( خير الشهور رمضان )
الحمد لله الذي أنعم علينا بمواسم الخيرات، وحبانا الفضائل والمكرمات؛ ليغفر السيئات ويضاعف الحسنات.
والصلاة والسلام على نبينا المبعوث رحمة للعالمين، وسيد الأولين والآخرين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد :
فإننا نعيش هذه الأيام مشاعر الفرحة والسرور حيث نستقبل شهراً كريماً، ثوابه عظيم، وخيره عميم، شهر الرحمة ومغفرة الذنوب، أفضل الشهور، كل خير فيه يفضل مثله في غيره، شهر رمضان الذي خصنا الله به من بين سائر الأمم؛ ليكفر عنا السيئات ويضاعف لنا به الحسنات، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده ممن تعرض لنفحات ربه وسلك موجبات رحمته، والمحروم كل الحرمان من تركه هذا الشهر ولم يغفر له.
والحقيقة أننا لسنا وحدنا ممن يستقبل هذا الشهر العظيم فهناك استقبال عظيم له في السماء من أول ليلة فيه فتفتح فيه أبواب السماء، وأبواب الجنة،وأبواب الرحمة – على اختلاف الروايات - .
وتغلق فيه أبواب جهنم، واستعداد له كذلك في الأرض فتسلسل وتصفد الشياطين ثم يناد مناد : يا باغي الخير أقبل،ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة منه.
فحري بنا أن نحتفل بهذا الشهر ونستعد له بالعزائم الصادقة، والنوايا الخالصة، وبذلك غاية الجهد في التعرض فيه للمنح الربانية، والألطاف الإلهية، فهو منحة للعابدين المحبين للتقرب لمولاهم.
وفرصة للمذنبين النادمين؛ ليقبل الله توبتهم ويغفر لهم ما مضى من ذنوبهم.
والمقصود أن نعيش رمضان حقاً كما ينبغي : فإن كان الله قد شرع لنا التعبد له في رمضان، بالامتناع عن بعض المباحات في نهاره، فلا ننسى فيه أن الأصل والاهم هو التعبد لله بالامتناع عن المحرمات ليلاً ونهاراً رمضان وغيره، ولكن شهر رمضان هو شهر التقوى ، وشهر الجهاد والمجاهدة، وشهر الاعتياد على الخير والتعود عليه، فالواجب على المسلم أن يضع لنفسه برنامجاً عملياً جاداً قبل بدء هذا الشهر الكريم سواء لتغذية القلب والروح، أو لتزكية السلوك والجوارح، أو لتغيير عادات درج عليها من قبل حتى لا يكون رمضان شهراً مثل الشهور الماضية ولكن بداية مباركة للشهور القادمة وبداية لمرحلة جديدة في حياته يقترب فيها من الله ويبتعد فيها عن الغفلة واللهو.
ولنتذكر أن مجرد دخول شهر رمضان علينا وبلوغنا إياه في عافية في ديننا ودنيانا، نعمة عظيمة تحتاج إلى شكر وثناء لله المنعم المتفضل بها .
كم كنت تعرف ممن صام في سلف
من بين أهل وجيران وإخـــــوان -
أفناهم الموت واستبقاك بعد همو-
حياً فما أقرب القاصي من الداني
اللهم فوفقنا لاغتنام أوقاته بالطاعات حتى نفوز فيه بالرحمة والعتق من النار.
ولاشك أن الجميع يعلمون ما للصوم من فضائل، وما لهذا الشهر العظيم من ميزات وخصائص، ولكن لابد من لفت الانتباه إليها والتذكير بها لحاجة المؤمنين؛ لذلك قال تعالى : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (الذاريات:55)
ليزدادوا عملاً واجتهاداً ويكون لهم حافزاً على التشمير؛ ليفوزوا بتلك الجوائز والعطايا العظيمة التي أعدها الله للصائمين :
1-للصوم أجر عظيم : لا يعلمه إلا الله عز وجل كما جاء في الحديث القدسي : " كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به " .
وفي رواية لمسلم : " كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى : " إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ، يدع شهوته وطعامه من أجلي.. " .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله تعالى إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا " .
ومن فضائل الصوم أنه لا يزال يشفع لصاحبه يوم القيامة حتى يشفع فيه، ومن ختم له بصيام يوم ابتغاء وجه الله؛ دخل الجنة كما جاءت بذلك الأحاديث الثابتة .
وجاء في الحديث المتفق عليه: " أن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد " .
2-ومن فضائل رمضان : تلك الأحاديث المرغبة فيه الدالة على عظمته وهي كثيرة منها :
-عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين".
وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً؛ غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه" .
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة ( يعني في رمضان ) وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة " .
تلك هي بعض فضائل رمضان وصيامه وقيامه فهل من مشمر لذلك الخير؟ واعلموا أن الله ينظر إلى تنافسكم فيه ويباهي بكم ملائكته فأروا الله من أنفسكم خيراً فإن رحمة الله قريب من المحسنين .
1-الإكثار فيه من الصلاة والحرص أشد الحرص على أدائها في أوقاتها وبخشوعها وكمال أركانها وواجباتها فمن فرط في الواجبات فبأي شيء يتنافس في هذا الشهر؟
2-الحرص على الأذكار والأدعية الواردة بعد الصلوات فإنها كفارات ودرجات وقد جاء في الحديث : " ما عمل آدمي عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله " .
وخاصة بعد صلاة الفجر، فقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس حسناً" وفي ذلك العمل الموفق أجر عظيم وثواب جزيل إلا صلى بعده ركعتين فيكتب له أجر حجة وعمرة تامة تامة كما جاء في الحديث .
3-الإكثار من قراءة القرآن فهو شهر القرآن تلك القراءة المتأنية المتدبرة شهر الحفظ والمراجعة .
فلقد كان جبريل يعارض النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان كل سنة مرة .
وقال الزهري : " إنما هو تلاوة القرآن ، وإطعام الطعام " .
وكان مالك يترك مجالس العلم وقراءة الحديث، ويعكف على المصحف.
أما قتادة فيختم كل سبع ليالي وفي رمضان كل ثلاث ليالي وفي العشر الأخيرة كل ليلة، على العكس من بعض الناس فإنهم يجدون في قراءة القرآن أول الشهر ويضعف في آخره حتى أنه لقد لا يختمه ولا مرة واحدة .
وينبغي عند قراءة القرآن التدبر والتأمل والفهم، وعند المرور بآية رحمة يسأل الله ، وعند المرور بآية عذاب يستعيذ بالله من عذابه.
ولنحرك قلوبنا بتلك الآيات، ونتتبع بها مواطن الداء في نفوسنا، ولا نخدع بذلك الخوف القاصر الذي يخطر بالقلب عند سماع آيات القرآن؛فيورث البكاء وتفيض الدموع، فإذا غاب ذلك السبب عن الحس رجع القلب إلى الغفلة، فهذا خوف قليل الجدوى والنفع، بل لا يستحق أن يسمى خوفاً ولا خشية إذ لم يؤثر في الجوارح انكفافاً عن المعاصي وباعثاً على الطاعات وهذا خوف غالب الناس اليوم.
وقد قيل : ليس الخائف من يبكي ويمسح عينيه ، بل من يترك ما يخاف أن يعاقب عليه .
4-الصدقة في رمضان أمرها عظيم فهو شهر الجود والإحسان إلى الفقراء كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس،وكان أجود ما يكون في رمضان، فيكون أجود بالخير من الريح المرسلة، ولا يسأل شيئاً إلا أعطاه.
وقد جاء في الحديث : " من أنفق نفقة في سبيل الله له سبعمائة ضعف" إلى جانب أن شهر رمضان زمن يضاعف فيه الحسنات فهنيئاً للمتاجرين مع الله في هذا الشهر العظيم بالربح المضاعف.
فعلينا أن نبسط أيدينا وأنفسنا فيما نحب من المال والمتاع فقد قال تعالى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ )(آل عمران: من الآية92)
وفي الحديث : " ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفا، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكاً تلفا" .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله قال لي : أنفق أُنْفِقْ عليك " .
ولا ننسى في هذا الشهر إطعام الطعام، وتفطير الصائم، فإنه من أعمال البر.
5-ولا ننسى فيه العفو عن الناس فإنه من أعظم الأعمال، وكذلك الإصلاح بين الناس فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " ألا أدلكم على أفضل من الصلاة والصيام والصدقة: إصلاح ذات البين " .
والسعي لإزالة العداوة والبغضاء فإن الأعمال تعرض على الله فمن مستغفر فيغفر له ؟ وتائب فيتاب عليه؟ ويرد أهل الضغائن بضغائنهم ، وأهل التخاصم بخصامهم حتى يتوبوا ويصطلحوا .
فمن لم يستطيع ذلك من نفسه فليعلم أنه من الشيطان ، وليحرص على الدعاء عند الإفطار أن يذهب الله ذلك من قلبه وقلوب إخوانه فإن للصائم دعوة لا ترد عند فطره.
6-وأهم من ذلك كله الاعتناء بالنظافة والتطهير : نقصد بها النظافة المعنوية أي التوبة الصادقة النصوح من جميع الذنوب والمعاصي وهذه واجبة في كل وقت بالندم على ما فات من التقصير والتفريط.
فالمقصود من الصيام هو طاعة الله سبحانه وتعظيم حرماته وجهاد النفس فيه وتعويدها على الصبر عما حرم الله وليس المقصود مجرد ترك الطعام والشراب. قال صلى الله عليه وسلم : " الصوم جنة " أي وقاية وحجاب دون المعاصي ينجو به من النار، واعلموا أن اقتراف المحرمات ينقص الأجر بقدر إصرار العبد عليها .
قال صلى الله عليه وسلم : " من لم يدع قول الزور والعمل به؛ فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" .
قول الزور : كل قول باطل وصوت محرم.
عمل الزور : كل فعل وعمل محرم.
-فالقلب يصوم من الاعتقاد الفاسد والنوايا السيئة والمقاصد المحرمة، وأن يكون القلب بعد الإفطار مضطرباً بين الخوف والرجاء إذ ليس يدري أيقبل صومه فهو من المقربين أو يرد عليه فهو من الممقوتين؟ وليكن كذلك في آخر كل عبادة.
-واللسان يصوم: وصيامه حبس لسانه عن اللغو والسباب والانطلاق في أعراض الناس- وكم من صائم فسد صومه يوم فسد لسانه وساء منطقه.
-والعين تصوم وصومها غضها، وكف البصر عن الاتساع في النظر إلى كل ما يذم ويحرم، وكف السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه ومحرم؛ لأن كل ما حرم قوله حرم الإصغاء إليه، ولذلك ساوى الله عز وجل بين السمع وأكل السحت في قوله تعالى:(سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ )(المائدة: من الآية42)
ورمضان فرصة لتطهير الآذان عن سماع الحرام قال تعالى : (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ )(القصص: من الآية55)
ويخطئ بعض الناس فيعتقد أن العبادة قاصرة على نهار رمضان، وأن ليله كسائر الليالي فيكون نهاره في عبادة وطاعة وتلاوة فإذا أفطر أباح لنفسه الانطلاق واللهو، والحقيقة أن الصوم بمعناه العام والخاص يتم في شهر يبدأ لرؤيته وينتهي برؤيته ، والله سبحانه وتعالى لم يقل أيام رمضان بل قال : " شهر رمضان "فكل ساعاته ولحظات رمضان.
ونود أن ننبه أن الصيام ليس مدعاة للكسل والخمول .
وإنا لنعجب هل هذا الشهر شهر نوم أم شهر صيام وتنافس في الطاعات والله عز وجل ينادينا ويقول :( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)(البقرة: من الآية148) ، (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ)(آل عمران: من الآية133)، ويقول : (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا)(الأنعام: من الآية132) .
فذلك الصائم النائم لا يعد يشعر بلذة الصيام ولا جهده ولا حكمته، فمن حكم الصوم اختبار إراداته حيث يمنع من الشهوات، وبالنوم تتعطل الإرادة، وهو أمر مخالف للفطرة .
رمضان موسم عبادة وطاعة وهمة ونشاط وانطلاق ! بل هو شهر الفتوحات والانتصارات فغزوة بدر الكبرى وفتح مكة واستعدادات الخندق وعين جالوت كلها كانت في رمضان .
والبعض من جراء كثرة النوم والكسل يضيع أو يؤخر بعض الصلوات وهذه مصيبة كبيرة على الصائم.
وكما قال أحد الصالحين : العمر قصير فلا تقصره بالغلة.
ونحن نقول : رمضان قصير .. قصير .. فلا تقصره بالنوم والكسل والجلوس أمام الملهيات.
أوقاته ثمينة غالية عزيزة لا تعوض ولا يساويها شيء، فهو موسم طاعة وتعرض لجود الرحمن وتضرع بين يديه، وليس موسم أكل وموائد واجتماعات ولغو ونوم.
وقد قال مالك : " لا ينبغي للمؤمن أن يكون بطنه أكبر همه وشهوته هي الغالبة " فهي أيام تنقضي شاهدة للطائعين وحجة على العاصين .
قال الحسن البصري : " إن الله جعل شهر رمضان وقتاً للمسابقة إلى الخيرات والمنافسة بالأعمال الصالحات فسبق قوم ففازوا، وتخلف قوم فخابوا " .
فعلينا بلزوم الاستقامة والثبات عليها وسؤال الله ذلك في رمضان وغيرهن والاعتناء بأمر الخاتمة؛ فالأعمال بالخواتيم فقد روى الإمام أحمد عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن من الناس من يولد مؤمناً ويعيش مؤمناً ويموت كافراً " نعوذ باله من مضلات الفتنة ونسأل تعالى أن يعطينا البصيرة في ديننا .
ولأهمية القيام في رمضان. فإننا ننبه على صلاة التراويح فإنها من قيام رمضان فصلوها بطمأنينة وخشوع وحضور قلب، واحتاطوا لذلك ببذل الأسباب. فإن واجهتك عوائق دون صلاتها بعد العشاء فتؤخر صلاتها أوسط الليل أو آخره.
تنبيه على صلاة المرأة في المسجد :
أجاز الشرع صلاة المرأة في المسجد بضوابط وشروط، قال صلى الله عليه وسلم : " إذا استأذنت المرآة أحدكم في المسجد فلا يمنعها " .
وقال صلى الله عليه وسلم : " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن " .
فيجوز للمرأة أن تصلي في المسجد ولكن مع مراعاة آداب الخروج من المنزل : التستر التام الشرعي،وعدم التطيب، وتجنب وسط الطريق، وعدم مزاحمة الرجال، وألا تكون بذلك مفرطة في واجب من طاعة زوج أو رعاية أبناء.
كما أن عليها المناصحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وتعليم الجاهل، ونصح الغافل، وكذلك الحرص على عدم إيذاء الآخرين في المسجد بمضايقة أو إساءة لفظ أو اصطحاب الأطفال؛ لأن في ذلك أذى للمصلين.
إلا أن صلاتها في بيتها خيرُ لها وأقرب وأسلم من التعرض للفتن، وهذا ما يدل عليه الحديث السابق : " وبيوتهن خير لهن " .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المرأة عورة وإنها إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان، وإنها لا تكون أقرب إلى الله منها في قعر بيتها".
وقال صلى الله عليه وسلم : " أن أحب صلاة المرأة إلى الله في أشد مكان في بيته ظلمة " .
وجماعة من العلماء رأوا أن صلاتها في بيتها أفضل حتى من الصلاة في المسجد الحرام لإطلاق الأحاديث.
كما جاء في حديث أم حميد الأنصارية لما قالت لرسول صلى الله عليه وسلم : " يا رسول الله إني أحب الصلاة معكم فقال: " قد علمت أنك تحبين الصلاة معي ، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي " .
قالت : فأمرت فبنى لها مسجد في أقصى شيء في بيتها وأظلمه، فكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل .
فانظري يا أختي المسلمة إلى طاعة تلك المرأة المؤمنة وتسليمها لأمر نبيها فيكون بذلك للمرأة أجر مضاعف في صلاتها في بيتها: فضل الصلاة في بيتها وأجر طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بيوتهن خير لهن " ، وأجر طاعة الله بالقرار في البيت : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ )(الأحزاب: من الآية33)، والتماساً لمرضاة ربها بصون نفسها عن أن تَفْتِنْ أو تُفْتَنْ .
ولو كان ذلك الأمر يخالف ما تحبه إلا أن محبة ما يحبه الله مقدم على محاب النفس ولو حسب أنه يحسن صنعاً؛ لأن الدين والأجر والثواب ليس بالرأي ولا بالهوى إنما هو بالتحكيم لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
قال تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65)
وعائشة رضي الله عنها قال : " لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء اليوم لمنعنهن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل " .
فكيف لو رأوا ما يحدث اليوم على أبواب المساجد من اختلاط الرجال بالنساء، ومن مظاهر تهاون بعض النساء بحجابهن، فمن كاشفة لوجهها، ومن لابسة للعباءات المزخرفة، ومن متعطرة إلى جانب المخالفات والخلل الذي يوجد داخل المساجد بين صفوف النساء من إخلال بالصف وعدم التحفظ في ستر ما ينبغي ستره أثناء الصلاة كالأقدام، وغير ذلك كثير .
فلا يغيب عن بال من قصدت المسجد إلى الصلاة أنها مطالبة بالنصح والتوجيه والإنكار ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.
ومن استطاعت الإنكار مع العلم وسكتت فإنها لا ترجع إلى بيتها سالمة . والسلامة لا يعد لها شيء ولن تسلم المرأة من ذلك كله إلا بالقرار في بيتها والوقوف بين يدي ربها خاشعة خاضعة آمنة على نفسها من الإثم والمسؤولية والرياء .. نعم الرياء لأنك في بيتك قد يصاحبك خشوعك وقراءتك تأثر وبكاء فلا تتحرجين من ذلك لأنك خالية وبذلك يكون عملك أخلص وأمحص.
ومما يجدر التنبيه إليه أيضاً أن بعض المسلمات إذا جاءتها الحيضة فترت وكسلت عن الطاعات والتماس القربات، وهذا حرمان للنفس من الخير فأبواب الخير كثيرة كما سيأتي بيانه.
ولكن قبل ذلك أحب أن ألفت نظر الأخوات وأنبهن إلى أمر مهم، مما يصيب بعضهن من مظاهر السخط والاعتراض إذا هي حاضت وهذا خطأ كبير ومزلق خطير قد تحمل به الإثم وتخسر به الأجر؛ لأن أمر الحيض هو من قضاء الله وتدبيره، والمسلم مطالب بالرضا بقضاء الله والتسليم له وعدم الاعتراض عليه فإذا خالف ذلك فإنه دليل على ضعف إيمانه وقلة يقينه فيخسر أجر الصبر وقد يكون الإثم نتيجة حتمية لضعف الإيمان، فيحمله المرء بسببه.
دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها عام حجة الوداع وهي تبكي وكان قد أحرمت بالعمرة فقال : " مالك لعلك نفست " قالت : نعم قال : " هذا شيء كتبه الله على بنات أدم " فذكرها بأنه من أمر الله وتدبيره.
فعلى المرأة إذا حاضت أن تصبر وتحتسب.. نعم تحتسب تركها للصلاة والصيام وقت الحيض؛ لأنها ما تركتها إلا طاعة لله وتعبداً له؛ لأن الطاعة نوعان :
1-طاعة تركية .
2-طاعة فعلية.
فعندما تركت الصلاة والصيام لنهي الله لها عن ذلك وقت حيضها كان ذلك منها طاعة يكتب لها به أجر، فتأملوا .
إلى جانب أجر عمل القلب ألا وهو الرضا بالقدر وهو أفضل ما يتقرب به العبد إلى ربه؛ فيكتب لها به أجر كذلك .
لأن الأجر والثواب ليس على كثرة العمل وإنما على قدر قوة الإيمان، وصدق الإرادة، وإخلاص النية، وحسن الظن بالله، والاعتماد عليه، والثقة به.
ثم لا تنسى أن أجر صيامها وقيامها محفوظ ومكتوب لها مثل ما كانت تعمله في باقي الشهر قال صلى الله عليه وسلم : " من سافر او مرض كتب له مثل ما كان يعمله وهو صحيح مقيم " وكما قلنا إن أبواب الخير أمامها كثيرة، ومفتوحة كل وقت منها :
1-الدعاء كما في الحديث " الدعاء هو العبادة " .
2-الذكر من التسبيح والتهليل والتكبير والاستغفار والذكر عموماً والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم : " ما عمل آدمي عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله " .
3- الصدقة بالمال أو بصنع الطعام : للمحتاجين وتوزيعه وإن كان يخصص لذلك لأحد المساجد التي تقع في الأحياء التي يكثر فيها العمال والمحتاجين فهذا أمر طيب .
4-ثم لا تنسى أن تحتسب أجرها بالقيام : على خدمة زوجها وأهل بيتها فلها بذلك أجر عظيم لما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم : " ذهب المفطرون بالأجر " .
5-الإحسان بالقول والفعل : وأولى الناس بالإحسان من هم تحت يدك من الخدم لدخوله في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : " من خفف فيه عن مملوكه؛ غفر الله له وأعتقه من النار " .
فأسباب المغفرة في هذا الشهر العظيم كثيرة، وأبواب الخير مفتوحة.
فمتى يغفر لمن لم يغفر له في رمضان ؟
ومتى يقبل من رد في ليلة القدر ؟
ومتى يصلح من لم يصلح في رمضان ؟
نسأل الله لنا ولعامة إخواننا المسلمين التوفيق والقبول.
الكاتبه: الداعيه د- أسماء الرويشد
سوار542 @soar542
عضوة نشيطة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
جزاك الله اعالي الجنان
وبارك الله فيك
ووفقك ويسر امرك لما يحبه ويرضاه
وسدد ربي على دروب الخير خطاك
موفقة باذن الله
وبارك الله فيك
ووفقك ويسر امرك لما يحبه ويرضاه
وسدد ربي على دروب الخير خطاك
موفقة باذن الله
الصفحة الأخيرة
ابي تفاعل