
أمي الحبيبة .. يا من منحها الله المواهب والعطايا وجعلها أحق الناس بحسن الصحبة وطيب العشرة ..
أمي .. يا من حملتني في أحشائها وأرضعتني لُبانة حُبها وعطفها وكلأتني بعينها الحنون وقلبها الرؤوم .
أمي .. يا حبَّةَ قلبي وخفقة حُبي ، دعيني أترفق إلى عتابك وأرتمي على أعتاب بابك وهذه العبرة تخنقني والدمعة تسبقني ..
ّاه لو تشعرين بحالي وليلي الطويل وتقاسمينني همي الثقيل ..
الفتن يا أماه تحاصرني من كل مكان كأني صرتُ هدفاً لسهام الأعداء .. والشيطان يغويني وشياطين الأنس تغريني والنفس تأمرني ولكن لا يزال في نفسي بقية من خشية الله .
رفيقات السوء .. الجوال .. القنوات الفضائية .. الإنترنت .. الأسواق وأشياء أخرى كثيرة وفتن كقطع الليل المظلم .
توقفي معي قليلاً يا أماه وراجعي يومك المملوء بالمشاغل .. وقتك الذي لم يعد لنا فيه إلا القليل . فاليوم عندك تهنئة بمولود وغدا شطر المساء في السوق وبعده مباركة لأخرى بالعودة من السفر ويوم آخر تهنئة لفلانة بسكنى البيت الجديد وهكذا فهي مناسبات لها أول وليس لها آخر ..
أمي .. يحزنني أنه يعنيكِ من قصة شعري ولبسي ومظهري .. فكم ألقيت عليّ من العتاب في ذلك تلو العتاب ، ولكن ماذا عن مخبري وجوهري .. وحبيبنا صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " ..
ألا سألتِ فيم أفكر وماذا يدور في قرارة نفسي .. كيف يصحو قلبي وأنا هاجرة لكتاب ربي ، بل كيف يزيد إيماني وأنت ترين غذاءه مجلات تافهة أستحيي أن يراها أحد في يدي .. فهي لا تهتم إلا بالممثلة الفلانية والمغني الفلاني وكل فاسد ورخيص ..
فأين أنا من أخي الذي يصغرني سنوات فقد رأيته غير مرة دون أن يشعر بي يناجي الله في الخلوة ويبكي عند قراءة القرآن رغم أنه لم يلق منك أو من أبي توجيهاً كافياً ولكنها هداية الله وحسن الصحبة التي وفقه الله لها .
وأين أنا من أخيّتي التي أتمت حفظ كتاب الله كاملاً وحفل تكريمها هذا الصباح .. وحفل تكريمك أنتِ وأبي عندما تتوجان بتاج الوقار في الجنة .. الجنة يا أماه هل نسيناها ؟؟
رأيتني على تلك الصورة التي لا تليق بمؤمنة وكأني على ملة غير ملة الإسلام . استحييت من نظر الله إليّ وأنا على تلك الهيئة التي لا تمت إلى ديننا بصلة .. الاسم والسحنة عربية ولكن الباقي كله شيء آخر وقد وضعتُ يدي على وجهي عندما تخيلت أني بهذه الصورة المزرية وهذا المظهر بين جمع من أمهات المؤمنين ونساء المهاجرين والأنصار لقد أحسستُ وكأن ماء وجهي يراق وأنا أمسكه بكلتا يدي حفاظاً عليه !!
ولكن ألا أخبرتُكِ بما هو أعظم من هذا كله وأشد ، يوم أقف أنا وأنتِ وأبي وإخوتي وكل البشر الصالح منهم والطالح بين يدي العزيز الجبار والملك القهار ، إنه مشهد مهول أريدكِ أن تتفكري في فصوله . يومٌ من فاز فيه فاز ومن خسر فيه خاب وخسر .. أريدكِ أن تتأملي مشاهده بقلبك اليقظان وتقرأينه وتسمعينه آية آية :
كلا إذا دكّت الأرض دكاً دكا
وجاء ربك والملك صفاً صفا
وجيء يومئذ بجهنم
يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى
يقول يا ليتني قدمتُ لحياتي
فيومئذ لا يعذّب عذابه أحد
ولا يوثق وثاقه أحد
يا أيتها النفس المطمئة
ارجعي إلى ربك راضية مرضية
فدخلي في عبادي
وادخلي جنتي )
ترفقي يا أماه فهذه نفثة مصدور وخفقة قلب مكسور أبعثها إليك بصادق الود وعبير الوجد .. فإني أصبحت هذا اليوم صباحاً جديداً ونهاراً بإذن لله سعيداً وفتاة أخرى غير التي عرفت بالأمس ...
الله يحفظلنا امهاتنا ويهدين ويطول بأعمارهن ياكريم