بنت عوفه

بنت عوفه @bnt_aaofh

عضوة جديدة

دراسات في المنهج 1

الملتقى العام

تعريف المنهج في الاصطلاح:
تعريف المنهج من الناحية الاصطلاحية أمر يظهر فيه عسر، ومرجع ذلك لعدة عوامل:
الأول: كون هذا المصطلح هو من المصطلحات العصرية الحديثة، فلم يورده أحد من المتقدمين حسب علمي.
الثاني: كثرة المستعملين لهذا المصطلح مع اختلاف مشاربهم أو أغراضهم مما جعل كل قوم يعرفونه من منطلقهم الخاص.
فمثلاً: التربيون يعرفون المنهج بأنه:
عبارة عن مجموعة المواد الدراسية .
أو أنه محتوى المقرر الذي يدرسه التلاميذ .
وقد يتوسع بعضهم فيعرف المنهج على أنه جميع ما تقدمه المدرسة إلى تلاميذها تحقيقاً لرسالتها وأهدافها ووفق خطتها في تحقيق هذه الأهداف .
ممنوع وضع الروابط
وهذا التعريف ينطلق من نظرة التربويين لمفهوم (المنهج) حيث يحصرونه ضمن مستوى ما دون الجامعة .
ومع ارتقائنا قليلاً إلى المستوى الجامعي أو التعليم العالي نجدهم يعرفون المنهج بأنه:
الطريق أو السبيل ، الذي يتبعة الباحث في حل المشكلة أما أن يكون تاريخي ، أو مسحي ، أو تجريبي ، أو دراسة حالة...
وهذا التعريف يختلف عما ذكره التربيون بالنسبة لمراحل تعليم ما قبل الجامعة.
وعند الخروج من أطار التعليم عامة وتعريفاتهم للمنهج نجد هناك من يعرف المنهج بأنه ذلك التّمشّي أو المسلكيّة المنظّمة التّي يقع اتّباعها و احترامها لأجل الوصول إلى الحقيقة سواء كانت فلسفيّة أو علميّة. ا.هـ
المنهج في تعبير الدعاة وطلاب العلم المعاصرين:
وهم الذين يعنوننا من بين هؤلاء المستخدمين لهذا المصطلح وقد سبق وأن أشرنا إلى أن اصطلاح (منهج) من المصطلحات الحديثة، التي انتشرت بين المعاصرين، وأصبحوا يرددونها كثيراً في طروحاتهم المختلفة.
والحقيقة أن من يستعمل هذا المصطلح من العلماء أو طلبة العلم يقصدون به معنى معيناً ليس الذي يقصده التربوي أو الباحث العلمي.
وحين تتبع مقالات لعلماء أو دعاة معاصرين يذكرون هذا المصطلح تجد لهم مقاصد متعددة، قد تختلف ، وقد تكون متقاربة في الجملة ومن ذلك:
1 = إطلاقه على الدين الإسلامي عامة على اعتبار أنه منهج منزل من الله ليس فيه عيب ولا نقص. ولذلك نجد كثيراً من الدعاة والعلماء يتكلمون عن صفات المنهج الرباني وما يمتاز به من صفات لا توجد في غيره من المناهج الأرضية.
وهذا استعمال واسع جداً عند شريحة كبيرة من الدعاة.
2 = إطلاقه على المعنى العقدي خاصة. أي مرادف للعقيدة.
فيقال مثلاً: منهج أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات إثبات ما أثبته الله لنفسه ... الخ
وهذا الاستعمال يبدو أنه قليل ومحدود.
3 = إطلاقه على الطرق والسبل التي تؤدي إلى التشبه بالسلف الصالح سواء في المعتقد أو التعامل مع القضايا والنوازل المختلفة.
ويدخل في ذلك التعامل مع النصوص الشرعية من الكتاب والسنة من حيث النفي والإثبات، والتأويل والتعطيل...
كقولهم: منهج أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات، أو في العقيدة. وقولهم منهج الأشاعرة في العقيدة، ... وهذا أوسع من الذي قبله كما يلاحظ.
4 = إطلاقه على طرق الاستدلال ومصادر التلقي كقولهم: منهج أهل السنة في الاستدلال، أو منهج المبتدعة في الاستدلال.. ونحو ذلك.
5 = إطلاقه وإرادة معاني محدودة كقولهم: منهج الإسلام في دعوة غير المسلمين، وكقولهم: منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله، أو منهج العالم الفلاني أو الجماعة الفلانية في الدعوة إلى الله.
وقولهم: منهج الإسلام في تربية الأسرة ... ويقصد أصحاب هذا الإطلاق: الطرق والسبل التي سلكها الإسلام في التعامل مع هذه القضايا لتحقيق المصالح أو درء المفاسد عنها أو هما معاً.
وهذا الإطلاق أخص من الإطلاق الأول كما لا يخفى، لكنه أوسع من حيث الاستعمال.
هذا مجمل ما وقفت عليه من استعمال لهذا المصطلح وقد يكون هناك غيرها فمن وجد أي استعمال لهذه الكلمة فلا بأس بذكره.
ولابد من التذكير بأن كلمة المنهج (مفردة) لا تعطي مدلولا معينا فلابد حينئذ من إضافتها لتكتسب مدلولها من المضاف إليه، فعندما نقول: مناهج الدراسة، أو الكلية علم أننا نقصد تلك المقررات التي يدرسها الطالب في مدرسته أو كليته، وعندما نقول: منهج الباحث في رسالته؛ علم أننا نقصد الطريقة التي اتبعها ذلك الباحث في بحثه حتى خرج بصورته المقروءة ... وهكذا.
وإذا قلنا: منهج أهل السنة والجماعة، أو منهج الأشاعرة ... فلابد أن ذكر بعده ما يفيده التعريف كما سبق فيقال: منهج أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات أوفي الدعوة إلى الله أوفي التعامل مع المخالف أو المتغيرات… الخ.
التعريف المقترح:
بعدما سبق ذكره سنحاول الوصول إلى تعريف مقترح يراعى فيه –بقدر الجهد- الشمول بحيث يصلح لعامة مستعملي هذه الكلمة أو غالبيتهم فنقول:
المنهج: هو الكيفية التي يتعامل بها الشخص أو الجماعة مع مختلف القضايا التي تعرض له سواء كانت في أمور دينه أو دنياه.
وأما عند ربطه بأهل السنة والجماعة فيقال:
منهج أهل السنة: هو طريقهم وسبيلهم الذي يسلكونه في تعاملهم مع مختلف القضايا سواء كانت من الثوابت أو النوازل وفق ضوابط الشرع.
أو يقال: الطرق الشرعية التي يسلكها أهل السنة والجماعة في التعامل مع مختلف القضايا سواء كانت من الثوابت أو النوازل.
وهذا المسلك أو المنهج وثيق الصلة بمصادر التلقي عندهم التي أهمها الكتاب والسنة وإجماع الأمة.
وهذا التعريف يحدد النظرة الصحيحة التي ينبغي أن يسلكها كل منتسب إلى أهل السنة والجماعة لمعرفة الحق في كل مسألة.
لكن لابد من التأكيد على أن كثيراً من هذه الطرق والسبل هي مسائل اجتهادية خصوصاً التعامل مع النوازل فإن النظر يختلف حيالها من إنسان لآخر.
الولاء والبراء على المنهج:
لعل من أهم النقاط التي يجب تحريرها في مسألة المنهج هي قضية من قضايا العقيدة الجوهرية ألا وهي قضية الولاء والبراء.
ولعل الحديث يأتي عن الولاء والبراء لا حقاً بشيء من التوسع لكن الذي يهمنا هنا علاقة هذه القضية بالمنهج، أي هل يصح أن يبنى الولاء والبراء على المنهج أم لا؟
وحتى لا يطول الكلام نقول: إن هذه المسألة مبنية على تعريف المنهج من منظور قائله أو مطلقه، فإذا رجعنا قليلاً إلى إطلاقات هذه الكلمة التي سبق أن أشرنا إليها نلاحظ أنها بالمعاني الأربعة الأولى تعني أموراً جوهرية عند أهل السنة والجماعة؛ فإذا كان المقصود بالمنهج الدين الإسلامي، أو كان مرادفاً لتعريف العقيدة فلا شك أنه يبنى عليه الولاء والبراء ...، وأما إذا قصد به طرق التعامل مع القضايا والنوازل فإن غالب هذه الطرق هي طرق اجتهادية خاضعة للنظر وقابلة للأخذ والرد.
فإن أكثر ما يشغل الساحة الدعوية في هذه الأيام: طرق التعامل مع النوازل والوقوف من المخالفين بشتى أنواعهم .
وأهل العلم ينصون على أن قضايا الاجتهاد لا يجوز أن يبنى عليها ولاء ولا برءاً.
الخلل في فهم المنهج:
إنه بسبب غياب الفهم الصحيح لمصطلح (المنهج) من جانب، وبسبب الجهل بتطبيقه من جانب آخر حيال القضايا لدى شريحة كبيرة من الناس ممن ينتسبون إلى هذه الطائفة المباركة أدى إلى حصول نكبات كثيرة في مسيرة الصحوة، وأدى في أحايين كثيرة إلى تعثر السير، وانشغال الكثيرين بأمور ثانوية على حساب أمور أهم منها.
بل وأدى في أحايين أخرى إلى انشغالهم بأمور تشرخ جدار الصحوة الإسلامية وتوقع فيها الخلل والبلبلة، وبعثرة الجهود وتسليط السهام على من لا يستحقها والظن بها عمن هو أحق بها.
كذلك من القضايا التي غاب ضبطها في هذا المضمار التعامل مع المبتدع الذي ينتسب لأهل القبلة حيث نرى أن منهاج التعامل معه يجنح بين الإفراط والتفريط، وقلة أولئك الذين فقهوا الموقف الصحيح من أصحاب البدع.
كل هذا يحدث بسبب غياب ضبط منهاج أهل السنة والجماعة من حيث الاصطلاح أو من حيث التطبيق العملي.
ولعلنا نشير إلى بعض هذه السلبيات التي نحن بصدد الحديث عنها فمنها:
= الإفراط في الجرح حتى أصبح وكأنه غاية وليس وسيلة.
= الغلو في بعض الشخصيات حتى أصبح كل ما يقولونه أو يفعلونه هو الحق الذي لا محيد عنه وكل ما سواه فباطل.
= إلغاء الجانب العلمي في كثير من القضايا العلمية وجعلها قضايا منهجية يتم من خلالها تصنيف الناس إلى ضال ومهتدي، وهذا خلاف المنهج الرباني الذي يحكم على الإنسان من خلال ما عنده من الحق أو الباطل، أو الهدى والضلالة.
= غياب مبدأ القسط الذي أمر الله به عباده في القول والعمل، والحكم على الشخص من خلال أخطائه فقط دون النظر في حسناته مما يعني عدم صلاحيته لفعل الخير أو قوله البتة.
= عدم التفريق بين القضايا التي توجب الولاء والبراء وبين القضايا التي لا توجب ذلك مما يعرف بالمسائل الاجتهادية.
= عدم التفريق بين من أراد الحق ووقع في الخطأ وبين من أراد الباطل لذاته، وكذلك عدم التفريق بين المبتدع ومن وقع في البدعة إذ لا يلزم من كونه وقع فيها أن يكون مبتدعاً.
= بيان الموقف الشرعي الصحيح من أصحاب البدعة، وأنه ليس ولاءً محضاً، ولا براءً محضاً، كما أنه يتأثر بحالتي الحرب والسلم.
= عدم مراعاة المفاسد والمصالح، بل عدم اعتبارها عند كثير ممن ينسبون لطلب العلم، فربما أنكر أمراً مخالفا للسنة لكن وقع فيما هو أقبح منه وأشد.
وفي الجانب الآخر نجد من أفرط في استعمال مصطلح المصلحة والمفسدة حتى جعله سدا في وجه النصوص الشرعية وباباً لتعطيلها.
ومعلوم أن تغيير المنكر إذا تولد عنه منكر أعظم منه لم يكن حينئذ مأمورا به، بل منهي عنه، لأن الشريعة جاءت لتحقيق خير الخيرين إذا لم يمكن تحقيقهما معاً، ودفع شر الشرين إذا لم يمكن دفعهما معاً.
وهذا باب واسع جدا لا يقوم به إلا من أوتي رسوخاً في العلم وبصيرة في الدين ومعرفة بمجريات الأحداث والوقائع.
ولا ينبغي –بحال- أن يتصدى له من قل حظه من هذه الأمور.
ومن الأمور ذات الصلة بالمنهج: الأسماء الشرعية كالإسلام والإيمان والكفر، والنفاق وشروط كل منها، ومثل تعريف البدعة والمبتدع، والولاء والبراء، والدعوة إلى الله.. وتوضيحها لمن خفي عليه شيء من جوانبها.
حتى يكون المرء على بصيرة من أمره ومعرفة فيما يتعبد الله به من الأقوال والأفعال على منهج سوي قويم بعيدا عن الإفراط والتفريط.
كما يحسن التعرض لبعض القضايا العلمية التي حصل بسببها نقاش وجدال طويل كالحكم بغير ما أنزل الله، والعذر بالجهل وموقف المسلم منها.
أيضاً من الأمور ذات الصلة بهذا الجانب:
= دراسة خصائص أهل السنة والجماعة وما امتازوا به عن غيرهم من الفرق.
= بيان الموقف الحق من قضايا الخلاف داخل الصف الإسلامي بعامة والصف السني بخاصة، ومتى تتم الموافقة أو المفارقة.
= موقف أهل السنة والجماعة من اعتداء الكافر على المسلم عموماً سواء كان هذا المسلم سنياً أو مخالفاً لأهل السنة.
وقد تطرق كثير من الباحثين لكثير من هذه الأمور لكن في أبحاث متفرقة كما أن بعضها ينقصه الإضافة أو التوضيح وهي في الجملة أبحاث مفيدة، لكن لا زالت الحاجة ملحة في طلب المزيد وعسى أن يسخر الله لهذا الأمر من هو أهل له فيبين ويوضح معالمه وحدوده وما خفي منه.
وقد بدا لي –ومن خلال ما وقفت عليه من مقالات، من داخل الشبكة وخارجها، وما قد ينقدح في الذهن- محاولة جمع ما تفرق من أبحاث حيال هذه القضايا في مكان واحد ليكون سهل التناول.
وهي محاولة متواضعة بلا شك لكن ما لا يدرك جله لا يترك كله كما قيل. وقد استفدت كثيراً مما كتبه الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق في رسالته (ملامح المنهج المعتدل وأثر وسطيته في حياة المسلمين).

وفي الأسبوع المقبل نواصل إن شاء الله
0
408

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

خليك أول من تشارك برأيها   💁🏻‍♀️