حين رأيت جدتي ذهبت للسلام على جدتي وزيارتها فجلست أستمتع بحديثها عن ذكريات الماضي وأخباره، فطار خيالي إلى واد آخر، بدأت أعيد النظر في جسمها النحيل، وظهرها المتقوس، ووجهها المتجعد، وعدت بعدها إلى الماضي، إلى مرحلة الشباب. لقد كانت فتاة تتقد حيوية وشباباً، كانت يضرب بها المثل في الجمال وبهاء الطلعة ويخطب ودها الجميع، وكم كان سرور جدي حين أجيب مطلبه بخطبتها. ثم مضت السنون وسارت الأيام، فآلت إلى هذه الحال، ولهذا كان غيرنا -من الأمم التي لا تدين بهذا الدين- يلفظونها حين تبلغ هذا المبلغ فلا تجد من يلتفت إليها ويعنى بها؛ ذلك أن الوفاء والبر والصلة كلمات معدومة في قاموسهم. لقد قادني هذا الموقف إلى التفكير فيما أنا عليه، فكم سنة: عشر، عشرون، أكثر من ذلك..؟ وبعدها أودع مرحلة الشباب والحيوية إلى غير رجعة، ويبدأ العد التنازلي فأضع قدمي في أول طريق الهرم والشيخوخة، فما تعدو حينها مرحلة الشباب أن تكون مجرد ذكرى وطيف يمر بالخيال. وتساءلت: ترى لو كانت حال جدتي كما هي حال بعض الفتيات الغافلات اليوم، فكيف تنظر إلى ماضيها الآن؟ إنها سوف تجتر الأسى والحزن على هذه الأيام التي ذهبت بلذاتها ورغباتها وشهواتها وبقي الألم، بقيت الذكرى السيئة، وبقي الشعور بالخوف من المستقبل، من اليوم الذي يجزى فيه المرء على الصغيرة والكبيرة. فحمدت الله على أن سلكت طريق الخير والصلاح، وشعرت أني مهما طال بي العمر، ومهما متعت نفسي بالشهوات واللذات فإن قطار الشباب ما يلبث أن يقف معلناً دخولي مرحلة الهرم والشيخوخة. ماذا تستحق تلك السنوات القصيرة حين نقضيها في لهو وعبث فارغ، وماذا سنقول عن أنفسنا حين يحدودب الظهر ويتجعد الوجه، أم ترانا -عافانا الله وحمانا وأحسن لنا الخاتمة- نصطحب السوء والصبوة معنا إلى مرحلة الشيخوخة؟ بل وما أسعد من تحفظ الله في شبابها لتكون ممن قال فيهم صلى الله عليه وسلم :« سبعة يظلهم الله في ظله يوم لاظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه...» ، ومتى ذلك التكريم والثواب، إنه يوم تعظم الأهوال ويشتد الخطب بالناس، ويصف لنا الناصح الأمين ذلك الموقف بقوله :«تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل» قال سليم بن عامر -أحد رواة الحديث-: فوالله ما أدري ما يعني بالميل أمسافة الأرض أم الميل الذي تكتحل به العين؟ قال:«فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما» قال وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه.
عن كتاب هكذا كانت حياتي للشيخ محمد الدويش
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
طمطومه
•
جزاك الله خيرا يا اختاه
يارب اجعلنا من اهل الاخرة ولا تجعلنا من اهل الدنيا واجعل الجنه امام اعيننا حتى تعلو همتنا ونعمل لها
موفقك الله الى ما تصبو به نفسك
يارب اجعلنا من اهل الاخرة ولا تجعلنا من اهل الدنيا واجعل الجنه امام اعيننا حتى تعلو همتنا ونعمل لها
موفقك الله الى ما تصبو به نفسك
الصفحة الأخيرة
هل انت سائرة الى المعالي نفسها التي هناك في موقع الصحوة ...؟؟