بعد غزوتي نيويورك وواشنطن البطولية المعروفة بأحداث الحادي عشر من سبتمبر قامت أمريكا بتأسيس التحالف الصليبي للهجوم على أفغانستان بحجة مكافحة الإرهاب العالمي على حد زعمها ، ومنذ ذلك اليوم رأى أكثر المحللين السياسيين والخبراء العسكريين أن هزيمة الأمريكان في هذه الهجمة الشاملة على الإسلام والمسلمين أمرًا حتميًا.
ولكن أمريكا برغم ذلك كانت مصرة على الهجوم وذلك لسببين رئيسين:
الأول: إثبات قدرتها للعالم على تدمير ومحو من يعاديها.
الثاني:جعل العالم تحت قيادتها وخاصة الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن.
ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ..
أما التوقعات بهزيمة الأمريكان فهذا أمر أكيد بإذن الله تعالى ، وهذا ما أثبتته التجارب التاريخية في أفغانستان ، حيث أن كل الغزاة والمعتدين الذين أقدموا على غزو أفغانستان بنية القضاء عليها رجعت النتيجة عليهم ، وخرجوا و هم يجرون أذيال الهزيمة ، كما أنهم فقدوا سيطرتهم وهيمنتهم على العالم وتفككت إمبراطورياتهم .
وخير شاهد على ذلك تفكك قوة بريطانيا العظمى والاتحاد السوفيتي السابق بعد غزوهم لأفغانستان في فترة التسعينات في القرن السابق الميلادي وتسعينات القرن العشرين .
ونحن هنا وفي هذه الأسطر نشير ملخصا إلى هزيمة أمريكا المحققة بإذن الله تعالى ، وفقدان هيمنتها في أفغانستان أولا ثم في العالم كله إن شاء الله تعالى وهذا في مختلف مجالات الحياة ، والذي يتمثل في فشل الحكومة الأفغانية العميلة المعينة من قبل الأمريكان في إدارة البلاد وعدم استطاعتها السيطرة على مقاليد الحكم في البلاد :
أولاً : الفشل في المجال الإداري:
مرت على حكومة كارازي العميلة الأمريكية ما يقارب سنة كاملة ، وهذه الحكومة لم تستطع أن تستوعب خلال هذه الفترة التي لا تتجاوز اثنا عشر شهرا اثنا عشر ولاية من مجموع 29 ولاية في أفغانستان .
وكل ما قام كارازي بتعيين والي أو مسئول لإحدى الولايات رفضه أهالي تلك الولاية رفضا قاطعاً ، ومن الأمثلة على ذلك عندما قام كارازي بتعيين حاكم لولاية لوجر والتي تبعد عن كابل العاصمة ما يقارب من 25 كيلو مترا ، ثار أهالي تلك الولاية ورفضوا تعيين الوالي الجديد من قبل كارازي وأصروا على إبقاء الوالي السابق الذي عينوه هم ، وتكرر هذا الأمر في عدة ولايات أخرى مثل ولاية بغلان وولاية بكتيا..
ولعل من أهم الأسباب التي أدت لتلك الثورات على كرازاي ورفض الشعب الأفغاني لأي والي من قبله عليهم ، ورفضهم لأي نفوذ تريد الحكومة الجديدة أن تفرضه عليهم ما يلي :
1ـ أن تلك الحكومة وعلى رأسها كارازي لم تصل إلى الحكم برغبة من الشعب الأفغاني الموالي أصلاً لحركة طالبان والمتمسك بها ، وإنما فرضت على الشعب الأفغاني المسلم فرضاً من قبل الأمريكان أصحاب الحملة الصليبية الغادرة ، والتي قتلت الآلاف من المسلمين الأفغان الأبرياء ظلمًا وعدوانًا ، كما أن هذه الحكومة العميلة لم تضم سوى مجموعة من القتلة المحترفين وتجار المخدرات واللصوص من أصحاب التحالف الشمالي الخائن الذي باع دينه ووطنه من أجل دراهم معدودة .
لذلك لم تحظ هذه الحكومة بأي تأييد شعبي حقيقي لها ، بل قوبلت من جهة الشعب بالرفض والاستياء .
2ـ أن هذه الحكومة لم تقم أصلاً إلا من أجل العمل على قضاء المصالح الأمريكية وشركائها في التحالف الصليبي ، ولم تأت من أجل إقامة مصالح الشعب الأفغاني المسلم الدينية منها أو الدنيوية ، بل على العكس وكما كان متوقعًا من هذه الحكومة العميلة .. لم تأت هذه الحكومة إلا بما فيه ضياع الدين والدنيا .. من نشر الفواحش والحث عليها ، ومحاربة الفرائض الربانية والأحكام الشرعية علنًا ، وإظهار الفرح والسرور بالتخلص من أحكام الدين ، وكذلك جرت الويلات على الأفغان فلم تحقق لهم أي فائدة دنيوية وعدوهم بها ، فانتشر الفقر والمرض والجوع ، وظهرت العصابات مرة أخرى وقطاع الطرق ، وفقد الناس الأمن والأمان الذي تمتعوا به في عهد الطالبان ، وانتهكت الأعراض ونهبت الأموال .. وضج الناس واستغاثوا فما وجدوا إلا القصف الأمريكي ينصب فوق رؤوسهم والمزيد من القهر والعدوان.
3ـ من الأسباب التي أدت أيضًا لفشل هذه الحكومة ، هو تعدد الاتجاهات الحزبية والمذهبية بين أعضائها ، مما أدى لنشوب المزيد من الخلافات والصراعات التي أدت إلى اندلاع القتال فيما بينها ، وكثرة المؤامرات فيما بينهم التي وصلت إلى حد الاغتيالات ، وحدوث الانشقاقات كخروج بادشاه خان زدران مسئول لولايات الجنوبية و احد الأعضاء البارزين في إدارة كارزاي الامريكية وتمرده على نفس الإدارة في المناطق الجنوبية.
4ـ انقسام البلاد إلى دويلات متعددة ، يستقل والي كل ولاية منها بحكمها وتكوين حكومته المصغرة فيها مثل استقلال عبدالرشيد دوستم ومنافسه محمد عطا بولايات الشمال ، وإسماعيل خان أغا بهيرات ، وجل أغا بقندهار .. إلخ
5ـ عدم كفاءة كارازي لإدارة البلاد ، وهذا الأمر صار مشهورًا وواضحًا بين الأفغان وخاصة في العاصمة كابل ، مما جعلهم يطلقون بعض الألقاب المهينة عليه ، مثل كلمة (كمداري) وتعني المخادع الذي يضحك على الناس ولا يستطيع فعل شيء لهم ، وكلمة (كسمبول) وتعني أنه مجرد قناع وغير قادر على أنفاذ الشؤون الإدارية ..
وهذه السمعة السيئة التي يتمتع بها كارازي وكونه مجرد صورة باهتة لا يستطيع فعل أي شيء ، جاءت من القرارات والفرمانات التي أصدرها ولم يتحقق منها شيء ، فقد أصدر قرارًا بمنع زراعة المخدرات بينما يزداد انتشار زراعتها في البلاد باطراد ، وقام بإذاعة قراره بعزل 24 موظفًا بتهمة الفساد والرشوة وتجارة المخدرات في كابل وقندهار وننجرهار ، وأذيع هذه القرار في الجرائد والإذاعة الحكومية ، ولكن هؤلاء الموظفين الذي صدر القرار بعزلهم رفضوا تطبيق القرار وأصروا على البقاء في الحكم.وكذلك إنذاره المتكرر للزعيم المتمرد على إدارته بادشاه خان بالتوقف عن معارضته ومعاركه ولكن هذه الإنذارات لم يكن لها أي أثر يذكر .
ثانيًا : الفشل في المجال السياسي:
كما ذكرنا أن حكومة كارازي لم تتأسس إلا من أجل المصالح الأمريكية ، ولم يكن تكوينها مشتملاً على أي مصلحة للشعب الأفغاني ، ولا نبالغ إن قلنا أن لم يكن من أهدافها تحقيق أي مصلحة للشعب الأفغاني في الداخل أو الخارج على السواء ، ونذكر فيما يلي بعض الدلالات والبراهين على ذلك على سبيل المثال لا الحصر :
1ـ انحصار السلطة بيد فئة منبوذة لدى الشعب الأفغاني وهي فئة التخالف الشمال ، فالشعب الأفغاني يذكر جيدا و إلى الآن الجرائم التي قامت بها هذه الفئة عند استيلائها على السلطة في كابل عام1992 والتي راح ضحيتها أكثر من 60000 مدني في مدينة كابل وضواحيها واستبدلت المدينة الجميلة بجحيم ملتهب من النار.
2ـ انحصار أعضاء الحكومة العميلة إما في أعضاء التحالف الشمالي الخائن ، أو في أفراد عاشوا في الغرب وتشبعوا بعقائده وأفكاره ، وتخلوا عن العقائد والتعاليم الإسلامية ، وأصبحوا مجرد طابع للصورة الأمريكية ، وهم أجهل الناس بطبيعة الشعب الأفغاني المسلم وتقاليده المستمدة من الشريعة الإسلامية الغراء ، فهذا القسم لا يعرف من أمور الحياة إلا شرب الخمر والانغماس في الشهوات والرذائل .. فمن المستحيل أن يأتي هؤلاء بأي نوع من أنواع الخير للشعب أو للبلاد ، كما أنه من المستحيل أن يحظوا بثقة الشعب الأفغاني المسلم ، الذي لا يعرف سوى الجهاد سبيلاً لإعلاء كلمة الله والتخلص من ذلك الغزو الصليبي للبلاد .. مما يجعل نقطة التقابل بين الشعب وهذه الحكومة مستحيلاً .
3ـ التدخل الصريح الأمريكي في الأمور الأفغانية من قبل المندوبين الأمريكيين أمثال زلمي خليل زاد والأخضر الإبراهيمي وغيرهم......ويتم هذا التدخل الصريح مع وجود كرزاي كرئيس للإدارة المؤقتة الأفغانية. مما يدل على هامشية هذه الحكومة وأنها مجرد صورة لا أكثر للإرادة الأمريكية .. ونذكر على سبيل المثال التدخل الأمريكي في شئون الأفغان الداخلي حيث منعت ظاهر شاه الملك السابق عن ترشيح نفسه في اللوياجيرغا.وكان من المقرر ترشيح محمد ظاهر شاه وبرهان الدين رباني وحامد كرازاي لرئاسة الجمهورية في نفس المجلس.
ولما كان ترشيح برهان الدين رباني يتوافق مع المصالح الروسية و الإيرانية أكثر من المصالح الأمريكية وكان من المحتمل فوزه في الانتخابات لان الأصوات التي حصل عليها رباني كانت أكثر من الأصوات التي حصل عليها ظاهر شاه وحامد كارازي في الانتخابات .. تدخلت أمريكا بمنع ظاهر شاه من الترشيح للرئاسة كي لا ينقص عدد الأصوات التي يحصل عليها كرازاي بترشيح الملك السابق للرئاسة حيث بقى كرازاي المرشح الرئيسي للرئاسة وفاز في انتخابات اللويا جيرغا في نهاية المطاف.
ثالثا : الفشل في المجال الأمني والعسكري:
لم تتمكن أمريكا ولا حلفائها من توفير الأمن في أفغانستان بعد حملتهم الظالمة التي أدت إلى فقدانه ، فلم تستطع حتى مجرد توفير الأمن لرئيس الحكومة التي عينتها أو أفرادها فضلاً عن أن توفر الأمن للشعب في سائر أنحاء البلاد .. ويكفي تدليلاً على هذا مقتل حاجي قدير نائب الرئيس ، وحادثة مقتل الدكتور عبدالرحمن ، بل ومحاولات الاغتيال المتعددة للرئيس نفسه ولوزير دفاعه .. ناهيك عن فقدان القدرة لتوفير الأمن للقوات الأمريكية نفسها وقوات الإيساف التي تتعرض بشكل شبه يومي لهجمات المجاهدين .
مجاهدة @mgahd
عضوة فعالة
هذا الموضوع مغلق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️