بسم الله الرحمن الرحيم
الورد الثلاثون
الآيات من 151- 157وتقع في الجزء الثاني من القرآن الكريم
{ كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } * { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ } * { يَآأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ } * { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ } * { ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } * { أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ }
التقييم حتى مساء الأربعاء
تفسير سيد قطب رحمه الله
تذكير المسلمين بنعمة الله عليهم بإرسال النبي
واستطرادا مع هذا الغرض نرى السياق يستطرد في تذكير المسلمين بنعمة الله عليهم بإرسال هذا النبي منهم إليهم استجابة لدعوة أبيهم إبراهيم سادن المسجد الحرام قبلة المسلمين ; ويربطهم سبحانه به مباشرة في نهاية الحديث كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون فاذكروني اذكركم واشكروا لي ولا تكفرون والذي يلفت النظر هنا أن الآية تعيد بالنص دعوة إبراهيم التي سبقت في السورة وهو يرفع القواعد من البيت هو وإسماعيل دعوته أن يبعث الله في بنيه من جيرة البيت رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ليذكر المسلمين أن بعثة هذا الرسول فيهم ووجودهم هم أنفسهم مسلمين هو الاستجابة المباشرة الكاملة لدعوة أبيهم إبراهيم وفي هذا ما فيه من إيحاء عميق بأن أمرهم ليس مستحدثا إنما هو قديم ; وأن قبلتهم ليست طارئة إنما هي قبلة أبيهم إبراهيم وأن نعمة الله عليهم سابغة فهي نعمة الله التي وعدها خليله وعاهده عليها منذ ذلك التاريخ البعيد إن نعمة توجيهكم إلى قبلتكم وتمييزكم بشخصيتكم هي إحدى الآلاء المطردة فيكم سبقتها نعمة إرسال رسول منكم كما أرسلنا فيكم رسولا منكم فهو التكريم والفضل أن تكون الرسالة فيكم وأن يختار الرسول الأخير منكم وقد كانت يهود تستفتح به عليكم يتلو عليكم آياتنا فما يتلو عليكم هو الحق والإيحاء الآخر هو الإشعار بعظمة التفضل في أن يخاطب الله العبيد بكلامه يتلوه عليهم رسوله وهو تفضل يرتعش القلب إزاءه حين يتعمق حقيقته فمن هم هؤلاء الناس من هم وما هم حتى يخاطبهم الله سبحانه بكلماته ويتحدث إليهم بقوله ويمنحهم هذه الرعاية الجليلة من هم وما هم لولا أن الله يتفضل ولولا أن فضل الله يفيض ولولا أنه سبحانه منذ البدء منحهم فضل النفخة من روحه ليكون فيهم ما يستأهل هذا الإنعام وما يستقبل هذا الإفضال ويزكيكم ولولا الله ما زكي منهم من أحد ولا تطهر ولا ارتفع ولكنه أرسل رسوله ص
يطهرهم يطهر أرواحهم من لوثة الشرك ودنس الجاهلية ورجس التصورات التي تثقل الروح الإنساني وتطمره ويطهرهم من لوثة الشهوات والنزوات فلا ترتكس أرواحهم في الحمأة والذين لا يطهر الإسلام أرواحهم في جنبات الأرض كلها قديما وحديثا يرتكسون في مستنقع آسن وبيء من الشهوات والنزوات تزري بإنسانية الإنسان وترفع فوقه الحيوان المحكوم بالفطرة وهي أنظف كثيرا مما يهبط إليه الناس بدون الإيمان ويطهر مجتمعهم من الربا والسحت والغش والسلب والنهب وهي كلها دنس يلوث الأرواح والمشاعر ويلطخ المجتمع والحياة ويطهر حياتهم من الظلم والبغي وينشر العدل النظيف الصريح الذي لم تستمتع به البشرية كما استمتعت في ظل الإسلام وحكم الإسلام ومنهج الإسلام ويطهرهم من سائر اللوثات التي تلطخ وجه الجاهلية في كل مكان من حولهم وفي كل مجتمع لا يزكيه الإسلام بروحه ومنهجه النظيف الطهور ويعلمكم الكتاب والحكمة وفيها شمول لما سبق من تلاوة الآيات وهي الكتاب ; وبيان للمادة الأصيلة فيه وهي الحكمة والحكمة ثمرة التعليم بهذا الكتاب ; وهي ملكة يتأتى معها وضع الأمور في مواضعها الصحيحة ووزن الأمور بموازينها الصحيحة وإدراك غايات الأوامر والتوجيهات وكذلك تحققت هذه الثمرة ناضجة لمن رباهم رسول الله ص وزكاهم بآيات الله ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون وكان ذلك حقا في واقع الجماعة المسلمة فقد التقطها الإسلام من البيئة العربية لا تعلم إلا أشياء قليلة متناثرة تصلح لحياة القبيلة في الصحراء أو في تلك المدن الصغيرة المنعزلة في باطن الصحراء فجعل منها أمة تقود البشرية قيادة حكيمة راشدة خبيرة بصيرة عالمة وكان هذا القرآن مع توجيهات الرسول المستمدة كذلك من القرآن هو مادة التوجيه والتعليم وكان مسجد رسول الله ص الذي يتلى فيه القرآن والتوجيهات المستمدة من القرآن هو الجامعة الكبرى التي تخرج فيها ذلك الجيل الذي قاد البشرية تلك القيادة الحكيمة الراشدة القيادة التي لم تعرف لها البشرية نظيرا من قبل ولا من بعد في تاريخ البشرية الطويل وما يزال هذا المنهج الذي خرج ذلك الجيل وتلك القيادة على استعداد لتخريج أجيال وقيادات على مدار الزمان لو رجعت الأمة المسلمة إلى هذا المعين ولو آمنت حقا بهذا القرآن ولو جعلته منهجا للحياة لا كلمات تغنى باللسان لتطريب الأذان وفي آخر هذا الدرس يتفضل الله على المسلمين تفضلا آخر وهو يدعوهم إلى شكره ويحذرهم من كفره يتفضل عليهم فيضمن لهم أن يذكرهم إذا هم ذكروه فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون يا للتفضل الجليل الودود الله جل جلاله يجعل ذكره لهؤلاء العبيد مكافئا لذكرهم له في عالمهم الصغير إن العبيد حين يذكرون ربهم يذكرونه في هذه الأرض الصغيرة وهم أصغر من أرضهم الصغيرة والله حين
يذكرهم يذكرهم في هذا الكون الكبير وهو الله العلي الكبير أي تفضل وأي كرم وأي فيض في السماحة والجود فاذكروني اذكركم إنه الفضل الذي لا يفيضه إلا الله الذي لا خازن لخزائنه ولا حاسب لعطاياه الفضل الفائص من ذاته تعالى بلا سبب ولا موجب إلا أنه هكذا هو سبحانه فياض العطاء وفي الصحيح يقول الله تعالى < من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه > وفي الصحيح أيضا قال رسول الله ص قال الله عز وجل < يا ابن آدم إن ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي وإن ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ من الملائكة أو قال في ملأ خير منه وإن دنوت مني شبرا دنوت منك ذراعا وإن دنوت مني ذراعا دنوت منك باعا وإن أتيتني تمشي أتيتك هرولة > إنه ذلك الفضل الذي لا يصفه لفظ ولا يعبر عن شكره الحق إلا سجود القلب وذكر الله ليس لفظا باللسان إنما هو انفعال القلب معه أو بدونه والشعور بالله ووجوده والتأثر بهذا الشعور تأثرا ينتهي إلى الطاعة في حده الأدنى وإلى رؤية الله وحده ولا شيء غيره لمن يهبه الله الوصول ويذيقه حلاوة اللقاء واشكروا لي ولا تكفرون والشكر لله درجات تبدأ بالاعتراف بفضله والحياء من معصيته وتنتهي بالتجرد لشكره والقصد إلى هذا الشكر في كل حركة بدن وفي كل لفظة لسان وفي كل خفقة قلب وفي كل خطرة جنان والنهي عن الكفر هنا إلماع إلى الغاية التي ينتهي إليها التقصير في الذكر والشكر ; وتحذير من النقطة البعيدة التي ينتهي إليها هذا الخط التعيس والعياذ بالله ومناسبة هذه التوجيهات والتحذيرات في موضوع القبلة واضحة وهي النقطة التي تلتقي عندها القلوب لعبادة الله والتميز بالانتساب إليه والاختصاص بهذا الانتساب وهي كذلك واضحة في مجال التحذير من كيد يهود ودسها ; وقد سبق أن الغاية الأخيرة لكل الجهود هي رد المؤمنين كفارا وسلبهم هذه النعمة التي أنعم الله بها عليهم نعمة الإيمان أكبر الآلاء التي ينعم الله بها على فرد أو جماعة من الناس وهي بالقياس إلى العرب خاصة النعمة التي أنشأت لهم وجودا وجعلت لهم دورا في التاريخ وقرنت اسمهم برسالة يؤدونها للبشرية وكانوا بدونها ضائعين ولولاها لظلوا ضائعين وهم بدونها أبدا ضائعون فما لهم من فكرة يؤدون بها دورا في الأرض غير الفكرة التي انبثقت منها ; وما تنقاد البشرية لقوم لا يحملون فكرة تقود الحياة وتنميها وفكرة الإسلام برنامج حياة كامل لا كلمة تقال باللسان بلا رصيد من العمل الإيجابي المصدق لهذه الكلمة الطيبة الكبيرة وتذكر هذه الحقيقة واجب على الأمة المسلمة ليذكره الله فلا ينساها ومن نسيه الله فهو مغمور ضائع لا ذكر له في الأرض ولا ذكر له في الملأ الأعلى ومن ذكر الله ذكره ورفع من وجوده وذكره في
هذا الكون العريض ولقد ذكر المسلمون الله فذكرهم ورفع ذكرهم ومكنهم من القيادة الراشدة ثم نسوه فنسيهم فإذا هم همل ضائع وذيل تافه ذليل والوسيلة قائمة والله يدعوهم في قرآنه الكريم فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون
التوجيه إلى زاد الصبر والصلاة
يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين يتكرر ذكر الصبر في القرآن كثيرا ; ذلك أن الله سبحانه يعلم ضخامة الجهد الذي تقتضيه الاستقامة على الطريق بين شتى النوازع والدوافع ; والذي يقتضيه القيام على دعوة الله في الأرض بين شتى الصراعات والعقبات ; والذي يتطلب أن تبقى النفس مشدودة الأعصاب مجندة القوى يقظة للمداخل والمخارج ولا بد من الصبر في هذا كله لا بد من الصبر على الطاعات والصبر عن المعاصي والصبر على جهاد المشاقين لله والصبر على الكيد بشتى صنوفه والصبر على بطء النصر والصبر على بعد الشقة والصبر على انتفاش الباطل والصبر على قلة الناصر والصبر على طول الطريق الشائك والصبر على التواء النفوس وضلال القلوب وثقلة العناد ومضاضة الاعراض وحين يطول الأمد ويشق الجهد قد يضعف الصبر أو ينفد إذا لم يكن هناك زاد ومدد ومن ثم
يقرن الصلاة إلى الصبر ; فهي المعين الذي لا ينضب والزاد الذي لا ينفد المعين الذي يجدد الطاقة والزاد الذي يزود القلب ; فيمتد حبل الصبر ولا ينقطع ثم يضيف إلى الصبر الرضى والبشاشة والطمأنينة والثقة واليقين إنه لا بد للإنسان الفاني الضعيف المحدود أن يتصل بالقوة الكبرى يستمد منها العون حين يتجاوز الجهد قواه المحدودة حينما تواجهه قوى الشر الباطنة والظاهرة حينما يثقل عليه جهد الاستقامة على الطريق بين دفع الشهوات وإغراء المطامع وحينما تثقل عليه مجاهدة الطغيان والفساد وهي عنيفة حينما يطول به الطريق وتبعد به الشقة في عمره المحدود ثم ينظر فإذا هو لم يبلغ شيئا وقد أوشك المغيب ولم ينل شيئا وشمس العمر تميل للغروب حينما يجد الشر نافشا والخير ضاويا ولا شعاع في الأفق ولا معلم في الطريق هنا تبدو قيمة الصلاة إنها الصلة المباشرة بين الإنسان الفاني والقوة الباقية إنها الموعد المختار لالتقاء القطرة المنعزلة بالنبع الذي لا يغيض إنها مفتاح الكنز الذي يغني ويقني ويفيض إنها الانطلاقة من حدود الواقع الأرضي الصغير إلى مجال الواقع الكوني الكبير إنها الروح والندى والظلال في الهاجرة إنها اللمسة الحانية للقلب المتعب المكدود ومن هنا كان رسول الله ص إذا كان في الشدة قال < أرحنا بها يا بلال > ويكثر من الصلاة إذا حزبه أمر ليكثر من اللقاء بالله إن هذا المنهج الإسلامي منهج عبادة والعبادة فيه ذات أسرار ومن أسرارها أنها زاد الطريق وأنها مدد الروح وأنها جلاء القلب وأنه حيثما كان تكليف كانت العبادة هي مفتاح القلب لتذوق هذا التكليف في حلاوة وبشاشة ويسر إن الله سبحانه حينما انتدب محمدا ص للدور الكبير الشاق الثقيل قال له يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا فكان الإعداد للقول الثقيل والتكليف الشاق والدور العظيم هو قيام الليل وترتيل القرآن إنها العبادة التي تفتح القلب وتوثق الصلة وتيسر الأمر وتشرق بالنور وتفيض بالعزاء والسلوى والراحة والاطمئنان ومن ثم يوجه الله المؤمنين هنا وهم على أبواب المشقات العظام إلى الصبر وإلى الصلاة ثم يجيء التعقيب بعد هذا التوجيه إن الله مع الصابرين معهم يؤيدهم ويثبتهم ويقويهم ويؤنسهم ولا يدعهم يقطعون الطريق وحدهم ولا يتركهم لطاقتهم المحدودة وقوتهم الضعيفة إنما يمدهم حين ينفد زادهم ويجدد عزيمتهم حين تطول بهم الطريق وهو يناديهم في أول الآية ذلك النداء الحبيب يا أيها الذين آمنوا ويختم النداء بذلك التشجيع العجيب إن الله مع الصابرين والأحاديث في الصبر كثيرة نذكر بعضها لمناسبته للسياق القرآني هنا في إعداد الجماعة المسلمة لحمل عبئها والقيام بدورها عن خباب بن الأرث رضي الله عنه قال شكونا إلى رسول الله ص وهو متوسد بردة في ظل الكعبة فقلنا ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا فقال < قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد
ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن الله تعالى هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت فلا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون > وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال كأني أنظر إلى رسول الله ص يحكي نبيا من الأنبياء عليهم السلام ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه وهو يقول < اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون > وعن يحيى بن وثاب عن شيخ من أصحاب النبي ص قال قال رسول الله ص < المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم >
الموازين الصحيحة التي تقدر بها القيم في الجهاد لإقرار منهج الله والآن والجماعة المسلمة في المدينة مقبلة على جهاد شاق لإقرار منهج الله في الأرض ولأداء دورها المقسوم لها في قدر الله ولتسلم الراية والسير بها في الطريق الشاق الطويل الآن يأخذ القرآن في تعبئتها تعبئة روحية وفي تقويم تصورها لما يجري في أثناء هذا الجهاد من جذب ودفع ومن تضحيات وآلام وفي إعطائها الموازين الصحيحة التي تقدر بها القيم في هذه المعركة الطويلة تقديرا صحيحا ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون إن هنالك قتلى سيخرون شهداء في معركة الحق شهداء في سبيل الله قتلى أعزاء أحباء قتلى كراما أزكياء فالذين يخرجون في سبيل الله والذين يضحون بأرواحهم في معركة الحق هم عادة أكرم القلوب وأزكى الأرواح وأطهر النفوس هؤلاء الذين يقتلون في سبيل الله ليسوا أمواتا إنهم أحياء فلا يجوز أن يقال عنهم أموات لا يجوز أن يعتبروا أمواتا في الحس والشعور ولا أن يقال عنهم أموات بالشفة واللسان إنهم أحياء بشهادة الله سبحانه فهم لا بد أحياء إنهم قتلوا في ظاهر الأمر وحسبما ترى العين ولكن حقيقة الموت وحقيقة الحياة لا تقررهما هذه النظرة السطحية الظاهرة إن سمة الحياة الأولى هي الفاعلية والنمو والامتداد وسمة الموت الأولى هي السلبية والخمود والانقطاع وهؤلاء الذين يقتلون في سبيل الله فاعليتهم في نصرة الحق الذي قتلوا من أجله فاعلية مؤثرة والفكرة التي من أجلها قتلوا ترتوي بدمائهم وتمتد وتأثر الباقين وراءهم باستشهادهم يقوى ويمتد فهم ما يزالون عنصرا فعالا دافعا مؤثرا في تكييف الحياة وتوجيهها وهذه هي صفة الحياة الأولى فهم أحياء أولا بهذا الاعتبار الواقعي في دنيا الناس ثم هم أحياء عند ربهم إما بهذا الاعتبار وإما باعتبار آخر لا ندري نحن كنهه وحسبنا إخبار الله تعالى به أحياء ولكن لا تشعرون لأن كنه هذه الحياة فوق إدراكنا البشري القاصر المحدود ولكنهم أحياء أحياء ومن ثم لا يغسلون كما يغسل الموتى ويكفنون في ثيابهم التي استشهدوا فيها فالغسل تطهير للجسد الميت وهم أطهار بما فيهم من حياة وثيابهم في الأرض ثيابهم في القبر لأنهم بعد أحياء أحياء فلا يشق قتلهم على الأهل والأحباء والأصدقاء أحياء يشاركون في حياة الأهل والأحباء والأصدقاء أحياء فلا يصعب فراقهم على القلوب الباقية خلفهم ولا يتعاظمها الأمر ولا يهولنها عظم الفداء
ثم هم بعد كونهم أحياء مكرمون عند الله مأجورون أكرم الأجر وأوفاه في صحيح مسلم < إن أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش فاطلع عليهم ربك إطلاعة فقال ماذا تبغون فقالوا يا ربنا وأي شيء نبغي وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك ثم عاد عليهم بمثل هذا فلما رأوا أنهم لا يتركون من أن يسألوا قالوا نريد أن تردنا إلى الدار الدنيا فنقاتل في سبيلك حتى نقتل فيك مرة أخرى لما يرون من ثواب الشهادة فيقول الرب جل جلاله إني كتبت أنهم إليها لا يرجعون > وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله ص < ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد ويتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة > أخرجه مالك والشيخان ولكن من هم هؤلاء الشهداء الأحياء إنهم أولئك الذين يقتلون في سبيل الله في سبيل الله وحده دون شركة في شارة ولا هدف ولا غاية إلا الله في سبيل هذا الحق الذي أنزله في سبيل هذا المنهج الذي شرعه في سبيل هذا الدين الذي اختاره في هذا السبيل وحده لا في أي سبيل آخر ولا تحت أي شعار آخر ولا شركة مع هدف أو شعار وفي هذا شدد القرآن وشدد الحديث حتى ما تبقى في النفس شبهة أو خاطر غير الله عن أبي موسى رضي الله عنه قال سئل رسول الله ص عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله فقال < من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله > أخرجه مالك والشيخان وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي عرضا من الدنيا فقال < لا أجر له > فأعاد عليه ثلاثا كل ذلك يقول < لا أجر له > أخرجه أبو داود وعنه رضي الله عنه قال قال رسول الله ص < تضمن الله تعالى لمن خرج في سبيل الله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسلي فهو علي ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة والذي نفس محمد بيده ما من كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كلم لونه لون دم وريحه ريح مسك والذي نفس محمد بيده لولا أن أشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله عز وجل أبدا ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة فيتبعوني ويشق عليهم أن يتخلفوا عني والذي نفس محمد بيده لوددت أن اغزو في سبيل الله فأقتل ثم اغزو فأقتل ثم اغزو فأقتل > أخرجه مالك والشيخان فهؤلاء هم الشهداء هؤلاء الذي يخرجون في سبيل الله لا يخرجهم إلا جهاد في سبيله وإيمان به وتصديق برسله ولقد كره رسول الله ص لفتى فارسي يجاهد أن يذكر فارسيته ويعتز بجنسيته في مجال الجهاد عن عبد الرحمن بن أبي عقبة عن أبيه وكان مولى من أهل فارس قال شهدت مع النبي ص أحدا فضربت رجلا من المشركين فقلت خذها وأنا الغلام الفارسي فالتفت إلي النبي ص فقال < هلا قلت وأنا الغلام الأنصاري إن ابن أخت القوم منهم وإن مولى
القوم منهم > أخرجه أبو داود فقد كره له ص أن يفخر بصفة غير صفة النصر للنبي ص وأن يحارب تحت شارة إلا شارة النصر لهذا الدين وهذا هو الجهاد وفيه وحده تكون الشهادة وتكون الحياة للشهداء
ثم يمضي السياق في التعبئة لمواجهة الأحداث وفي تقويم التصور لحقيقة الأحداث ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ولا بد من تربية النفوس بالبلاء ومن امتحان التصميم على معركة الحق بالمخاوف والشدائد وبالجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات لا بد من هذا البلاء ليؤدي المؤمنون تكاليف العقيدة كي تعز على نفوسهم بمقدار ما أدوا في سبيلها من تكاليف والعقائد الرخيصة التي لا يؤدي أصحابها تكاليفها لا يعز عليهم التخلي عنها عند الصدمة الأولى فالتكاليف هنا هي الثمن النفسي الذي تعز به العقيدة في نفوس أهلها قبل أن تعز في نفوس الآخرين وكلما تألموا في سبيلها وكلما بذلوا من أجلها كانت أعز عليهم وكانوا أضن بها كذلك لن يدرك الآخرون قيمتها إلا حين يرون ابتلاء أهلها بها وصبرهم على بلائها إنهم عندئذ سيقولون في أنفسهم لو لم يكن ما عند هؤلاء من العقيدة خيرا مما يبتلون به وأكبر ما قبلوا هذا البلاء ولا صبروا عليه وعندئذ ينقلب المعارضون للعقيدة باحثين عنها مقدرين لها مندفعين إليها وعندئذ يجيء نصر الله والفتح ويدخل الناس في دين الله أفواجا ولا بد من البلاء كذلك ليصلب عود أصحاب العقيدة ويقوى فالشدائد تستجيش مكنون القوى ومذخور الطاقة ; وتفتح في القلب منافذ ومسارب ما كان ليعلمها المؤمن في نفسه إلا تحت مطارق الشدائد والقيم والموازين والتصورات ما كانت لتصح وتدق وتستقيم إلا في جو المحنة التي تزيل الغبش عن العيون والران عن القلوب وأهم من هذا كله أو القاعدة لهذا كله الالتجاء إلى الله وحده حين تهتز الأسناد كلها وتتوارى الأوهام وهي شتى ويخلو القلب إلى الله وحده لا يجد سندا إلا سنده وفي هذه اللحظة فقط تنجلي الغشاوات وتتفتح البصيرة وينجلي الأفق على مد البصر لا شيء إلا الله لا قوة إلا قوته لا حول إلا حوله لا إرادة إلا إرادته لا ملجأ إلا إليه وعندئذ تلتقي الروح بالحقيقة الواحدة التي يقوم عليها تصور صحيح والنص القرآني هنا يصل بالنفس إلى هذه النقطة على الأفق وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون إنا لله كلنا كل ما فينا كل كياننا وذاتيتنا لله وإليه المرجع والمآب في كل أمر وفي كل مصير التسليم التسليم المطلق تسليم الالتجاء الأخير المنبثق من الالتقاء وجها لوجه بالحقيقة الوحيدة وبالتصور الصحيح هؤلاء هم الصابرون الذين يبلغهم الرسول الكريم بالبشرى من المنعم الجليل وهؤلاء هم الذين يعلن المنعم الجليل مكانهم عنده جزاء الصبر الجميل أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون
صلوات من ربهم يرفعهم بها إلى المشاركة في نصيب نبيه الذي يصلي عليه هو وملائكته سبحانه وهو مقام كريم ورحمة وشهادة من الله بأنهم هم المهتدون وكل أمر من هذه هائل عظيم وبعد فلا بد من وقفة أمام هذه الخاتمة في تلك التعبئة للصف الإسلامي التعبئة في مواجهة المشقة والجهد والاستشهاد والقتل والجوع والخوف ونقص الأموال والأنفس والثمرات التعبئة في هذه المعركة الطويلة الشاقة العظيمة التكاليف إن الله يضع هذا كله في كفة ويضع في الكفة الأخرى أمرا واحدا صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون إنه لا يعدهم هنا نصرا ولا يعدهم هنا تمكينا ولا يعدهم هنا مغانم ولا يعدهم هنا شيئا إلا صلوات الله ورحمته وشهادته لقد كان الله يعد هذه الجماعة لأمر أكبر من ذواتها وأكبر من حياتها فكان من ثم يجردها من كل غاية ومن كل هدف ومن كل رغبة من الرغبات البشرية حتى الرغبة في انتصار العقيدة كان يجردها من كل شائبة تشوب التجرد المطلق له ولطاعته ولدعوته كان عليهم أن يمضوا في طريقهم لا يتطلعون إلى شيء إلا رضى الله وصلواته ورحمته وشهادته لهم بأنهم مهتدون هذا هو الهدف وهذه هي الغاية وهذه هي الثمرة الحلوة التي تهفو إليها قلوبهم وحدها فأما ما يكتبه الله لهم بعد ذلك من النصر والتمكين فليس لهم إنما هو لدعوة الله التي يحملونها إن لهم في صلوات الله ورحمته وشهادته جزاء جزاء على التضحية بالأموال والأنفس والثمرات وجزاء على الخوف والجوع والشدة وجزاء على القتل والشهادة إن الكفة ترجح بهذا العطاء فهو أثقل في الميزان من كل عطاء أرجح من النصر وأرجح من التمكين وأرجح من شفاء غيظ الصدور هذه هي التربية التي أخذ الله بها الصف المسلم ليعده ذلك الإعداد العجيب وهذا هو المنهج الإلهي في التربية لمن يريد استخلاصهم لنفسه ودعوته ودينه من بين البشر أجمعين
هذا الموضوع مغلق.
زدني تقى
•
بسم الله الرحمن الرحيم
((كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون * فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون * يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين * ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون * ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)) صدق الله العظيم
((كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون * فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون * يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين * ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون * ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)) صدق الله العظيم
زدني تقى :بسم الله الرحمن الرحيم ((كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون * فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون * يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين * ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون * ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)) صدق الله العظيمبسم الله الرحمن الرحيم ((كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب...
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
( كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم الكتاب ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون *
فاذكروني اذكركم واشكروا لي ولا تكفرون * ياايها الذين امنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين *
ولاتقولوا لمن يقتل في سبيل الله اموات بل احياء ولكن لاتشعرون * ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص
من الاموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين اذا اصابتهم مصيبه قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون *
أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون )
سارونه22 :لا يمكنك مشاهدة هذا التعليق لانتهاكه شروط الاستخدام.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم ءاياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم مالم تكونوا تعلمون (151)
فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون (152)
ياأيها الذين ءامنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين (153)
ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون (154)
ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين (155)
الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون (156)
أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون (157)
كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم ءاياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم مالم تكونوا تعلمون (151)
فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون (152)
ياأيها الذين ءامنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين (153)
ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون (154)
ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين (155)
الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون (156)
أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون (157)
أرجو من الاخوات الكريمات اللاتي يحبون الخير للمسلمين وبنات المسلمين أن يطروحون موضوع عدم الاسراف في فساتين السهرات و المناسبات التي أرهقت كاهل الزوج وجعلت الكثير من الشباب يعزف عن الزواج لان راتبه لا يكاد يغطي النفقات الاساسية.
نريد ان يؤخذ الموضوع بجد لتكوين أسر سعيدة بأذن الله سبحانه وتعالى.
نريد ان يؤخذ الموضوع بجد لتكوين أسر سعيدة بأذن الله سبحانه وتعالى.
الصفحة الأخيرة
المنَاسَبَة: بدأت الآيات الكريمة بمخاطبة المؤمنين، وتذكيرهم بنعمة الله العظمى عليهم، ببعثة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم، بعد أن تحدثت الآيات السابقة عن بني إِسرائيل، وذكرت بالتفصيل نعم الله عليهم التي قابلوها بالجحود والكفران فيما يزيد على ثلث السورة الكريمة، وقد عدّد القرآن الكريم جرائمهم ليعتبر ويتعظ بها المؤمنون، ولما انتهى الحديث عن اليهود بعد ذلك البيان الواضح جاء دون التذكير للمؤمنين بالنعم الجليلة والتشريعات الحكيمة التي بها سعادتهم في الدارين.
اللغَة: { ٱلْكِتَابَ } القرآن العظيم { ٱلْحِكْمَةَ } السنّة النبوية { فَٱذْكُرُونِيۤ } أصل الذكر التنبه بالقلب للمذكور، وسُمّي الذكر باللسان ذكراً لأنه علامة على الذكر القلبي { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ } أصل البلاء المحنة، ثم قد يكون بالخير أو بالشر
{ وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْر فِتْنَةً }
{ مُّصِيبَةٌ } المصيبة: كل ما يؤذي المؤمن ويصيبه في نفسه أو ماله أو ولده { صَلَوَاتٌ } الأصل في الصلاة الدعاء وهي من الله بمعنى الرحمة ومن الملائكة بمعنى الاستغفار.
التفسِير: { كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ } الكلام متعلق بما سبق في قوله
{ وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي }
والمعنى كما أتممت عليكم نعمتي كذلك أرسلت فيكم رسولاً منكم { يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا } أي يقرأ عليكم القرآن { وَيُزَكِّيكُمْ } أي يطهركم من الشرك وقبيح الفعال { وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ } أي يعلمكم أحكام الكتاب المجيد، والسنة النبوية المطهرة { وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } أي يعلمكم من أمور الدنيا والدين الشيء الكثير الذي لم تكونوا تعلمونه { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ } أي اذكروني بالعبادة والطاعة أذكركم بالثواب والمغفرة { وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ } أي اشكروا نعمتي عليكم ولا تكفروها بالجحود والعصيان، روي أن موسى عليه السلام قال: يا رب كيف أشكرك؟ قال له ربه: " تذكرني ولا تنساني، فإِذا ذكرتني فقد شكرتني، وإِذا نسيتني فقد كفرتني " ثم نادى تبارك وتعالى عباده المؤمنين بلفظ الإِيمان ليستنهض هممهم إِلى امتثال الأوامر الإِلهية، وهو النداء الثاني الذي جاء في هذه السورة الكريمة فقال { يَآأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ } أي استعينوا على أمور دنياكم وآخرتكم بالصبر والصلاة، فبالصبر تنالون كل فضيلة، وبالصلاة تنتهون عن كل رذيلة { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } أي معهم بالنصر والمعونة والحفظ والتأييد { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ } أي لا تقولوا للشهداء إنهم أموات { بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ } أي بل هم أحياءٌ عند ربهم يرزقون ولكن لا تشعرون بذلك لأنهم في حياةٍ برزخية أسمى من هذه الحياة { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ } أي ولنختبرنكم بشيءٍ يسير من ألوان البلاء مثل الخوف والجوع، وذهاب بعض الأموال، وموت بعض الأحباب، وضياع بعض الزروع والثمار { وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ } أي بشر الصابرين على المصائب والبلايا بجنات النعيم ثم بيّن تعالى تعريف الصابرين بقوله { ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ } أي نزل بهم كرب أو بلاء أو مكروه { قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } أي استرجعوا وأقروا بأنهم عبيد لله يفعل بهم ما يشاء { أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ } أي أولئك الموصوفون بما ذكر لهم ثناء وتمجيد ورحمة من الله، وهم المهتدون إِلى طريق السعادة.