'خير النفوس
هناك أناس ولدوا وعاشوا وماتوا كما عاشوا,لم يسمع بهم أحد ولم يتعد خير أحدهم حدود نفسه,فعاش لها غير مبالٍ بالمجتمع من حوله. وهو إن التفت إليه فكالتفات أحدنا غذا سار في الطريق يحاذر من العربات والزحام ,وهو إن فكر فيه فكما يفكر أحدنا في طعامه وشرابه. وهناك أناس ولدوا وعاشوا للناس وبالناس ,يلتمسون آلامهم وأوجاعهم ويسارعون في تخفيف ما يستطيعون او علاج ما يطيقون,يفكرون فيهم ليل نهار,ينتقون منهم شباناً خضر النفوس,رهف القلوب كما ينتقي أحدنا أطايب الثمر, فيكونوهم على أعينهم ويعيدون تشكيلهم وتهذيبهم ثم يخرجونهم تارة أخرى إلى الدنيا بنفوس غير التي دخاوا بها وبعقول وأرواح جديدة,تحب الخير وتتفانى في إسداء النصح والإرشاد. من الصنف الثاني كان الإمام 'البنا'-عليه رحمة الله-والقارئ لموضوع الإنشاء الذي كتبه قبل أن يتخرج من دار العلوم , يدرك أىنفس تلك التي كان يحملها ذلك المجدد العظيم. فهو يصف خير النفوس بانها تلك تلك النفس التي تقدم الخير للناس,والتي تسعى في سبيل تعليمهم وإرشادهم وتتحمل ما ينتج عن ذلك من مشاق وتضحيات , وتتقبل راضية أى رد فعل منهم. وكأنه يعلن عن نفسه وعن مساره بهذا الموضوع الإنشائي الذي هو أشبه بخط سير او خطوط عريضة وضعها لنفسه ليسير عليها بقية عمره. وقد كان!! فما إن تخرج من دار العلوم بترتيب الأول على القطر المصري, حتى سارع إلى التعليم! عين مدرساً بالإسماعيلية..مدرس عادي..بل أقل من العاديوفهو مدرس ابتدائي,لكن قلبه كان أكبر من قالبه, ومثل هذا لابد له من مشاكل وعقبات. وقد كان!! لكنه لم يبال,واستمر يدعو في ثوب جديد, بعيد كل البعد عن المصيدة التي تنصب لكل عالم وهي الخلافات الفقهية والمذهبية التي تستهلك العمر والذهن والطاقات. ثم اتجه إلى المقاهي ,كانت بداية عجيبة حقاً,أن يقف إنسان وسط هذا الصنف من البشر الذين لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه. ولكنه وقف بينهم,بعدما ألقى بجمرة وسط المقهى فر منها الناس مذعورين, فالتقط الخيط وانبرى يقارن بين نار الدنيا ونار الآخرة, والناس في دهشة من هذا الأسلوب الجديد. انتقل بهم بعد ذلك إلى المسجد ..يعلمهم الوضوء عملياً ويصلي بهم ثم يجلس ليعلمهم وينتقي منهم من تتوفر فيه الصفات التي اشترطها لحمل فكره ودعوته! انتقل من طور إلى طور ومن بلدة إلى بلدة, يجوب القرى والنجوع, ليقدم للناس الدواء الشافي مما حل بالأمة من نكبات. واجتاز الرجل كل العقبات,وكان أشقها عقبة حظ النفس وما بها من غرور وحب ظهور وحب الجاه والشهرة,تغلب الرجل على كل هذا بتوفيق من الله لأان سمو روحه وطهارة دعوته كانا أكبر من كل ما عرض عليه. فإذا انتقلنا من فتنة السراء إلى فتنة الضراء وجدنا عجباً,فالرجل - وكأنه يعلم ما قد يصيبه واتباعه من أذي- كان يربيهم على على ذلك. يمشي بهم في الصحراء حتى تتفطر أقدامهم,ويجوع معهم أياماً طويلة حتى تلتوي امعاؤهم, ويأكل معهم الأرز مخلوكاص بالتراب! ودارت الأيام دورتها وسيق هؤلاء الاتباع إلى السجون, وأكلوا الأرز مخلوطاً بالحشرات والهوام, والخبز مخلوطا بالنمل والصراصير! وعلا صوته-وكان لابد له أن يعلو-فهو صوت الحق,ونفسه نفس الخير,ووصل إلى مسامع الملك والإنجليز. وكان لابد مما ليس منه بد,التصفية الجسدية,لعلها تصفي فكرته ومبادئه. ولكن حسن البنا الذي أحسن البناء وأرسى قواعده, كان قد سبقهم من زمن , وحمل أتباعه الامانة, فقد كان يعدهم لمثل ذلك اليوم! وبالفعل نالت الرصاصات من الجسد الذي أبلاه صاحبه في السفر والترحال من أجل ان يسمع الرضيع كلمة الحق. واستشهد حسن البنا , وتركه الاطباء باوامر من الملك ينزف حتى الموت, فقدم بذلك روحه قربانا ً لربه وبرهانا على صدقه. فاللهم ارض عن البنا وتقبله عندك في ال
estishhad @estishhad
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
(ام حسن)
•
جزاكي الله خير
الصفحة الأخيرة