها، ولو كان كذا لصار التعدد ضررا على المجتمع، والله- جل وعلا- أعلم بمصالح العباد، ومن تترك الزواج وتقبل العنوسة خوفا من المستقبل الذي لا يعلمه إلا الله قد خالفت فطرتها وأساءت الظن بربها، وإحسان الظن بالله أولى، فما الحكمة من إيجاد الذكر والأنثى؟ الرجل والمرأة؟! {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
وقولك أن الزوجة الثانية (التعدد) أمر غير مقبول عند كثيرات ممن يسمونهن بالعوانس فأقول: من أين أتيت بالخبر أو هذا الاستبيان أو الإحصائية؟ قد يوجد، ولكن لا يعمم على الكثيرات، وليس قبول المرأة أن تكون ثانية أو رابعة لزوج يحكم عليها بأنها قبلت بالمشاكل ووجع الرأس- كما تقولين- وما يدريك أن ذلك القدر خير لها؟ قال تعالى: { وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} وهذا عام في كل الأمور كلها، ولماذا نغفل عن بيوتات كثيرة في المجتمع جمعت بين ضرتين وثلاث وأربع في سعادة وصفاء، ولكن من الصعب إقناع امرأة استفحل عليها التغريب والغرور حتى لو رأت ذلك بأم عينها، ولا أنسى مقولة امرأة من هذا الصنف منزوعة الحياء ضعيفة الإيمان ضحية الفكر المشبوه تقول أنها لا تمانع في سفر زوجها إلى خارج البلاد وفعله (ما يشاء...) فهو أهون عليها من أن يأخذ زوجة ثانية- حلالا- نسأل الله العافية، ولنا ولها الهداية.
وأنت أيتها الأخت واحدة من العوانس لو تقدم لك رجل راغب في التعدد معه واحدة أو ثلاث هل تقبلين به؟ أم هو مرفوض أصلا؟ دون سؤال عنه، وما السبب؟ هل لأنك لا تريدين- كما تقولين- بناء سعادتك على حساب غيرك؟ أنت إذن تتكهنين بغيب قد لا يكون. أم أنك تعارضين مشروعية التعدد وترفضينه فكرا ومنهجا؟ وهذا الاعتراض مع ما فيه من الكبر قد يخرجك إلى ما لا تحمد عواقبه. والله المستعان.
وأخيرا: أقول إن الرضا بما قضاه الله وقدر هو سلوة المؤمن في كل ما يصيبه (واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك) ولنعلم جيدا أن الشيطان يسعى جادا لتشكيك المؤمن في دينه سواء في العبادات أو الأحكام أو في المعاملات.
التعدد مباح في الشرع؟ نعم! إذن ما الذي يوحي للنساء خوفا قد لا يحدث أبدا؟ وإن حدث شيء منه فكغيره مما يحدث في البيوت لا يذكر، إن الذي يثير مثل هذا الخوف لا شك أنه الشيطان بالوسوسة أو من خيله ورجله وأعوانه ممن يسخرون أقلامهم لخدمة الباطل والصد عن الحق.
المجتمع الذي نعيش فيه ولله الحمد مجتمع إسلامي طيب، ورؤيتنا للمخالفات جهارا لا يجعلنا نخرج المجتمع كله عن دائرة الإسلام، بمجرد فشو المنكرات وقلة الرادع، فما زال المجتمع بخير، وشعائر الإسلام تقام والواعظون كثيرون، وهو بحاجة إلى الطبيب الذي يتلمس الداء فينجح في وصف الدواء وطريقة استعماله.
وجود العنوسة في المجتمع المسلم لا يبشر بخير، وانطواء العانسات واختفاؤهن أيضا لا يبشر بخير، وظهورهن على الصفحات والمنتديات وتفاخرهن بأنهن مقتنعات وراضيات عن أنفسهن أيضا لا يبشر بخير، لأن تصريحهن بذلك يعتبر دعوة لتكثير العنوسة وعزوف الأخريات عن الزواج. فما هو الحل؟؟
والحل والله أعلم في:
1- قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".
2- لا يتخذ الرجل الأعذار لابنته أو موليته في تأخير زواجها من أجل الدراسة أو الوظيفة أو الراتب فيكون سببا في تأخير زواجها.
3- المحافظة على القيم الإسلامية في البيت فسمعة البيت وأهله أمر مهم جدا، فالبيت المتفكك تثار ضده الشائعات، أب غافل وأم غارقة فماذا يفعل الأولاد عموما؟ والناس إذا علموا أن في البيت واحدة ذات علاقة مشبوهة مع أحد حتى وإن كانت مكالمة هاتفية واحدة انصرفوا عنه وإن كان في البيت عشر ملتزمات.
4- إذا تكرر من ولي المرأة رد الخاطب الملتزم أحجم عنه الخاطبون الملتزمون وغيرهم لأنهم يتوقعون هذا المصير.
5- لا يعاب على الرجل إذا خطب لموليته فقد فعلها من هو أفضل منه لمن هي أفضل منها.
6- في التعدد حل للحد من العنوسة، بل وللقضاء عليها بعون هن الله، إذا تغيرت الفكرة المترسبة في عقول بنات المجتمع، والتي مصدرها الفكر المشبوه رواده، أصحاب العفن والأقلام المأجورة. وكذلك حث الشباب على التعدد وتشجيعهم بتيسير المهور وتكاليف الزواج.
7- نظرة المجتمع في أن الرجل لا بد أن يبحث عن زوجة أصغر منه بكثير! ما الذي يمنعه من أن يأخذ مساوية له في العمر، بكرا أو ثيبا، مطلقة أو أرملة.
8- بعض البيوتات تجد الكلمة للمرأة فقط والرجل مجرد سائق أو عامل حديقة في المنزل مسلوب الصلاحية فأين القوامة؟، لذلك تجد المرأة تذهب ببناتها يمنة ويسرة وتباهي بهن في المجالس، وإذا جاء الخاطب أحيل إلى ربة البيت فتطلب منه ما لا يستطاع فيفر هاربا. ولو كان للبيت ولي يخاف الله ويتقيه ويشعر بعظم مسؤوليته وثقل الأمانة التي حملها لسارع في الخلاص من أعباء المسؤولية بتزويج مولياته لتبرأ ذمته.
9- المهور وتكاليف الزواج والعادات والتقاليد سبب في إحجام الشباب عن الزواج، فملاحظ أنه مع الوعي وفهم الناس للحياة وحسن المعيشة وقربهم من الدين إلا أن الكثير ما زال متشبثاً ببقايا الجاهلية، لا أعني جاهلية الكفر بل جاهلية عصرنا في حب الثروة وتكديسها وحب المظاهر: مهر غالي مرهق، وتكلفة الولائم والأفراح وما يتبعها، وغيرها كثير. كل ذلك منفر جدا يجب الانتباه إليه.
10- خوف الفتاة على مستقبلها الدنيوي: الدراسة والوظيفة، وتظن أن الزواج سيكون عائقا لها، وهذا ليس بصحيح، قد تواصل تحصيلها العلمي وهي متزوجة، وقد تتوظف وهي متزوجة. وإذا تم الوفاق حسنت الأحوال وهذا كل مشاهد فليعلم.
11- إن على الفتيات المسلمات الداعيات إلى الله أن يوضحن لأخواتهن المسلمات ما لهن وما عليهن، وليست الحياة مجرد دراسة أو وظيفة أو رصيد في البنك فقط أو سهر الليالي على غثاء الشاشة والتمذهب بأفكار أقزامها، يعلمن أنهن غدا زوجات صالحات، وبعد غد أمهات مربيات للأجيال المسلمة التي تشارك في نصرة هذا الدين الذي يحارب من كل جانب، وهذه هي أعظم وأجل مشاركة تقدمها المرأة لدينها بلا تقصير من غيرها.
معذرة أيتها الأخت العزيزة ألتمسها منك في ما قلت، فإن كنت مصيبا فمن الله، وإن كنت مخطئا فمن نفسي والشيطان أعاذنا الله منه، ولك مني دعوات صادقة أن يلهمك الصواب ويعيذك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن لا يحرمك الأجر وأرجو من الله عز وجل أن يجعل ما قلته خالصا لوجهه أولا وآخرا.
أخوكم/ سعد بن حمد
10/ رمضان/ 1417 هـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــْْْْْْْْْْْْْْْْْْْــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سطور منتقاة من كتاب
محمد رشيد العويد مع تصرفات في النقل والترتيب
الصفحة الأخيرة
نقلت لك في الرسالة الماضية خبر انتحار الأخوات الهنديات الثلاث لأنهن لم يتزوجن، ووقفت عند رفض والد الفتيات السماح لابنتيه (الثانية والثالثة) بالزواج ما لم تتزوج الأولى.
اليوم أقف معك، أختي الفاضلة، عند توجيه آخر يحمله الخبر؛ بل تحذير آخر يتضمنه الخبر، تحذير من التفكير في الانتحار، لا الانتحار نفسه، فالمسلمة المؤمنة تعلم أن الانتحار محرم في الإسلام، وأن مصير المنتحرين نار جهنم؛ نعوذ بالله منها جميعا.
إن المسلمة المؤمنة لا تسمح لإبليس اللعين بأن يوسوس لها بهذه الفكرة، فهي تستعيذ منها فور ورودها إلى ذهنها، وتتذكر رحمة الله الواسعة، وأن الدنيا ليست كل شيء، بل هي لا تشكل إلا نسبة ضئيلة جدا جداً إلى الآخرة.
إنها نسبة من يضع إصبعه في البحر ثم يخرجها كما أخبرنا صلى الله عليه وسلم. هل رأيت كم هي الدنيا ضئيلة حقيرة بالنسبة إلى الآخرة؟ إنها نسبة ما تخرج به إصبعك من ماء البحر إلى البحر كله..! هل هي نسبة واحد إلى مليون، واحد إلى مليار، إلى ألف مليار، إلى مليار مليار مليار..؟! إنها أقل من هذه النسبة بكثير... فهل تحرمين نفسك من السعادة الأبدية في الجنة.. من أجل زواج في دنيا زائلة، قصيرة، حقيرة.. لا تساوي عند الله تعالى.. جناح بعوضة؟! إذا كانت الدنيا كلها لا تساوي عند الله جناح بعوضة.. فكم يحتل زواجك على هذا الجناح؟!!
الحمد لله أننا لم نسمع عن مسلمة انتحرت لأنها لم تتزوج، لكننا كثيرا ما نسمع بنات لم يتزوجن يرددن ساخطات: "الموت خير لي "، "أموت أحسن "، "الله يلعن هالحياة.. التي لا زوج فيها ولا أولاد".. وغيرها.. وغيرها.
الزواج ليس كل شيء في هذه الحياة الدنيا. إن مجالات فعل الخير فيها متعددة كثيرة. فاجعلي من ساعاتها وأيامها خزائن تملأينها بالعمل الصالح الذي تكسبين عليه ملايين الحسنات من الله سبحانه.
وصدقيني أن آلاف الزوجات اللواتي ابتلين بأزواج قساة، ظلمة، يشتهين الموت أكثر من كثيرات من العوانس، ولعل بعضهن أقدمن على الانتحار" فكان زواجهن سببا في حرمانهن من الحياة وكسب العمل الصالح فيها، ثم حرمانهن من الجنة ونعيمها، للخلود في النار وجحيمها.. فأي خسارة أعظم.. بعد هذا الخسران المبين؟!
صححي تصوراتك، أختي المؤمنة، وأقبلي على الحياة بالحرص على عمل الصالحات فيها، لزيادة رصيدك من الحسنات، وملء صحيفة أعمالك منها.
صرخة عانس
في باب "إن مع العسر يسرا"، في مجلة "الدعوة" السعودية، الذي يحرره فضيلة الشيخ مازن بن عبد الكريم الفريح، نشرت رسالة فتاة اقتربت من الثلاثين من عمرها دون أن تتزوج، على الرغم من كثرة الخاطبين. وهي ترد السبب في ذلك إلى أبيها، وتحمله مسؤولية بقائها دون زواج حتى تلك السن.
وقد رأيت نشر رسالة الفتاة، ورد فضيلة الشيخ عليها، لعل الآباء الآخرين يتداركون أنفسهم وبناتهم قبل أن يلاقين ما لاقته تلك الفتاة، ويصيبهم ما أصاب ذاك الأب من ندم.
السؤال:
* أنا فتاة على مقربة من الثلاثين من عمري، ومشكلتي أنني إلى الآن لم أتزوج، والسبب في ذلك والدي- هداه الله- حيث كان لا يهتم بأي خاطب يأتيني أثناء دراستي، وذلك بعذر إكمال الدراسة، حيث كان يرد أي خاطب بدون السؤال عنه، وبدون إخباري بذلك. وكنت أظن أنه لا يأتيني خطاب، ولكن علمت فيما بعد من أشخاص خارج العائلة أنهم (الخطاب) أتوني، ولكن والدي كان يردهم واحدا تلو الآخر.
وبعد التخرج أخذ يعرض علي بعض الخطاب، أما البعض الآخر فلا أدري لماذا يردهم، وأنا أعلم أن منهم من يرضي دينه وخلقه، والمعلومات تأتيني من أناس آخرين.
وطبعا والدي؛ الشيء المهم عنده هو المركز الاجتماعي لعائلة الخاطب، لكن الخاطب ليس مهما عنده.
المهم أنه لم يقدر لي الزواج من أي خاطب لعدة أسباب منها رفضي للبعض لأسباب شرعية ومنها رفض والدي ولا أدري لماذا؟
وبعد أن مرت السنون وعرف والدي أن تصرفه هذا خاطىء، عدل عن هذا التصرف، ولكن ليس معي بل مع أختي التي تصغرني بحوالي خمس سنوات، وطبعا تم لها عقد النكاح وأنا على هذه الحالة، ولا اعتراض على قدر الله فأنا مؤمنة بقضاء الله وقدره، وأن هذا هو المكتوب، وطبعا أنا أتمنى الخير لأختي وأتمنى ألا تتكرر مأساتي معها. أرجو من فضيلتكم إخباري كيف أرد على من يسألني لماذا لم أتزوج وأختي الصغرى تزوجت؟.
ا. ن. ب
الجواب:
- لقد تعددت النوازغ الآثمة والشهوات المحرمة التي تدفع بعض الآباء للتعنت في تزويج بناتهم ومن ولاهم الله أمرهن.. فهذا أب جشع يرد الخاطب تلو الآخر لأنه ليس من أصحاب الأموال أو موسري الحال.. وأب ثان يرده لأن زواج ابنته يعني أنه سيفقد راتبها الذي يستولي عليه في آخر كل شهر.. وثالث يطلب مهرا خياليا ويضع شروطا تعجيزية لا يستطيع تحقيقها إلا القليلون.. ورابع يريد الخاطب من قبيلته أو أبناء قرابته ولو كان من أضعف الناس دينا وأسوئهم خلقا..
وهكذا يعبث هؤلاء بمصير بناتهم ويهدرون حقوقهن في حياة زوجية سعيدة..
ألا ما أشنع هذا الظلم وأقبحه يوم يجني الأب على من وثقوا به وسلموا أمرهم إليه فيخون أمانتهم ويحطم حياتهم بشحه وجشعه.. ألا ما أعظم هذا الظلم وأخطره يوم أكرهت بعض الفتيات على العنوسة فراحت من ضعف إيمانها تلبي شهوات نفسها الأمارة بالسوء بطريق الحرام ومعصية رب الأنام.. وكم من الأعراض فتكت والأسر الشريفة دنست يوم غفل بعض الآباء أو تجاهلوا خطر وعاقبة تعنتهم في زواج بناتهم.. ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حذر كل ذي لب من خطر التعنت في تزويج الشباب والفتيات فقال صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ". قالوا: يا رسول الله وإن كان فيه؟ قال: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه " كررها ثلاث مرات صلوات ربي وسلامه عليه.
أيتها الأخت.. لا أجد عزاء لك ولغيرك ممن هن على شاكلتك إلا أن أقول: اصبرن واحتسبن واتقين الله، فإنه {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً}، ثم عليكن بتجاوز الأب أو الأخ أو أولياء أموركن- متى ما ثبت أنهم متعنتون في تزويجكن لغير سبب شرعي إلى الأم أو الأقرباء ولو اقتضى الأمر التوجه إلى المحكمة لعل ذلك يكون رادعا لنفوسهم الضعيفة التي لا تعرف إلا مصلحتها الذاتية وشهواتها المادية.
أما ما ذكرته حول سؤال الناس عن سبب عدم زواجك فعليك أن تعلمي وتخبري غيرك أن الزواج رزق يسوقه الله عز وجل إلى من يشاء من عباده، وبهذا يكون جوابك لهم، بعد حمد الله أن هذه مشيئة الله وقدره، وكما جعل الله أناسا أغنياء وآخرين فقراء وأناسا يهبهم القدرة على الإنجاب وآخرين عقماء. فكذلك اقتضت مشيئته وحكمته أن يجعل منهم متزوجين وآخرين أيامى لينظر كيف يعملون.. فلقه الحمد على قضائه والشكر له على إحسانه ونعمائه والله تعالى أعلم.
* "تذكرة وتحذير: دعاء عانس على أبيها!! ".
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإني لا زلت أذكر تلك الفتاة التي تسبب أبوها في عنوستها وهي على فراش الموت.. إذ همست بصوتها الخافت تدعو أباها للاقتراب منها.. فقالت له بعد أن اقترب منها: قل آمين!! فقال الأب: آمين.. فقالت البنت وهي تودع هذه الحياة: اللهم كما حرمني من الزواج بغير حق فاحرمه من السعادة.
قلت: وبغض النظر عن صحة موقف الفتاة في دعائها على أبيها إلا أن الموقف يكشف لنا مدى الظلم الذي يجنيه بعض الآباء على أنفسهم وعلى غيرهم يوم يكونون سببا في عنوسة بناتهم.
تنتظري في قلق !
هل تتملكك قناعة بأنه ما عاد هناك أمل بزواجك؟ بعبارة أخرى: هل أصبحت يائسة من أن تتزوجي، وترزقي بأطفال، تعيشين معهم حياة سعيدة بهيجة؟
هل تجاوزت العشرين من عمرك؟ أم لعلك تجاوزت الثلاثين؟ وقد تكونين تجاوزت الأربعين؟ ولا أمل إذن، بعد هذه السن، من الزواج!
لا. اسمحي لي أن أقول لك: لا يأس. لا يأس مهما مضى من عمرك. وأحسبك توافقينني على أن هناك الملايين تزوجن بعد سن العشرين، وملايين غيرهن تزوجن بعد الثلاثين، ومئات الآلاف تزوجن بعد الأربعين، وعشرات الآلاف تزوجن بعد الخمسين... وقد تكونين واحدة من هؤلاء.. فلا تيأسي.
ولكن، هل تمضين حياتك الحالية وأنت تنتظرين في قلق، وتوتر، وحزن؟! هل يقدم القلق ذاك التاريخ؟ هل يخفف التوتر من ضيق الانتظار؟ هل يغير الحزن من الواقع شيئا؟
كوني مؤمنة بأن المقدر كائن " فلماذا التضجر؟! ولماذا الشكوى؟! لماذا لا تسلمين أمرك إلى الله تعالى، وتريحين نفسك من مشاعر الكآبة، والتشاؤم، والسوداوية؟
ألا يريحك، ويطمئن نفسك، ويطيب خاطرك... أن الله تعالى عالم بحالك، مثيب لك على صبرك؟! عن أبي يحيى صهيب بن سنان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عجبا لأمر المؤمن؛ إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن:
إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له "
رواه مسلم.
إذن؛ فأنت بصبرك على عدم زواجك، ورضاك بما قسم الله لك وكتب علينا، إنما تكسبين خيرا، وهذا الخير الذي تكسبينه قد لا تكسبه الزوجة (إذا كانت عاصية زوجها مثلا).
وفي الحديث المتفق عليه؛ عن أبي سعيد الخدري يقول صلى الله عليه وسلم: "... ومن يتصبر يصبره الله. وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر".
لاحظي، أختي المؤمنة، قوله صلى الله عليه وسلم: "... ومن يتصبر يصبره الله " أي أنك عندما تعملين على أن تصبري، وتجاهدين نفسك من أجل ذلك الصبر، فإن الله تعالى سيعينك عليه، وييسره لك، فتكونين - بتوفيق الله وعونه- قادرة على الصبر.
وتأملي ثناءه صلى الله عليه وسلم على الصبر "وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر" فهو، أي الصبر، خير تكسبينه، وسعة في النفس، وسعة في الحياة، قد لا تظفر بهما المتزوجة غير الصابرة.
هكذا، أختي الغالية، تتغلبين على مشاعر الإحباط التي قد تسيطر على نفوس كثيرات من العوانس الساخطات. هكذا، تنجحين، بعون الله وتوفيقه، في أن تكوني مؤمنة راضية بعدم زواجك حتى الآن.
الساخطة لن يفيدها سخطها شيئا، ولن يجلب لها زوجا، بينما الراضية تكسب رضا الله تعالى، وتعيش هانئة مطمئنة؛ قال صلى الله عليه وسلم: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط " رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
املئي قلبك رضا، وسيرضيك الله تعالى إن شاء في الدنيا والآخرة، وسيسعدك، ويجزل لك الثواب والأجر.
وتذكري، دائما، قوله صلى الله عليه وسلم: "من رضي.. فله الرضا".
حتى لا يهرب الخاطبون
من الأخطاء التي ترتكبها الفتاة، فتصرف الخطاب عنها؛ ارتفاعها عليهم بعلمها، أو عقلها، أو نفسها. والرجل لا يحب التي تتعالى عليه وترتفع؛ فيعدل عن خطبتها ويبحث عن غيرها.
هذا محام، اسمه عمرو عبد الصادق، يؤكد أنه لا يمكن أن يفكر في الزواج ممن تتفوق عليه. ويذكر أنه خطب فتاة تتمتع بذكاء حاد، فكان لا يتمكن من مسايرة تعليقاتها وسرعة بديهتها في الرد على أي سؤال يطرحه. ولذلك تركها وعدل عن الزواج منها.
والمهندس مدحت عبد الهادي، يذكر أنه تزوج امرأة، قالت له في اليوم الثاني من زواجهما، أن أظافر يده اليسرى أطول قليلا من يده اليمنى، ولم يكن هو قد لاحظ هذا من قبل، فلم يكن الفرق بينهما واضحا إلا إذا تم قياسهما بمسطرة! وهذه الملاحظة الدقيقة من الزوجة طبعت حياتها كلها مع زوجها.. فضاق منها حتى اضطر إلى طلاقها.
ويتحدث الباحث القانوني محمد فوزي عن خطبته طبيبة لم يتزوجها بعد ذلك، لأنها كانت- رغم جمالها- عقلا فقط، "تمشي وهي تفكر، تأكل وهي تجري حسابات رياضية لكل ما حولها، تتكلم معي وعقلها لا يتوقف عن التفكير في أشياء عدة. كانت هي التي تحدد الموضوعات التي نتحدث فيها، وهي التي تدير الحوار، وكان حوارا من طرف واحد.. لأنني لم أكن أتكلم كثيرا".
ويعلق الدكتور سيد صبحي أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس فيقول: إن الرجل يفضل فعلا الزواج من امرأة محدودة الذكاء، ولا يرحب بالزواج من الذكية. ولذلك فإن أكثر النساء معاناة من العنوسة هن اللواتي يتسمن بذكاء حاد.
لكن الدكتور سيد صبحي يستدرك فيقول: كثيرات من النساء يدركن بفطرتهن أنهن يجب أن يظهرن بدرجة ذكاء أقل من الرجال، ولهذا يحرصن على عدم الدخول مع الخاطب في حوار أو جدال، أو يبدين ملاحظات على ما يسمعنه ويرينه منه، حتى لا ينفر منهن، ويعدل عن خطبتهن.
وهذا هو الذكاء الحقيقي؛ أن لا ترتفع المرأة على الرجل، ولا تتعالى عليه، ولا تتعالم على علمه، بل تتجاهل له، وتتغابى ليظهر ذكيا، وتتضعف ليبدو قويا. هذا الذكاء الفطري تستطيعه كل امرأة، تفوق ذكاؤها العقلي أم ضعف، وهي به تضمن لنفسها راحة بال، وتكسب عن طريقه رضا خطيبها الآن، وزوجها فيما بعد.
ومنتهى الغباء أن تظهر المرأة ذكاءها العقلي في محاورة زوجها، بحيث تبدو مصححة كلامه، مصوبة رأيه، مستدركة عليه.
وأرجو ألا يفهم من هذا أني أدعو المرأة إلى إخفاء آرائها السديدة، وكتم مشورتها الحكيمة، وحبس نصيحتها الرشيدة... لا، ولكني أدعوها إلى إبداء رأيها في لطف، وعرض مشورتها في مودة، وإسداء نصيحتها من غير نقد.
بهذا لا ينفر الخاطب ممن يتقدم إلى خطبتها، ولا يضيق الزوج من زوجته حين تشير عليه أو تنصحه.
مواصلة الدراسة أم الزواج؟
قمنا بقراءة سريعة لسجلات بعض المأذونين، في المدن والقرى، فاكتشفنا أن متوسط سن الزواج للفتيات في القرية ما زال منخفضا عنه في المدن.. ففي الأعوام العشرة الماضية، برزت ملاحظة مهمة وجديرة بالدراسة، وهي أن متوسط سن الزواج في المدينة، بالنسبة إلى الفتاة، يتراوح بين 25 إلى 30 سنة.. وبالنسبة إلى الشاب فيبدأ سن الزواج من 30 سنة ويصل إلى 40 أحيانا.
وقد اتفق جميع المأذونين، الذين اطلعنا على دفاترهم، على أن ارتفاع سن الزواج في المدينة عن القرية؛ سببه إصرار الفتاة على استكمال تعليمها من جهة، وقلة إمكانات الشباب في توفير المسكن أو تأسيسه من جهة أخرى.
يقول الشيخ محمود عبد المتعال، مأذون قرية الربانية بسوهاج: إن هذه المشكلات لا وجود لها في الريف، لأن الفتاة تفضل الزواج على استكمال التعليم. كما أن أهلها يحرصون على تزويجها مبكرا.
وتقول السيدة عدلات يوسف مديرة عام جمعية تدعيم الأسرة في القاهرة: إن مشروع "الرباط المقدس)" الذي تنظمه الجمعية، يكشف لنا مأساة يعيشها المجتمع المدني، ويؤكد تفشي ظاهرة العنوسة بشكل واضح في القاهرة والجيزة، حيث يستقبل المشروع أعدادا كبيرة من فتيات تخطين سن الأربعين، وبعضهن الخامسة والأربعين، من دون زواج.
وترى الدكتورة عفاف عبد المعتمد المدرسة بقسم الاجتماع في كلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر أن السبب في تأخر سن الزواج لدى الفتيات هو تعليمهن الجامعي وخروجهن إلى العمل.
كان هذا بعض ما جاء في استطلاع نشرته إحدى الصحف اليومية، حيث اتفقت آراء الشباب العازب مع الحقائق السابق، وذكروا، في شبه إجماع، على أن إصرار الفتاة على استكمال دراستها وخروجها للعمل، من ضمن الأسباب الرئيسة لارتفاع سن زواج الفتاة.. أو عنوستها.
وقد تسألينني، عزيزتي، هل يجب علي إذن ألا أتعلم، وأترك المدرسة، في انتظار الخاطبين، حتى لا أصبح عانسا، كما أصبحت عشرات الآلاف، أو مئات الآلاف، من البنات؟!
ليس الكلام السابق دعوة إلى أن تهجري التعلم وتتركي المدرسة، لكن تقدم الشاب المناسب لخطبتك، الذي ترضينه أنت، ويرضاه أهلك لك، يحسن ألا يرد بحجة أنك تريدين مواصلة تعليمك، وذلك للأسباب التالية:
1- الشاب المناسب الذي يأتي اليوم قد لا يأتي غداً.
2- أكثر البنات يحصلن على الشهادة الثانوية وهن في سن السابعة عشرة، أي أنهن يستطعن، إذا كن يحببن التعلم ومواصلة الدراسة، أن ينتسبن إلى إحدى الكليات التي لا تشترط الدوام، ويتابعن دراستهن فيها، بحيث لا ينشغلن عن واجباتهن نحو الزوج والبيت.
3- التعلم ليس مرتبطا بالشهادة، ويمكن للفتاة أن تقرأ وتتعلم دون الجلوس على مقاعد الدراسة. بل إنها، عن طريق هذا التعلم الحر، تستطيع أن تتعلم ما ينفعها في بيتها، ويفيدها في كسب آخرتها، وترك تعلم ما لا تحبه.. وما لا ينفعها في دنياها.. ولا في الفوز في آخرتها.
لقاء مع عانس (1)
في الرابعة والثلاثين من عمرها. جميلة وهادئة وتتحدث باتزان. من يرها يعطها عمرا أقل بخمس سنوات. ملتزمة. ترتدي الحجاب الإسلامي.
إنها الآن موظفة في أحد المستشفيات. التحقت بوظيفتها بعد أن تخرجت من أحد المعاهد التجارية. ومع أن العمل يأخذ غير قليل من وقتها، إلا أن سامية تحرص على أن تؤدي دورها في البيت كاملا، وتتحمل مسؤولية أسرتها في شؤون حياتها المختلفة، حتى أنها لا تعتمد على الخدم في أعمال البيت التي تقوم بها. هي "ست بيت " بامتياز، وراعية أسرتها التي تعتمد عليها في كل صغيرة وكبيرة.
تقول سامية أنها لا تشكو عيبا يمنعها من الزواج، لكنه القدر الذي تؤمن به وتسلم بما يختاره لها. وهي تقول للمحررة التي أجرت معها مقابلة صحفية: ليس هناك من حادث يمر بالإنسان، مهما صغر هذا الحادث أو كبر، إلا بإذن الله. وعلى الإنسان أن يرضى بما قدر الله له أو عليه.
هي البكر، ولها سبع أخوات وأربعة إخوة. ست من أخواتها نلن الشهادات الجامعية، والصغرى طالبة في السنة الأولى من الجامعة.
تقول: تربيت في جو أسري سعيد والحمد لله. لم ينقصني شيء من حب والدي وحنانهما، ونلت كفايتي من عطفهما. ولقد ربياني على النهج الإسلامي. وقد أديت فريضة الحج في سن مبكرة، وأنا مخلصة لديني وأعمل بما يأمرني به.
تسألها المحررة: فتاة في مثل مواصفاتك، والأسرة التي تنتمين إليها؛ من الطبيعي أن يتقدم لخطبتها الكثيرون. ألم يحصل ذلك؟
تجيب سامية: بلى. تقدم كثيرون، عزاب ومتزوجون. المتزوجون كنت أعتذر عن قبولهم. والعزاب تخفق خطباتهم ولا تنتهي بالزواج.
أحدهم كان معروفا لدى أسرتي، ولدى أبي خاصة. ولعلمي بما كان يمتاز به هذا الشاب من أخلاق حسنة، وصفات ترغب فيها كل فتاة، فقد قبلت به. وقد تم كل شيء مما ينبغي الاتفاق عليه لإتمام الزواج، من تحديد للمهر، وموعد عقد القران؛ وغيرهما. وكان يحرص على فعل كل ما يرضينا، ونحن من طرفنا لم نرهقه بطلباتنا. وهكذا بدا لي أن كل شيء بات مهيئا لانتهاء عزوبتي وانتقالي إلى بيت الزوجية في غضون أيام قليلة.
قبل يوم واحد من موعد عقد القران؛ اتصل أحد أقارب الشاب بوالدي ليخبره بأن موعد عقد القران سيتأجل فترة من الزمن، فوافق أبي على ذلك من غير أن يسأل كثيرا ليعرف الجواب.
ومرت الأيام من غير أن يزورنا أو يبعث لنا بأخباره أو يعلمنا بنواياه. ولم نكن نحن نتصل به.. فذلك ليس من عاداتنا ولا يليق بنا.
وبدلا من أن يأتي هذا الشاب المحترم ليخبرنا بموعد عقد القران، بعث إلينا برسول ينبئنا بأنه عدل عن خطبته ولا يرغب في الزواج.
وقع هذا علي وقع الصاعقة، فالذين خطبوني من قبله لم يمضوا في خطباتهم إلى الحد الذي مضى فيه هذا الأخير، الذي يعرف أسرتي وتعرفه، فقد أتممنا كل شيء، ولم يبق سوى يوم واحد على عقد القران... فلماذا حصل الذي حصل؟!
لقد عذبني هذا السؤال، ولا يزال يعذبني، لأنه جعلني أحس بأن هناك أمرا ما في حياتي يجعل كل من يتقدم لخطبتي.. يغير رأيه ويهرب.
ولم يكن السؤال يعذبني وحدي، بل كان يقلق أبي أيضا، ويعذب أمي في الصميم، ولذلك، وبعد أن تعبت كثيرا وهي تفتش عن الجواب؛ لم تجد بدا من...
في العدد المقبل أختي القارئة، أواصل معك هذه الحكاية الحقيقية والتعليق عليها، إن شاء الله.
لقاء مع عانس (2)
حدثتك، أختي الفاضلة، في الحلقة السابقة، عن سامية التي تقدم إليها خاطبون كثيرون، لكنهم لا يستمرون في خطباتهم، فهي، لهذا، لا تنتهي بالزواج. وكانت الصدمة الكبرى؛ أن عدل أحدهم، قبل يوم واحد من عقد القران، ثم أرسل بعد ذلك يخبر أسرتها بأنه انصرف عن الزواج منها.
وكان السؤال الذي عذب سامية ووالدتها: لماذا يحصل ما يحصل؟ وفي محاولة الإجابة عنه لم تجد والدتها بدا من الذهاب إلى المشعوذين لعلهم يكشفون لها السر. وقد أقنعها هؤلاء بأن هناك امرأة ما تعمل السحر لابنتها بالربط، وتمنع من ثم زواجها!!
تقول سامية: "لم يكن ينقص أمي سوى ذلك حتى يجن جنونها، بعد أن أصبحت شغلها الشاغل، وكان عدم زواجي يشكل هما كبيرا عندها يجعلها حزينة دائما، وقلقة علي وعلى أخواتي البنات. لذلك فقد أخذت تشك في كل من حولها من النساء، وصارت تذهب كثيرا إلى من ترى أنهم على دراية بموضوعات السحر و"فك الربط "، ولكنها لم تفلح في سعيها، وهذا ما جعلها تزداد ألما وقلقا، علما بأن آخر من قابلها أقنعها بأن المرأة التي مارست سحرها ضدي كانت على علم بمحاولات فكه؛ فعمدت إلى تجديده!!!
وفي الحقيقة فأنا لست تعبة إلى هذا الحد من أمر هذه المرأة المجهولة، لأنني حتى لو علمت من هي فلن يكون عندي ما أستطيع إثباته عليها، ولن يصدق أحد كلامي أو مزاعم أمي.
على أي حال فأنا أنتظر أن يفرجها الله عني، وما زلت أحلم بأن يكون لي أسرة من زوج وأطفال. يبقى أن أؤكد أنني أرفض منطق أمي وأهلي الذين يصرون على أن أتزوج قبل أخواتي.. فلما أربط مصيرهن بمصيري؟ ولماذا أتركهن معلقات بي؟ حتى إذا أصبحن عوانس حملنني المسؤولية وحملن لي في قلوبهن الكراهية؟! ".
هذه هي قصة سامية، الفتاة التي لم تتزوج حتى الآن رغم توفر صفات تجعلها مطلوبة من الخاطبين.
إنها قصة حقيقية واقعية وليست من نسج الخيال.
ولي عندها التعليقات التالية:
- لقد كان اعتقاد سامية سليما حين ردت أمر تأخر زواجها إلى قدر الله تعالى، وعبرت عن رضاها وتسليمها بهذا. وهذا ما يحسن، بل ما ينبغي أن تتحلى به كل فتاة تأخر زواجها.
- على الرغم من هذا التسليم فإننا وجدنا سامية لا تعترض على أمها حين قصدت المشعوذين لمعرفة سبب تأخر زواج ابنتها، وكأنها وافقتها أو صدقتها بأن هناك امرأة تقف وراء عدم زواجها عن طريق ما سمته ب "الربط ".
- أحسنت صنعا حين رفضت منطق أمها وأهلها الذين يصرون على زواجها قبل أخواتها. وهو ما حذرنا منه في رسالة سابقة.
على أي حال!؟ تبقى سامية نموذجا طيبا للفتاة الراضية الصابرة التي ندعو الله أن يوفقها إلى زواج سعيد، وأن يكتب لها الأجر الكبير على صبرها ورضاها وتسليمها.
صرخة عانس
ما إن وضعت رأسي على الوسادة؛ حتى تداعى ذاك الشريط الذي يتكرر كل ليلة: يدي في يد عريسي، ليلة الزفاف، وأنا في ثوبي الأبيض الجميل، يغمر قلبي الفرح، ويفيض السرور من عيني.
لم أصخ من حلمي هذا إلا على طرقات باب الحجرة. إنه ابن أخي. أخي صار عنده ولدان. أخي الذي يصغرني بسنوات تزوج وأنجب وأنا ما زلت... آه كم كنت غبية حمقاء.
ما زلت أذكر فرحة أمي وهي تخبرني أن شابا متدينا تقدم إلى خطبتي. كنت في المرحلة الثانوية. لم يفرحني يومها الخبر فرددت عليها بقولي: "أنا لا أفكر في هذا الموضوع يا أمي.. أريد أن أكمل تعليمي " وانصرفت عنها بغرور وعجب بنفسي.
بعد أن أنهيت مرحلتي الثانوية قال لي أبي:
"يكفيك هذا. لقد خطبك عمك اليوم لابنه أحمد. آن لك أن تتزوجي ".
بكيت وبكيت، ورفضت الزواج، وأصررت على مواصلة الدراسة، ونجحت في إصراري، ودخلت الجامعة، وحين صرت في السنة الثالثة، تقدم لخطبتي ابن جيراننا عبد الرحمن، هذا المهندس الناجح في عمله. ما زلت أذكر كيف سمعت أمه وهي تخطبني إليه من أمي.. وكيف اقتحمت عليهما جلستهما وأنا أصرخ: لن أتزوج قبل أن أتخرج في الجامعة.
وتخرجت في الجامعة، ولم يعد يخطبني أحد. أدركت أنني كنت على خطأ. بل لعل أبي كان على خطأ حين خضع لإصراري على مواصلة دراستي. لا.. بل لعلها أمي التي لم تشرح لي.. لا أدري.. لا أدري.. كل ما أعرفه الآن... أنني أصبحت عانسا.
أم أنور
حرية من غير توجيه
نقلت لي زوجتي عن فتاة سورية، تبلغ الثانية والثلاثين من عمرها، ولم تتزوج حتى الآن، قولها لها: "ليت والدي أجبراني على الزواج"!!
وأضافت الفتاة وهي تحدث زوجتي: "لقد ضرني والدي كثيرا حين ترك لنا الحرية في تأجيل الزواج بمواصلة تعليمنا، وكذلك ضرتني والدتي حين لم تحذرني من أنني قد أندم حين أكبر وأبقى دون زواج ". تقول زوجتي: "أحسست بالدموع محتبسة في عينيها، وتريد أن تنساب على خديها لتفرج بها عن بعض ما تحمله في نفسها من حزن وأسى".
وبلغ من تعاطف زوجتي مع الفتاة، وتأثرها بحزنها؟ أن قالت لي: "تزوجها أنت "! واستدركت "أو انظر من تعرف.. فهي غاية في الأدب، ومتدينة، وحاصلة على الليسانس في اللغة الفرنسية وآدابها، وتحمل مدرسة في وزارة التربية بدولة الكويت، وهي على قدر غير قليل من الجمال ".
شكرت زوجتي على تعاطفها، ونبل مشاعرها، ووعدتها بألا أتوانى في هذا الشأن، ليس طبعا في زواجي أنا منها، بل في زواج غيري منها!
واسمحوا لي أن أعود إلى عبارة الفتاة التي لفتت انتباهي حقا، وأردت أن أقف عندها، وهي قولها: "لقد ضرني والدي كثيرا حين ترك لنا الحرية في تأجيل الزواج لمواصلة تعليمنا، وكذلك ضرتني والدتي حين لم تحذرني من أنني قد أندم حين أكبر وأبقى دون زواج ".
هذه الكلمات تعني عدة حقائق أرجو أن ننظر فيها معا:
1- الحرية المطلقة ليست خيرا دائما، فقد تكون الحرية سببا في الضرر يلحق بمن يمارسها دون توجيه أو تنبيه.
جميل أن يمنح الوالدان للفتاة حرية الموافقة على من يتقدم إلى خطبتها للزواج منها، بل هذا حق من حقوقها، لكن كان يجب على الوالدين أن يشرحا لابنتهما أن هذه سنة الحياة؛ أن تتزوج الفتاة، وترزق بالأطفال، وتكون لها أسرة أخرى غير الأسرة التي تضم والديها وإخوتها وأخواتها.
كان عليهما أن يقولا لها: أسرتك هذه لن يدوم اجتماعها، فسيتزوج إخوتك وأخواتك، ولن يبقى والداك معك مدى الحياة، فالأجل قادم لا محالة، وسيأتي يوم تجدين فيه نفسك وحدك وتندمين.
2- غير أن هذا لا يعني أن ترمي الفتاة نفسها فتوافق على الزواج من أول خاطب يتقدم إليها من أجل ألا تصبح عانسا. لا. إن عليها، وعلى أهلها، أن يقبلوا من يرضون خلقه ودينه.
3- إغراءات التعليم، والحصول على الشهادة الجامعية، ثم العمل والحصول على مرتب، تبقى دون إغراءات الزواج وتكوين أسرة، فهذه الأخيرة أقرب إلى فطرة المرأة التي خلقها الله تعالى عليها.
4- يلاحظ أن الآباء الآخرين يكونون سببا في تأخر زواج بناتهم، أو عدمه، بسبب تسلطهم وعضلهم برفضهم من يتقدمون للزواج منهن، لكن والدي هذه الفتاة كانا سببا بسلبيتهما وعدم إقناع ابنتهما بضرورة الزواج.
عزباء.. لكن سعيدة
هذه حكايات حقيقية على لسان أصحابها.. رأيت نشرها عبر صفحتنا هذه كي نستفيد منها جميعاً، سواء السلبية منها وذلك بأن نتفاداها أو الإيجابية فنأتيها والحكمة ضالة المؤمن إن وجدها أخذها.
سعاد الولايتي
اسمحوا لي أن أشارك عبر زاويتكم أو صفحتكم هذه، ورغبتي في الحصول على الإذن تنبع من كوني غير متزوجة وهذه الزاوية كما فهمت من خلال متابعتي لها هي للمتزوجين فقط أو للمتزوجات فقط، وأنا كما ذكرت لم يسبق لي الزواج قط، ولست أحب اللقب المتداول في عصرنا اليوم بما يسمى "عانس " وأحب أن أستبدله كما ذكرت من خلال العنوان بعزباء.. عزباء لكن سعيدة. وقد استوحيت عنوان قصتي هذه من خلال قراءتي لقصة "مطلقة لكن سعيدة" والتي نشرت في حلقات سابقة، والحقيقة أنني تأثرت كثيراً بقراءتها وفكرت في أن أكتب حكايتي لكني ترددت بعد ذلك خشية أن يفسر كلامي على غير ما أريد، ولكني عزمت أمري مرة أخرى وأمسكت بالقلم وكتبت لكم حكايتي كي تنشروها وكي يكون فيها بعض الفائدة للعزباء والمتزوجة على السواء.
بلغت الأربعين منذ أشهر قليلة ولم أتزوج كما ذكرت ولم يكن لي قدر في أمر عدم زواجي فهذا ما قدره لي الله تعالى، وأنا كمؤمنة راضية بقدر الله، وأنا أؤمن كذلك بأن الزواج قسمة ونصيب فليست القضية قضية جمال أو مال أو منصب أو حسب أو نسب بل هي قسمة ونصيب أولاً وأخيراً، وقد صادفت نساء كثيرات على قدر كبير من الجمال ورغم ذلك ظللن بلا زواج وهناك أيضاً صاحبات النسب والجاه والثروة وكلهن دون زواج كالفئة الأولى، فالقضية هي كما ذكرت قسمة ونصيب قدر من الله تعالى أن يظللن بلا زواج وقد نصادف في الحياة نساء وقد حرمن من الجمال أو المال ومع ذلك تزوجن وأعود فأكرر أن الأمر ليس له علاقة بجاذبيتهن أو ظروفهن بقدر ما هو قسمة ونصيب.
أنا عن نفسي أقول أنني على قدر من الجمال، صحيح أنني لست باهرة الحسن ولكني لست قبيحة ومن عائلة كريمة، وفي أثناء دراستي في السنة الأخيرة بالجامعة تقدم لي شاب لم أتحمس كثيراً للموافقة عليه وكذلك أسرتي إذ لم يكن على مستوى أخلاقي طيب، وبعد تفكير عميق رفضته، وبقيت أنتظر نصيبي، بعد سنتين تقدم لي آخر سبق له الزواج من أخرى ثم انفصل عنها.
وبسؤالنا عنه تبين أن سبب الانفصال كان عصبيته الشديدة وحدة طبعه، ومرة أخرى ترددت فنصحتني زميلة لي قائلة:
- اسمعي يا عزيزتي... العرسان لا يتقدمون كل يوم، أنت الآن في الثالثة والعشرين وعند سن معينة يتوقف الخطاب، خذي بنصيحتي ووافقي على هذا الشاب.
هززت رأسي في حيرة:
- لكن ما سمعته عنه لا يشجعني على الموافقة.
مطت شفتيها بلا مبالاة:
- وماذا في كونه عصبياً، كل الرجال هكذا!
قلت مستدركة:
- كلهم؟ لا أظن ذلك لقد حدثني من أثق به أنه كان فظاً إلى درجة كبيرة مع زوجته الأولى والتي يثني على خلقها كل من عرفها لقد قيل لي أنه كان لا يتورع عن ضربها أحياناً.
هزت منكبيها بلا مبالاة:
- وماذا في ذلك؟ أنا شخصياً تعرضت لضرب زوجي في بعض المرات، كل الرجال هكذا!.
نظرت إليها بفزع:
- وكيف! وكيف أعيش مع زوج يضربني؟!
قهقهت ساخرة:
- يا عزيزتي ضرب الحبيب مثل أكل الزبيب كل الرجال هكذا وقليل من الضرب لا يضر بل يشعل العواطف التي خمدت.
قلت بغير اقتناع:
- منطق غريم!! أي حياة زوجية هذه؟ إنها حياة النكد ولا شك يا لها من حياة كئيبة!
- قلت لك كل الرجال هكذا.
هززت رأسي نافية:
- مستحيل.. لست أصدق.. هناك رجال على خلق كريم ولا شك، لا يمكن أن يكون جميع الرجال بهذه القسوة والفظاظة التي تصورينها، أنا عن نفسي لا يمكنني القبول بزوج يمد يده علي لن أرضى بهذه الحياة مطلقاً.
ضحكت ساخرة.
- يا بلهاء.. كل الزوجات اللواتي ترينهن حولك كذلك أنا عن نفسي و.. قاطعتها في عزم:
- أنت وشأنك فيما ترضين به، لكنني لا أقبل بهذه الحياة مطلقاً! وهكذا رفضت الخاطب الثاني وبقيت بعده أنتظر ولكن لم يتقدم أحد، مرت السنون الواحدة تلو الأخرى ولم يتقدم أحد!! بلغت الثلاثين من عمري ولم يتقدم أحد، هل أكذب وأدعي أنني لم أحزن أو أقلق؟ بلى... حزنت وقلقت، ولكنه قدر الله، هكذا قلت لنفسي وبالتالي وطنت نفسي على أن ترضى بما قدره الله تعالى لها، والحقيقة أنني طالما فكرت في قضية العزباء الأنثى والأعزب الذكر، فالرجل أمامه فرصة للاختيار كبيرة ليست مثل تلك التي تحصل عليها الفتاة فهو حين يرغب في الزواج يروح يستعرض أسماء الفتيات ومواصفاتهن وصحيح أنه قد يرفضن في بعض المرات لكن عملية الاختيار تكون له وحده بعكس الفتاة التي قد لا يتقدم لها سوى خاطب واحد أو اثنين كما حصل معي وتكون فرصة الاختيار أمامها ضئيلة جداً وهي قبل اختيارها تقع في حيرة شديدة فهل تقبل بمن تقدم رغم عدم اقتناعها به أو ترفض لعل الله يرزقها بشخص أفضل ومن ثم يفوتها القطار كما حصل معي!..
حين بلغت الثلاثين من العمر قلت لنفسي: إنه قدر من الله وبالتالي علي أن أرضى بقدر الله. قلت لنفسي: إن الإنسان يبتلى في حياته بابتلاءات مختلفة وكان قدري أن أبتلى بأن أظل دون زواج، لا أنكر أن المرأة بفطرتها التي فطرها الله تعالى عليها ترغب بالزوج والولد، ولكن حين ينزل القضاء بأن تحرم من ذلك عليها أن توطن نفسها على الرضاء بأمر الله، وأن تحفظ ماء وجهها وتعيش بكبريائها واحترامها لذاتها لا كما يحصل من بعض النسوة اللاتي شاهدت بأم عيني كيف رحن يعرضن أنفسهن أمام هذه وتلك عساهن أن يظفرن بزوج، وتروح الواحدة منهن بأسلوب شنيع مبتذل تعرض نفسها أمام هذه أو تلك لعلها أن تزكيها أمام رجل ما يرغب بالزواج، لست أرضى لنفسي بذلك أبداً، وطالما استقبحت هذا الأسلوب المهين من بعض من رأيت من حولي.
وإن كان الله تعالى قد حرمني نعمة الزوج والولد
فقد من علي بنعم أخرى متعددة أولها نعمة الإيمان التي هونت علي الوضع الذي أنا فيه وكل يوم أستيقظ فيه من نومي أحمد الله تعالى على أنني ابنة هذا الدين العظيم.. ابنة الإسلام، وبعد نعمة الإيمان تتوالى النعم الأخرى كنعمة الصحة والمال! والأسرة الطيبة فقد حباني تعالى بأسرة تحبني وتقدرني ولا زلت أنعم برضا أبوي ومحبة إخوتي وتقديرهم لي، وقد تدرجت في وظيفتي حتى غدوت ناظرة أنعم باحترام مدرساتي ومحبتهن أفرغت مشاعر أمومتي على طالباتي فأنست بهن وأنسن بي وبادلنني حباً بحب وتقديراً بتقدير. هذه بعض نعم الله تعالى علي ولو شئت أن أواصل سرد نعمه الأخرى لما توقفت، إن نعمه عديدة... عديدة فكيف أحصيها! على أنني أود لو توقفت عند نعمة الإيمان مرة أخرى لأبين كيف أقبلت على عبادتي وصلاتي وقرآني، جعلت خالقي ملاذي، ووقفاتي بين يديه محطات سكني وأمني، فأسبغ علي من نعمه طمأنينة ورضي بحبي له، صرت أرى الحياة جميلة مليئة بأنواع مختلفة من السعادة، وأن السعادة لا تكون في الزواج وحده، الزواج هدف طبيعي لكل أنثى لكن إن لم يتحقق هذا الهدف لا يعني هذا أن تعيش حياتها بائسة قانطة، فهناك أنواع متعددة من البهجة والحبور تحملها جوانب الحياة الأخرى. أقنعت نفسي أنني أعيش لأن الله تعالى يريد لي أن أعيش، ولأن هناك أموراً أخرى في الحياة تستوجب العيش، العيش من أجل غايات نبيلة نود تحقيقها خلال عمرنا القصير وليس الزواج أحد هذه الغايات، من الخطأ أن نعلم الفتاة أن تعيش من أجل الزواج... الزواج وحده، وكأن أهداف الحياة الأخرى لا قيمة لها، باعتقادي أن هذا من الأخطاء التربوية التي تقع فيها الأم وربما المجتمع حين تلقن الفتاة منذ الصغر أن الزواج هو الهدف الأوحد للحياة وبالتالي تحيا وتتنفس وتأكل وتشرب في انتظار تحقيق هذا الهدف وحده، لقد استغرق الأمر مني فترة طويلة حتى أتخلص من هذا المفهوم الخاطىء واستبداله بمفهوم المؤمنة التي تحيا من أجل دينها ووطنها وأبويها ومقاصد الخير الأخرى المتعددة.
بهذا اليقين الجديد رحت أحيا وأسعد وأنشر سعادتي وطمأنينتي على من هم من حولي وأولهم أمي التي كان القلق ينتابها سابقاً وإن حاولت أن تخفي علي قلقها كي لا تؤذي مشاعري، لكن دعواتها كانت تفصح عما في نفسها:
- أسأل الله تعالى أن يمد في عمري حتى أراك عروساً في بيت زوجك.
عندها أقول لها ملاطفة:
- كأنك تريدين التخلص مني!
فتزم حاجبيها عاتبة:
- كيف تقولين ذلك يا حبيبتي؟
- لأني سعيدة بقربك، فلماذا تنشدين مغادرتي!
تبتسم في حنان:
- كل فتاة مصيرها إلى الزواج حتماً.
- ولماذا حتماً يا أمي الحبيبة، كل شيء قسمة ونصيب، إن جاء الزوج الذي أرضى به فأهلاً وسهلاً، وإن لم يأت فالخيرة فيما يختاره الله.
توافقني في هدوء:
- صدقت يا ابنتي. ولكن الزواج ستر للفتاة و... أقاطعها بلطف:
- وهل التي لا تتزوج لا تكون مستورة؟
- لست أقصد هذا، ولكن؟
- أقاطعها من جديد:
- يا أمي الحبيبة هناك أمور أخرى في الحياة تستحق أن نحيا من أجلها وأن أعيش عزباء سعيدة خير لي من أن أكون زوجة شقية. انظري لنورة ابنة عمي أكنت تحبين لو أنني تزوجت مثلها وأحيا هذه الحياة الشقية التي تحياها اليوم؟
هزت رأسها بذعر وهتفت:
- لا والله، تلك الشقية تعيش مع زوج فاسق... سكير عربيد، لا يعرف لها حقاً ولا يخاف الله فيها. واصلت حديثي بثقة:
- أم تريدين أن أكون مثل سارة ابنة خالتي تلك التي تمكث أسبوعاً في بيتها وباقي الشهر في بيت أهلها وأطفالها المساكين موزعين بينها وبين ذلك الزوج الفظ الذي لا يحترم مشاعر أبوته!
تنهدت أمي في أسى:
- لا والله.. لا أرضى لك بزوج مثل زوجها!
ابتسمت في مرارة:
- أم ترضين لي بزوج مثل زوج صاحبتي فوزية، ذلك الذي يرفع يده عليها لأقل خطأ يبدر منها.
أطرقت في وجوم:
- ولا هذا أيضاً.
ضحكت في انشراح:
- وإذاً، دعيني أحيا سعيدة قانعة ولا تقلقي نفسك بهذه الهواجس، وتذكري دوماً يا أمي أن الخيرة فيما يختاره الله.
يبدو أن أمي قد اقتنعت نوعاً ما بحديثي، أو أن طمأنينتي قد انعكست عليها وأثرت فيها فكفت عن هواجسها تلك، ومع مرور الأيام تلاشت دعواتها التي كانت تحمل في طياتها أمنية أم قد تأثرت إلى حد كبير بالأفكار التقليدية من حولها، ولست لائمة لأمي فقد كان قلقها طبيعياً ويقيناً أن سعادتها كانت ستكتمل برؤيتي في منزل الزوجية المرتقب.
لا يدهشني موقف أمي بقدر ما يدهشني موقف غيرها من النسوة وأولهن تلك الزوجات الشقيات، منهن نورة ابنة عمي.. تلك المسكينة التي كان الجميع يرثي لحالها مع ذلك الزوج ولا يكاد يضمنا مجلس عائلي حتى كانت عجائز الأسرة يبادرن بالسؤال المعهود:
- ألا يزال زوجها العربيد في عربدته؟
فترد أمها قائلة بأسى:
- بل إنه يزداد سوءاً!
فتتساءل أخرى:
- ألا يزال يضربها؟
فتومئ الأم برأسها صامتة، فتتهكم الأولى:
- مسكينة!
- حقاً.. مسكينة!
ومع ذلك فإن نورة المسكينة هذه حين تراني تروح ترميني بنظرات الشفقة وهي أول من يستحقها. ذات مرة سمعتها تقول لزوجة خالي وهي تظن أنني لا أسمعها:
- مسكينة لم ترزق بزوج.
لم تعلق زوجة خالي على كلامها، ربما لأنها لم تكن ترى الأمور بالقياس المقلوب الذي تراها به نورة!!
نفس الموقف المشابه كان يصدر من سارة ابنة خالتي، والتي كانت تلاحقني بنظرات ملؤها الشفقة، وربما تلفظت بعبارات تنبئ عن شفقتها تلك ولا أدري حقيقة لم لا توجه شفقتها تلك لنفسها بدلاً من أن توجهها لي فالمسكينة تحيا حياة شقية مع زوجها الفظ منذ اليوم الأولى الذي اقترنت به فيه، ولكنني تأدباً مني لم أكن أواجهها بذلك حرجاً مني على عدم جرح مشاعرها، إلا أنني ذات يوم لم أتمالك نفسي حين قالت لي أمام جمع من نساء الأسرة:
- الله يرزقك بزوج يا هند.
رفعت رأسي إليها منزعجة فإذا نظرات باقي النسوة تتفحصني.. بعضها في خجل، وبعضها في ارتباك، والبعض الآخر في ترقب لما سأقوله.
نظرت إليها في إباء وقلت:
- من يسمعك يظن أنني واقفة على باب مسجد أتوسل زوجاً.
قالت في ارتباك:
- إنما قصدت أن تك...
قاطعتها في حزن:
- عموماً لا أظن أنني شكوت لك حالي يوماً ما!
- أردت أن تكوني سعيدة.
تمالكت نفسي وقلت بهدوء:
- أن أعيش في بيت أهلي سعيدة مطمئنة راضية، خير لي من زوج يطردني من بيته كل شهر.
تضرج وجهها بالدماء وصاحت:
- من تقصدين بحديثك هذا؟
- بدلاً من أن تشفقي علي، أشفقي على حالك مع مثل هذا الزوج الذي اقترنت به، والله لو كان زوجي لما بقيت معه يوماً واحداً.
هتفت في حدة:
- أنت تغارين مني.
قلت ساخرة:
- حقاً.. أغار من حياة العز التي تحيينها!
لم أنتظر كي أسمع بقية حديثها، بل غادرت المجلس مسرعة ومن خلفي كنت أسمع من يقول لها:
- أنت البادئة، والبادئ أظلم!
- لقد صدقت والله، أمثلك تتحدث عن السعادة الزوجية!!
لم يكن ذلك الموقف مدعاة لقطيعة بيني وبين ابنة خالتي، فقد عادت علاقتي بها كما كانت، فلست من النوع الذي يلقي بالاً لتلك الصغائر، لكنني بموقفي الحازم ذاك وضعت حداً لعباراتها التي كانت تلاحقني بها، وجعلتها تعي الصورة الحقيقية التي يراها بها الآخرون، فقد أدركت أخيراً أنها هي التي تحتاج الشفقة ولست أنا، ولست لائمة لسارة فهي مثلها مثل غيرها من النساء في مجتمعنا قد تربت على ذاك المفهوم الخاطئ... مفهوم أن الزواج هو الهدف الأوحد لكل فتاة، وبالتالي فإن الفتاة التي لم تتزوج هي فتاة مسكينة في نظرها، ولا شك أن مجتمعنا يحوي المئات ممن يؤمن بنفس وجهة النظر الخاطئة، وإن كن هن أنفسهن يحيين حياة زوجية بائسة!!
إنه منطق خاطئ ولا شك، ولكن هكذا ربين، وهكذا سيربين بناتهن ليتكرر الخطأ من جديد، ولذلك أوجه نصيحتي لمن كان وضعها مثل وضعي بألا تبتئس بل تحمد الله تعالى فحياة العزوبية خير من الحياة مع زوج لا يحسن صحبتها ولا يتقي الله فيها، وأن تجعل همها العمل على نيل مرضاة الله تعالى فهو الهدف الأوحد والأسمى الذي يجب علينا أن نسعى له جميعاً.
""""""""""""""""""يتبع""""""""""""""""""""""""