أما بعد أيها المسلمون :
في ليلة الثلاثاء الماضي وقعت الانفجار الآثمة في مدينة الرياض ، ونتج عنه عشرات القتلى ومئات الجرحى وآلاف المروعين ، وحصل في البلد ما شعر به الجميع من الهلع واضطراب أحوال الناس.
ولاشك ولا ريب ان هذه الحادثة مهما كانت دوافعها ومبرراتها ، ومهما كان مدبرها فهي حادثة نكراء ، وجريمة بشعة بكل المقاييس، لا يقرها دين و لا عقل .
أيها الأخوة والأخوات: وحول هذه الحوادث سيكون حديثنا في هذا اليوم بإذن الله تعالى ، وسيكون مدار الحديث على خمس وقفات أسال الله تعلى ان ينفع بها ..
أولا: إن المسلم ليحزن عندما يسمع ما حصل من مآسي في تلك الحادثة ، ولا ينبغي له ان يفرح بهذا الحادث وأمثاله أبدا ، ولا يشجع ولا يؤيد بأي أسلوب كان ..وذلك للأسباب التالية:
أولا : ان هذه الحوادث وغيرها قد تفتح بابا من الفتنة والفساد لا يمكن إغلاقه إلا إذا شاء الله تعالى، وقد جاء في الأثر ( الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.)
وإذا حصل ان أشعلت فويل لمن بدأها ...لأنه سيتحمل أوزار جميع من دلهم على الشر، كما ستحمل بن آدم الأول ذنوبَ جميعِ من قتل نفسا بغير حق حتى قيام الساعة.
ثانيا: ان في القيام بتلك الحوادث تشجيع للعابثين وأصحاب النفوس المريضة ، للقيام بأعمال مماثلة أو قريب منها..0وقد جاء في الحديث ( و من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثلُ آثام من تبعه ،لا يُنقص ذلك من آثامهم شيئا ) أخرجه مسلم في صحيحه..
ثالثا : ان في تلك الحوادث ترويع للآمنين ، وزعزعةٌ للأمن بين صفوف المجتمع . وهذا أمر لا يجوز في دين الله تعالى .. يدل على ذلك ما أخرجه احمد وغيره بسند صحيح عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى حَبْلٍ مَعَهُ فَأَخَذَهُ فَفَزِعَ .. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا ) ..
فكم من دماء سالت في هذا الحادث ، وكم من دموع ذرفت ، وكم من قلب آمن كاد ان يزيغ ، فحسبنا الله ونعم الوكيل.
رابعا: أن هذا الحادث و أمثالِه يفرح أعداء الدين في كل مكان ، لما قد يحصل في هذا المجتمع من خوف أو فوضى أو اختلاف وفرقة ، كما فرحوا بالحوادث الأخرى.. وقد يستغلونها استغلالا سيئا لحرب الإسلام والمسلمين.
لهذه الأسباب وغيرها ، يتعامل المسلم مع هذا الحدث وأمثاله تعاملا شرعيا ، وذلك برفضه والتنديد به وعدم الموافقة عليه ، مبتعدا عن أسلوب التشجيع والفرح والتأييد ..
الوقفة الثانيةـ ومع كل ما حصل من جراء ذلك الحادث ، ومع أدانتنا الشديدة له ، مهما كان الفاعل وأهدافه ، ومع حزننا العميق على ما أصاب المسلمين من أذى وترويع وخسارة مادية ..
مع ذلك كله فإن ما حصل خير لهذا المجتمع ، وذلك بناء على العقيدة التي ندين الله بها وهي .. ( ان الشر ليس إلى الله ، وانه سبحانه لم يخلق شرا محضا ..وان كان بعض الناس يظنه شرا ، فهو بإذن الله خير ، قد نلمسه ونشاهده ،وقد لا نعلمه ..
والأدلة في ذلك كثيرة منها على سبيل المثال قول الله تعالى عندما برأ عائشة رضي الله عنها من الفاحشة التي اتهمت بها ، حتى جلست تبكي قريبا من الشهر، وشوه المنافقون سمعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، و أصاب المسلمين ما أصابهم من الهم والغم..
بعد ذلك كله أنزل الله تعالى قوله (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ .. لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ .. لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ .. وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ(11)
الوقفة الثالثة: ان ما أصابنا من مصائب فبسبب ذنوبنا ، وتقصيرنا في طاعة الله ..يقول تعالى (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ(30) ويقول عز من قائل (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(41)
أيها الأخوة والأخوات: لقد بدأنا منذ فترة نلاحظ عدد من المنكرات بدأت تطفوا على سطح المجتمع ، وبشكل علني وسافر ، وأحدها يكفي لحصول العذاب ..
بدأنا نشاهد ترك الصلوات علنا ، واكل الربا والدعوة إليه اكثر علانية ، عقوق الوالدين وقطيعة الأرحام ، وانتشار الغيبة والنميمة ،وتفرق صفوف المجتمع اصبحت مشكلة تؤرق العلماء والدعاة إلى الله .
تبرج النساء واختلاطهن مع الرجال في اكثر من مكان ، شرب الدخان والخمور وتعاطي المخدرات أصبحت مشكلة اجتماعية كبرى .. رصدت لها الميزانيات وتداعى المخلصين لمحاربتها .
مولاة الكفار ، والرضى بكفرهم ، ومحبتهم والدعوة إلى اللحاق بهم ، والانضواء تحت لوائهم أصبحت معلنة في الصحف و المحطات الفضائية ..
بل اصحبنا نسمع ونشاهد فئة متطرفة الفكر ، بعيدة من عقيدة هذا البلد تطعن في ثوابت الدين وأسس العقيدة ، . فلقد طعنوا في فريضة الجهاد في سبيل الله ، واعتبروه إرهابا ، وطعنوا في عقيدة الولاء والبراء ، واعتبروه فكرا تكفيريا ، وطعنوا في تكريم الله للمرأة المسلمة .. وطالبوا بتحريرها من الدين زعموا ..
كما أعلنوا الحرب صراحة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وشوهوا صورة القائمين على نظام الحسبة في هذا البلد ..
ولقد شن هؤلاء الحرب على الدعاة إلى الله والمجاهدين في سبيله ، وحرضوا الدولة عليهم ، وما زالوا يحاولون الإيقاع بهم بقدر ما يستطيعون ..
هولاء لهم دور كبير في إصابة الأمة بالبلاء والمصائب إذا تركوا بدون حسيب ولا رقيب ، وقد حذرنا الله تعالى من ذلك فقال (ان الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا بيده ، أوشك ان يعمهم الله بعقاب منه ) ..
كما انهم سبب في تحمس بعض الشباب ، وقيامهم بأعمال انتقامية لا يؤيدون عليها ضد الأفراد أو المجتمع .. فليوقف أولئك المتطرفين الحاقدين حتى لا يقع في البلد ما لا تحمد عقباه ...
ولنعلم أيها الأخوة والأخوات ان الحياة الطيبة لا تكون ألا بالالتزام بهذا الدين العظيم ، بقدر ما نستطيع قال تعالى(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(97)
ولنعلم أيضا ان نجاة المدن والقرى لا تكون ألا بتحول أهلها إلى صالحين مصلحين ، وقد قطع الله العهد على نفسه ألا يهلك القرى وأهلها مصلحون قال تعالى ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ(117)
وبهذا الدين يسود الأمن ويعم الرخاء ، ويخذل الأعداء ... بإذن الله تعالى
الوقفة الرابعة : دورنا بعد هذا الحدث وأمثاله ..
إن هذا الحادث بعد مراجعتنا لأنفسنا ، يجعلنا ننطلق بقوة لنشر التوحيد والعقيدة الصحيحة المبنية على كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفق ما فهمه سلفنا الصالح رضي الله عنهم أجمعين ،
لأننا نعلم يقينا انه لا يمكن ان يصلح آخرُ هذه الأمةِ إلا بما صَلُح به أولها ..
ولأنه أصبح لدينا يقينا أننا البلد الثاني بعد العراق ، فالحرب على ديننا قادمة إذا لم ننتبه لأنفسنا ..
كما يجب علينا ان نلتف حول علمائنا المخلصين ، نطلب العلم عليهم ، نستشيرهم فيما يشكل علينا ، نشعرهم بحاجتنا إلى علمهم .. وندفع بأبنائنا إليهم ، ونحثهم على الاستفادة منهم ، والسير في ركابهم ..
نقوم بفرائض الإسلام الاجتماعية نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ، نساعد المحتاجين ، نغيث الملهوفين والمنكوبين ،
ونربي أنفسنا وأولادنا على الجهاد في سبيل الله وآدابه ، فهو المخرج الوحيد للذل الذي تعيشه الأمة ..
كما نحذر في المقابل من أصحاب الدعوات المشبوهة والباطلة ، خصوصا الذين ارتموا في أحضان الكفرة والفجرة ، ورضعوا من قيحهم وصديدهم ، وحثالة أفكارهم ، الذين اظهروا لنا الباطل في صورة الحق ، والحق في صورة الباطل ، فاقتنع بكلامهم من قل علمه وضعف إيمانه واتبع هواه من المسلمين.
كما نحرص على محاربة الأفكار الدخيلة على عقيدتنا ، ومنع من يريد ان يدسها في صفوفنا ، ويحاول زعزعة أمننا وثوابت ديننا ..
كما نحذر من المشاركة في الحرب على الدعاة إلى الله تعالى والعلماء المخلصين ..حتى لا يحاربنا الله جل جلاله فقد قال في الحديث القدسي ( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب )
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...ونفعني وإياكم بمافية من الآيات والذكر الحكيم ..أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم... فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم..
الخطبة الثانية
الحمد لله ولى الصالحين ..ولا عدوان إلا على الظالمين ،والصلاة والسلام على محمد بن عبدالله رسول الهدى والرحمة.. ،ورضي الله عن صحابته ومن سار على هداه إلى يوم الدين أما بعد:
الوقفة الخامسة والأخيرة:
لقد قرأنا عن الحادث وما حصل للناس من هلع وذعر وانهيار ومصاب ، .وقد ذُكر قصصُُ عجيبة من الرعب والفزع الذي أصاب الناس بعد تلك الحادثة مباشرة ،
ولقد شهود الشباب والرجال يركضون بشدة إلى مصدر الصوت ، مع بُعده عنهم ، والكل يسال في ذهول ما لذي حدث ؟ ماذا جرى؟
وهنا سالت نفسي :هذه حال الناس بعد انفجار بسيط إذا قورن بغيره استمر عدةَ ثوان ؟؟..
فكيف بالناس إذا تحقق قول الله تعالى حيث يقول ( إذا السماء انفطرت ..وإذا الكواكب انتثرت .. وإذا البحار فجرت ..وإذا القبور بعثرت .. علمت نفس ما قدمت وأخرت )
كيف بالناس (إذا وقعت الواقعة ..وقرعة القارعة.. يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ، وتكون الجبال كالعهن المنفوش )..
كيف بالناس إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور )..
كيف بالناس إذا تحقق إنذار الله لهم حيث يقول وهو اصدق القائلين ( يا أيها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شيء عظيم ..يوم ترونها تذهل كلُ مرضعة عما أرضعت ..وتضع كلُ ذات حمل حملها.... وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ..ولكن عذاب الله شديد..ولكن عذاب الله شديد)
ان الأمر بحق يحتاج الى وقفة مع النفس تدبر وتفكر ، حتى يستفيد من الأحداث من حوله ..
اللهم ألهمنا رشدنا ..ودلنا على الخير وارزقنا إتباعه ..وارانا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ..
اللهم لاتكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ..ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا..
اللهم آمنا في أوطاننا ،واصلح أئمتنا وولاة أمورنا ،
اللهم أقم علم الجهاد.. واقمع أهل الزيغ والفساد ...وانشر رحمتك على البلاد،يا من له الدنيا واليه المعاد..
اللهم من أراد بلادنا وبلاد المسلمين بسوء فاشغله في نفسه ،واجعل تدبيره تدميرا عليه ..واجعل الدائرة عليه ..يا حي يا قيوم..انك على كل شيء قدير ..وبالإجابة جدير ..وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى لآله وصحبه أجمعين..

د.مشبب القحطاني @dmshbb_alkhtany
إمام وخطيب مفكرة المجلس عضو في جماعة التوعية الإسلامية
حوادث تفجير الرياض ( الموقف منها ..أسبابها ..دورنا تجاهها ..خطبة الجمعة 15/3/ 1424
5
891
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.


جزا كن الله خيرا أخواتي على المشاركة ، واسال الله تعالى ان يجعل تلك الكلمات خالصة لوجهه الكريم وان ينفع بها
اما من ناحية النقل الى مواقع اخرى ، فالمجال مفتوح للجميع في هذه الخطبة أو أي موضوع يطرح في هذا المنتدى المبارك ، والدال على الخير كفاعله..
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى
اما من ناحية النقل الى مواقع اخرى ، فالمجال مفتوح للجميع في هذه الخطبة أو أي موضوع يطرح في هذا المنتدى المبارك ، والدال على الخير كفاعله..
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى


اللهم إتا تسألك باسمائك الحسنى ما علمنا منها وما لم نعلم ان تنصر الاسلام والمسلمين في كل مكان وان تدمر اعداء الدين
وان تؤمنانا في اوطاننا وتنصرنا على من ظلمنا ياودود ياودود ياذالعرش المجيد يافعال لما يريد
استجب لدعائنا انك انت السميع المجيب
شيخنا الفاضل :
اسأل الله لك خير الجزاء وان يكثر من امثالك وان يفتح لك ابواب رحمته ولجميع المسلمين والمسلمات الاحياء والاموات
وان تؤمنانا في اوطاننا وتنصرنا على من ظلمنا ياودود ياودود ياذالعرش المجيد يافعال لما يريد
استجب لدعائنا انك انت السميع المجيب
شيخنا الفاضل :
اسأل الله لك خير الجزاء وان يكثر من امثالك وان يفتح لك ابواب رحمته ولجميع المسلمين والمسلمات الاحياء والاموات
الصفحة الأخيرة
جزاك الله خيرا وبارك فيك.. ارجوا السماح لي بنشر هده الخطبه..