الورد 37 : من احكام الحج والمشاعر المقدسة
الآيات من 189- 193وتقع في الجزء الثاني من القرآن الكريم
{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ وَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } * { وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم وَأَخْرِجُوهُمْ مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ } * { فَإِنِ ٱنتَهَوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ للَّهِ فَإِنِ ٱنْتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ }
التقييم حتى مساء الجمعة
السؤال عن الأهلة والإشارة إلى وظيفتها
والأن نواجه النصوص القرآنية في هذا الدرس بالتفصيل يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون تقول بعض الروايات إن النبي ص سئل ذلك السؤال الذي أسلفناه عن الأهلة ظهورها ونموها وتناقصها ما بالها تصنع هذا وتقول بعض الروايات إنهم قالوا يا رسول الله لم خلقت الأهلة وقد يكون هذا السؤال في صيغته الأخيرة أقرب إلى طبيعة الجواب فقال الله لنبيه ص دلالة عدول القرآن عن الإجابة العلمية إلى وظيفة الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج مواقيت للناس في حلهم وإحرامهم وفي صومهم وفطرهم وفي نكاحهم وطلاقهم وعدتهم وفي معاملاتهم وتجاراتهم وديونهم وفي أمور دينهم وأمور دنياهم على سواء وسواء كان هذا الجواب ردا على السؤال الأول أو على السؤال الثاني فهو في كلتا الحالتين اتجه إلى واقع حياتهم العملي لا إلى مجرد العلم النظري ; وحدثهم عن وظيفة الأهلة في واقعهم وفي حياتهم ولم يحدثهم عن الدورة الفلكية للقمر وكيف تتم وهي داخلة في مدلول السؤال ما بال القمر يبدو هلالا إلخ كذلك لم يحدثهم عن وظيفة القمر في المجموعة الشمسية أو في توازن حركة الأجرام السماوية وهي داخلة في مضمون السؤال لماذا خلق الله الأهلة فما هو الإيحاء الذي ينشئه هذا الاتجاه في الإجابة لقد كان القرآن بصدد ***** تصور خاص ونظام خاص ومجتمع خاص كان بصدد ***** أمة جديدة في الأرض ذات دور خاص في قيادة البشرية لتنشىء نموذجا معينا من المجتمعات غير مسبوق ; ولتعيش حياة نموذجية خاصة غير مسبوقة ; ولتقر قواعد هذه الحياة في الأرض ; وتقود إليها الناس والإجابة العلمية عن هذا السؤال ربما كانت تمنح السائلين علما نظريا في الفلك ; إذا هم استطاعوا بما كان لديهم من معلومات قليلة في ذلك الحين أن يستوعبوا هذا العلم ولقد كان ذلك مشكوكا فيه كل الشك لأن العلم النظري من هذا الطراز في حاجة إلى مقدمات طويلة كانت تعد بالقياس إلى عقلية العالم كله في ذلك الزمان معضلات من هنا عدل عن الإجابة التي لم تتهيأ لها البشرية ولا تفيدها كثيرا في المهمة الأولى التي جاء القرآن من أجلها وليس مجالها على أية حال هو القرآن إذ القرآن قد جاء لما هو أكبر من تلك المعلومات الجزئية ولم يجيء ليكون كتاب علم فلكي أو كيماوي أو طبي كما يحاول بعض المتحمسين له أن يلتمسوا فيه هذه العلوم أو كما يحاول بعض الطاعنين فيه أن يتلمسوا مخالفاته لهذه العلوم إن كلتا المحاولتين دليل على سوء الإدراك لطبيعة هذا الكتاب ووظيفته ومجال عمله إن مجاله هو النفس الإنسانية والحياة الإنسانية وإن وظيفته أن ينشىء تصورا عاما للوجود وارتباطه بخالقه ولوضع الإنسان في هذا الوجود وارتباطه بربه ; وأن يقيم على أساس هذا التصور نظاما للحياة يسمح للإنسان أن يستخدم كل طاقاته ومن بينها طاقته العقلية التي تقوم هي بعد تنشئتها على استقامة وإطلاق المجال لها لتعمل بالبحث العلمي في الحدود المتاحة للإنسان وبالتجريب والتطبيق وتصل إلى ما تصل إليه من نتائج ليست نهائية ولا مطلقة بطبيعة الحال إن مادة القرآن التي يعمل فيها هي الإنسان ذاته تصوره واعتقاده ومشاعره ومفهوماته وسلوكه وأعماله وروابطه وعلاقاته أما العلوم المادية والإبداع في عالم المادة بشتى وسائله وصنوفه فهي موكولة إلى عقل الإنسان وتجاربه وكشوفه وفروضه ونظرياته بما أنها أساس خلافته في الأرض وبما أنه مهيأ لها بطبيعة تكوينه والقرآن يصحح له فطرته كي لا تنحرف ولا تفسد ويصحح له النظام الذي يعيش فيه كي يسمح له باستخدام طاقاته الموهوبة له ; ويزوده بالتصور العام لطبيعة الكون وارتباطه بخالقه وتناسق تكوينه وطبيعة العلاقة القائمة بين أجزائه وهو أي الإنسان أحد أجزائه ثم يدع له أن يعمل في إدراك الجزئيات والانتفاع بها في خلافته ولا يعطيه تفصيلات لأن معرفة هذه التفصيلات جزء من عمله الذاتي وإني لأعجب لسذاجة المتحمسين لهذا القرآن الذين يحاولون أن يضيفوا إليه ما ليس منه وأن يحملوا عليه ما لم يقصد إليه وأن يستخرجوا منه جزئيات في علوم الطب والكيمياء والفلك وما إليها كأنما ليعظموه بهذا ويكبروه إن القرآن كتاب كامل في موضوعه وموضوعه أضخم من تلك العلوم كلها لأنه هو الإنسان ذاته الذي يكشف هذه المعلومات وينتفع بها والبحث والتجريب والتطبيق من خواص العقل في الإنسان والقرآن يعالج بناء هذا الإنسان نفسه بناء شخصيته وضميره وعقله وتفكيره كما يعالج بناء المجتمع الإنساني الذي يسمح لهذا الإنسان بأن يحسن استخدام هذه الطاقات المذخورة فيه وبعد أن يوجد الإنسان السليم التصور والتفكير والشعور ويوجد المجتمع الذي يسمح له بالنشاط يتركه القرآن يبحث ويجرب ويخطيء ويصيب في مجال العلم والبحث والتجريب وقد ضمن له موازين التصور والتدبر والتفكير الصحيح كذلك لا يجوز أن نعلق الحقائق النهائية التي يذكرها القرآن أحيانا عن الكون في طريقه ل***** التصور الصحيح لطبيعة الوجود وارتباطه بخالقه وطبيعة التناسق بين أجزائه لا يجوز أن نعلق هذه الحقائق النهائية التي يذكرها القرآن بفروض العقل البشري ونظرياته ولا حتى بما يسميه حقائق علمية مما ينتهي إليه بطريق التجربة القاطعة في نظره إن الحقائق القرآنية حقائق نهائية قاطعة مطلقة أما ما يصل إليه البحث الإنساني أيا كانت الأدوات المتاحة له فهي حقائق غير نهائية ولا قاطعة ; وهي مقيدة بحدود تجاربه وظروف هذه التجارب وأدواتها فمن الخطأ المنهجي بحكم المنهج العلمي الإنساني ذاته أن نعلق الحقائق النهائية القرآنية بحقائق غير نهائية وهي كل ما يصل إليه العلم البشري هذا بالقياس إلى الحقائق العلمية والأمر أوضح بالقياس إلى النظريات والفروض التي تسمى علمية ومن هذه النظريات والفروض كل النظريات الفلكية ; وكل النظريات الخاصة بنشأة الإنسان وأطواره ; وكل النظريات الخاصة بنفس الإنسان وسلوكه وكل النظريات الخاصة بنشأة المجتمعات وأطوارها فهذه كلها ليست حقائق علمية حتى بالقياس الإنساني وإنما هي نظريات وفروض كل قيمتها أنها تصلح لتفسير أكبر قدر من الظواهر الكونية أو الحيوية أو النفسية أو الاجتماعية إلى أن يظهر فرض آخر يفسر قدرا أكبر من الظواهر أو يفسر تلك الظواهر تفسيرا أدق ومن ثم فهي قابلة دائما للتغيير والتعديل والنقص والإضافة ; بل قابلة لأن تنقلب رأسا على عقب بظهور أداة كشف جديدة أو بتفسير جديد لمجموعة الملاحظات القديمة وكل محاولة لتعليق الإشارات القرآنية العامة بما يصل إليه العلم من نظريات متجددة متغيرة أو حتى بحقائق علمية ليست مطلقة كما أسلفنا تحتوي أولا على خطأ منهجي أساسي كما أنها تنطوي على معان ثلاثة كلها لا يليق بجلال القرآن الكريم الأولى هي الهزيمة الداخلية التي تخيل لبعض الناس أن العلم هو المهيمن والقرآن تابع ومن هنا يحاولون تثبيت القرآن بالعلم أو الاستدلال له من العلم على حين أن القرآن كتاب كامل في موضوعه ونهائي في حقائقه والعلم ما يزال في موضوعه ينقض اليوم ما أثبته بالأمس وكل ما يصل إليه غير نهائي ولا مطلق لأنه مقيد بوسط الإنسان وعقله وأدواته وكلها ليس من طبيعتها أن تعطي حقيقة واحدة نهائية مطلقة والثانية سوء فهم طبيعة القرآن ووظيفته وهي أنه حقيقة نهائية مطلقة تعالج بناء الإنسان بناء يتفق بقدر ما تسمح طبيعة الإنسان النسبية مع طبيعة هذا الوجود وناموسه الإلهي حتى لا يصطدم الإنسان بالكون من حوله ; بل يصادقه ويعرف بعض أسراره ويستخدم بعض نواميسه في خلافته نواميسه التي تكشف له بالنظر والبحث والتجريب والتطبيق وفق ما يهديه إليه عقله الموهوب له ليعمل لا ليتسلم المعلومات المادية جاهزة والثالثة هي التأويل المستمر مع التمحل والتكلف لنصوص القرآن كي نحملها ونلهث بها وراء الفروض والنظريات التي لا تثبت ولا تستقر وكل يوم يجد فيها جديد
وكل أولئك لا يتفق وجلال القرآن كما أنه يحتوي على خطأ منهجي كما أسلفنا ولكن هذا لا يعني ألا ننتفع بما يكشفه العلم من نظريات ومن حقائق عن الكون والحياة والإنسان في فهم القرآن كلا إن هذا ليس هو الذي عنينا بذلك البيان ولقد قال الله سبحانه سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ومن مقتضى هذه الإشارة أن نظل نتدبر كل ما يكشفه العلم في الآفاق وفي الأنفس من آيات الله وأن نوسع بما يكشفه مدى المدلولات القرآنية في تصورنا فكيف ودون أن نعلق النصوص القرآنية النهائية المطلقة بمدلولات ليست نهائية ولا مطلقة هنا ينفع المثال يقول القرآن الكريم مثلا وخلق كل شيء فقدره تقديرا ثم تكشف الملاحظات العلمية أن هناك موافقات دقيقة وتناسقات ملحوظة بدقة في هذا الكون الأرض بهيئتها هذه وببعد الشمس عنها هذا البعد وبعد القمر عنها هذا البعد وحجم الشمس والقمر بالنسبة لحجمها وبسرعة حركتها هذه وبميل محورها هذا وبتكوين سطحها هذا وبآلاف من الخصائص هي التي تصلح للحياة وتوائمها فليس شيء من هذا كله فلتة عارضة ولا مصادفة غير مقصودة هذه الملاحظات تفيدنا في توسيع مدلول وخلق كل شيء فقدره تقديرا وتعميقه في تصورنا فلا بأس من تتبع مثل هذه الملاحظات لتوسيع هذا المدلول وتعميقه وهكذا هذا جائز ومطلوب ولكن الذي لا يجوز ولا يصح علميا هذه الأمثلة الأخرى يقول القرآن الكريم خلق الإنسان من سلالة من طين ثم توجد نظرية في النشوء والارتقاء لوالاس ودارون تفترض أن الحياة بدأت خلية واحدة وأن هذه الخلية نشأت في الماء وأنها تطورت حتى انتهت إلى خلق الإنسان فنحمل نحن هذا النص القرآني ونلهث وراء النظرية لنقول هذا هو الذي عناه القرآن لا إن هذه النظرية أولا ليست نهائية فقد دخل عليها من التعديل في أقل من قرن من الزمان ما يكاد يغيرها نهائيا وقد ظهر فيها من النقص المبني على معلومات ناقصة عن وحدات الوراثة التي تحتفظ لكل نوع بخصائصه ولا تسمح بانتقال نوع إلى نوع آخر ما يكاد يبطلها وهي معرضة غدا للنقض والبطلان بينما الحقيقة القرآنية نهائية وليس من الضروري أن يكون هذا معناها فهي تثبت فقط أصل نشأة الإنسان ولا تذكر تفصيلات هذه النشأة وهي نهائية في النقطة التي تستهدفها وهي أصل النشأة الإنسانية وكفى ولا زيادة ويقول القرآن الكريم والشمس تجري لمستقر لها فيثبت حقيقة نهائية عن الشمس وهي أنها تجري ويقول العلم إن الشمس تجري بالنسبة لما حولها من النجوم بسرعة قدرت بنحو ميلا في الثانية ولكنها في دورانها مع المجرة التي هي واحدة من نجومها تجري جميعا بسرعة ميلا في الثانية ولكن هذه الملاحظات الفلكية ليست هي عين مدلول الآية القرآنية إن هذه تعطينا حقيقة نسبية غير نهائية قابلة للتعديل أو البطلان أما الآية القرآنية فتعطينا حقيقة نهائية في أن الشمس تجري وكفى فلا نعلق هذه بتلك أبدا ويقول القرآن الكريم أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما ثم تظهر نظرية تقول إن الأرض كانت قطعة من الشمس فانفصلت عنها فنحمل النص القرآني ونلهث لندرك هذه النظرية العلمية ونقول هذا ما تعنيه الآية القرآنية
لا ليس هذا هو الذي تعنيه فهذه نظرية ليست نهائية وهناك عدة نظريات عن نشأة الأرض في مثل مستواها من ناحية الإثبات العلمي أما الحقيقة القرآنية فهي نهائية ومطلقة وهي تحدد فقط أن الأرض فصلت عن السماء كيف ما هي السماء التي فصلت عنها هذا ما لا تتعرض له الآية ومن ثم لا يجوز أن يقال عن أي فرض من الفروض العلمية في هذا الموضوع إنه المدلول النهائي المطابق للآية وحسبنا هذا الاستطراد بهذه المناسبة فقد أردنا به إيضاح المنهج الصحيح في الانتفاع بالكشوف العلمية في توسيع مدلول الآيات القرآنية وتعميقها دون تعليقها بنظرية خاصة أو بحقيقة علمية خاصة تعليق تطابق وتصديق وفرق بين هذا وذاك ثم نعود إلى النص القرآني وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون والارتباط بين شطري الآية يبدو أنه هو المناسبة بين أن الأهلة هي مواقيت للناس والحج وبين عادة جاهلية خاصة بالحج هي التي يشير إليها شطر الآية الثاني في الصحيحين بإسناده عن البراء رضي الله عنه قال كان الأنصار إذا حجوا فجاءوا لم يدخلوا من قبل أبواب البيوت فجاء رجل منهم فدخل من قبل بابه فكأنه عير بذلك فنزلت وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ; ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها ورواه أبو داود عن شعبة عن أبي إسحاق عن البراء قال كانت الأنصار إذا قدموا من سفرهم لم يدخل الرجل من قبل بابه فنزلت هذه الآية وسواء كانت هذه عادتهم في السفر بصفة عامة أو في الحج بصفة خاصة وهو الأظهر في السياق فقد كانوا يعتقدون أن هذا هو البر أي الخير أو الإيمان فجاء القرآن ليبطل هذا التصور الباطل وهذا العمل المتكلف الذي لا يستند إلى أصل ولا يؤدي إلى شيء وجاء يصحح التصور الإيماني للبر فالبر هو التقوى هو الشعور بالله ورقابته في السر والعلن وليس شكلية من الشكليات التي لا ترمز إلى شيء من حقيقة الإيمان ولا تعني أكثر من عادة جاهلية كذلك أمرهم بأن يأتوا البيوت من أبوابها وكرر الإشارة إلى التقوى بوصفها سبيل الفلاح وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون وبهذا ربط القلوب بحقيقة إيمانية أصيلة هي التقوى وربط هذه الحقيقة برجاء الفلاح المطلق في الدنيا والآخرة ; وأبطل العادة الجاهلية الفارغة من الرصيد الإيماني ووجه المؤمنين إلى إدراك نعمة الله عليهم في الأهلة التي جعلها الله مواقيت للناس والحج كل ذلك في آية واحدة قصيرة
تدرج أحكام القتال في الإسلام
بعد ذلك يجيء بيان عن القتال بصفة عامة وعن القتال عند المسجد الحرام وفي الأشهر الحرم بصفة خاصة كما تجيء الدعوة إلى الإنفاق في سبيل الله وهي مرتبطة بالجهاد كل الارتباط وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله ; فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين
ورد في بعض الروايات أن هذه الآيات هي أول ما نزل في القتال نزل قبلها الإذن من الله للمؤمنين الذين يقاتلهم الكفار بأنهم ظلموا وأحس المؤمنون بأن هذا الإذن هو مقدمة لفرض الجهاد عليهم وللتمكين لهم في الأرض كما وعدهم الله في آيات سورة الحج أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ومن ثم كانوا يعرفون لم أذن لهم بأنهم ظلموا وأعطيت لهم إشارة الانتصاف من هذا الظلم بعد أن كانوا مكفوفين عن دفعه وهم في مكة وقيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وكان هذا الكف لحكمة قدرها الله نستطيع أن نحدس بعض أسبابها على سبيل التقدير البشري الذي لا يحصى ولا يستقصى وأول ما نراه من أسباب هذا الكف أنه كان يراد أولا تطويع نفوس المؤمنين من العرب للصبر امتثالا للأمر وخضوعا للقيادة وانتظارا للإذن وقد كانوا في الجاهلية شديدي الحماسة يستجيبون لأول ناعق ولا يصبرون على الضيم وبناء الأمة المسلمة التي تنهض بالدور العظيم الذي نيطت به هذه الأمة يقتضي ضبط هذه الصفات النفسية وتطويعها لقيادة تقدر وتدبر وتطاع فيما تقدر وتدبر حتى لو كانت هذه الطاعة على حساب الأعصاب التي تعودت الاندفاع والحماسة والخفة للهيجاء عند أول داع ومن ثم استطاع رجال من طراز عمر بن الخطاب في حميته وحمزة بن عبد المطلب في فتوته وأمثالهما من أشداء المؤمنين الأوائل أن يصبروا للضيم يصيب الفئة المسلمة ; وأن يربطوا على أعصابهم في انتظار أمر رسول الله ص وأن يخضعوا لأمر القيادة العليا وهي تقول لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ومن ثم وقع التوازن بين الاندفاع والتروي والحماسة والتدبر والحمية والطاعة في هذه النفوس التي كانت تعد لأمر عظيم والأمر الثاني الذي يلوح لنا من وراء الكف عن القتال في مكة هو أن البيئة العربية كانت بيئة نخوة ونجدة وقد كان صبر المسلمين على الأذى وفيهم من يملك رد الصاع صاعين مما يثير النخوة ويحرك القلوب نحو الإسلام ; وقد حدث بالفعل عندما أجمعت قريش على مقاطعة بني هاشم في شعب أبي طالب كي يتخلوا عن حماية الرسول ص أنه عندما اشتد الاضطهاد لبني هاشم ثارت نفوس نجدة ونخوة ومزقت الصحيفة التي تعاهدوا فيها على المقاطعة وانتهى هذا الحصار تحت تأثير هذا الشعور الذي كانت القيادة الإسلامية في مكة تراعيه في خطة الكف عن المقاومة فيما يبدو لنا من خلال دراسة السيرة كحركة ومما يتعلق بهذا الجانب أن القيادة الإسلامية لم تشأ أن تثير حربا دموية داخل البيوت فقد كان المسلمون حينذاك فروعا من البيوت وكانت هذه البيوت هي التي تؤذي أبناءها وتفتنهم عن دينهم ; ولم تكن هناك سلطة موحدة هي التي تتولى الإيذاء العام ولو أذن للمسلمين أن يدفعوا عن أنفسهم يومذاك لكان معنى هذا الإذن أن تقوم معركة في كل بيت وأن يقع دم في كل أسرة مما كان يجعل الإسلام في نظر البيئة العربية يبدو دعوة تفتت البيوت وتشعل النار فيها من داخلها فأما بعد الهجرة فقد انعزلت الجماعة المسلمة كوحدة مستقلة تواجه سلطة أخرى في مكة تجند الجيوش وتقود الحملات ضدها وهذا وضع متغير عما كان عليه الوضع الفردي في مكة بالنسبة لكل مسلم في داخل أسرته هذه بعض الأسباب التي تلوح للنظرة البشرية من وراء الحكمة في كف المسلمين في مكة عن دفع الفتنة والأذى وقد يضاف إليها أن المسلمين إذ ذاك كانوا قلة وهم محصورون في مكة وقد يأتي القتل عليهم لو تعرضوا لقتال المشركين في صورة جماعة ذات قيادة حربية ظاهرة فشاء الله أن يكثروا وأن يتحيزوا في قاعدة آمنة ثم أذن لهم بعد هذا في القتال وعلى أية حال فقد سارت أحكام القتال بعد ذلك متدرجة وفق مقتضيات الحركة الإسلامية في الجزيرة ثم خارج الجزيرة وهذه الآيات المبكرة في النزول قد تضمنت بعض الأحكام الموافقة لمقتضيات الموقف في بدء المناجزة بين المعسكرين الأساسيين معسكر الإسلام ومعسكر الشرك وهي في الوقت ذاته تمثل بعض الأحكام الثابتة في القتال بوجه عام ولم تعدل من ناحية المبدأ إلا تعديلا يسيرا في سورة براءة طبيعة الجهاد في الإسلام ولعله يحسن أن نقول كلمة مجملة عن الجهاد في الإسلام تصلح أساسا لتفسير آيات القتال هنا وفي المواضع القرآنية الأخرى قبل مواجهة النصوص القرآنية في هذا الموضع بصفة خاصة لقد جاءت هذه العقيدة في صورتها الأخيرة التي جاء بها الإسلام ; لتكون قاعدة للحياة البشرية في الأرض من بعدها ولتكون منهجا عاما للبشرية جميعها ; ولتقوم الأمة المسلمة بقيادة البشرية في طريق الله وفق هذا المنهج المنبثق من التصور الكامل الشامل لغاية الوجود كله ولغاية الوجود الإنساني كما أوضحهما القرآن الكريم المنزل من عند الله قيادتها إلى هذا الخير الذي لا خير غيره في مناهج الجاهلية جميعا ورفعها إلى هذا المستوى الذي لا تبلغه إلا في ظل هذا المنهج وتمتيعها بهذه النعمة التي لا تعدلها نعمة والتي تفقد البشرية كل نجاح وكل فلاح حين تحرم منها ولا يعتدي عليها معتد بأكثر من حرمانها من هذا الخير والحيلولة بينها وبين ما أراده لها خالقها من الرفعة والنظافة والسعادة والكمال ومن ثم كان من حق البشرية أن تبلغ إليها الدعوة إلى هذا المنهج الإلهي الشامل وألا تقف عقبة أو سلطة في وجه التبليغ بأي حال من الأحوال ثم كان من حق البشرية كذلك أن يترك الناس بعد وصول الدعوة إليهم أحرارا في اعتناق هذا الدين ; لا تصدهم عن اعتناقه عقبة أو سلطة فإذا أبى فريق منهم أن يعتنقه بعد البيان لم يكن له أن يصد الدعوة عن المضي في طريقها وكان عليه أن يعطي من العهود ما يكفل لها الحرية والاطمئنان ; وما يضمن للجماعة المسلمة المضي في طريق التبليغ بلا عدوان فإذا اعتنقها من هداهم الله إليها كان من حقهم ألا يفتنوا عنها بأي وسيلة من وسائل الفتنة لا بالأذى ولا بالإغراء ولا بإقامة أوضاع من شأنها صد الناس عن الهدى وتعويقهم عن الاستجابة وكان من واجب الجماعة
المسلمة أن تدفع عنهم بالقوة من يتعرض لهم بالأذى والفتنة ضمانا لحرية العقيدة وكفالة لأمن الذين هداهم الله وإقرارا لمنهج الله في الحياة وحماية للبشرية من الحرمان من ذلك الخير العام وينشأ عن تلك الحقوق الثلاثة واجب آخر على الجماعة المسلمة ; وهو أن تحطم كل قوة تعترض طريق الدعوة وإبلاغها للناس في حرية أو تهدد حرية اعتناق العقيدة وتفتن الناس عنها وأن تظل تجاهد حتى تصبح الفتنة للمؤمنين بالله غير ممكنة لقوة في الأرض ويكون الدين لله لا بمعنى إكراه الناس على الإيمان ولكن بمعنى استعلاء دين الله في الأرض بحيث لا يخشى أن يدخل فيه من يريد الدخول ; ولا يخاف قوة في الأرض تصده عن دين الله أن يبلغه وأن يستجيب له وأن يبقى عليه وبحيث لا يكون في الأرض وضع أو نظام يحجب نور الله وهداه عن أهله ويضلهم عن سبيل الله بأية وسيلة وبأية أداة وفي حدود هذه المباديء العامة كان الجهاد في الإسلام وكان لهذه الأهداف العليا وحدها غير متلبسة بأي هدف آخر ولا بأي شارة أخرى إنه الجهاد للعقيدة لحمايتها من الحصار ; وحمايتها من الفتنة ; وحماية منهجها وشريعتها في الحياة ; وإقرار رايتها في الأرض بحيث يرهبها من يهم بالاعتداء عليها قبل الاعتداء ; وبحيث يلجأ إليها كل راغب فيها لا يخشى قوة أخرى في الأرض تتعرض له أو تمنعه أو تفتنه وهذا هو الجهاد الوحيد الذي يأمر به الإسلام ويقره ويثيب عليه ; ويعتبر الذين يقتلون فيه شهداء ; والذين يحتملون أعباءه أولياء
من أحكام القتال في الإسلام
وهذه الآيات من سورة البقرة في هذا الدرس كانت تواجه وضع الجماعة المسلمة في المدينة مع مشركي قريش الذين أخرجوا المؤمنين من ديارهم وآذوهم في دينهم وفتنوهم في عقيدتهم وهي مع هذا تمثل قاعدة أحكام الجهاد في الإسلام وتبدأ الآيات بأمر المسلمين بقتال هؤلاء الذين قاتلوهم وما يزالون يقاتلونهم وبقتال من يقاتلهم في أي وقت وفي أي مكان ولكن دون اعتداء وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين وفي أول آية من آيات القتال نجد التحديد الحاسم لهدف القتال والراية التي تخاض تحتها المعركة في وضوح وجلاء وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم إنه القتال لله لا لأي هدف آخر من الأهداف التي عرفتها البشرية في حروبها الطويلة القتال في سبيل الله لا في سبيل الأمجاد والاستعلاء في الأرض ولا في سبيل المغانم والمكاسب ; ولا في سبيل الأسواق والخامات ; ولا في سبيل تسويد طبقة على طبقة أو جنس على جنس إنما هو القتال لتلك الأهداف المحددة التي من أجلها شرع الجهاد في الإسلام القتال لإعلاء كلمة الله في الأرض وإقرار منهجه في الحياة وحماية المؤمنين به أن يفتنوا عن دينهم أو أن يجرفهم الضلال والفساد وما عدا هذه فهي حرب غير مشروعة في حكم الإسلام وليس لمن يخوضها أجر عند الله ولا مقام ومع تحديد الهدف تحديد المدى
ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين والعدوان يكون بتجاوز المحاربين المعتدين إلى غير المحاربين من الآمنين المسالمين الذين لا يشكلون خطرا على الدعوة الإسلامية ولا على الجماعة المسلمة كالنساء والأطفال والشيوخ والعباد المنقطعين للعبادة من أهل كل ملة ودين كما يكون بتجاوز آداب القتال التي شرعها الإسلام ووضع بها حدا للشناعات التي عرفتها حروب الجاهليات الغابرة والحاضرة على السواء تلك الشناعات التي ينفر منها حس الإسلام وتأباها تقوى الإسلام وهذه طائفة من أحاديث الرسول ص ووصايا أصحابه تكشف عن طبيعة هذه الآداب التي عرفتها البشرية أول مرة على يد الإسلام عن ابن عمر رضي الله عنهما قال < وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله ص فنهى رسول الله ص عن قتل النساء والصبيان > أخرجه مالك والشيخان وأبو داود والترمذي وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ص < إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه > أخرجه الشيخان وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال بعثنا رسول الله ص فقال < إن وجدتم فلانا وفلانا رجلين من قريش فأحرقوهما بالنار > فلما أردنا الخروج قال < كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا وإن النار لا يعذب بها إلا الله تعالى فإن وجدتموهما فاقتلوهما > أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله ص < أعف الناس قتلة أهل الإيمان > أخرجه أبو داود وعن عبد الله بن يزيد الأنصاري رضي الله عنه قال < نهى رسول الله ص عن النهبى والمثلة > أخرجه البخاري وعن ابن يعلى قال غزونا مع عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فأتى بأربعة أعلاج من العدو فأمر بهم فقتلوا صبرا بالنبل فبلغ ذلك أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه فقال سمعت رسول الله ص ينهى عن قتل الصبر فوالذي نفسي بيده لو كانت دجاجة ما صبرتها فبلغ ذلك عبد الرحمن فأعتق أربع رقاب أخرجه أبو داود وعن الحارث بن مسلم بن الحارث عن أبيه رضي الله عنه قال بعثنا رسول الله ص في سرية ; فلما بلغنا المغار استحثثت فرسي فسبقت أصحابي ; فتلقاني أهل الحي بالرنين فقلت لهم قولوا لا إله إلا الله تحرزوا فقالوها فلامني أصحابي وقالوا حرمتنا الغنيمة فلما قدمنا على رسول الله ص أخبروه بالذي صنعت فدعاني فحسن لي ما صنعت ثم قال لي < إن الله تعالى
قد كتب لك بكل إنسان منهم كذا وكذا من الأجر > أخرجه أبو داود وعن بريدة قال كان رسول الله ص إذا أمر الأمير على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله تعالى وبمن معه من المسلمين خيرا ثم قال له < اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا > أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وروى مالك عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال في وصيته لجنده ستجدون قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله فدعوهم وما حبسوا أنفسهم له ولا تقتلن امرأة ولا صبيا ولا كبيرا هرما فهذه هي الحرب التي يخوضها الإسلام ; وهذه هي آدابه فيها ; وهذه هي أهدافه منها وهي تنبثق من ذلك التوجيه القرآني الجليل وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين وقد كان المسلمون يعلمون أنهم لا ينصرون بعددهم فعددهم قليل ولا ينصرون بعدتهم وعتادهم فما معهم منه أقل مما مع أعدائهم إنما هم ينصرون بإيمانهم وطاعتهم وعون الله لهم فإذا هم تخلوا عن توجيه الله لهم وتوجيه رسول الله ص فقد تخلوا عن سبب النصر الوحيد الذي يرتكنون إليه ومن ثم كانت تلك الآداب مرعية حتى مع أعدائهم الذين فتنوهم ومثلوا ببعضهم أشنع التمثيل ولما فار الغضب برسول الله ص فأمر بحرق فلان وفلان رجلين من قريش عاد فنهى عن حرقهما لأنه لا يحرق بالنار إلا الله ثم يمعن السياق في توكيد القتال لهؤلاء الذين قاتلوا المسلمين وفتنوهم في دينهم وأخرجوهم من ديارهم والمضي في القتال حتى يقتلوهم على أية حالة وفي أي مكان وجدوهم باستثناء المسجد الحرام إلا أن يبدأ الكفار فيه بالقتال وإلا أن يدخلوا في دين الله فتكف أيدي المسلمين عنهم مهما كانوا قد آذوهم من قبل وقاتلوهم وفتنوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم إن الفتنة عن الدين اعتداء على أقدس ما في الحياة الإنسانية ومن ثم فهي أشد من القتل أشد من قتل النفس وإزهاق الروح وإعدام الحياة ويستوي أن تكون هذه الفتنة بالتهديد والأذى الفعلي أو بإقامة أوضاع فاسدة من شأنها أن تضل الناس وتفسدهم وتبعدهم عن منهج الله وتزين لهم الكفر به أو الاعراض عنه وأقرب الأمثلة على هذا هو النظام الشيوعي الذي يحرم تعليم الدين ويبيح تعليم الإلحاد ويسن تشريعات تبيح المحرمات كالزنا والخمر ويحسنها للناس بوسائل التوجيه ; بينما يقبح لهم اتباع الفضائل المشروعة في منهج الله ويجعل من هذه الأوضاع فروضا حتمية لا يملك الناس التفلت منها وهذه النظرة الإسلامية لحرية العقيدة وإعطاؤها هذه القيمة الكبرى في حياة البشرية هي التي تتفق مع طبيعة الإسلام ونظرته إلى غاية الوجود الإنساني فغاية الوجود الإنساني هي العبادة ويدخل في نطاقها كل نشاط خير يتجه به صاحبه إلى الله وأكرم ما في الإنسان حرية الاعتقاد فالذي يسلبه هذه الحرية ويفتنه عن دينه فتنة مباشرة أو بالواسطة يجني عليه ما لا يجني عليه قاتل حياته ومن ثم يدفعه بالقتل لذلك لم يقل وقاتلوهم إنما قال واقتلوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم أي حيث وجدتموهم في أية حالة كانوا عليها ; وبأية وسيلة تملكونها مع مراعاة أدب الإسلام في عدم المثلة أو الحرق بالنار ولا قتال عند المسجد الحرام الذي كتب الله له الأمن وجعل جواره آمنا استجابة لدعوة خليله إبراهيم عليه السلام وجعله مثابة يثوب إليها الناس فينالون فيه الأمن والحرمة والسلام لا قتال عند المسجد الحرام إلا للكافرين الذين لا يرعون حرمته فيبدأون بقتال المسلمين عنده وعند ذلك يقاتلهم المسلمون ولا يكفون عنهم حتى يقتلوهم فذلك هو الجزاء اللائق بالكافرين الذين يفتنون الناس عن دينهم ولا يرعون حرمة للمسجد الحرام الذي عاشوا في جواره آمنين فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم والانتهاء الذي يستأهل غفران الله ورحمته هو الانتهاء عن الكفر لا مجرد الانتهاء عن قتال المسلمين أو فتنتهم عن الدين فالانتهاء عن قتال المسلمين وفتنتهم قصاراه أن يهادنهم المسلمون ولكنه لا يؤهل لمغفرة الله ورحمته فالتلويح بالمغفرة والرحمة هنا يقصد به إطماع الكفار في الإيمان لينالوا المغفرة والرحمة بعد الكفر والعدوان وما أعظم الإسلام وهو يلوح للكفار بالمغفرة والرحمة ويسقط عنهم القصاص والدية بمجرد دخولهم في الصف المسلم الذي قتلوا منه وفتنوا وفعلو بأهله الأفاعيل وغاية القتال هي ضمانة ألا يفتن الناس عن دين الله وألا يصرفوا عنه بالقوة أو ما يشبهها كقوة الوضع الذي يعيشون فيه بوجه عام وتسلط عليهم فيه المغريات والمضللات والمفسدات وذلك بأن يعز دين الله ويقوى جانبه ويهابه أعداؤه فلا يجرؤوا على التعرض للناس بالأذى والفتنة ولا يخشى أحد يريد الإيمان أن تصده عنه قوة أو أن تلحق به الأذى والفتنة والجماعة المسلمة مكلفة إذن أن تظل تقاتل حتى تقضي على هذه القوى المعتدية الظالمة ; وحتى تصبح الغلبة لدين الله والمنعة وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين وإذا كان النص عند نزوله يواجه قوة المشركين في شبه الجزيرة وهي التي كانت تفتن الناس وتمنع أن يكون الدين لله فإن النص عام الدلالة مستمر التوجيه والجهاد ماض إلى يوم القيامة ففي كل يوم تقوم قوة ظالمة تصد الناس عن الدين وتحول بينهم وبين سماع الدعوة إلى الله والاستجابة لها عند الاقتناع والاحتفاظ بها في أمان والجماعة المسلمة مكلفة في كل حين أن تحطم هذه القوة الظالمة ; وتطلق الناس أحرارا من قهرها يستمعون ويختارون ويهتدون إلى الله وهذا التكرار في الحديث عن منع الفتنة بعد تفظيعها واعتبارها أشد من القتل هذا التكرار يوحي بأهمية الأمر في اعتبار الإسلام ; وينشىء مبدأ عظيما يعني في حقيقته ميلادا جديدا للإنسان على يد الإسلام ميلادا تتقرر فيه قيمة الإنسان بقيمة عقيدته وتوضع حياته في كفة وعقيدته في كفة فترجح كفة العقيدة كذلك يتقرر في هذا المبدأ من هم أعداء الإنسان إنهم أولئك الذين يفتنون مؤمنا عن دينه ويؤذون مسلما بسبب إسلامه أولئك الذين يحرمون البشرية أكبر عنصر للخير ويحولون بينها وبين منهج الله وهؤلاء على الجماعة المسلمة أن تقاتلهم وأن تقتلهم حيث وجدتهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله وهذا المبدأ العظيم الذي سنه الإسلام في أوائل ما نزل من القرآن عن القتال ما يزال قائما وما تزال العقيدة تواجه من يعتدون عليها وعلى أهلها في شتى العصور وما يزال الأذي والفتنة تلم بالمؤمنين أفرادا وجماعات وشعوبا كاملة في بعض الأحيان وكل من يتعرض للفتنة في دينه والأذى في عقيدته في أية صورة من الصور
وفي أي شكل من الأشكال مفروض عليه أن يقاتل وأن يقتل ; وأن يحقق المبدأ العظيم الذي سنه الإسلام فكان ميلادا جديدا للإنسان فإذا انتهى الظالمون عن ظلمهم ; وكفوا عن الحيلولة بين الناس وربهم ; فلا عدوان عليهم أي لا مناجزة لهم لأن الجهاد إنما يوجه إلى الظلم والظالمين فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين ويسمى دفع الظالمين ومناجزتهم عدوانا من باب المشاكلة اللفظية وإلا فهو العدل والقسط ودفع العدوان عن المظلومين
هذا الموضوع مغلق.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون
وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين
واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين
فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم
وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين .
يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون
وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين
واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين
فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم
وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين .
زدني تقى
•
بسم الله الرحمن الرحيم
((يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون * وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين * واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين * فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم * وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين)) صدق الله العظيم
((يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون * وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين * واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين * فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم * وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين)) صدق الله العظيم
زدني تقى :بسم الله الرحمن الرحيم ((يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون * وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين * واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين * فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم * وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين)) صدق الله العظيمبسم الله الرحمن الرحيم ((يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت...
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
( يسألونك عن الاهله قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بان تاتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى واتوا
البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون * وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لايحب المعتدين *
وقاتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنه اشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام
حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين * فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم * وقاتلوهم حتى لا تكون
فتنه ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين )
الصفحة الأخيرة
{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ } أي يسألونك يا محمد عن الهلاك لم يبدو دقيقاً مثل الخيط ثم يعظم ويستدير ثم ينقص ويدق حتى يعود كما كان؟ { قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ } أي فقل لهم إِنها أوقات لعبادتكم ومعالم تعرفون بها مواعيد الصوم والحج والزكاة { وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا } أي ليس البر بدخولكم المنازل من ظهورها كما كنتم تفعلون في الجاهلية { وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ } أي ولكنَّ العمل الصالح الذي يقرّبكم من الله في اجتناب محارم الله { وَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا } ادخلوها كعادة الناس من الأبواب { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أي اتقوا الله لتسعدوا وتظفروا برضاه { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ } أي قاتلوا لإِعلاء دين الله من قاتلكم من الكفار { وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } أي لا تبدءوا بقتالهم فإِنه تعالى لا يحب من ظلم أو اعتدى، وكان هذا في بدء أمر الدعوة ثم نسخ بآية براءة
{ وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً }
وقيل نسخ بالآية التي بعدها وهي قوله { وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم } أي اقتلوهم حيث وجدتموهم في حلّ أو حرم { وَأَخْرِجُوهُمْ مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ } أي شرّدوهم من أوطانهم وأخرجوهم منها كما أخرجوكم من مكة { وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ } أي فتنة المؤمن عن دينه أشدُّ من قتله، أو كفر الكفار أشد وأبلغ من قتلكم لهم في الحرم، فإِذا استعظموا القتال فيه فكفرهم أعظم { وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ } أي لا نبدءوهم بالقتال في الحرم حتى يبدءوا هم بقتالكم فيه { فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ } أي إِن بدءوكم بالقتال فلكم حينئذٍ قتالهم لأنهم انتهكوا حرمته والبادي بالشر أظلم { كَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ } أي هذا الحكم جزاء كل من كفر بالله { فَإِنِ ٱنتَهَوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي فإِن انتهوا عن الشرك وأسلموا فكفّوا عنهم فإِن الله يغفر لمن تاب وأناب { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ للَّهِ } أي قاتلوا المحاربين حتى تكسروا شوكتهم ولا يبقى شرك على وجه الأرض ويصبح دين الله هو الظاهر العالي على سائر الأديان { فَإِنِ ٱنْتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } أي فإِن انتهوا عن قتالكم فكفوا عن قتلهم فمن قاتلهم بعد ذلك فهو ظالم ولا عدوان إِلا على الظالمين، أو فإِن انتهوا عن الشرك فلا تعتدوا عليهم