أما بعد أيها المسلمون :
في بداية هذا الأسبوع وكما شاهد أكثرنا وسمع ، تمت إهانة العرب والمسلمين ، وذلك بما فعله أحفاد القردة والخنازير بالرئيس العراقي صدام حسين .
لقد شاهد العالم الذل الذي حصل لرئيس دولة إسلامية عضو في الجامعة العربية وعضو في المؤتمر الإسلامي ، لطالما جلس شامخا بجانب إخوانه رؤساء وملوك العرب والمسلمين .
ان ما حصل في تلك الليلة يعتبر في الحقيقة إهانة متعمدة لكل مسلم على وجه الأرض ، بغض النظر عن جرائم الرئيس وتوجهاته في السابق واللاحق . وعلى الرغم من اختلافنا الكبير معه ومع معتقداته ومنطلقاته .
أيها الاخوة في الله : في هذه الخطبة سيدور الحديث حول ذلك الحدث العظيم الذي هز كيان كل مسلم حر شريف .
وفي هذه الخطبة لن نتحدث عن جرائم صدام الفضيعة ضد المسلمين ، ولن نتحدث عن نهبه لأموال شعبه ، ولن نتحدث عن فسقه وفساده ، فهو ليس الوحيد الذي مارس هذا الظلم ، فأكثر حكام العالم مثله أو أشد منه .
كما أننا لن نتحدث عن إنجازاته وبطولاته وخدماته التي قدمها لقضايا الأمة العربية والإسلامية ورفعة شعبه ، فهذا المنبر ليس مكانا للمدح وإطراء الأشخاص .
.
وفي هذا المقام لن نتحدث حديث الشامت برئيس دولة مسلمة ، فالشماتة من أخلاق الضعفاء والتافهين والحاقدين .
ثم إننا لن نناقش طريقة وصفة أسره ، هل كان تأثير تحت مخدر أو كان مريضا ، وهل قاوم الأعداء أم استسلم لهم طواعية ، وهل تاب في آخر حياته أم مازال بعثيا كافرا ، أو غير ذلك ... فالأمور لم تتضح لنا بعد .
الذي سيتم التركيز عليه ، هو ذلك المنظر المؤلم الذي شاهدنا فيه رئيس أقوى دولة عربية ، يقبع في حفرة صغيرة ، ويتحرك بكل طواعية ، وبعينين زائغتين ، بناء على توجيها ذلك العلج الحقير .
أيها الاخوة :
ياله من منظر مثير ومؤلم ومحزن ، يثر عدد من المشاعر والتأملات والتساؤلات .
ابعد ذلك العز ، وبعد تلك القصورِ الفارة ، والمزارع الواسعة ، والمنتجعات الكثيرة ، بعد ذلك كله ، نشاهده في حفرة ضيقة ليس فيها شيء من مقومات الحياة .؟؟!!
أيها الاخوة : إن الذي حصل لأبي عدي سيحصل لكل واحد منا شئنا أم أبينا .. ولكن بطريقة مختلفة ، فلنعتبر قبل أن يفوت الأوان .
بعد فترة سيغادر كل منا الدنيا ، سنترك كل ما نملك فيها ، وندفن وحيدين عارين ليس بأيدينا حول ولا قوة ، سندفن في حفرة أضيق مما أسر فيها السيد الرئيس..
فهل أعددنا لهذه الحفرةِ عدتها ؟؟ هذه الحفرة التي ستتحول بعد لحظات من الدفن إلى روضة من رياض الجنة أو إلى حفرة من حفر النار ، بناء على ما قدمنا من أعمال .
أيها الاخوة : أبعد الخدم والحشم ، وبعد الحرس الجمهور وفدائي صدام ، وبعد الجيش العراقي العظيم ، بعد تلك الترسانة الضخمة من العتاد والرجال ، الذين طالما رددوا اسمه ليل نهار .
ابعد الأمر والنهي والبطش يتحرك السيد الرئيس بناء على أوامر قزم حقير ..لقد سلم نفسه وروحه لأعدائه يتصرفون فيه كيف يشاءون .
ان هذا الحدث سيحصل لكل واحد منا ولكن بطريقة أخرى ، والذي سيكون على أيدي الملائكة الكرام ، كل منا سيأتيه منكر ونكير ، فيقعدانه في قبره بعد أن تردَ له روحَه ، فيسألانه عن ربه ودينه ونبيه ، فان كان صالحا في الدنيا أجابهم إجابة صحيحة.
وان كان فاسقا مقصرا في طاعة الله قال لهم هاه لا ادري ، هاه لا ادري ، ثم ضربا بمطرقة على رأسه يصرخ من ألمها صرخة يسمعها جميعُ المخلوقات إلا الإنس والجن . ثم يُضيق عليه قبرَه حتى تختلفَ أضلاعه ..ثم يفتح له بابا من النار ، فيحول القبرُ إلى حفرة من حفر جنهم والعياذ بالله ،
وهكذا يستمر التصرف في ذلك العاصي بما يسوئه ، حتى يستقر قي قعر جنهم والعياذ بالله ، وعندها تبدأ رحلةُ العذاب المضنية نسأل الله السلامة ، كل هذا وهو لا يستطيع ان يدافع عن نفسه أو يحركَ ساكنا.
فهل فكرنا في هذا المصير ؟؟
أيها الأخوة في الله :
لقد تسلم صدام حسين الحكم في ارض الرافدين ثلاثين عاما ، رئيسا لحزب البعث العربي الاشتراكي ، مضت هذه السنون الطويلة ، ولم يستغلها في نصرة دين الله تعالى ورفع راية الجهاد في سبيل الله ..
نعم قد يكون له أعمالا طيبة خصوصا في آخر حياته ، ولكنها لا تتناسب مع الفرصة العظيمة التي أتيحت له .
أيها الاخوة :
كلنا نلومه ونقول : لقد ضيع المسكين على نفسه فرصة ثمينة لا تقدر بثمن ، لم يستغل فترة حكمه في طاعة الله وطاعة رسوله ونصرة الحق وأهله .. وهذا اللوم في الحقيقة لا ينفع الآن ، وهو نوع من الشماتة .
ولكن اللوم الحقيقي الذي ينفع هو أن نلوم أنفسنا، فلسنا مكلفين بغيرنا ..
إخواني كل منا حاكم .. حاكم متصرف في أشياء عديدة ، فعليه أن يستغلها في طاعة الله ونصرة دينه ..
فالرجل حاكم في بيته ومسئول عنه ، و المرأة حاكمة في بيت زوجها ومسئولة عنه ، والمدير حاكم في دائرته وسوف يسأل عنها ، والمسئول حاكم في الأفراد الذي تحت يده ومسئول عنهم ..وهكذا تتدرج المسؤوليات ..
أقلنا هو من يحكم نفسه وأعضاءه ، فهو مسئول عن جميع حواسه كما قال تعالى ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه عن مسئولا ) فهل سخرنا جوارحنا لطاعة الله .
أيها الاخوة : نحن حكام على أنفسنا ، وبأيدينا القدرة على تسخير دوائرنا وموظفينا وأولادنا وجوارحنا في طاعة الله ورفع راية دينه ،
فلنعمل شيئا .. لنتحرك قبل أن يفوت الوقت ونندم ، قبل أن نقف أمام ربنا ونقول ( ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون ) ..
نتصرف بسرعة في إصلاح أنفسنا ومن حولنا ، قبل ان تأتي اللحظة التي وصفها الله تعالى بقوله (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ(99)لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(100)
أيها الفضلاء :
ومن الملاحظات القوية أن رئيس أقوى جيش عربي وربما إسلامي لم يجد من يقف بجانبه ويحميه ويدافع عنه ، ابتداء من سقوط بغداد ونهاية بأسره ، لقد ظهرت الخيانة جلية ، والسبب أنه جمع جيشه والمدافعين عنه على غير طاعة الله ، جمع حوله الأوباش ورعاع الناس وأصحاب الأطماع ، جمعهم على أساس القومية العربية ، ومباديء حزب البعث ، فلما احتاجهم خانوه ، بل ربما هم الذين سلموه إلى عدوه .
ومن هنا علينا ان نستفيد من هذا الدرس الكبير ، سواء كنا حكاما أو محكومين .
فإذا كنا في دائرة حكومية أو أهلية فعلينا أن نحسن اختار من معنا من العاملين والمساعدين ، لابد ان نقرب الأقوياء الأمناء الناصحين ، الذين يحبون لنا ما يحبون لأنفسهم ، الذين احتجناهم وجدناهم . فمادمنا سندفع لمن حولنا رواتب ومكافآت ، فلماذا لا نصرفها لمن يستحقها .
أبناؤنا الذين يعيشون معنا ، علينا أن نربيهم على الدين وعلى طاعة رب العالمين ، حتى لا يتخلوا عنا ، ويكون مصيرنا في دار العجزة والمسنين.
أعضاؤنا التي ملكنا الله إياها ، علينا أن نلزمها بالدين ، وإتباع سنة سيد المرسلين ، وذلك حتى لا تتبرأ منا ، وتشهد علينا في وقت نحن أحوج إلى المدافع والمعين .. يقول تعالى (حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ 20 وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿21﴾ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ ﴿22﴾ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ ﴿23﴾ فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ ﴿24﴾
أيها الاخوة : في الله ان العبر والعظات من حادثة اعتقال صدام حسين كثيرة ، ما مضى ، شيء يسير منها ..
أسال الله تعالى ان جعلني وإياكم من المعتبرين والمتعظين ، وان يعفر لنا ذنوبنا إنا جئناه تائبين نادمين مستغفرين ، انه سبحانه هو السميع المجيب ، وهو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية .
الحمد لله معز من أطاعه ومذل من عصاه ، يعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير .
واشهد ألا اله إلا الله ، وحده لا شريك له ، اله الأولين والآخرين ، واشهد ان محمدا عبده ورسوله الهادي الأمين .صلى الله وسلم عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد :أيها المسلمون :
ان ذلك المنظر الأليم ، الذي حصل لصدام يتكرر في كل يوم مع كثير من المسلمين ، خصوصا من الدعاة والمجاهدين ، ولكن لا أحد يدري بالضبط ما يحصل لأولئك المظلومين ، بسبب عدم تسليط الأضواء عليهم .
ان هذا الظلم الذي يمارس من قبل الكفرة على المسلمين ، يدل دلالة واضحة على الذل الكبير الذي تعيشه الأمة الإسلامية .
وإلا فكيف يأتي مجموعة من اليهود إلى بلاد فلسطين ، فيحتلوا المسجد الأقصى ويشردوا أهله ويملئوا السجون والمعتقلات منهم ، فيقتلون من يشاءون ويشردون من يشاءون بدون رقيب ولا حسيب .
وكيف تأتي قوات التحالف إلى أفغانستان ، فتقتل الآلاف وتشرد الملايين من المسلمين ، وتدك الجبال ، وتستخدم الأسلحة الدولية المحرمة ، وكأنها تستخدمها مع حشرات ضارة ، ثم تنتهي العمليات ولم يحاسبها أحد ,
ثم تأتي إلى العراق وتهزم أقوى الجيوش العربية ، وتقتل الآلاف من المسلمين ،وتطارد وتسجن أهل السنة والجماعة وتضيق عليهم ، وتحاربهم حتى في لقمة العيش ، وما تزال تطمع في المزيد ، ثم تعتقل رئيس تلك الدولة ،على مرءا ومسمع من العالم ، ومع ذلك فلم يقف في وجهها أحد ، بل ربما حصل لها الدعم المادي والمعنوي .
انه لأمر مخجل ومحزن ومستغرب .
أن هذا وغيره لم يحصل ولن يحصل إلا بعد ان ابتعد المسلمون عن دينهم الحق ،
بعد أن رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها .. بعد أن رضوا بالزرع ، وركنوا إلى الدنيا وزينتها ، وتركوا الجهاد في سبيل الله ..
وتحقق في الأمة قول الرسول صلى الله عليه وسلم (إذا تبايعتم بالعينة ، وأخذتم أذناب البقرة ، ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد ، سلط الله عليكم ذُلاً لا ينزعه حتى تعودوا إلى دينكم )
والحل الذي يلزمنا في هذه المرحلة هو ما ارشد اليه المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال ( حتى تعودوا إلى دينكم )
فالعودة إلى الدين ، العودة إلى سيرة السلف الصالح ، ولنعلم انه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أولها ..
هذا وصلوا وسلموا على البشير النذير ، والسراج المنير ..محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
د.مشبب القحطاني @dmshbb_alkhtany
إمام وخطيب مفكرة المجلس عضو في جماعة التوعية الإسلامية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
خليك أول من تشارك برأيها 💁🏻♀️