داء فتاك وسم قاتل ومفترس شرس يأكل الحسنات ويضاعف السيئات دب في المجتمعات يتعاطاه الكثير من الناس في تجاراتهم وأعمالهم ومسئولياتهم ودعاويهم وخصوماتهم إلا من رحم ربي. هذا الداء ضاعت به الحقوق وتصدعت به البيوت والأسر وبه صدت النفوس عن الحق وأصبح صاحب الحق في حيرة من أمره ماذا يفعل كي يصل إلى حقه المشروع و ما دب هذا الداء في مجتمع إلا تداعت أركانه وهبط في مستواه الخلقي وسيطرت فيه المادة على قلوب كثير من الناس فيصبح صاحب الحق في قلق شديد لأنه لا يمكنه الحصول على حقه إلا إذا قدم جعلا لمن عنده وسيلة للحصول عليه.ناهيك عن ضياع مدخرات الأمة والمجتمع ومنجزاتها ومشروعاتها وفسادها بسبب تعاطي هذا الداء العظيم. حرمه الله بنص القرآن وحرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته وأجمعت الأمة وعلمائها وعقلائها على تحريمه لما له من مردودات ونتائج سيئة على الفرد والمجتمع بل وعلى الحياة العامة.لعل الأحباب يتسائلون عن ماهية هذا الداء الفتاك ألا إنه الرشوة وما أدراك ما الرشوة فلا ترى صاحب ظلامة يطمع في رفع ظلامته عنه إلا أن يرشي من له القدرة على رفعها.وقد يبلغ الأمر بالمرتشي إلى أن يماكس الراشي في مقدار الرشوة والعياذ بالله وربما كان ذلك جهرا بلا حياء ولا خجل من الله.إن الرشوة تعني أن المبادىء ليست هي التي تسود الأمة وأن الأخلاقيات قد سحقت تحت أقدام الراشي والمرتشي والنتيجة أن أصيبت مصالح الأمة بالشلل وعقول النابغين بالعقم ومواهب المفكرين بالجمود وعزائم المجدين بالخور والفتور.ومع الأسف الشديد صارت الرشوة تتداول بشكل عادي وكأن الإسلام ما حرمها أو تطرق إليها.ولعمري لقد اعتبرها الإسلام أمر محرم ومن أكل أموال الناس بالباطل بل من الظلم البين الذي تجب محاربته وكان موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام منها موقفا حازما حتى صارت مبادىء الدين والإنسانية وحدها هي التي تهيمن على أمة الإسلام .ولا يخفى على عاقل أضرار الرشوة على الفرد والمجتمع من ضياع للكرامة وضعف للهيبة واضمحلال للدين والإيمان وهضم للحقوق وتعمد للقيام بواجب العمل وتسيير مصالح الناس والغش والخداع وضياع الأمانة لدى الراشي والمرتشي والرائش.
إذا رشوة من سور بيت تقحمت ∞ لتسكن فيه والأمانة فيه
سعت هربا منه وولت كأنها ∞ حلم تولى عن جواب سفيه
يقول الله محرما للمال الحرام بأي طريق كان(ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون) وهذا التحريم يعم الخصومات والخلافات وغيرها. ويعم من يدفع لشخص مالا أو خلافه مقابل الحصول على شيء ليس له بحق. وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال:لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي) وزاد أحمد رحمه الله والرائش. حتى الرائش أي الواسطة بين الراشي والمرتشي ما سلم من اللعنة.ومعلم أن حقيقة اللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله.ولا يقع ذلك إلا على مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب فدل على أن الرشوة كبيرة من كبائر الذنوب. وكيف لا تكون كذلك وهي فساد للضمائر وإضرار بالعباد وحرب على العدل. والذي نفسي بيده لإن يأكل المرء من ورق الشجر وينام تحته خير له من درهم حرام . فالأمر جدا خطير ومهما تستر المرء على نفسه فإنه سيأتي يوم ينكشف فيه الغطاء وتظهر الخفايا ولا فضيحة إلا فضيحة الآخرة يقول الله لآكل الرشوة (لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد) والمصيبة لم يعد الأمر قاصر على الشخص نفسه بل وصل الأمر إلى الأسرة والأبناء فيغذيهم بالحرام وينبت أجسادهم على الحرام فيكون هو الجاني عليهم وقد كان من نساء السلف من إذا خرج زوجها لطلب الرزق قالت له اتق الله ولا تغذينا من الحرام أو نحو هذا فأين من نساء اليوم من تفعل هذا بل قد تكون هي عونا له على الحرام والعياذ بالله.وما آل حال المجتمع اليوم إلى ماهو عليه إلا بسبب أكل الحرام من رشوة وربا وغش وخداع وغير ذلك. إن الأصل في المسلمين أن يعين بعضهم بعضا على الخير ويساعد بعضهم بعضا في المعروف فيما لا يضر بحق امرء مسلم وهذا مبدأ من مبادىء الإسلام قال عليه الصلاة والسلام( إن الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه)والرشوة تنافي هذا المبدأ العظيم. ومن العجيب أن الرشوة قد تلبست ألبسة متنوعة وخصوصا في هذه الأزمنة وتأخذ صورا شتى كما قيل:
ثوب الرياء يشف عما ما تحته ∞ فإذا التحفت به فإنك عاري
فقد تلبس الرشوة ثوب الهدية المزينة بالورود سواءا في مكان عمل أو في بيع أو شراء وكل هذه الحيل لا تخرج الأمر عن حقيقته وهي في جميع الصور رشوة. بشعة المنظر سيئة المخبر نتنة الرائحة ملوثة الشرف مضيعة للعفة والكرامة. قال الله عز من قائل(أكالون للسحت)قال الحسن وسعيد بن جبير هي الرشوة. وقد وقف الرسول صلى الله عليه وسلم من الهدايا موقفا لا لبس فيه خصوصا تجاه الأموال والحقوق وكذاك هدايا العمال فقد اعتبر عليه الصلاة والسلام ما يهدى إلى كثير من الناس وخصوصا فيما يتعلق بأحكام الناس وحقوقهم اعتبر ذلك رشوة ما زال أن وراء الإهداء مصالح ومآرب تضيع معها حقوق الناس. وقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة(أي الزكاة) فلما قدم قال:هذا لكم وهذا أهدي إلي فقام رسول الله صلى الله وسلم على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قالLأما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول :هذا لكم وهذا هدية أهديت إلي أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا والله لا اخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله تعالى يحمله يوم القيامة. إلى أن قال صلى الله عليه وسلم اللهم هل بلغت)متفق عليه. وهاهو ابن عمر رضي الله عنهما يشتري إبلا ثم يرجعها إلى الكلأ العام للمسلمين لترعى فلما سمنت قدم بها إلى السوق فدخل عمر السوق فرأى إبلا سمانا فقال لمن هذه الإبل فقيل لعبد الله بن عمر فجعل يقول يا عبدالله ابن عمر بخ بخ ابن أمير المؤمنين فجاء عبد الله ابن عمر يسعى فقال مالك يا أمير المؤمنين قال ما هذه الإبل قال اشتريتها وبعثت بها إلى الحمى أبتغي ما يبتغي المسلمون.فقال ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين أغد على رأس مالك واجعل الفضل في بيت مال المسلمين) سبحان الله ما أروعه من عدل وورع وتقوى.حتى الشفاعة(في عرف الناس اليوم الواسطة) التي يشفع بها المرء لأخيه في أمر من أمور الدنيا يبتغي بها وجه الله إذا أخذا عليها هبة أو هدية فقد أتى بابا من أبواب الربا لأن عمله أصلا لله ويطلب المكافأة من الله في عمل خير لأخيه المسلم فكيف يأخذ من أخيه عوض زيادة على ذلك هذا في الشفاعة فكيف بمن يتعمد إعطاء الرشوة أو أخذا او السعي فيها لإحرام المسلمين حقوقهم!!!! قال علي الصلاة والسلام(من شفع لرجل شفاعة فأهدى له هدية فقد أتى بابا من أبواب الربا) قال ابن مسعود رضي الله عنه:السحت أن تطلب لأخيك الحاجة فتقضى فيهدى إليك الهدية فتقبلها) ومن هنا أخي الحبيب ترى عواقب الرشوة الوخيمة التي صارت السبب الرئيسي في قطع المعروف بين الناس اليوم.وسدت أبواب العون والمساعدة بين المسلمين وطمست معالم الأخوة الإيمانية.وبعد هذا كله نتساءل عن أسباب تفشي هذا المرض الخبيث بين الناس فنجد أنها تتلخص في التالي:
أولا: ضعف الوازع الديني والقاعدة الإيمانية عند الكثير من المسلمين اليوم.
ثانيا: الإقبال على الدنيا والزهد في الآخرة وإيثار العاجل على الآجل.
ثالثا:فوات عنصر التقوى في القلوب أو اضمحلاله وقلة الخوف من الله وسوء العاقبة.
رابعا:قلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تجاه الرشوة وضعفه حتى صارت أمرا مألوفا وطعما مستساغ عند الكثير من الناس.
خامسا: تلبيس الشيطان على كثير من الناس في أمر الرشوة فنمقها وزينها وألبسها ألبسة شتى وسماها لهم بغير اسمها.
سادسا: ضعف الجانب العلمي والتوعوي عند الناس في أمور الدين وفي جوانب الحلال والحرام بالذات وتفشي الجهل بين الناس.
سابعا: العزوف عن سؤال أهل العلم في اشتباه الأمور على الناس.
نعوذ بالله تعالى من الرشوة ومصادرها وسبلها وأن يرينا الحق حقا فنتبعه والباطل باطلا فنجتنبه.
حكمة المقال ( ما أعجب الموت!!!!!! ما أعجب الموت!!!!! يذل أمامه كل جبار في الأرض )
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

انثى في عالم حواء
•
يعطيك العافيه....



الصفحة الأخيرة