دخلتُ على جدي وهو يردد ....

الملتقى العام

بسم الله ، والصـــلاة والسلام على أشرف المُرسلين الذي أرسله الله رحمة للعالمين

قال علماؤنا من قبل: (إنما العلم الخشية)

وما أحسن ما قالوا والله ؛ فإن العبد إذا تعلم وما عمل بما علم ، ما ينفعه هذا؟

وإذا لم ينتفع بالعلمِ والعملِ الخشيةَ والقربَ من الله فلأي شيء سعى؟

وهذه المقولة العظيمة تذكرتها وأنا أرى جدي الغالي -حفظه الله- ، والله إني تعلمت منه درسا بل دروساً ما أظن أن بطون الكتب تُعَلّمَنيها ، فسبحان الله الذي رطب لسانه بذكره.

في يومٍ جلست عنده ، فسألني: "كم تحفظين من القرآن؟" فلما أجبته دعا لي بالبركة والثبات وتمام حفظ كتاب الله ، ثم قال: "سأقرأ لكِ حفظي من البقرة" ، فقرأ والله لا أستطيع وصفاً لقراءته ، رغم أنه كانت بلهجته وفيها أخطاء ، لم يرتل ولم يجود ، إلا أنها خرجت من قلب -أحسبه والله حسيبه- عرف الله عز وجل ، لقد اهتز قلبي لقراءته ، كان يعي ما يقرأ ، رأيت الدموع حبيسة عينيه ، وأما العبرات فلقد غيرت نبرة صوته ، يا الله كم فرطنا بتلاوة القرآن ؟ وكم قرأناه دون خشوع وتفكر وتأمل وتدبر للآيات العظام التي تدك الجبال دكاً لو أنزلت عليها؟ ألم يقل الله -جل في علاه-: "لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله" لكن قلوبنا باتت أقسى من حجارة الجبال , فإلى الله المشتكى من حالنا , والله وحده المستعان.

ثم لما انتهى من قراءته قال ضاحكاً: "لستم وحدكم تعرفون القراءة والقرآن" فضحكت أو تضاحكت وقلت في نفسي: ليتنا مثل قراءتك يا جدي.

قال لي: "ليتكِ تُحَفّظيني وتعلميني سورة البقرة" ، فكان ردي ابتسامة خجلى ارتسمت على محياي ، حياءً منه وتقديراً له ، ولقد عجبت والله من همته وانحطاط هممنا ، حتى أنه يطلب من حفيدته تعليمه وما استحى وما استكبر عن التعلم ، بل بوده والله لو أحفظه وقالها صادقاً متمنياً هذا ، وأثناء كتابتي لهذه الكلمات بودي لو ينكسر الحاجز الذي بداخلي فأجرأ على تحفيظه وأن أحقق له رغبته ومناه.

جدي -متعه الله بالصحة والعافية- يستيقظ قبل صلاة الفجر بساعة وأحياناً أكثر ، يقيم الليل ويحييه بالصلاة والدعاء والذكر والاستغفار ، بينما كثيرٌ منّا آثر النوم ، والبعض آثر الكمبيوتر و"النت" على الافتقار بين يدي الله والانطراح على عتبات العبودية ، هو كبيرٌ في السن إلا أن روحه تأبى إلا أن تسمو وتعلو في التقرب من الله بما يُطيق من الطاعات والقُرُبات ونيل أعلى المنازل والدرجات ، ونحنُ في الشباب وأعطانا الله من القوة ما نستطيع معه القيام والصيام والتعلم والعمل والدعوة إليه والعديد من الأعمال التي تُنير القلوب وتُسعد النفوس وتعلو بأمتنا بين الأمم ؛ لكننا انشغلنا بدار الفناء عن دار البقاء وما سمت الأرواح لنيل معالي الدرجات , والله وحده المستعان.

في يوم دخلتُ عليه بعد صلاة الفجر لأغطيه وأرى إن كان له حاجات ، وأثناء وجودي عنده سمعت من تحميده لله -عز وجل- الشيء العجيب ، فرددتُ في نفسي سبحان من ألهمه هذه المحامد ، يحمده على نعمه العظيمة الجسيمة التي لا نستطيع حصراً لها فكيف بحمده عليها؟ سبحان من علمه وله الحمد لا نحصي ثناءً عليه.

وفي يوم آخر كان يقول سيد الاستغفار فقلت في نفسي ينتهي ويقول غيره يبدو أنه يردد أذكار الصباح ، فلما انتهى أعاده ثم أعاده وما زال كذلك حتى خرجت من عنده ، يقوله ويردده بقلبه -أحسبه والله حسيبه- كان يرفع صوته بـ "أبـــوء لك بنعمة علي وأبــوء بذنبي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" ونبرة صوته تتغير متأثراً بهذا الدعاء العظيم ، فأشفقت على حالنا ، فإن من يقرأه منا يهذه هذاً ما كأنه قرأه ولا يؤثر فيه ، وبعضنا زهد بأجره وتكاسل عن قوله -إلا من رحم ربي-.

أسأل الله أن يلطف بحالنا وأن يكفر عنا خطايانا وسيئاتنا وأن يصلح قلوبنا إنه مولى ذلك والقادر عليه
كما أسأله سبحانه أن يحفظ جدي وأن يمتعه بالصحة والعافية حتى يلقاه وأن يُحسن لي وله وللمسلمين الختام
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين

...
8
561

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

جولنار هانم
جولنار هانم
جزاك الله خير
ماخاب من إستخار
جزاك الله خيرا
وحده رايقه
وحده رايقه
جزاك الله خيراقشعر بدني ...سبحان الله
(وطن)
(وطن)
ربنا يرزقه الجنة

وجزاك الله خيراً
زوجة البرنس95
زوجة البرنس95
وجزاك الله خيراً