عطاء
عطاء
(13)

وكأنني في صحراءَ جرداء..ساكنة..خالية من جنس بشر
إلا مني
هكذا شعرتُ حينما نادى الإمام بصوت يقرعُ القلوب فكاد ينخلع فؤاد:
" الصلاة جامعة"
" الصلاة جامعة"
" الصلاة جامعة"
طار كل حرف ٍ من نداءٍ بصوابي..حتى خِلتُ نفسي وكأنني
أجري بلا هدف ..وبلا وعي..وقد طاش مني كل شيء..حافية
عارية..من كل شيء..إلا من سيئاتي..
وكأنّ السماء قد كشطت ..وزالت ..وأظلمت مني نفسي
بذهابها ....فزادت من عري روحي الثكلى..
وكأنّ الجبال قد نُسفت..فغاب عن عيني ملاذٌ ألوذُ به يؤيني...

وكنقطةٍ متناهيةٍ في الصغر ,صار الكون في عيني ..
فتلاشت في عيني دنياي فلم تعد تسعني...
ولهاثُ نفسٍ يعلو فيرتفع بصدر مثقل.. ليعلن فراراً من كل شيء ٍ
إلا من مولاه وسيده..


ياالله..
أين نحن الآن؟؟
أترانا في دنيانا نسير..
أم أنّ أقدامنا بنا تطير!!!

ياربنا أين نحن أفي دنيا البشر
أم أننا قد غادرنا إلى تلك الدار!!!

تشظت نفسٌ.. في كل ناحية... فلم أستطع لها جمعاً..
يا الله ارحمني..!!!

وبعينٍ محدقة.. في ذلك القلب الحسير..أطلقت النظر
إلى سماء أمل..وامتدت تلك النقطة التي ضاقت في نفس ٍ
اتساعاً بامتداد أفق..
وانطلق صوت مكلوم مضطرب كاضطراب حروف " الصلاة جامعة"
وكاضطراب فؤاد طير صغير يمارس تحليقاً في سمائه الصغيرة
ليدوي في ذلك العراء..صوتٌ مجلجلٌ..
رباه..ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا لنكونن من الخاسرين
رباه..ظلمنا أنفسنا فارحمنا ولاتعذبنا..
ربنا.. ظلمنا أنفسنا وزلت بنا أقدام في أوحال المعصية ..فلا تؤاخذنا
رباه..لاتعذبنا وتجاوز عن خطايانا..فإنا لانطيق عذابك...
عطاء
عطاء
(14)

نسائم رمضان تعبث بروحي الساكنة المترقبة..وكأنها تحدوللأمل
كأن القلب يهمُّ بابتسامة هادئة..
مشاعر سعادة خفية تنساب في ثنايا نفس ٍ حزينة بلطفٍ ..
كأنني أرى رمضان اليوم حقيقة ماثلة أمامي يرسم لي
حقيقة أخرىلم أكن لأفطن لها..
إنها حقيقةالدنيا..وحقيقة الإنسان..‍‍‍‍‍‍!!
نعم‍‍‍!!!
إنّ دنيانا أضغاث أحلام منقضية..تُشغلنا ونُشغلها ثمّ تمضي..
لكنّ رمضان حقيقة باقية..بقاء آثارنا... بما أودعناه فيه
وبما حملناه من هدايا نُعمّرُ فيها داراً طال انتظارها لقدوم..

و حياتنا هذه التي تغرنا..وتمتد معنا بامتداد آمالنا..قصيرة..
نقطعها سريعاً بعمرٍ منقضي كحديث الركب!!!
ومهما تشبثنا بها...ومددنا حبالاً من آمالٍ في بقاء
فسيأتي مايُقطّع هذه الحبال..برحيلنا..وتخرمنا المنون..!!!

لكنّ رمضان خلاصة عمر يودعها إنسانٌ فيه..
وعمرٌ ممتدٌ مبارك يَخلفُ العبد ليلقاهُ هناك...عند باب الريان
وأعمارٌ تُضاعف ..لمن أدرك تلك الليلة الجليلة فوافقها بعمل ٍ حسن
ليستدرك أعماراً فاتت لم تستغل في طاعة ..

رمضان حكاية بداية..ونهاية
حكاية قوة ..وضعف
حكاية إدبار..وإقبال
حكاية أمل..وشروعٌ في يأس..
رمضان حكاية إنسان...وحكاية زمان
فما أجمل الحكايتين إذا
كانت نهايتهما ..سعيدة..
آنسة مرتبة
آنسة مرتبة
غاليتي " عــــــــطاء"

اسمحي لي أن أدون إعجابي بهذا الفيض المرهف..
والحس الإيماني الرقيق..
رااااائعة ما شاء الله كما تعودناك...
خلجات راائعة بأسلوب أروع ..
خلجات فعلاً معبرة وصفت فيها كثيراً من حديث نفوسنا بطريقتك الرائعة..
كلمات مؤثرة وقوية..
أهنئك على ما تملكين من أسلوب أدبي راقي ...
وتمنياتي لكِ بمستقبل أدبي مشرق ..

تقبلي مني أرق التحايا:26:

ودمتِ في رعاية الرحمن ..

آنسة مرتبة:27:
عطاء
عطاء
(15)

علا الضباب مدينتي وعبثت ضوضاء المركبات بسكوني ..
وحرك شرارة بداخلي..هذه الأصوات أيقظت نائماً بداخلي واستحثته
أن يحاول فوزاً في الساعات الأخيرة..لعله يدرك مالم يدركه غيره
شعاع الأمل يغشى نفسي ويخلق مزيجاً نورانياً من السعادة والفأل
وحسن الظن بالله عزوجل..
لقد بلغنا النصف!!!
نعم!!
هنا انتصف الطريق فإما إلىزيادة وإما إلىنقصان!!
وعلي أن أقرر وأنا أتأرجح بين الشعورين..!!!
نفحات رمضان سُكبت في فؤاد..
فأنّى لليأس أن يغتال شعاع الأمل في نفس ترجو الخير
من مولاها!!!
وإن كانت مفلسة من نفس ٍ مغرورة بزخرف دنيا!!
يالله ما أجمل الأمل..
حين ينشرح به صدرٌ... فيتسع باتساع الأفق الممتد!!
وحين يحمل العبدفي فؤاده حسنَ ظن ٍ بمولاه ..
ويسير في دربه المحفوف بالمخاطر ...وهو واثقٌ بأنّ الله معه..
شعور ندي يرطب نفس تشعر بجفاف..ونداوة ضبابٍ في الخارج
تخلق مزيجاً لاأكاد أميزه من شعور متضافر بين الداخل والخارج
أيام قليلة وستنقضي..يارمضان..
وسترحل وتترك آثاراً في نفوسنا..


امضي ...فإن حبك تجذر في نفس ٍتأمل بلقياك كل عام
امضي ..وانثر ورودك على روح ٍ قاحلة..
امضي..وانشر عبيرك في الأفق لتتضوع روح بعبير إيمان
امضي يارمضان..وخذ معك أقبح مافيّ وألقهِ بعيداً..
امضي ..وسأنتظرك ..إن كان في الحياة بقية..
عطاء
عطاء
(16)

طرق صوت الخطيب المجلجل فؤاد -يلتذ بطول منام وسبات غفلة-..
في حديثهِ عن رمضان..وعن ليلة العتق من النيران..
ومايشرع من الدعاء في تلك الليلة ..
وإذ بدموعه السواجم تسبقُه لتتحدر على فؤاد ..
وإذ بغصّةٍ بدمعة تحول بينه وبين المتابعةلحديث عذب تشنفت له الآذان
وأصغت له القلوب..كيف لا وهو يتحدثُ عن رمضان الحبيب..!!
كان كمن يجرّ الحروف جرّاً لتتشابك فتخُرج معاني حرّى يعيشها الفؤاد المتفطّر لرحيل ضيفٍ حبيب..
وتقطع صوته ببكاء يغالبه... ليخرجني من دنياي إلى عراء وفضاء..
أتلفتُ يمنةً ويسرةًعلني أدرك حاجتي..
ويزدادُ نشيجه ....وأيام رمضان التي رحلت وودعت
تتدافع أمامي مسرعةً لتريني صورة نفسي عارية كما أنا الآن..!!!
وتتفلت منه حروف غير مفهومة علّهُ يحسن لغةً.. فلا يطاوعهُ الحرف
ولم ينقذه من تلك المشاعر المتدافعة والمختنقة التي انصبت عليه كشلال لايؤذن بتوقف.....إلا عبير أملٍ يسوق روحاً إلى نفحة ٍ من نفحات الرحمن لعل القلب يدرك حاجته..ولعل الروح تحيا..فتزهر دنياه..
طمعٌ في كرم الكريم..ورغبة فيما عند الرحيم...
جعلت تلك الحروف النورانيةتتناثر مذعنةً من لسان ذاكر..
ليسطر ذلّ عبدٍ ورجاء خائف..وخوف آمل في قادمات..

" اللهم إنك عفوٌ تحبّ العفو فاعفُ عني"
" اللهم إنّك عفوٌ تُحبُّ العفو فاعفُ عني"
" اللهم إنّك عفوٌ تُحبُّ العفو فاعفُ عني"

فينفجر بكاءً لرجاء بمولاه..ويسطر بدموعه قصة عبدٍ راج ٍ عفو سيده
آملاً في عتق رقبة من النار...

لازالت حروف الخطيب المتقطعة ترن في أذني فتحدث
انقلاباً في نفسي..
أكاد أفقد فيه اتزان..لولا حسنُ ظنّ ٍ بربي
لكنّ سؤالاً لازال معلقاً في ذهني يلحُّ عليّ و ينتظر إجابة..
أتراه يملك قلباً..ولاأملك؟؟
أتراه أحسنَ مع مولاه فجازاه بلين قلب وجريان دمع؟؟
وحُرمتُ أنا!!!
لاأدري!!!!
" اللهم إني أعوذبك من عين ٍ لاتدمع ,وقلب ٍ لايخشع.وعلمٍ لاينفع
ودعاءٌ لايسمع.."