الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم في حدود ما يعلم ومع من يعرف :
أيها الأخوة الأكارم، إذا قال الله عز وجل:
لو وقفنا عند كلمة تواصوا بالحق، أي يجب أن نعتقد يقيناً أن الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم، فرض عين في حدود ما يعلم ومع من يعرف، هناك دعوة إلى الله تعد فرض كفاية إذا قام بها البعض سقطت عن المجموع، هذه الدعوة ـ إن صحّ التعبير ـ الاحترافية، هذا المتعمق، والمتبحر، والمتفرغ، هذا داعية إلى الله من نوع فرض الكفاية، إذا قام به البعض سقط عن الكل، أما الحقيقة الدقيقة والخطيرة أن كل واحد منا ـ ولا يستثنى واحد ـ يجب أن يدعو إلى الله كفرض عين عليه، لكن في حدود ما يعلم ومع من يعرف.
سورة العصر دليل الدعوة إلى الله عز وجل :
لذلك لابدّ من حديث دقيق عن خصائص هذه الدعوة التي هي فرض عين على كل مسلم، دليلها القوي سورة العصر، سمى الإمام الشافعين ما بعد إلا أركان النجاة، قال:
فالتواصي بالحق هي الدعوة إلى الله كفرض عين على كل مسلم، يؤكد هذه الآية قول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( بلغوا عني ولو آية ))
.
بلغ، استمعت إلى خطبة، حضرت درساً، قرأت كتاباً، تابعت ندوة، تأثرت في شرح آية، في شرح حديث، في قصة عن صحابة رسول الله، هذا الذي تأثرت به أنت مكلف كمسلم أن تنقله للغير، إلى أهلك، إلى بيتك، إلى زوجتك، إلى أخوتك، إلى أعمامك، إلى جيرانك، أيْ أي لقاء خلال الأسبوع مع أي إنسان، في سهرة، في دعوة، في وليمة، في حفلة، قل هذا الذي تأثرت به تكون قد أديت فرض العين في الدعوة إلى الله، فالدليل الأول:
والدليل الثاني لا يقل عن الأول قوة:
فإن لم تدعُ إلى الله على بصيرة، قطعاً أنت لست متبعاً لرسول الله، ﴿ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾، إن كنت متبعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينبغي أن تدعو إلى الله على بصيرة، معنى على بصيرة أي بالدليل والتعليل إن أمكن، لولا الدليل لقال من شاء ما شاء، الدليل يقوي دعوتك، الدليل يعطي هذا الدين قوة، ادعُ إلى الله على بصيرة، لا تقبل شيئاً من دون دليل، ولا ترفض شيئاً من دون دليل، ولا تدعُ إلى شيء من دون دليل، ولا تنهى عن شيء من دون دليل، عود نفسك البحث عن الدليل، فالدين المدلل المدعوم بالأدلة يسهل الإقناع به، أما الدين غير المدلل افعل هكذا، لماذا؟ هكذا افعل، هذه ليست دعوة إلى الله عز وجل.
الإسلام دين الله وهو الدين الأول الذي ينمو في العالم كله :
لكن أيها الأخوة، لماذا اخترت هذا الموضوع؟ لسبب دقيق، هذا السبب هو أن العالم قبل خمسين عاماً تقريباً كان هناك ثلاث كتل كبيرة، الشرق بعقيدته التي آمنت بالمجموع ولم تعتنِ بالفرد، والغرب الذي آمن بالفرد ولم يعتنِ بالمجموع، والإسلام دين الله، هذه الكتل الثلاثة تداعت واحدة منها وانتهينا، هي الكتلة الشرقية، بقي على ساحة المبادئ والقيم كتلتان كبيرتان؛ الغرب والإسلام، الحقيقة تقال: الغرب قوي جداً، وغني جداً، وذكي جداً، وطرح قبل الحادي عشر من أيلول قيماً رائعة جداً، كالحرية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، وحق المقاضاة إلى آخره، لكن بعد الحادي عشر من أيلول كان الغرب حضارة فأصبح قوة غاشمة، فلم يبقَ على ساحة المبادئ والقيم إلا الإسلام، لذلك نحن مع أننا ضعاف، في العصر الذهبي للدعوة إلى الله العالم من كل أطرافه يبحث عن الإسلام، قد لا تصدقون أنه يدخل في فرنسا يومياً خمسون فرنسياً في الإسلام، في أمريكا فوق الثلاثين يومياً، لا يوجد دين الآن ينتشر بسرعة مذهلة كالإسلام، وكأن هذه الحضارة حينما أعلنت إفلاسها، لم تستطع أن تحقق السلامة والسعادة للإنسان، في الخمسينات أي عام ألف وتسعمئة وخمسين تألق الغرب تألقاً كبيراً، وخطف أبصار البشر، وتوقع الناس أن كل السعادة في اتباع الغرب، هذه الموجة كانت في الخمسينات، حتى إن المجتمع الإسلامي أخطأ خطأً فادحاً في إنكار بعض ما عنده من مبادئ، وقيم، ونظر إلى الغرب نظرة إعجاب، لكن الغرب خيب ظنه، والغرب أصبح قوة غاشمة، رأينا ماذا فعل في بلاد إسلامية احتلها، أين حقوق الإنسان؟ أين حق المقاضاة؟ رأينا ما يفعله أعداء الأمة اليهود في فلسطين، رأينا ما يفعله من دعم أعداء الأمة في بلاد إسلامية احتلت، فكان الغرب قوة غاشمة ليس غير، لذلك العالم كله الآن يتطلع إلى الإسلام، وإقبال الناس على هذا الدين إقبال عجيب، هو الدين الأول الذي ينمو في العالم كله.
من لا يدعو على بصيرة فليس متبعاً لرسول الله :
لذلك أردت في هذا اللقاء الطيب أن أتحدث عن بعض الضوابط، أو عن بعض الشروط، التي ينبغي أن يتحلى بها لا الداعية المحترف بل الداعية العادي، أي كل واحد منكم داعية، أحياناً يسمع فكرة في الخطبة فيتأثر بها، الآن يعرضها على أهله، على أخوته، فأي إنسان بأي مسجد يعد داعية، بنص الآية الكريمة:
والآية الثانية:
والحديث الصحيح:
(( بلغوا عني ولو آية ))
لو طالبك أحد بأدلة قطعية قوية حول أن الدعوة إلى الله فرض عين قل له الآية الأولى:
فالذي لا يدعو على بصيرة ليس متبعاً لرسول الله، والآية الثانية:
والحديث الثالث:
(( بلغوا عني ولو آية ))
شروط نجاح الدعوة إلى الله عز وجل :
1 ـ الإخلاص و الصدق مع الله عز وجل :
موضوع اليوم متعلق بالإنسان العادي، المؤمن العادي، الذي سمع درساً، كيف ينقل هذا الدرس؟ أولاً: لابدّ لنجاح الدعوة إلى الله كفرض عين من الإخلاص والصدق مع الله، لذلك قال تعالى:
أما غير المخلصين:
فسر العلماء العمل الصالح بأنه ما كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وفق السنة، إذاً أول شرط الإخلاص، "من تعلم العلم ليماري به السفهاء، أو ليجادل به العلماء، أو ليصرف وجوه الناس إليه، فليتجهز إلى النار"، لا بد من الإخلاص، إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي، حينما تتكلم بكلمة في مجلس، في سهرة، في لقاء، في وليمة، ابتغِ وجه الله، لا تبتغِ أن تظهر كمتعلم بارع، لا، ابتغِ وجه الله بهذه الدعوة، هذا الذي أمامك عبد لله غفل عن الله، غفل عن طاعة الله، أنت كمؤمن، كأخ صادق، كمحب، ينبغي أن تذكره بمهمته في الدنيا، أن تذكره بأن علة وجودنا في الدنيا عبادة الله عز وجل، والدليل:
الإخلاص يصلح معه قليل العمل وكثيره :
مما يؤكد أيضاً معنى الإخلاص قول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح المتواتر:
(( إِنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ))
إذاً الشرط الأول لمن أراد أن يكون داعية كفرض عين في حدود ما يعلم ومع من يعرف أن يكون مخلصاً، لأن الإخلاص يصلح معه قليل العمل وكثيره، أما عدم الإخلاص يلغي أكبر عمل، إذا خلا من الإخلاص لا قيمة له إطلاقاً.
يقول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ، وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ ، فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ، وَرَجُلٌ يَقْتَتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ: أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ فُلَانًا قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ))
شيء خطير، شيء خطير أن تبتغي من الدعوة هدفاً أرضياً، أن تبتغي سمعة، أن تبتغي وجاهة، "من تعلم العلم ليماري به السفهاء، أو ليجادل به العلماء، أو ليصرف وجوه الناس إليه ، فليتجهز إلى النار" ، لابدّ من الإخلاص، إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي، حينما تتكلم بكلمة:
(( َيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَال ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ ، قَالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ ، وَأَتَصَدَّقُ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ، وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: فِي مَاذَا قُتِلْتَ؟ فَيَقُولُ: أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ، فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَرِيءٌ ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ، ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُكْبَتِي، فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))
لعل النص مخيف جداً، أنا أردت أن أورده لكم كي نحرص على الإخلاص، راقب نفسك، أنت حينما تشك في إخلاصك اعمل عملاً طيباً ولا تعلم به أحداً، لا يستطيع أحد أن يتهمك في إخلاصك، الإخلاص الإخلاص، مع الإخلاص ينفع كثير العمل وقليله، ومن دون إخلاص لا ينفع لا كثير العمل ولا قليله، لذلك ورد في بعض الأحاديث القدسية:
(( أنا أغْنى الشُّركاء عن الشِّركِ، مَنْ عَمِل عَمَلا أشرك فيه مَعي غيري تركتهُ وشِرْكَهُ ))
على كل إنسان أن يتأدب مع الله عز وجل :
لذلك مما يخشى على طلاب العلم حب الرئاسة، أن يخطف أبصار الناس، أن يكون ذا مكانة علية، هذه شهوات لا ترضي الله، ذكرت هذا ولعله يضطرب له الإنسان، لكن هذه الحقيقة المُرّة وهي أفضل ألف مَرّة من الوهم المريح، ولابدّ من متابعة حاجات الإنسان فيما إذا كانت مخلصة لله، أو كان هناك دنيا يقصدها من هذا العمل:
(( أَثنى رجل على رَجُل عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: ويلك، قطعتَ عُنق صاحبك، يقوله مراراً، ثم قال: مَنْ كان منكم مادحاً أخاه لا محالةَ، فليقل: أَحْسِبُ فلاناً واللهُ حسيبه، ولا يُزَكِّي على الله أحداً، أَحْسِبُ كذا وكذا إن كان يعلم ذلك منه ))
أنا لا أنسى موقف النبي عليه الصلاة والسلام عندما كان في بيت أحد أصحابه الذين توفاهم الله، كان من عادته أن يزور المتوفى قبل أن يغسل، فسمع امرأة تقول: هنيئاً لك أبا السائب لقد أكرمك الله، لو أن النبي عليه الصلاة والسلام سكت لكان كلامها صحيحاً، فقال النبي يخاطب المرأة من وراء الستر: ومن أدراكِ أن الله أكرمه؟ قولي: أرجو الله أن يكرمه، وأنا نبي مرسل لا أدري ما يفعل بي ولا بكم.
تأدب مع الله، قل: أرجو الله لفلان الجنة، أرجو لفلان أن يغفر الله له، أما لا تقل: فلان في الجنة، هذا التألي على الله أن تحكم على المستقبل بحكم قطعي، هذا الضابط الأول.
2 ـ تحصيل العلم الحقيقي :
الضابط الثاني لهؤلاء الذين يدعون إلى الله أن يحصّلوا العلم الحقيقي، أن يتقن القرآن قراءة ورواية، وأن يأتي بالشاهد المناسب، وأن يطّلع على الحديث الشريف، وأن يحفظ بعض الأحاديث الصحيحة، إنسان يتكلم من دون علم هذه مشكلة كبيرة، لذلك قال الإمام الغزالي: "العوام لأن يرتكبوا الكبائر أهون على الله من أن يقولوا على الله ما لا يعلمون".
بل إن الله عز وجل حينما رتب المعاصي والآثام ترتيباً تصاعدياً، شيء يلفت النظر، ذكر الفحشاء والمنكر، والبغي والعدوان، وذكر الشرك، وذكر الكفر، وذكر الإلحاد، وجعل على رأس كل هذه المعاصي:
إذا ذكرت للناس أن النبي عليه الصلاة والسلام يشفع لكل أمته بلا قيد ولا شرط ماذا فعلت مع الناس؟ طمعتهم بالمعاصي والآثام.
على الإنسان أن يطلب العلم أولاً ثم يدعو إلى الله ثانياً :
أساساً بعض الأحاديث غير الصحيحة، وبعض الأفكار غير الدقيقة، قد تثبط عمل الإنسان، هناك أحاديث تحتاج إلى شرح طويل، يقول لك: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، عمر بأكمله لا يصلي، عمر بأكمله معاصي وآثام، بهذه البساطة كلمة تقولها نجوت من حساب الله عز وجل، هذه الكلمة قبل أن تقولها تحتاج إلى شرح طويل:
((من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل وما حقها؟ قال: أن تحجبه عن محارم الله))
أن تحجزه عن محارم الله، قال: وحجزته عن محارم الله، فالضابط الثاني تحصيل العلم الحقيقي، وتحصيل الفهم العميق لهذا الدين، أما إنسان بلا علم، بلا دقة، في فهم كلام الله بلا دقة، في فهم حديث رسول الله بلا دقة، في فهم التاريخ الإسلامي بلا دقة، يتكلم بما لا يعرف، نقول له: اطلب العلم أولاً ثم ادعُ إلى الله ثانياً.
د فارسة الإسلام @d_fars_alaslam
محررة ماسية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️