دموع و شموع
الخيل، البارود، سباق "القوم"، الناس مستوون حلقات حلقات ينهمون الكسكس بالزبدة والعسل المصفى، لم تكف الملاعق، الكبار يُلقِمون الصغار،.. الغايطة، البندير، العرفاء، الطّلبة، المتسولون، المحسنون، البائعون، المشترون، .. هذه هي حال الوعدة السنوية للولي الصالح "سيدي الجيلالي".
انفض الناس، فانفضضت مع المنفضين، وقفلت رائحاً.. لم يكن لي رفيق واحد، وجدت نفسي هكذا أجوب شعاباً ضيقة وسط أدغال متعانقة لاحظت أن أحدنا غريب عن الآخر، ليست الربوات والجبال أو "السهوب" التي تعودت أن أجوبها، كلما انحدرت من أعلى دَغَل إلا وقد واجهني في أسفله واد جاف مهيل، كان عليّ أن أحتال حتى أتمكن من العبور إلى طرفه المقابل بسلام، لأتسلق دغلاً ثانياً، وبعد جهد جهيد، وصبر عنيد، ألفيت ثيابي ممزقة، وأجزاء من جسدي ملطخة ومخدوشة، فرحة الخلاص من تلك الأدغال الهائلة المهولة أنستني آلام تلك الجروح.
لم أصل بعد إلى الدار، أأكون قد ضللت الطريق؟.. خارت قواي واثاقلت رجلاي، وهجس في صدري شيء ما، وكم كان سروري عظيماً حين قشعت من بعيد شجيرة على ربوة ردّدَ الناس حولها كثيراً من القصص، قصدتها على عجل، استلقيت تحتها، وبعد ثوان فقط تذكرت أن هذه الشجيرات المظلة مقدسة لدى السكان، لو شاهدوني لجلدوني، إنها شجيرة "سيدي الجيلالي" كان إذا مر بهذه البلدة بجواد أبيض مطهم يعلوه سرج لامع أحمر يقيل تحتها قليلاً، ثم ينهض واقفاً متعبداً على رجل واحدة لمدة ليلة كاملة دون أن تمس رجله الثانية التراب، لا يأكل ولا يشرب، ولا يكلم أحداً ماراً به إلا رمزاً، وقبل أن تشرق الشمس لا يجدون له أثراً إلا بعر فرسه الذي كانوا يتسابقون عليه، فيشتمونه بملء أنفاس آنافهم، ويخفون آثاره مثلما تخفى الأسرار والكنوز.
فارقت تلك الشجيرة خوفاً من عقاب "سيدي الجيلالي" وأذى مريديه، لكن ما العمل؟ إني مرهق، لا أقدر على المزيد من رمي خطوة واحدة، ساعتها قلت بيني وبين نفسي "عقاب سيدي الجيلالي" وما يلحقني من أذى من أنصاره أهون علي من أن أتكور منْ على إحدى هذه الربوات التي دلتني على أن الدار لا تزال بعيدة، ولن أصلها قبل إظلام الليل" من كانت حاله مثل حالي يكون قد فهم ماذا أريد.
مسكين! "عاجبو الحال" أنت رجل أبله، مغفل.. لو حافظت على قصبتك التي كنت تشدو بها لخرافك ومعيزك في تلك الغويبات الجرداء لكان لك اليوم جلد آخر، وشأن يختلف عما أنت فيه.
أنت رجل أبله، مغفل، … لو كنت ابن عصرك لامتهنت مهنة أخرى غير مهنة ما أنت فيه، مهنة حروف مزيفة، عذاب قلم أهوج، خيال أحمق..
"عجبك الحال"، خدعوك بقولهم لك: "مبدعاً"، "كاتباً"، "ناقدا"،.. أنت حمار، هم يزدادون ثراء وجاهاً وصعوداً إلى قمم مراكز ومناصب لا يملكون الوسائل البسيطة للحلم بها، وتزداد أنت فقراً ومهانة وصعوداً إلى الأسفل، "عجبك الخبز الحافي"، القناعة، التقشف، البركة "فلقليل".
ورب العزة، إنك لرجل أبله وأكثر من مغفل، .. تعيش في زمن، وسواك يعيشون في زمن آخر، تعبر بلغة جمال لا لغة رجال، لغة أكل عليها الدهر وشرب، وغيرك يعبرون بلغة عصرية جديدة يفهمها ويهلل ويكبر لها الجميع، يُمْنَح أصحابها الجوائز المادية في مختلف المنتديات الدولية، ويُقَلّدون من أجلها الأوسمة من درجة قائد عظيم..
من يتكلم مع من.. إنك رجل أبله،.. لم ينفع في تغيير ذهنيتك المصدوءة اقتصاد سوق، ولا عولمة،.. كأنك لم تقتنع بعد بأنك تبحث عن هويتك بين أقوام لم تخترهم أنت لنفسك، وفي بلد وجدت نفسك هكذا تدب دبيباً تارة كالملاك حراً طليقاً، وطوراً كالعبد مكبلاً، فوق ترابه، وتثب بين كثبانه وربواته، وتجوب أدغاله وأوديته، وتمشي الخيلاء متمتعاً بجمال أزقة مدنه، وتستنشق بملء حواسك نسيم هوائه، في بلد وجدت فيه نفسك تنشد مع المنشدين وتغني مع المغنين "شعب الجزائر".. "من جبالنا.." "قسما.."
ما أنت فيه لا يشفع أدنى شفاعة لك، أتعرف لماذا؟ لأنك رجل أبله ومغفل، .. ضيعت فرصاً كثيرة في مسيرتك الطويلة من أجل بلهنية هذه الكلمات التعسة التي كنت تخطها بيمينك، وها أنت ذا ترسمها بيسارك..، لن تكون لك يد ثالثة.. تكتب خزعبلات تسميها "مبادئ".
إنك لست أبله فقط، أكثر من ذلك، لا دواء لك، ألم تعرف لماذا؟ لأنك أناني، توظفنا كإله يقلم أظافره في هيبة وصمت وكأن الأمر لا يعنيه من قريب ولا من بعيد، تحركنا كما يحرك طفل صغير دماه، تسند إلى هذا دور عاشق متيم، وإلى هذه وظيفة عاشقة لوجد مستحيل، وإلى ذاك عبء دور مجرم محترف يقتل نفساً قد تكون بريئة، فييتم صبية زغب الحواصل، ويعرض شرف عائلتهم الوحيدة لشهوات الجشعين،.. قد تجعل الواحد من عالمنا الذي لا يقل زيفاً عن عالمكم بطلاً وهو عند عامتنا وخاصتنا شخص حقير دنيء، والآخر سفاكاً بطاشاً وهو مسالم إذا رأى نملة أو حشرة سلك مسلكاً ثانياً، والواحدة من نسائنا وبناتنا أجمل فتاة، وهي آخر مخلوقة في عالمنا يفكر فيها أو يميل إليها مخلوق.
ألا تحب أن تتركنا لنعيش في أمن وسلام؟ لكم عالمكم، ولنا عالمنا، دنياكم دنيا متاعب واغتيالات وأضغان وصراعات، .. ودنيانا دنيا بر وسلم ومحبة وسماحات.. إن كان عالمنا طبيعياً في زيفه، فعالمكم يصطنع الزيف ويتكلفه، إنكم بلداء لا تستطيعون أن تقشعوا وتتبصروا جلية زيف عالمنا،.. أقدمتم منذ آلاف السنين على إضفاء مسحات من الوهم عليه، وسميتم ذلك بلاغة، مثلتم بنا أسوأ تمثيل، ألصقتم بنا أبشع الصفات إرضاء لأهوائكم، وفبركة لفرجة تلو فرجة ترفيهاً على أنفسكم، فقلبتم عالمنا الهادئ الآمن إلى ما يضاهي الحقيقة، وعالمكم الهائج المتأجج إلى ما يقارب الزيف،.. ربما هكذا أفضل، لا نحب لعالمنا أن يكون نسخة مصورة من عالمكم،.. اغربوا عنا إلى أن يُقاضى بيننا وبينكم فدعونا نعيش في أمن وسلام.
ما أقسى عالمكم وأقذره! لم تُجْدِ فيه رسائل سماوية، ولا عجائب دنيوية ولا كوارث طبيعية، ولا ثورات ثقافية، ولا نظريات اقتصادية اشتراكية أو رأسمالية،.. عالمكم عجيب، لو خير الأنبياء والرسل أن يبعثوا فيكم من جديد لما قبل بكم نبي واحد، وإذا ما قبلوا طاعة وخشية فإن الرب يشفق عليهم، حتى الجن والشياطين لا تجرؤ على الامتثال أمامكم، إنكم عالم تتصارعون فيه على الرذائل، من أجل ملك زائل تُقْطَعُ الأعناق بالفؤوس والشواقيف مثلما يقصل القصيل وتجز الصوف من الشياه،.. إنكم تذبحون أطفالكم، وتستحيون نساءكم، وتحرقون مدارسكم ومعاملكم وعياداتكم، وتفجرون قناطركم، وتقتلون الأئمة والأطباء والعلماء والعجزة والقساوسة، حتى الضيوف والسفراء لم ينجوا من شروركم، تخربون بيوتكم بأيديكم،.. ليعلو في النهاية المأساوية الكرسي مجرم لبعض الأيام أو الشهور،.. لا تحبون آدمياً ولا شيطاناً ولا جاناً أن يرأسكم،.. هل أنتم أمة محكومة بلا حكومة، أم أمة ذات حكام بلا محكومين؟
نرجوك، نرجوك بجاه "سيدي الجيلالي" الذي أنت الآن في حرمته أن تغرب عنا، وتتركنا نعيش في أمن وسلام! في عالمكم الواسع دولة واحدة تجاوز أسماؤها وألقابها المليار، فلماذا تستعيرون من عالمنا الذي تنعتونه بالوهمي تارة، والماورائي أو الميتافيزيقي مرة زيداً وعمراً وشهرزاد وروبير وماريا وجاكلين وأنطونيو؟.. مثلما لكم عالمكم لنا عالمنا فلكل منا أسماؤه، إنكم تفرون من واقعكم الذي انقلب عليكم، واقع لا يزيد كل يوم إلا حبلاً بأحابيل مجهولة المصادر،.. يلجأ التعس منكم إلى عالمنا الذي لا أبعاد ولا حدود له، ليعود إلى عالمه المحدد بجهات أربع جذلان نشوان، وقد أثقل كاهل عالمنا من مزايدات وخروقات لا وجود لها أصلاً فيه، .. كأنكم تتدربون على الهجرة السرية البيضاء إلى هجرة آتية لا مفر منها سوداء، تحبون أن تنفلتوا من عالم لا ترغبون أن تكونوا عالمين فيه بكل شيء، تعافونه، تشرئبون بأخيلتكم إلى مدينة فاضلة تحلمون بمثالياتها فراراً مما تقاسونه من جحيم وفقر وهلع وإرهاب.
يلوح في أفقنا أنك ما زلت منشغلاً بتقليم أظافرك غير عابئ بآهاتنا وتوسلاتنا،.. ليست لريشتك فيما يبدو، ذمة، إنك رجل أبله "كاتب" ساذج؟.. لن يقبلكم عالم آخر غير عالمكم الذي أنبتكم ورعرعكم القدر فيه، ولو بدلتم ألوانكم وجلودكم،.. ولكنكم أمة مراهقة، شعوب قُصّر، أمم أخرى بلغت أشدّها، تعلمت، بحثت، صنعت، انتجت، حسّنت مستواها العلمي والتكنولوجي،.. أما أنتم، فما زلتم تحلمون بعودة "المهدي المنتظر" ونزول "المسيح الدجال" فتتعطل الرشاشات، ويبطل مفعول القنابل الذرية والهيدروجينية، وتتجمد بقدرة قادر المحركات النفاثة للغواصات والصواريخ العابرة للقارات؟.. يكف الناس فيه عن التظالم وتمتلئ الأرض عدلاً وتفيض المعمورة بالخيرات، فيشبع الجوعان، ويروى الصدْيان، ويكسى العريان، ويتماثل المرضى إلى الشفاء من السيدا والسرطان، ويتعلم الجاهل ويكرم العالم،.. إلى ذلك الحين، ألا تدَعُوننا نعيش في أمن وسلام؟
خدعنا عالمكم بشعاره الأجوف "الحر بالغمزة، والعبد بالدبزة"، ولكنك أنت لست من هذا الصنف ولا من ذاك، ولم ترحم حتى مستقبلك، قرأته في فنجان قهوة سوداء لا في كأس من الحليب، ولو سألت المنجمين والعرافين لكنت اليوم تجني أموالاً طائلة، أموالاً مرغوبة في سوق المال والأعمال وقيم البورصات، لا رسومات تشكيلية سريالية منمقة، في كل عشرية من عشرياتكم تتفنن بنوككم في تنقيح خطوطها وألوانها وأشكالها.. أعظم الرؤساء الغربيين كان لهم منجمون ومنجمات، هل أنت أفضل من الجنرال ديغول، وفرانسوا ميتران وآخرين؟.. لكنك أبله، مغفل، "كاتب" مزعوم يزعم أنه يرشد الناس إلى ما فيه فلاحهم وصلاحهم، وأنت أفقر الناس إلى الصلاح والفلاح،.. لو تعهدت صوتك وروضت أناملك على الانسجام،.. وعودت رجليك وكتفيك، تعلو وتنزل واثباً كالغزال تارة، ومقلداً "الشيوخ" والعرفاء كالقرد تارة أخرى لكنت اليوم أمهر راقص في "لعلاوي" الذي كنت مخبولاً به، .. رقصة تدر عليك أضعاف ما ظللت تجنيه مما تخطه من كلمات بائسة بلغت دركها الأسفل، الرديء فيها جميل، والجميل فيها رديء، وبأية لغة؟
أقلعت عن مخادنة "الكتابة" منذ سنوات خلت، بلغ بك اليأس آخر ما يبلغه امرؤ من عالمكم في حياته، منذ هجرتك تلك الملهمة التي امتزج شيطانها بشيطانك، صنعتما الأعاجيب، حسبتما أن الزمن لا يدور عقرباه عكس ما تحبان، كنتما لا تتمتعان إلا بمقدار، هنا وهناك.. تركتك جثة هامدة، أضحى الإلهام عدواً لك، لم ينجك من بطشه شيصاني ولا عبقريّ.. كنت إذا تمثلت ملهمتك بدأت تهذي سراً وجهاراً لتخط بعد ذلك ما يدور بخاطرك، وإذا انتقدت فيما صدر عنك في تلك اللحظات القلقة أنكرت أن يكون ذلك الهذيان منك، أما الآن..
ليست ملهمتك التي تحولت إلى ريشة لا شعورية أو كاهنة من كاهنات "باخوس" كل الأسباب في عقمك، هي لم تحل بينك وبين مزمارك ومعيزك وخرافك، ليس لها إثم في عزوفك عما علمك الرعاة المهرة من رقصات "علاوية"، وعزف على الناي، وضرب على البندير، ولعب بالدف، .. هجرت تلك الفنون الرائجة يوم هجرت من جنوبك إلى الشمال، خلعت من على رأسك "الرزة" وحلقت ما كان يعلو سطح رأسك من قُصَّة، وعاديت السروال "العربي" وتكته الصوفية البيضاء لترتدي سروالاً "رومياً أمسيت تستلذ جواً باريسياً مفعماً بالفرح والملذات، أنساك كل شيء، في وقت قصير، "لالة ستي" وربوتها التي كنت تطل من على شرفاتها مرتين على الأقل في كل أسبوع، بدلتها الآن مرتين بالسينما والملاهي الليلية أين ولعلك بـ "بني بوبلال"، وتعلقك بـ "غار بومعزة"، وشغفك بـ "لوريط" وزيارتك "سيدي بومدين" في كل جمعة؟.. حسبت أن الحياة الجديدة آخر ما تصل إليه مدينة مثل مدينة باريس الملغمة بالمغريات والخدع، أردت أن تكون مثل الغراب الذي.. تعرف البقية.
ها أنت ذا صُلْت وجُلْت، عالمنا لا جهة له، كان دوماً لك ولأمثالك بالمرصاد، ليس عالمنا فضولياً يتقصص آثار الناس من عالمكم، ولكنه عالم معتدى عليه بشكل دائم من عالمكم الهش الذي مططتموه إلى قارات وشعوب وقبائل، وها هم الخلفاء فيه شرقاً وغرباً يُغْرونَ المغفلين والحمقى من أمثالك بأنه تحول إلى "قرية صغيرة"، وعما قريب، سيقولون لكم: آل إلى "مائدة عائلية واحدة"، يستوي إليها خليفة أمريكا مع خلفاء فرنسا وكندا، وحكام بوركينافاسو والصومال وأفغانستان، .. الناس سواسية.. لا فرق بين.. ألا تهتمون بهمومكم وتذروننا وشأننا ننعم بأمننا وسلامنا؟
وأنت بالضبط، ألا تلتفت إلى مكتبتك التي أُرضَتْ فاغبرت كتبها، واصفرت أوراقها، واحمرت رفوفها،.. ففيها ما يلهيك عن "كتابتك" اليائسة، وجشعك في المزيد من شهرة زائفة وذيوع صيت صحافي محلي؟.. نعرف أن قلمك بيدك لا يرتعش قبل أن يرتعش لتذّكر ملهمتك قلبُك وبدَنُك، كأنك تأبى إلاّ أن تعيش بحاضر مزيف من أجل غد كاذب، لتكن كما تريد، ما دمت "فناناً" بارعاً في تزوير شخصيات تستعبدها في هراءاتك، وأنت متستر وراء ضمائر منفصلة، لتكن كما تريد أن تكون اتركنا، فقط، نشعر بنعمة الهناء والسلام.
لو كان لك اليوم مُلْهمون أو منجمون لذكّروك بما وقع لك في مكتبتك المنسية المغبرة التي شغلتك عنها الصحف بما تطالعك به يومياً من عناوين دموية منذ عشرية كاملة، لم تترك لك هذه العناوين الحمراء هنيهة ولا ذوقاً لصقل وجلاء ما اعتلى عقلك من صدأ وتفكيرك من وجوم وألم.. ولعلك تناسيت ذلك عمداً، لأنك لم ترض بـ "هدية" مسمومة ألقيت إليك من عالم ثالث يشبه عالمكم أو يكاد يكون نسخة منه، ومن يدري؟ لأنك ما زلت توجس في نفسك خيفة من كشفها لأبناء عالمك الذين غدوا لا يحفلون إلا بكل ما هو ممتع ومشوق في رداءته، رائع جميل في إسفافه..
ما أنت فيه، لا يكون لك مبرراً قوياً لئلا تدعنا وشأننا ننعم كسائر العوالم الأخرى بهدوء وراحة وسلام، فلكم عالمان: عالم تشقون وتجهدون فيه أنفسهم، وتقترفون كل كبيرة وصغيرة، وعالم تنتظرونه غير مصدقين بمقت وجبن، ويتمنى الواحد منكم لو يعمر ألف سنة بل تؤثرون الحياة الدنيا.." ولا ترون الموت ماثلاً إلا في جنائزكم ومقابركم.
عالمنا لا حدود له، ولكنه احتار والتبس عليه أرقام رقّموكُم بها، ومراتبُ رتبوكم فيها، عالم أول، وثالث،.. عالمكم الذي أصبح مجهول المرتبة، تدحرج صاعداً إلى مرتبة سفلى! مما لا شك فيه أنكم تشعرون بالغبن، لكنكم هل ستحسّون ظلماً إذا ما رُقيّتُم مما أنتم فيه يوماً من مرتبتكم المجهولة إلى عالم رابع، وبعد عقود من السنين إلى عالم خامس، وبعد قرون، إن شاء الله، إلى "سبعة زائد واحد"! كل ما عرف عالمنا عنكم أنكم لم تبقوا بقاءكم ذلك العالم القديم الذي لم تكن تغيب عنه الشمس، ولا تحولتم إلى عالم آخر، كل ما عرف عالمنا عنكم أن كل شيء فيكم ولديكم تدنى وتدهور، لغتكم، عملتكم، ثقافتكم، إنتاجكم، حتى طبائعكم لم تبق تلك الطبائع السمحة الكريمة، وكل ما هو ماثل لنا أن عالمكم سيكون سعيداً جداً لو ستقبله العولمة التي غدوتم تلهجون بها، وتستهرون بعواقبها بواباً لها.
ما أبلهك! ما أنت إلا "كاتب مهذار بدون معنى، كأنك تريد أن تبرز لتقول شيئاً ما، كأنك فرغت من تقليم أظافرك أم أنك كنت طوال هذه الثرثرة تسخر منا؟ كل ما نعرف عنك أنك "كاتب" معتوه، لو حجزت ما وقع لك منذ عشرية، ووجدت في نفسك شيئاً من الجرأة لكشفها إلى ناس غير ناسك، وبلغة غير لغتك، وبضرب القيم والمثل العليا عرض الحائط، لكنت اليوم، وحتى قبل اليوم، من "المبدعين" المرشحين لجائزة "نوبل" للآداب، أو نسيت كم حاولت "كاهنتك" أن تحمسك شهوراً قبل هجرتك فراراً من جحيم وإرهاب عالمكم؟ كنت تقول: إن الساعة لم تحن بعد لكشف عنوان ذلك المخطوط "الإبداعي" وما يتضمنه من آهات وأفكار إلى عالم غدا يخنق الكلمة قبل أن يتفوه بها صاحبها.
نراك تتمتم، كأنك تريد أن تقول شيئاً، ليس عالمنا مستبداً بالسرد الكلامي مثل عالمكم، نراك فعلاً تهم بتحريك شفتيك الجافتين "هو عاش أكثر من ثورة وحدث في هذا البلد، ولم يرد أن يكون هو وأمثاله دائماً في طليعة من يدفعون ثمناً تستغله فئات من المتطفلين، ولا تستحقه فئات أخرى من المنتهزين، ويحمده جماعات من المنزوين في باريس، ونيس، وروما، ولندن، وجنيف،.. المحميين بأجنة الزمان الذين تعودوا من الطلائعيين الصامدين أن يحملوا في كل حدث عارض جسيم أعباءهم وتبعات نكوصهم".
سيان أن تكشف اليوم ما فاتك منذ عشرية أو تخفية، ألا تريد أن تقلع عن بلاهتك وعتاهيتك لحظة واحدة حتى تدرك أن ما كان أكثر جاذبية وأدعى إلى الفضول أمسى الآن عادياً فاتراً، تجاوزه الزمن بعقود أو حتى أكثر من قرن أم نسيت أن عالمكم مغزو في عقر داره بقنوات فضائية جهنمية وبرد إلكترونية وانترنيت فاغر شبكته؟
ولم لا تكون صريحاً، ولو مرة؟ تعلم قبل غيرك أنه لم يعد لك مجال لتستعير وتبدل ما فرض عليك من شخوص وخيال من عالمنا منذ عشرية، لست قادراً على زحزحة بنية "كتابية" سبق لساردين ذوي ثقة أن بثوا فيها، ولكن ثغرة هؤلاء المستعبدين أنهم ليسوا من ذوي المعرفة بكل شيء، يؤمرون فيطاعون، قد يثرثرون مثل ثرثرتنا هنا معك، قد يصمتون تماماً، مساكين ليست لهم قدراتك التخمينية ولا قواك التخيلية، ذنبهم الوحيد أنهم من عالم يختلف عن عالمكم.
جنونك لا يمنعك من تهشيم كل ما بناه أولئك الأشقياء الأسرى في دقيقة واحدة، عالمنا أدرى بهوسك كلما زارك المخاض وهممت بقلمك، هذه المرة لن تستطيع، ألم تدر بعد لماذا؟ إنها بنية داخلية مفروضة عليك فرضاً من الخارج، لا تستطيع أن تحركهم هنا مثل الدمى، لن تجد قيد أنملة من الوقت لتحك شعرك، وتقلم أظافرك؟
ألا يحق لعالمنا أن يرتاح الآن من بلاهتك وعتاهيتك؟ سنقيم حفلاً لم يشهد عالمنا مثيلاً له من قبل، لن ننسى على كل حال "كاهنتك" ومعها كاهنات "باخوس" إذا أعفاهن إلههن من الوحي والإلهام لبعض الوقت، ومعهن "أفروديتا" حتى ترد إلى صاحبتك التي تجاوزت العقد الرابع بريقاً من الحب والجمال، ستكون "هيرا" وسيطة بيننا وبين "باخوس"، لا نحسب أنه سيرد طلباً كريماً لـ "زيوس"..
أتدري لماذا بدا لنا أن ندعو "كاهنتك"؟ إنها ليست مثلك بلهاء، ولا مغفلة، إلى جانب أنها تمونك بالوحي والإلهام، فهي تدنو إلى حد ما مما تستعير من شخوص عالمنا، هي تسترد حريتها بمجرد فراغك من "خربشتك" وشخوصنا تظل حبيسة حروفك، عالمنا معجب بها على أي حال، فأنت كثيراً ما جشمتها مهمات عسيرة وأدواراً خطيرة فاقت أحياناً طاقتها، وأحياناً أخرى كادت تتفوق على شخوصنا، ألا تستحق بجدارة دعوة من عالمنا لتكون مرحة من بين الجميلات؟
يلوح في أفق عالمنا أنك تريد أن تقول شيئاً ما، لك ذلك ما شئت ومتى شئت، لن تجد عالمنا مستبداً سيخلي لك الطريق، سيتموقع هناك على العتبة، عالمنا متهم من عالمكم خطأ أو صواباً بأنه ليس صاحب معرفة كلية بكل *** ما يدور بخلد عالمكم، نراك تتململ، تتعصر، تتقلى، لا بد أنك مصر على قول شيء ما: "ما كنت أحسب قبل هذا أن مظاهر الرياء والنفاق ماثلة ومتداعية حتى في فضاء لا أبعاد له، وفي زمان بغير مكان، حتى هذه المخلوقات التي كانت حتى عهد قريب نسخرها كيفما نشاء تتودد الجمال والقوة وتمالقهما، سارة لا تدعى لأنها فقط إحدى كواهني الغابرة، بل لأنها أضحت تنتمي إلى عالم آخر.. لن أثلج نفوس هؤلاء البلداء، سارة تبقى سارة، سأكلفها بدور أضخم جسامة مما عهدته، حتى لا أدع لها برهة تفكر فيها لقبول تلك الدعوة التي أشم فيه مسك الشماتة، لن أقبل وساطة من "أفروديتا" آلهة الحب والجمال، ولا من "هيرا" زوجة كبير الآلهة، سارة لا تبرح عندي جميلة ولو بلغت الستين أو السبعين، وإن رفضت وركبت رأسها كدأبها أحياناً، سأقضي عليها في بضعة سطور سأكدر عالمهم، سأستعير من جديد منه بطلة مزيفة لتكمل بطولة المغفور لها سارة،.. لن أتوانى في تحويل احتفالهم مأتماً، سأيتمهم في المزيد من بناتهم وأبنائهم، .. غير مهم عندي كثيراً، جمال أو دمامة دُمَاهُمْ، جبْنُهُمْ، أو شجاعتهم، ما يهمني أكثر ما أحملُ به هؤلاء الأشقياء الذين خُلقوا عبيداً لعالمنا من مهامّ وأدوارٍ أشفقنا على شخوص عالمنا منها،.. سأكشف في مناسبة أخرى ما وقع لي منذ عشرية في الزمن المناسب، لن يجبرني على ذلك أحد".
ألم نقل لك بأنك "كاتب" أخرق وإنسان أحمق؟ تحسب أن الوقت لم يزل بعد مناسباً لتغير خارج وداخل هذا العالم من حولك،.. سنخطف سارة طوعاً أو كرهاً، سيستنجد عالمنا، إن اقتضى الحال، بـ "آريس"، وحتى "زيوس" ليحول أرضكم إلى سماء، إلى فضاء بغير جهات، لن تستطيع ريشتك الهشة الخرقاء مثلك أن تنفذ من أقطاره، لأنه لا قطر له، سيجف حبرك ولو كان يَمّاً ستنفدُ كلماتك، لَسْتَ إلهاً، يبح صوتك، ينعقد لسانك،.. آه! سيرتاح أخيراً عالمنا من عباراتك الطنانة البذيئة، وصورك الباهتة، وبلاغتك الكاذبة، .. أنت مثل الراعي عندكم، إذا لم يجد ما يعمل لجأ إلى نعله يفتقه،.. فيا عجباً! كيف يتحول راع بين عشية وضحاها إلى " … "؟، يدخل الجامعات، يحصد الشهادات، يقتنص أجمل الفتيات من أرقى العائلات ولم لا يطمح غداً إلى " … "؟ الحمد لله الذي حسب لكل شيء حسابه، جعل لكل شيء خطوطاً حمراء.. أفّ لك يا ديغول ولمنجمك الرائد موريس فاسيه؟ لولاهما لما كان اليوم رعاة وفلاحون وحتى خماسون يستفزوننا ويستهترون بشرف أجمل جميلاتنا، يحولون أنظف مخلوق فينا إلى جانٍ، وأَعْدَ لنا إلى طاغٍ باغٍ، وأقدمنا إلى جبان..
يلوح لنا في أفق عالمنا أنك بُهتّ، تكاد تخرج من جلدك، وتفقد صوابك، الباطل أخرسك، الحق مر مذاقه كطعم العلقم، كما قال شاعركم الذي حرموه أجمل فتاة أحبها في حياته، إذا صر حقر، وإذا كر شكر، لم يشفع له عندهم شعريته، ولا بطولته وفروسيته،.. حول المعجبون حياته المثقلة بالمكائد والمتاعب إلى سيرة يتفكهون ويتسلون بها،..
يلوح في أفق عالمنا أننا نشم فيك مسكاً حاراً لا طيباً من العناد الأعمى ألم تدر بعد كل هذا لماذا!؟ لأنك أبله، "كاتب" مغفل،.. لو كنت راعياً عاقلاً وإنساناً لبيباً، وتعهدت "ثلاثيتك" و"رباعيتك" و"خماسيتك".. و"ثمانيتك" وواصلت الشدو والرقص والزمر لخرافك ومعيزك لكنت اليوم.. إذا لم تدعنا ننعم بأمننا وسلامتنا غير منقوصين، فإن "آريس" سيكون بجانبنا سيقهر "سيدك الجيلالي" لنا العمل، ولكم "الفاتحة".
يلوح في أفق عالمنا أنك تهم بقول شيء ما، لن تكون بحاجة إلى محام، ولن نكون بحاجة إلى قاض، تكلم مالك واجماً؟ تكلم جهراً، هذه آخر فرصة، لا تتستر جباناً وراء حركات وأفعال شخوصنا، تهم بقول شيء، قل أي شيء: "لن تؤخذ سارة مني يا كلاب، سأهشم عالمكم الضبابي القذر، سأوظف شخوصاً وشخوصاً فيما تسمونه "خربشة"، سأجعل شخوصكم عبيداً خماسين، عمالاً في رمي الأزبال، خدماً في الحانات، سأرمي بهم إلى حروب ضروس لا تبقى ولا تذر كمرتزقة في الشرق الأوسط، وأجزاء من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية،.. سأنشر بناتكم في شوارع وأرصفة باريس، مرسيليا، مدريد، لندن، نيورك، روما،.. في قصور فخمة أخرى لا يراهن إنس ولا جان،.. لن تأخذوها مني، لن تأخذوها، .. ولو أدى الأمر إلى الإعلان عن حرب كونية..".
يلوح في أفق عالمهم أن القرويين يهرولون إلى هذه الشجيرة بعصيهم وكلابهم، سيجلدونه سبعين جلدة، ذلك جزاء كل من يقيل ويستظل تحت شجيرة "سيدهم الجيلالي"، دعهم وشأنهم ينعمون بهدوء وأمن وسلام! … .
خيل، بارود، سباق "القْوم" … .. انتفضت انتفاضة واحدة، شعرت بحرارة على غير العادة تسري في جسدي، أمطار تتهاطل عليّ وأنا متدثر بثلاثة أغطية، وجدت نفسي أستحم عرقاً وحولي فقيه الحي، وبجانبه زوجتي، وولداي المراهقان، وهو يسألها:
ـ هل سمعته يقرأ شيئاً من القرآن قبل حضوري؟!..
ـ بلى..
ـ وأي شيء كان يقرأ؟..
ـ قوله تعالى: «بل تؤثرون … .» …
ـ فقط …
ـ أجل …
«ـ إنَّ زوجك، يا سيدتي ـ "مسكون"» بجانٍ مارد كافر، وإلا أتم الآية، الجان الكافر أيسر علينا في هذه الحالة التي عليها زوجك مما لو "ضَرْبُو جَنْ مُمَنْ"، جهزوا مجمراً زاهراً، فصاحبه جاهلي من بني الشَيْصان. ألم تسمعوا قول حسان:
ولي صاحب من بني الشيصان
فحينا أقول وحينا هُوَهْ
لا تقلقي، يا دكتورة، كل من يتجرأ على خرق عالمه ولوجاً في عالم غيره إلا ويلم به ما ألم بزوجك، لا مناص له من ملهم، عادة ما يكون من هذه القبيلة الجنية أو طائفة جنية أخرى تقطن أرض عبقر، هم أمم أمثالنا، يروننا ولا نراهم ـ وإذا ما تراءى أحدهم لنا يمثل في صورة أحد لا نرتاب في شخصه، عبقر أصل وجودهم، جاؤوا مع الفاتحين منذ أن وطئت قدم الصحابي الجليل سيدنا أبي المهاجر رضي الله عنه ضواحي تلمسان، هم موجودون في كل مكان، حذري ولديك من الذهاب ليلاً إلى عيون أبي المهاجر، لأن هؤلاء مسلمون، ليس من السهل طردهم ممن "يسكنونه" …
لشعراء يونان آلهة إبداعهم، وللعرب عبقريون، الأولون وثنيويون أسطوريون، والثانون "أرواحيون"، ألم تسمعوا قول شاعرهم لبيد:
ومن فاد من إخوانهم وبنيِّهُمُ
كهول وشبان كجنة عَبْقَر
والعبقر، يا دكتورة، واحد وجمع، وأنثاه عبقرية، آهْ، يتزوجون حفاظاً على سلالتهم، وهم لا يتزوجون كافرة، والجنية منهم لا تتزوج كافراً، ولذلك حين يبلغ اليأس بجنية كافرة "تسكن" عربياً وتتزوجه، ولا تستطيع بركة فقيه أن تخرجها من "المسكون"، إلاَّ بتقديم شكوى لرئيس الجن الأعظم.
ويقال: ثياب عبقرية تعجباً من جودة صنعها لأن جاناً من جنة عبقر هو الذي ألهم صانعها مثلما يتلقى كل شاعر عربي منه "وحيه" وفي الحديث: "أنه كان يسجد على عبقري"، وفيه أيضاً: "فلم أر عبقرياً يفري فريه"، من قولهم: فَرَيْت المزادة التي تصنع من أدم، إذا خلقتها وصنعتها، قال راجزهم:
شَلَّتْ يَدَا فارِيَةٍ فَرَتْها
وكل حاذق أتى بالعجب العجاب في عمل أو إبداع، قيل فيه: "فلان يفري الفريّ" … وقال تعالى: "وعَبْقَريّ حِسانٍ"، وقرأ بعض القراء: "وعباقريِّ"، .. ربما حتى ينسجم الموصوف بالصفة، وهو لغوياً خطأ، لأن "المنسوب لا يجمع على نسبته، … .".
ما إن رمق الفقيه الذي كان مسترسلاً في شروحاته اللغوية إحدى الجارات، وهي تدخل بمجمر "بَيْدَريِّ"، زاهر وضاء مبسملة ومسبحلة ومحركة شفتيها بغمغمات أخرى حتى انقطع الفقيه عما كان فيه من حديث جذبني به إليه جذباً، وشدني إليه شدَّاً، وأنساني ما رَهْقَ وجهي من امتقاع، واعترى جسدي من حمى وعرق، … . إلى هنا كانت الأمور عادية لأن الحالة التي يكون عليها أحد مثلي تجعله يتخيل فعلاً بأن شيئاً ما خارج ماهو طبيعي قد ألم به، أَلَمْ أُمْسِ وأنا كسائر الناس ـ وها أنا ذا أُفِيقُ في ضَحْوة متأخرة، ولا أشبه أحداً من الناس؟.. بدأت أجمع وأسترد وعيي شيئاً فشيئاً، وأثوب إلى رشدي تدريجياً، لكن الفقيه لن يتدوّم أكثر مما تدوّم، ولينتظرني حتى أتخلص من كابوس تلك الليلة الثقيلة تخلصاً كاملاً، أمر الكل بالانصراف، لم يبق في الغرفة سوانا، أراه يرسم أشكالاً من المربعات الخماسية والسباعية وجداول مختلفة على وريقات وقطع فخارية … الفقيه جاد، أخرج قضيباً حديدياً تعلوه صفيحة مستطيلة ليست غريبة عني كل الغرابة، إنها "الشيطابة" التي لطال كان فقيه مسقط رأسي يضعها وسط النار حتى يَحْمَرَّ نصفُها الأسفل، ويَبْيَضَّ نصفها الأعلى وبسرعة لمعان البرق يلتفت مهدداً وموعداً الجان بالخروج من "المسكون"، فإن تردد الجان أو تماطل قليلاً، فالويل للشخص "المسكون" من كيّ "الشيطابة" مرة بعد مرة، وما أكثر ماكان هذا الجان أو ذاك يجري مفاوضات طويلة مع الفقيه قبل أن يبارح مكانه، فينحى باللائمة على "المسكون"، الذي قد يكون داس له ابناً صغيراً في ثَعَبٍ، أو "تخطرف" على مَثْعب كانت الجنية تستحم فيه، أو أهرق كأساً من الماء المغلي فأحرق بعض صغاره، … . لكن صبر الفقيه كثيراً ماكان ينفد ليدرك في النهاية أن تعلات الجان ليست أكثر من ربح للوقت لإفشال إصراره لأن الجن تعلم عن الإنسان مالا يعلم هو عنها … ..
على أي حال، في هذه المرة لم أكن أبله ولا مغفلاً مثلما وصفني به طوال ليلة كاملة عالم الأشباح، انتفضت من مخدعي انتفاضة واحدة وهممت بالخروج من تلك الغرفة، حاول الفقيه إمساكي عَبَثاً وهو يصيح: "أمسكوا به، ساعدوني، كان يجب أن نربطه بحبل إلى السرير، … حين رمق اللعين الكافر "الشيطابة" محمرة و ما صاحبها من تلاوت قرآنية، حاول الفرار به، حتى يبقى داخله أكبر وقت ممكن "هو خَرَجْ خَرَجْ"، … أغلقوا باب الدار، ساعدوني، لا تدعوه يخرج من الدار، قد يشكل خطراً على المارة، وسيعود عليه بالضرر، … "، لم يجرؤ أحد على الاقتراب مني خوفاً من صاحبي الذي كان بداخلي، أما الجارة العجوز، فتبعتني بلطف وحذر وهلع، وكنت أسمعها تردد:
"يا جن أحمر، بجاه سيدي أعمر، ما تخرج مَهْدَ الدَّارْ، وتْخَلّينَا نْعيشْ في أمن وسلام"، فقلت في نفسي، وأنا مصمم على مغادرة الدار: "سبحان الله! ما الذي أدرى هذه الجارة بما جرى في ليلتي"؟
maarmaar11 @maarmaar11
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
حصه (((أم عبد الله
•
موضوع رائـــــــــــع.. يسعني أول من يرد
مناير العز :مشكورة على النقل والقصة للكاتب : عبد الجليل مرتاضمشكورة على النقل والقصة للكاتب : عبد الجليل مرتاض
انا عضوه جديده واريد ان اقول لكى انه موضوع رائع
الصفحة الأخيرة