دعوها في دفئها..
بدرية الغنيم
دعوها في دفئها.. لا توقظوها من أحلامها؛ فتفيق على برد الحقيقة، تقرص طموحها وتفل من عزمها، دعوها وكأنها أمة وليدة غضة الإهاب، وكأنها نبتة ربيعية في خريف الشوك والآلام، دعوها سوف تنمو.. دعوها في عالمها الذي ارتضته حينما فشلتم أن تصنعوا لها عالماً آمنا.. دعوها فإن في أحلامها معنى الحياة، ليست كواقعكم يعج بالقتل والتشريد والإرهاب، دعوها ترسم حلماً جميلا قد تحققه غداً فتسعدون.
لا ترفعي يديك الجميلتين، أخفي بهما وجهك البريء وأحلامك النزيهة؛ فإن أحلاماً ترينها الآن في عالمك الطفولي يتوق لعيشها الكبار ولو للحظات.
هل كنت تتمنين خالد بن الوليد أو سعداً والمثنى وأبا دجانة رضي الله عنهم؟ هل كنت تنادينهم ولا تريدين أن يُسمع صوتك؟! كم أنت طاهرة؟
هل تخافين أن تفضح عيناك رؤاك لغدك؟ هل تشرقان عن أحلامك؛ فأنت تخشين عليها من اللصوص وقطاع الطريق وكلاب الجيف؟ هل تجيدين الأحلام والكلاب تجوب الشوارع وتروع البيوت.. أنت إذاً قوية؟
أم أنك تخفينها عن عدسة المصور، عتباً على الأمة، ولسان حالك يقول: ألم تسمعوا ندائي وتوجعي وتفجعي؟
هل تخفين دموعاً حرى على بلد سليب؟ هل تخفينها عن الكلاب حتى لا يفرحوا لحزنك. . أنت إذاً حكيمة؟
هل ذهب الرفاق، رفاق اللعب؟ هل ماتوا فأنت تتذكرين طيفهم وملاعبهم؟ أم أنك تتذكرين الأم التي رحلت والأب المفقود؟
أم أنك تصنعين مقارنة بينك وبين من أمامك، ماذا تراها كانت النتيجة؟ حتماً لصالحك، فكفتك الراجحة، انظري لطهر يديك وما تخفيان، وانظري إلى يديه وما تحملان، شتان شتان.. وانظري لملابسك الزاهية.. فيها معنى الحياة والجمال والوضوح، وانظري إلى ملابسه وفيها التمويه والتخفي والغدر والجبن، وقارني سبابتك الموحدة، وانظري لسبابته القذرة وقد وضعها على الزناد، هيأها لنواياه الظالمة، ثم انظري جرأتك تجلسين في مقابله ولم تعيري سلاحه اهتماما، وهذا الشعور يقتله بدل المرة ألف مرة، ها هو أدار ظهره لك، وهذا فعل الجبناء وخسيسي الطبع، إذ لا يعدم الإنسان قلباً يرحم الصغير، هل هابك؟ أتراه هابك؟ لا شك، أم أنه خجل أن تريه بعتاده الذي جاء يسرق به الأرواح والمال و الدين؟ أم أنه يخشى أن يرق قلبه ويلين؟
هل هو الذي أمرك بستر وجهك؛ لأن براءتك توقظ إنسانيته فيضعف عن حمل السلاح ويتخلى عما قطع الفيافي والقفار لأجله؟ لا أظنه كذلك، كم استعذب أنهار الدم في فلسطين وأفغانستان؟ وكم جندل من أرواح بريئة في العراق؟ وكم دفن الطفولة في مهدها؟
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة
بارك الله فيك :24: