أ د. عـادل كمـال خضـر
أستاذ ورئيس قسم علم النفس
كلية الآداب _ جامعة بنـها
كانت الشكوى على لســـان الأب أن ابنه غير مهتم بالقيـام بواجباته المدرسية ، لا يهتم بالاستذكار ، وينزل لمستوى أخته الأصغر في ألعابها ويضيع معظم وقته في ذلك ..
يخاف ويرتعد ويتلعثم عندما يتوقع الإيذاء ، ويصد بيده توقعاً للضرب أو اتقائه ..
يقوم بإيذاء أخته الصغرى بشده وقسوة ودون رحمه ..
وقد كان رد فعل الأب تجاه سلوكيات ابنه هو عقابه بالضرب مستخدماً في ذلك " الخرطوم " ، ولا يتصور البعض أن هذه الوسيلة وأمثالها في العقاب قاصرة على الفئات الأدنى من المجتمع غير المتعلمة .
بل تصدر كذلك عن فئات مثقفة متعلمة ترتقي أعلى المناصب ..
إن الأب لديه قلق شديد تجاه مستقبل ابنه .
فالأب دكتور ( حاصل على درجة الدكتوراه في الطب ) ، وهو استشاري في تخصصه ، وهو يرى أن مستوى تحصيل ابنه أقل مما يجب أن يكون عليه ، ولا يقوم بواجباته المدرسية المطلوبة على الوجه والسرعة المطلوبة ، مما جعل الأب يتعامل معه بالعقاب البدني مستخدماً في ذلك ( الخرطوم ) ، ودافعه في ذلك خوف على مستقبل ابنه ، وحتى يدخل ابنه كلية من كليات القمة مثله ..
غير أنه بالرغم من المستوى العلمي الرفيع للأب ، وذكائه المرتفع الذي لا نشك في كونه كذلك ، وتفوقه ونبوغه في مجال دراسته وعمله .
إلا أنه قد فاته أن أمور التنشئة لا تسير بمثل هذه البساطة ، وبالأمنيات الطيبة والرغبات الحالمة .
ذلك أن التحصيل الدراسي الجيد يرتبط بكثير من المتغيرات التي منها
المتغير الأسري ، من قبيل العلاقات الطيبة بين أفراد الأسرة ، وتوفير المناخ المساعد على الاستذكار ، وعدم التفرقة بين الأبناء ، والتربية القائمة على الحب ، وخلق الدافع والتوجيه الداخلي نحو التحصيل وحب المدرسة والعلم ..
وهناك متغيرات أخري
تخص قدرات التلميذ العقلية ، فثمة فروق بين الأبناء في ذلك وعلى الأب أن يعرف حدود وإمكانيات كل ابن حتى يستطيع أن يوجهه إلى ما يناسب قدراته من تعليم لا أن يفرض عليه نوعية معينة من التعليم لا تتفق مع قدراته ..
كذلك ميول ورغبات الابن
يجب أن توضع في الاعتبار ، فلا يجب أن يتعسف الأب نحو توجيه ابنه نحو تخصص لا يحبه ، فماذا نتوقع من ابن وجه غصباً عنه إلى كلية الطب إلا أن يكون لدينا طبيب فاشل .. !!
فعلى قدر إمكانيات الأبناء يكون التوجيه ، ومن ثم لا يجب أن نضغط على الأبناء في دخول تخصصات لا تؤهلهم قدراتهم لها ، أو نفرض عليهم مواد يدرسونها هم محـدودي القدرة فيها ..
وليعلم الآباء
أن عليهم أن يجنبوا طموحاتهم الزائدة تجاه أبنائهم عن أسلوب تنشئتهم لهم ، ذلك أن طموحات الآباء الزائدة تجاه قدرات الأبناء المحدودة يمكن أن يكون لها أثر عكسي على التحصيل ، لأنها تؤدي إلى إحساس الابن بالعجز والفشل عن أن يحقق المستوى المطلوب في الدراســـة والوصول إلى الكلية المرغوبة والتفــوق فيها ..
وكلمة أوجهها لكل أب يطلب من ابنه مزيداً من التحصيل .
هل قدمت لابنك ما يساعده على ذلك ؟
ذلك أن الحياة تعلمنا أن من يزرع يحصد ، ترى ماذا قدمت أيها الأب لابنك من وقتك ، ورعايتك ، واهتمامك ، وحبك ، وتضحياتك ..
من أجل أن تحصل على ما تريد ؟
لابد أيها الأب من أن تواجه ذاتك ، قبل أن تطلب من ابنك أن يحقق تفوقاً في دراسته ، فإذا كان هناك تقصير من قبل الآباء .
فلما يلومون أبنائهم على عدم تحقيق الطموحات المرجوة ؟
مع العلم بأن بعض الأبناء قد تكون وسيلة عقابهم لآبائهم هو عدم التحصيل بشــكل جيد ، إنها رسـالة موجــهة من الأبناء إلى آبائهم ، اهتموا بنا ، راعونا ، مزيداً من الحب ، وإلا سيكون عقابنا لكم هو عدم تحقيق آمالكم من خلالنا ..
وليس من شك أن الآباء من خبرتهم بالحياة
قد عرفوا أن النجاح في الحياة ليس هو في كل الأحوال الحصول على أعلى التقديرات أو التخرج في كلية من كليات القمة ..
بل هو نجاح وجود في مجتمع ، وهذا النجاح يتحقق بالتوافق الشخصي والاجتماعي ، والرضا عن الذات ، والتقوى والصلاح، والعمل لخير الآخرين ، وبذل الجهد في التفوق في مجال الدراسة أو العمل ، والمحاولة الدائمة نحو اكتساب مزيد من الخبرات والتفرد في التخصص ..
ومن ثم فالرأي عندي أن ميكانيكي ناجح خير من مهندس فاشل .
وبالمثل فأنه ليس من معنى لأن يكون الطالب المتفوق دراسياً .
شخصاً سيكوباتياً ، لا أخلاقي، أناني ، لا يبالي بمشاعر الآخرين ، ويعمل على إيذائهم .
أو أن يكون ممن يعاني من الاضطراب النفسـي المتمثل في بعض الأعراض العصابية ، كأن يعاني الطالب رغم تفوقه من القلق ، أو الاكتئاب ، أو الوساوس القهري أو غيرها من الأعراض المرضية ..
ونخلص من هذا إلى أن
التمتع بالشخصية السوية المتوافقة في الدراسة والعمل ومع الأقران وفي المحيط الاجتماعي ، لهي أهم ما ينبغي أن يركز الآباء عليه في تنشئة أبنائهم ، وليس أن يقتصر تنشئة الأب لابنه على أن يعاقبه من آن لآخر قائلاً له :
" هيا إلى المذاكرة " ، وربما كانت هذه الكلمات هي محور التنشئة ، وكأننا أنجبنا أبناءنا لنقول لهم " هيا إلى المذاكرة " ..
وهذا الأمر الممل جعل بعض الأبناء يسعدون غاية السعادة عندما يغادر الأب المتشدد في ذلك المنزل ، ويتضايقون إذا ما قضى اليوم كله في المنزل ..
إلى هذا الحد أصبح وجود الأب في الأســرة عقاب في حد ذاته للأبناء ..
وما من شـك أن الحياة لها مجالات متعددة وليس الاســتذكار سوى شكل واحد من أشــكالها ، ويكون من ثم على الآباء أن يوازنوا في ذلك ، ولا يضغطون على أبنائهم طيلة الوقت طلباً للاستذكار ، وأننا نرى أن تنشئة الآباء لأبنائهم التنشئة السوية يجب أن تكون هي وسيلة الآباء غير المباشرة في خلق الدافع لدى الأبناء نحو بذل مزيد من الجهد في تحصيلهم ، وأن على الآباء أن يجعلوا دافع الأبناء نحو التحصيل نابعاً من داخلهم .
إن قيام الكبار من آباء ومسـئولين
بالتفكير نيابة عن الأبناء في كل أمورهم الخاصة بالتعـليم ، من قيام بتحديد مواعيد المذاكرة ، والدفع إليها ، وتحديد أسلوب المذاكرة وكيفياتها ، إلى توجيه الأبناء نحو تخصصات معينة أو كليات بعينها دون مشاركة من قبل الأبناء ، لهو سلب لحقوق الأبناء في التفكير ، إن الأمر قد وصل لدى الأبناء إلى تأدية روتينية فيما يتعلق باستكمال مراحل التعليم ، من ابتدائي إلى إعدادي إلى ثانوي إلى جامعي دون وعي كاف للطالب بقيمة العملية التعليمية ذاتها أو هدفه من الاستمرار في التعليم ..
ولكنه القطيع الذي يسير وراء من يسبقه من أجل الحصول على شهادة جامعية لا تشبع ولا تغني من جوع ..
إن تنشئة الأبناء علم يكتسب وفن يمارس ..
وأن الأبوة مهنـة تحتاج إلى تعلم وخبرات وممارسة كمثل المهن الأخرى ، غير أنه لسوء حظ الأبناء أن هذه المهنة تمارس بدون ترخيص من قبل الدولة بالرغم من كونها أهم المهن جميعاً .
لكــونها مهنة تنشــئة الجيل الصــاعد الذي يرجى منه أن يتحمل الرسالة ..
منقووووول

أم شيمه @am_shymh
عضوة نشيطة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
وياليت اعرف المصدر هل هو من كتاب ؟؟
لاني احب اقرأ كثير في مواضيع التربيه
ومره اخرى شكككككررررا موضوع هااااادف ومهم