حنين إلى السالف .. قصة واقعية ..

الأدب النبطي والفصيح


حنين إلى السالف
بودي لو أراها .. تمنيتها تعود لأقابلها بابتسامة وردية .. كنت أراها في قمة العنفوان وريعان الشباب .. كثير ا ما أراها منكبة على دروسها .. أراها دائما كالشعلة المضيئة .. قد حباها الله ثقافة رفيعة المستوى .. فريدة في مسار حياتها ..لم تمض ايام قلائل على حالتها تلك إلا وأرى ذلك المحيا المشع قد تحول إلى وجه شاحب وعينان دامعتان جراء مرض ألم بها في ركبتها .. أكملت مشوار دراستها معنا والمرض ما زال يلازمها .. وبعد انتهاء هذا الفصل أرادت الاتحاق بمدرسة اخرى .. فلم ولن أنسى ذلك اليوم الذي غادرت فيه مدرستنا وهي تودعنا بنبرات صوتها الحزينة وتوصينا بقولها (( الله يجزاكم خير ادعوا لي ان الله يشفيني ))..
مضت الأيام سراعا وابتدأ الفصل الدراسي الثاني .. وفي الأسبوع الثاني ذهبت إلى صديقتها لأسألها عن أخبارها .. قالت لي بصوت حزين : ( ذهبت إلى المستشفى وقالوا لها لابد من الأشعة المقطعية وعند النتيجة كانت المفاجأة _ ركبتها مصابة بالسرطان _ وقانا الله وإياكم كل شر ) سألتها بلهفة : وما أخبارها الآن ؟ قالت : لم يخبرها أحد بما حل بها .. أحسست بالعبرة تكاد تخنقني .. حينها تذكرت بسماتها المشرقة وضحكاتها البريئة .. بدأ شريط الذكريات يمر أمامي من أول لقاء جمعني بها وحتى ذلك اليوم * يوم الوداع * ..
الهم أثقل كاهلي والحزن عليها لا يبرحني ..امتدت بنا الأيام وصورتها لا تفارق عينيّ. كنت أسأل خليلتها عنها بشكل دوري .. وغالبا ما تكون الإجابة سلبية ..
وبعد طول تمهيد أخبرت بالمصاب .. ساءت نفسيتها بشكل كبير .. أصبحت تنفر من زيارة أقاربها لها ، ولأجل ذلك منعت زيارتها ..
وحينما بدأ اليأس من شفائها قرر والداها نقلها إلى الخارج لتتم معالجتها هناك .. فتم الحجز سريعا ونقلت لتكمل العلاج ، ولبثت في المستشفى مدة ليست بالقصيرة .. ولكن .. المرض في تفش مستمر وفرص الشفاء ضئيلة جدا مما حدا بأهلها الرجوع بها .. مكثت لمدة أسبوعين وهي تتردد على بعض القراء ، وبعد ذلك تم الحجز إلى دولة أخرى لإكمال مسيرة العلاج ، ومكثت في المستشفى مدة طويلة ، وفي أثناء ذلك قرر بتر رجلها إلى ما فوق الركبة ولكن والدها أبدى الرفض رفقا بها وآثر تكثيف العلاج حتى لا يضطر الأطباء إلى بتر رجلها .. ولكن قدر الله محتوم وما كتب عليها كائن عليها لا محال .. فبتر رجلها ، ولم يكن هذا فقط بل أصبح المرض يسري في جسدها المنهك .. لكن تلك النفس الرضية الصابرة دمعت عيناها حينما فقدت عضوا من أعضائها ، وجاءت والدتها لتصبرها وتذكرها بما أعده الله للصابرين .. حينها نطقت عجبا .. قالت : (( أعلم أن الله اختار لي الصالح ولكن كيف أصلي لله بعد أن فقدت هذا العضو الذي أعتمد عليه في سجودي لخالقي ؟! ))
واستمر هذا الداء العضال يعطل أعضائها شيئا فشيئا حتى بدأت تلك الشمعة في الذوبان وتلك الزهرة الفواحة في الذبول ، فوصل الداء إلى رئتيها حتى صعب عليها التنفس .. عند ذلك طلب الأطباء من والدها إخراجهم من المستشفى فلا رجاء لبرئها ، وعند خروجها من المستشفى أوصاها الطبيب بكشف الغطاء عن وجهها حتى لا يصعب عليها التنفس وعلى لإثر ذلك انسابت على وجنتيها دمعة .. كيف تكشف وجهها بعد ستر سمت روحها به ؟!! وعادت تلك الفتاة ووالداها بنفوس جد راضية بقضاء الله وقدره إلى وطنهم وأهلهم .. ولبثت احدى عشر يوما وهي في حالة لا يعلم بها إلا الله ، وفي نهاية ذلك اليوم انتابها ألم شديد في رأسها لم تذق النوم بسببه ثلاثة أيام متواصلة بل تبقى في فراشها دامعة وأمها بجانبها تواسيها وتخفف عنها مصابها ، وفي اليوم الثالث كانت آثار الفراق بادية على محياها الراضي . كانت تتشبث بثياب أمها وتلثم يديها وتقبل رأسها .. فقد حان الوداع .. وداع أخير لا لقاء بعده إلا في جنان الخلد برحمة من الله وفضل ..
وعندما حانت ساعة الصفر وجاءت لحظة الاحتضار كانت تلك الفتاة الشعلة ترمق والدتها بعينين ذابلتين ولسانها يلهج بذكر الله والشهادة ولفظت آخر أنفاسها وهي مرتمية على أحضان والدتها ....
هذا ما أملته الذاكرة فصلا من فصول الواقع ويوما من أيام الدهر السالف .. لتنحني أكفنا داعية لتلك الزهرة الطاهرة : رحمك الله رحمة واسعة وجمعنا بك ووالدينا ووالديك في مستقر رحمته وفسيح جناته .. إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير ***
5
733

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

الصالحات
الصالحات
الله يرحمه ويسكنه فسيح حناته آمين
ويجعل ماجاه تكفيروتطهير
حفنة ضوء
حفنة ضوء
رحمها الله وغفر لها ...
بارك الله فيك
مـ الغيد ـلاك
مـ الغيد ـلاك
رحمها الله وغفر لها ... بارك الله فيك
رحمها الله وغفر لها ... بارك الله فيك
(( فرس بيضاء ـ الصالحات ))
سعدت بالمرور ..
وأسعد الله أيامكن ...
سيدةحب
سيدةحب
رحمها الله وأتمنى كتابت المزيد
مـ الغيد ـلاك
مـ الغيد ـلاك
رحمها الله وأتمنى كتابت المزيد
رحمها الله وأتمنى كتابت المزيد
عزيزتي ( سيدة حب ) ....
ضاءت الصفحة بمرورك ....
شاكرة لك تعليقك ......