فيضٌ وعِطرْ @fyd_oaatr
فريق الإدارة والمحتوى
~ دروس من بدر الفرقان ~ درة المواسم
تمهيد ~
في المعارك بين الحق والباطل
لا يأتي النصر صدفةً .. ولا سهلاً..
وإنما بتدبير وإعداد ..
وبقوانين.. منها ربانية ومنها بشرية ..
فالمؤمن أولاً .. يبني النصر وكل أمور حياته على قاعدة التوحيد ،
وتفويض الأمور لله واليقين بحسن تدبيره ..
وأن النصر من عنده وحده ( وما النصر إلا من عند الله )
ولكن لا بد له ثانياً من التخطيط والاستعداد ..
بكل مايستطيع من عدة وعدد ..
****
وفي أول غزوات الإسلام ( غزوة بدر )..
تلك المعركة الظافرة.. فاتحة الجهاد ..
التي وقعت في السابع عشر من شهر رمضان المبارك ..
والتي أعز الله بها الإسلام ، فارتفعت رايته عالية ..
وعلا ذكره وتطلعت الأنظار خارج الجزيرة وما حولها ..
وكلها تتساءل عن طبيعة هذا الدين العظيم..
الذي زلزل قواعد الكفر ،
وقوّض مسلّماته الباطلة المتوارثة ..
كانت هنالك دروس وعبر ..
قبل بدر، وفي بدر، وبعدها .
****
تعالوا بنا نسبح في سلسبيل الآيات ..
في بحر سورة الأنفال..
ونستخرج من دررها تفاصيل عن واقعة بدر..
والقوانين التي صنعت النصر فيها .
****
في مطلع آيات السورة جاء وصف المؤمنين:
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ
وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ*
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ*
أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
...
فالصفات التي يتحلى بها المؤمنون كما تذكر الآيات ..
هي صفات المتوكلين الواثقين بتأييد الله وقدرته ..
وبأن التوفيق من عنده ..
وهي صفات إيمانية ..
توجه القلوب إلى تفويض الأمور إلى الله ..
والتسليم بالقوانين الربّانية ..
****
ثم بعد ذلك نقرأ قوله تعالى :
(كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ،
يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ ،
وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ
وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ
وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ
لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) .
****
إذن كان هناك إعداد إلهي للخروج للقتال ولم يكن صدفة ..
وحيث تبين الآيات الكريمة هنا موقف متخاذل لجماعة من المؤمنين ..
فهي تحسم المسألة .. بأمر قاطع يقضي بالمواجهة دون تردد
لإحقاق الحق وكسر شوكة الكفار، والانتصار لدين الله .
****
وبعد أن يحث القرآن المؤمنين على الترابط والأقدام
يمنيهم بالاستجابة ..! وباللطف الإلهي..! والمدد السماوي..!
فكانت أولاً ..
نزلت عليهم السكينة والطمأنينة ~
(إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء
لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ
وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ) .
:
أما موعد ومكان المعركة فقد كان بالهام وتوفيق من الله تعالى~
وفي ذلك الاختيار تحققت كثير من عوامل النصر ..
يقول تعالى :
(إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ
وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَـكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً
لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ
وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ)
فحين أنزل الله تعالى المطر فسكنت قلوب المؤمنين واستبشروا خيراً ..
جعل الأرض حيث تقف جبهة المؤمنين صلبة تعينهم على خفة الحركة..
و الأرض تحت أقدام المشركين طينية.. أعاقت حركتهم..
وهذا بتدبير الله عز وجل.
:
إضافة إلى أن ماء ( بدر ) جعله المسلمون خلفهم ..
يستقوا منه .. وحرم منه المشركون .
وتحقق أمر أراده الله ~
(وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً
وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا
كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ) .
:
سبحان الله ..!
قلل تعالى المؤمنين في أعين المشركين ..
وأرى المؤمنين أن المشركين قليلي العدد ..
حتى يقضي بينهم ما قضى من قتال بعضهم بعضًا،
ليحقق لهم النصر على أعدائهم والظفر بهم,
لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى.
وذلك أمرٌ كان الله فاعلَه وبالغًا فيه ماشاء.
....
ثم بعد التحام القتال ..
جاء النصر للمؤمنين بمدد من السماء :
(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ)
(إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ
فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ
فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) .
****
وبعد ...!
ماذا كانت نتيجة المعركة ..؟؟
كانت نصراً مؤزراً بتوفيق الله ..
كل سهم رماه المسلمون ..
وكل طعنة رمح أو ضربة سيف سددوها ..
يرون الله أمامهم ، يبصرونه بقلوبهم ..
يعلمون أنه هو الذي سدد خطوهم ..
وقوى معنواياتهم .. وآزرهم .. فيلتهبوا حماسة ..
للفوز بالشهادة ...
حتى حصدوا النصر ..!
يقول تعالى :
(وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ
وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) .
...
و(فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ
وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
:
كل هذه الآيات التي مرت بنا ..
تدل على أن الله تعالى هو الذي صنع النصر في غزوة بدر..
****
موقف من بدر .. بطولة وعبرة ~
حينما انطلق المسلمون بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
حتى سبقوا المشركين إلى بدر،
وجاء المشركون للمواجهة بقيادة أبو جهل ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لا يقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه» أي أمامه ..
فلما دنا المشركون، قال الرسول الكريم مخاطباً المؤمنين :
«قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض»
فسأله عمير بن الحمام الأنصاري متلهفاً :
يا رسول الله! جنة عرضها السماوات والأرض؟
قال: «نعم»
قال: بخٍ بخٍ (كلمة تطلق لتفخيم الأمر وتعظيمه في الخير)،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ما يحملك على قولك: بخٍ بخٍ؟»،
قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها،
قال: «فإنك من أهلها»،
فرمى بتمرات كان يأكل منهن ثم قال:
لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة..
ثم قام فقاتل حتى قتل ..
14
2K
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
فعلا تلك هي مواقف البطولة الحقة ..
وذلك التلاحم الحقيقي ...
الذي يظهر حقيقة الدين الحنيف
بانه انتصار للحق دائما على الباطل ...جزاك الله كل خير يافيض طرح جزيل
ودروس قيمة بارك الله سعيك واثابك احسانا .....
وذلك التلاحم الحقيقي ...
الذي يظهر حقيقة الدين الحنيف
بانه انتصار للحق دائما على الباطل ...جزاك الله كل خير يافيض طرح جزيل
ودروس قيمة بارك الله سعيك واثابك احسانا .....
الصفحة الأخيرة
ولكن ماذا عن القوانين المادية للنصر ..؟
والتي تخص القدرة البشرية ، والاستعداد للمعركة ؟
توضح لنا ذلك سورة الأنفال ..
مبينة أهمية التخطيط والاستعداد ..
يقول تعالى :
(وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ
تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ
لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ
يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) .
...
ثم تبين لنا الآيات أن موازين القوة ..
لاتعتمد على العدد ..
بقدر تعتمد على الإيمان والثبات والصبر ..
يقول تعالى :
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إن يَكُن مِّنكُمْ
عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ
يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ*
الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ
يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ
يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) .
***
وقضية الأخوّة والترابط ..
هي من أهم الأسباب المادية التي تصنع النصر..
فالمؤمنون أمة واحدة مهما اختلفت أجناسهم
وهذا ماكان عليه المسلمون في بدر رغم قلة عددهم .
...
ولذا جاءت الدعوة إلى الوحدة ..
والتحذير من نتائج الفرقة .. في هذه الآيات :
(وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ
وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) .
(وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ
وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ*
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) .
****
إن قصة بدر الكبرى ..
الانتصار الأول للمسلمين ..
تتلألأ فصولها في سورة الأنفال ..
تبدأ بوصف المؤمنين ..
وتنتهي به ..
والفرق بين الوصفين في الآيتين.. كبير ..!
فالأولى أثبتت قانون النصر الأول الذي يعتمد على
الإيمان بالله وتفويض الأمور إليه ..
وهو قانون معنوي ..
والثانية عززت قانون النصر المادي ..
فأعطت صفات المؤمنين المناسبة لذلك :
(وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ
وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا
لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)
نعم إن الفرار بدين الله من حيث القمع والتعذيب ..
إلى حيث يجد المؤمنون مرتعاً خصباً ..
لنشر دين الله وإعلاء كلمته ..
تاركين ديارهم وأموالهم ..
ومن ثم .. ترحيب الأخوة المؤمنين لهم في بلادهم ..
ومقاسمتهم الخيرات بطيب نفس ابتغاء وجه الله ..
ذلك كله يجعلهم جميعاً .. المهاجرون والأنصار ..
في أعلى درجات الإيمان
وحق لهم أن يسموا مؤمنين ..
بكل ماتحمله كلمة الإيمان من معاني ..
أولئك لهم من الله مغفرة ..
ورزق كريم لاينفد في ظل رضا الله ورضوانه .
::::
تلك الدروس العظيمة من ( بدر)...
كم يجدر بنا آن نقفوها ..
أن نأخذ من وردها لحاضرنا المتراخي ..
أن نتشرب مواقف البطولة والتضحية بها ..
أن نكون إخوة مترابطين حتى لايكسرنا الأعداء كل حين ..
أن نتسلح بالعلم .. فجهلنا وتقليدنا وافتقارنا إلى الإبداع ..
جعلنا متخلفين عن الركب ..
وأظهرنا أمام العالم بهذه الصورة الضعيفة ..
****
دعونا نأخذ بالأسباب المادية للنصر ..
ونبدأ بإعداد العدة مستعينين أولاً بالله ثم بنا .. بأفكارنا .. بهممنا
وقبل الأخذ بأسباب الدنيا ..
علينا أن نعتز بديننا ونفتخر ..
ونكون على بينة منه .. نأخذ جوهره ..وليس قشوره ..
نتعلم منه وبه أولاً .. نتفقه فيه .. نكون مقترنين مستأنسين بكتاب الله
لاهاجرين .. طالبين متع سطحية زائلة ..
حينما نكون أمة تدرك حجم مسؤوليتها في الأرض وتعيه ..
وتعرف أنها مسؤولة عن الضيم والظلم
الذي يقع على المسلمين في أي بقعة ..
فتشمر على عاتقها .. وتقوم بدورها ..
متخلية عن الانانية والأنا في كل مكان مستعينة بالله ..
صادقة النية ..
حينذاك ..سنعود كما أراد الله تعالى لنا :
خير أمة أخرجت للناس .