من يقطن في الرياض يعرف أن هناك فرقاً شاسعاً بين شمالها وجنوبها وشرقها وغربها، ففي أحياء جنوبها تكاد البيوت المتهالكة لا تستر عورة قاطنيها الفقراء، ولعل أشهر هذه الأحياء وأقدمها حي منفوحة والشميسي.
" سبق" تجولت في شوارع حي الشميسي ، وبدا وكأن الحي من عالم آخر؛ بيوته التي مر على تشييدها أكثر من نصف قرن، ورغم مساحتها الضيقة تأوي بداخلها عشرات الأسر ميسورة الحال والتي تناضل لتوفير لقمة عيشها بشكل يومي.
وكل من يدخل حي "الشميسي" يعرف " أم سعيد" المسنة، فجلوسها على باب بيتها معلم من الحي، فهي تجد تسليتها في الجلوس على باب بيتها المتهالك، وتبادل الحديث معها أثناء انشغالها بفرز أوراق الملوخية، ترحب بضيوفها رغم ضيق حالها، فبيتها المكون من غرفتين من الطين يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، بينما الفوضى تعم أركانه.
تقول أم سعيد "كما يرى الجميع زوجي أقعده المرض والكبر ولا معيل لنا، ونعيش مما يصلنا من أصحاب القلوب الرحيمة"، مشيرة إلى أنها لم تنجب وعاشت في الحي لأكثر من عشرين سنة.
وتتنهد "أم سعيد" وهي تحاول لملمة بعض حاجيات بيتها المتناثرة، قائلة "لا أعرف عمر البيت ولكنه موجود من قبل أن نجيء الحي والخوف يملأني كل ليلة تنزل فيها زخات المطر من أن يسقط فوق رأسي أنا وزوجي".
لكن بيت "أم أسعد" يبدو حلماً لجارتها "أم نواف" الأرملة التي تقطن معها ضرتها السابقة وأبناؤها الأربعة وابنة زوجها الأرملة ومعها أطفالها الخمسة، ثلاث أرامل يجمعهن الشقاء لا معيل لهن ولا مصدر دخل فأزواجهن السابقون كانوا يعملون في الحراسات الأمنية ولا معاش لهم بعد وفاتهم.
" أم نواف" تبكي في حسرة وهي ترى الأطفال ينامون على الأرض وسط البيت الطيني بغرفه الثلاث، والابتسامة اختفت عن وجوه الأطفال وحل مكانها تساؤل عن غد ينتظرهم وطعام لا يكفيهم.
وتعجز عن تذكر عدد قاطني البيت، إلا أنها تعرف أن الأطفال يخرجون في الصباح كيفما إتفق إلى مدارسهم ويقضون باقي يومهم في الشارع، دون أحذية تقيهم مخاطر الشارع أو لباس يقيهم برد الشتاء.
وقالت: إنها إن استيقظت يوماً ووجدت جدران البيت المتهالكة وقد سقطت فوق أجساد الأطفال الغضة، مؤكدة أن جميع من في البيت يعيشون على الصدقات وما يقدمه لهم بعض أصحاب القلوب الرحيمة.
وتبدو الأبنية في الحي بحاجة إلى تدخل سريع، بينما يخشى قاطنو الحي أن تتكرر مأساة سيول جدة معهم، في حين أنهم يقفون عاجزين عن إيجاد بديل، بينما تحتل العمالة الوافدة جانباً لا بأس به من الحي، مما يجعل الأهالي في خوف دائم على فتياتهم.
وجلس في الحي ذاته رجل ثلاثيني يمسك بالذرة المشوية ويحاول بيعها على أطفال الحي وزواره، مشيراً إلى أنه يبحث عن أي عمل حلال.
وقال "أنا مطلق والد زوجتي حضر وانتزع بناتي مني لأني لا أجد ما أطعمهن به، وغالباً ما كن يذهبن إلى المدرسة دون إفطار".
وهو لا يطلب سوى عمل يجعله قادراً على أن يسعد طفلتيه وأن يربيهما.



